الاثنين، 29 سبتمبر 2014

هل الخِشْرُ والخَشير من الفوائت الظنية؟:

هل الخِشْرُ والخَشِير من الفوائت الظنية؟
    الخِشْرُ والخَشيرُ في أغلبِ لهجاتِنا في نجد والحجاز وعسير واليمن بمعنى الشراكة بين اثنين وأكثر، ومنها: خاشرَ زيدٌ عمرا، يخاشرُه، وهو خشيرُه، أي شاركه فهو شريكه.. وردت في الشعرِ الشعبي كثيرا، وهي بهذا المعنى متواترةٌ في أغلبِ لهجاتِنا في بيئاتِنا وقبائلِنا في الجزيرة وربما في خارجِ الجزيرة.
    وجاء في فتاوى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، كلمة خشراء جمعا للخشير،  قال: ((سئل، رحمه الله: عن رجل خاشر خشراء  وطلبوا ضمان أخيه..))([1])
    وذكر العزّاوي في كتاب "عشائر العراق" كلمة (الخِشْر) بمعنى الشراكة،  قال: وعادةُ الركبِ في الغالبِ أن تكونَ الغنائمُ بينَهم (خِشراً)  وقال: الخِشر: أن يتفق الغزو على أن تكون الغنائم لجميع الغزاة([2]).
      وحين نراجع مادة (خ ش ر) في معاجمنا نجد: الخُشار والخُشارة: الرديء من كل شيء، وخص اللحياني به رديء المتاع. والخُشارَةُ والخُشارُ من الشعير: ما لا لُبَّ له وخُشارَةُ الناس وخاشرتهم: سَفَلَتُهم، وخَشَرَ خَشْراً: أَبقى على المائدة الخُشَارَةَ. وخَشَرْتُ الشيء أَخْشِرُه خَشْراً إِذا نَقَّيْتَ منه خُشَارَتَهُ. ومَخاشِرُ المِنْجَلِ: أَسْنانُه.
     وقال ابن فارس([3]) (الخاء والشين والراء) يدلُّ على رداءةٍ ودُونٍ، وذكر بعض المعاني السابقة. قلت: فمن أين جاءت الخشر والمخاشرة بمعنى الشراكة في أغلب اللهجات المعاصرة في جزيرتنا؟ أرى أن تأصيلها أو تفصيحها لا يخرج عن أحد أمرين:
      الأول: أنها متطورة دلالياً من معنى تنقية الشيء من خشارته، فالمتخاشران يُنقّيان شراكتهما حسيا ومعنويا من أجل تحقيق الكسب.
    والثاني: أنه مشتق من مخاشر المنجل ، أي أسنانه، فكأنّ المتخاشرين متساويان في الكسب والخسارة والحقوق والواجبات كأسنان المنجل أو المشط.
وثمة نص في تاج العروس في مادة (خشر) ذُكر فيه (الخشير) بمعنى الشريك. قال الزبيدي في التاج: ((ونقل شيخنا عن بعض الفضلاء، قال: بادية الحجاز يستعملون الخَشِيرَ بمعنى الشريك. قال: ولا أَصل له فيما علمنا. قال شيخُنا: قلت: هو كما قال. قلت (القائل الزَّبيدي): ويمكن أَن يكون من خَشِرَ إِذا شَرِهَ، إذ كل منهما حريص على الربح في التجارة والفائدة، فليتأَمّل))([4])
     فأقول: شيخ الزبيدي هذا هو محمد بن الطيب الفاسي المتوفى سنة 1170هـ نقل له أحد الفضلاء أن الأعراب في بادية الحجاز يقولون الخشير بمعنى الشريك، وأنكرها هذا الفاضل الناقل بأنه لا أصل لها ( أي في الفصيح) وأيّده ابن الطيب الفاسي بقوله: (هو كما قال) أي لا أصل لها في الفصيح، وإنكار ابن الطيب الفاسي إياها أمر غريب فهو اللغوي الحاذق صاحب المؤلفات العديدة في اللغة، فلو تأملها ما أنكرها. لكن الزَّبيديّ حاول أن يربطها بالفصيح بأن تكون من خَشِر إذا شره، إذ كلٌّ من الشريكين حريص على الربح في التجارة والفائدة، وأرى أنه بعيد، وأن الوجهين المذكورين آنفا أقرب مأخذا.
    ويستفاد من نص التاج أن (الخشير) بمعنى الشريك استعمال معروف في بادية الحجاز منذ القرن الثاني عشر من رواية هذه الكلمة، وبطبيعة الحال هي معروفة قبل ذلك، وأرى أنها معروفة منذ أيام الفصاحة وربما منذ العصر الجاهلي لشيوع الكلمة في جزيرة العرب واستعمالها عند أغلب القبائل والبيئات بنفس المعنى، وهي كلمة فصيحة عربية النِّجار،
    وقد تحققت في هذا اللفظ الشروط الثلاثة شرط اللفظ وشرط الدلالة فصلته وثيقة بحياة العرب أيام الفصاحة، والشرط الجغرافي لانتشار هذا الفعل في بيئات متعددة وقبائل متفرقة في الحجاز ونجد وشرق الجزيرة  مما يجعلني أرجح أنه من الفوائت الظنية، ولم يتوقف في أمرها ابن الطيب الفاسي إلا لأنه لم يجدها في المعاجم، وكم فات المعاجم؟!
----------

