الخميس، 30 يوليو 2015

لغة البادية في القرن السادس بعد عصور الاحتجاج:

لغة البادية في القرن السادس بعد عصور الاحتجاج

الأعرابي يُصوّب بأدب

      قال الزمخشري في معجمه أساس البلاغة مادة (موه) 440: ((سمعت بالبادية كوفيّاً يقول لأعرابيّ: كيف ماوان؟ قال: مَيِّهَةٌ، قال أَمْيَهُ مما كانت؟ قال: نعم أَمْوَهُ مما كانت))

      قلت: هذا الأعرابي يسأل الكوفي عن بئر أو ركيّة يقال لها ماوان، يعني ما حالُها؟ فيردّ الأعرابي: مَيِّهةٌ، أي: كثيرةُ الماء (اشتقّها على مثال جَيّدة وطيّبة) فيسأل الكوفي: أهي أَمْيَهُ مما كانت؟ (أي أجود) فيجيب الأعرابي: نعم أمْوَهُ مما كانت (الأعرابي ردّها إلى أصلها الصحيح وهو الواو وصوّب خطأ الكوفي بأدب، وربما غلبته السليقة) ولأنها في لغته بالواو عدل عن الياء إلى الواو فلسانه لا يطاوعه على نطق ما يخالف لغته؛ لأنه ينطق بسليقته، وهذا يُذكّرنا بالأعرابي العُقيليّ الذي كان يحاوره ابن جني ويداوره ويخاتله لينطق بما يخالف لغته فيأبى الأعرابي مخالفة لسانة، لا عن علمٍ لكن عن سليقة، وهذا ما حصل لهذا الأعرابي مع الكوفي الذي قال أَمْيَهُ (جعلها يائية كما تقول أبْيَع من البيع) لكن الأعرابي صححها بأدب أو غلبه لسانه ، فقال: نعم أَمْوَهُ، (لأنها واوية) وهي (أفعل تفضيل)، يعني أنها أصبحت أكثر ماءً.

     وصرفياً أقول: ماوان واوية وجذرها موه، ومَيِّهةٌ على وزن فَيْعِلة، مثل سيّد وميّت، أصلهما: سيوِد وميوِت، فأدغمت الياء في الواو، وكذلك مَيِّهةٌ أصلها: مَيْوِهة، فأدغمت الياء في الواو، وهو موضع إدغام واجب، لالتقاء الواو والياء والسابق منهما ساكن.

     وهذه الحادثة وقعت في مطلع القرن السادس أو أواخر القرن الخامس؛ لأن الزمخشري توفي سنة 538هـ ، وقد نقل قول الأعرابي ودوّنه في معجمه، من غير تحرّج منه، وهو منهج معجمي صحيح، لكنه غير مطبق لدى معجميي القرون الوسطى إلا في القليل النادر. 

     وتفيد هذه الرواية أهمية السماع من (الأعراب) أهل البادية، لنقاء لغتهم في تلك الأزمان، وأنه يمكن أن يستفاد من كلامهم في اللغة، وإن كانت الرواية عنهم بعد عصور الاحتجاج. ومعلوم أن لغة الأعراب هي مادة اللغة في عصور الفصاحة ولم تزل كذلك حتى بعد عصور الفصاحة، على الرغم مما طرأ عليها كغيرها، لكن لهجاتهم تبقى هي الأقرب للفصحى، وعلى اللغويين أن يستفيدوا من كلام الأعراب،  دون خوف، فبأيديهم معايير الفصحى وموازينها. 

      وليت الباحثين اللغويين وطلاب الدراسات العليا يلتفتون إلى البحوث اللغوية الميدانية ويقومون بجولات على مواضع نائية في بادية الجزيرة لمشافهة أهلها من كبار السن، وتسجيل كلامهم صوتيا وتدوينه واستخراج ما فيه من فصيح، وعرضه على المعجم ومعايير العربية.. فثمة بقايا للفصاح في كلامهم، يوشك أكثره أن ينقرض وتفقده العربية.

      ولو قُدّر لصناع المعاجم بعد القرن الرابع (أي في الخامس والسادس والسابع والثامن) مشافهة الأعراب والأخذ عنهم واختيار ما يناسب أقيسة اللغة لجمعوا قدراً وافراً مما فات أسلافهم من صنّاع المعاجم، وحفظوا ألفاظاً نُقدّر أنها دَرَسَتِ اليومَ لعدم تدوينها وذهبت بذهاب أهلها.

عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة
14/ 10/ 1436هـ

الأربعاء، 29 يوليو 2015

يفوت الفائت فيُخَطّئون الصواب: استهدفه:

يفوت الفائت فيُخَطّئون الصواب
استهدفه
      جاء في المخصص لابن سيده عن أبي عُبيد: ((النَّجِيثُ الهَدَفُ، لانْتِصابه واستِقباله، وهو الغَرَض والجمع أغراضٌ، ومنهما استَهْدَفْتُ الشّيءَ واغترضتُه))([1]) أي جعلته هدفاً وغرضاً، وهذا صريح في تعديته، وهي رواية وليس اجتهاداً منه ، وأجازه مصطفى جواد([2])؛ لرواية لنصٍّ من خطبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في شرح نهج البلاغة، في قوله يصف الدنيا: ((العيش فيها مذمومٌ، والأمان فيها معدومٌ، وإنما أهلها أغراضٌ مُستهدِفة، ترميهم بسهامِها، وتُفنيهم بحمامِها))([3]) قال ابن أبي الحديد: ومستهدِفة بكسر الدال-: منتصبة مُهيّأة للرمي، وروي: مستهدَفة بفتح الدال- على المفعولية، كأنها قد استهدفها غيرها أي جعلها هدفا([4]).

       ومع هذا لم يرد هذا الفعل متعديا في معاجمنا، ولم يلتفتوا إلى قول ابن دريد في الجمهرة: ((واستهدفتُ عِرْضَ فُلان، إِذا سبعته ووقعت فيه))([5])، وكأنّهم لم يثقوا فيه على عادتهم في الطعن فيما ينفرد به([6])، وكذلك لم ينقلوا ما في المخصص عن أبي عبيد، وحتى ابن سيده نفسه صاحب المخصص لم ينقله في المحكم([7])، واقتصروا فيه على اللزوم، يقولون: استهدَفَ منك الشيءُ اقترب، واستهدَفَ: انتصب وبرز، وصار غرضا للرمي، ومنه قالوا: من ألّف فقد استَهْدَفَ، أي صار غرضا للنقد، وقالوا: رَكَبٌ مُسْتَهْدِفٌ؛ أي عريض، قال النّابغة الذُّبيانيّ([8]):
وإذا طَعَنْتَ طعَنْتَ فِي مُسْتَهْدِفِ   رابِي المَجَسَّـةِ بالعَبِيِر مُقَرْمَــدِ

     ولذا شاع في كتب التصويب اللغوي تخطئة من يُعدّيه بنفسه([9])، وينُصّون على أنه لازم لا غير، ولما شاع على ألسنة المعاصرين من الكتّاب والمؤلفين تعديته بنفسه بحثه مجمع القاهرة ، وأجاز تعديته، بعد أن نظرت فيه لجنة علمية من أعضاء المجمع ورأت توجيه التعدية على أن السين والتاء فيه للجعل أو الاتخاذ، ورأت أن للمجمع قبول ما يصاغ من الكلمات على صيغة استفعل للدلالة على الجعل أو الاتخاذ([10]) وأجازت نحو قولهم: استهداف المصلحةَ العامة؛ أي: جعلها أو اتخاذها هدفاً، فيجوز: استهدفت النجاح أو الربح فاستهدف لي؛ أي: فأصبح هدفاً لي، واستجمعتُ الأصول فاستجمعت لي؛ أي: تجمّعتْ لي، كما قال العرب: اسْتَنْسَبَني فاسْتَنْسَبْتُ له؛ أي: طالبني بذكر نسبي فذكرتُه له.
     
     وهذا كله لا حاجة له لو أن معاجمنا كاملة، فتعدية هذا الفعل قديمة سماعية، ولا تحتاج إلى قرار، فنص ابن سيده صريح، ولو نقله في المحكم لطارت به المعاجم بعده، ولو رآه مجمع القاهرة في المخصص لكفاه وأغناه عن هذا القرار، فالسماع أقوى من القياس، وينبغي استدراكه وتدوينه في المعاجم لازما ومتعديا.

كتبه: عبدالرزاق الصاعدي
13/ 10/ 1436هـ




[1] المخصص 6/ 68.
[2] في معجم له بعنوان (المعجم المستدرك) ذكروا أنه مات وهو مخطوط في المسوّدة، ثم فقد فيما بعد ونفى ابنه جواد أن يكون لديه. ينظر: الدراسات اللغوية في العراق 39، 40.
[3] نهج البلاغة 303 (بشرح محمد عبده) وانظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4/ 84.
[4] شرح نهج البلاغة 4/ 84، وينظر: الدراسات اللغوية في العراق 40.
[5] الجمهرة (هدف) 2/ 674.
[6] يتردد في معاجمهم وخاصة التهذيب في وصف ألفاظ ينفرد بها ابن دريد بأنها: من ((غرائب ابن دريد)) و((من أعاجيب أبي بكر)) و((هنوات ابن دريد)) و((طرائف ابن دريد)).
[7] وأراه لم يتعمّد إهماله ولكنه فاته كما فاته غيره، فقد رأيته يذكر لغة في المخصص ولا يذكرها في المحكم، لأنه يملي واللغة واسعة وجلّ من لا يسهو أو ينسى أو يغفل.
[8] ديوان النابغة 97.
[9] معجم الصواب 1/ 118.
[10] مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورته الواحدة والثلاثين، الجلسة الثامنة المعقودة في سنة 1965م وينظر: معجم الصواب 1/ 118، وتصحيحات لغوية 311، وأجازه عبدالحق فاضل في مجلة اللسان العربي المجلد 7 الجزء الأول، ذو القعدة 1389هـ / يناير 1970م.

الاثنين، 27 يوليو 2015

مصطلح: اللابؤريّة "الاستيجماتيزم":

مصطلح: اللابؤريّة "الاستيجماتيزم"
مقدمة
       العدسة الكروية هي عدسة يشكِّل سطحها جزءاً من " كرة " ويكون سطحها منتظمَ الانحناء في كل جزءٍ "إن جاز التعبير" و قد يكون السطح مقعراً أو محدباَ.
والعدسة الكروية المحدبة (كما هي الحال في نظام العين البصري الطبيعي) تجمع الضوء في نقطة تسمى البؤرة و تبعد هذه النقطة عن سطح العدسة بمسافة تسمى البعد البؤري و تقصر هذه المسافة كلما زادت قوة العدسة لتصل الى ما يقارب ٢,٥ سم من السطح الأمامي للعين "القرنية" عند الإنسان الطبيعي وهذا الوضع يجعل بؤرة نظام العين البصري على الشبكية، عندها نتمكن من رؤية ما ننظر إليه بوضوح.

العدسة الأسطوانية:
       "اشتق المسمى من الشكل الأسطواني فكأنك أخذت شريحة من أسطوانة، فيكون سطحها محدباً في اتجاه واحد و منبسطاَ بالاتجاه الآخر "لا تكوًّن بؤرة على شكل نقطة كما هي الحال بالعدسة الكروية و إنما تكِّون خطاً بؤريًّا، لذلك لا تتكون صورة واضحة .

الاستجماتيزم ( أو اللابؤرية ):
      في هذه الحالة لا يكون سطح العين كرويًّا منتظماً ويكون التحدب بالاتجاه الرأسي مثلاً أكبر من التحدّب بالاتجاه الأفقي أو العكس أو قد يكون الاختلاف بإتجاه مائل.

     في هذه الحالة يعتبر النظام البصري للعين كما لو كان عبارة عن دمج عدستين أسطوانيتين مختلفتي القوة. لذلك لا يتكون صورة واضحة على الشبكية.

تصنف اللابؤرية كالتالي :
قصر نظر لا بؤري بسيط
قصر نظر لا بؤري مركب
طول نظر بؤري بسيط
طول نظر لا بؤري مركب
لابؤرية مختلطة

     ولتصحيح هذا العيب البصري ( أو العيب الانكساري ) لا بد من إضافة عدسة أسطوانية للعين لتقريب الصورة لتكون على الشبكية لتكون الصورة واضحة إذا كانت اللابؤرية بسيطة و وضع عدسة كروية و أسطوانية إذا كانت اللابؤرية مركبة أو مختلطة.

     العدسة الأسطوانية لها محور (axis) و هو اتجاه السطح الغير محدب (المنبسط) و يعبر عنه من ١ - ١٨٠ درجة عند وصف النظارة الطبية.


    الجزء الأيمن من الصورة يمثل شكل سطح العين في اللابؤرية و يجب وضع عدسة أسطوانية لتسوية أو معادلة عدم الانتظام في كروية سطح العين.

د. سليمان الصالح
12/ 10/ 1436هـ

الأحد، 26 يوليو 2015

فوائت ظنية: المحاترة بمعنى المهاترة

المحاترة بمعنى المهاترة من الفوائت الظنية

        المحاترة بمعنى المهاترة، أي: المجادلة الشديدة، يقولون في منطقة حوالة في سراة غامد وما حولها كسراة زهران: فلان يُحاترني، أي يجادلني.
    وهي لفظة أزدية مسموعة في حوالة غامد وزهران ومنطقة العرضيات بتهامة وكذلك في عمان، وقد تحققت فيها الشروط الثلاثة، ويقرّبها الإبدال بين الهاء والحاء، لقرب المخرج، وهو وارد في كلام العرب، ونظيرها في الإبدال: البهاتر والبحاتر، وكدحه يكدحه كدحا وكدهه يكدهه كدها، وفلان يتفيهق في كلامه ويتفيحق، ويتمدّح الرجل ويتمدّه. فالمهاترة ترجّح صحّة المحاترة، مع سماعها في بيئات أزدية متفرّقة، ويظهر أن الأصل في المحاترة: المهاترة المعجمية، والفعل منها: حاتر يحاتر مثل هاتر يهاتر.

    والمحاترة قرية من قرى اليمن في مديرية عبس بحجّة.

مجمع اللغة الافتراضي
10/ 10/ 1436هـ