[1] ينظر: فتاوى ومسائل (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الرابع) للشيخ محمد بن عبد الوهاب 1/ 80.
 محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206هـ)
المحقق: صالح بن عبدالرحمن الأطرم، محمد بن عبدالرزاق الدويش
[2] عشائر العراق 102.
[3] المقاييس 2/185.
[4] التاج (خشر)

عبدالرزاق بن فراج الصاعدي 
5/ 12/ 1435هـ
المدينة المنورة

الأحد، 28 سبتمبر 2014

مسودة القرار الرابع عشر: مصطلح (تهامة الحرمين):

مسودة القرار الرابع عشر
مصطلح (تهامة الحرمين)
القرار في ذيل المسودة 
معنى المصطلح والحاجة إليه:
      تهامةُ غورٌ ذو استطالة محصور بين سلسلة جبال السروات والبحر الأحمر، فيمتد على رأي بعض الجغرافيين محاذيا لساحل البحر الأحمر من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله بينه وبين جبال السراة في اليمن وعسير والحجاز، وقد يخصصون بعض أجزاء تهامة فيقولون: (تهامة اليمن) و(تهامة عسير) و(تهامة الحجاز) وربما خصصوا جزءا أصغر فقالوا: تهامة الباحة أو تهامة بلقرن.
     ومن هذا التعريف والتعيين والتخصيص الجغرافي جاء مصطلح: (تهامة الحرمين) والإضافة هنا  بمعنى اللام وتفيد التعيين والتعريف، للحاجة إلى حصر قطعة أصغر من تهامة الكبرى، وهو أكثر تعيينا وتحديدا من مصطلح تهامة الحجاز، فثمة حاحة للتعيين بسبب طول الحجاز.
    وتهامة الحرمين هي الغور الواقع بين جبال السراة العالية في الحجاز وسيف البحر الأحمر، مما يحاذي الحرمين، فتبدأ من الشعيبة جنوباً مروراً بجدة ورابغ ومستورة والرايس والجار وتنتهي في ينبع وتشمل المدن والقرى والأودية الواقعة في غور تهامة كمكة والجموم وعسفان وخليص وقديد والجحفة والأبواء وكُليّة والأودية التي تصب في البحر في هذا الجزء التهامي (وحدود تهامة الحرمين تظهر في الخارطة المرافقة)
     والغرض من هذا المصطلح تعريف هذا المكان الجغرافي وتحديده للجغرافيين والبلدانيين ورواة اللهجات؛ وتحديد الموضع المراد من تهامة الكبرى.

الخلاف في حدود تهامة الكبرى:
       نقل ياقوت وغيره أن تِهامة سُمّيت بهذا الاسم لشدّة حرّها وركود ريحها، وهي من التَّهَم، وهو شدّة الحرّ وركود الريح، يقال: تَهِمَ الحرُّ إذا اشتدّ. ويقال: سميت بذلك لتغير هوائها، يقال: تَهِمَ الدهنُ إذا تغير ريحه، وحكى الزياديّ عن الأصمعيّ أنه قال: التّهمة الأرض المتصوبة إلى البحر، وكأنه مصدر من تهامة([1])

      وفي حدود تهامة تباينت آراء البلدانيين والجغرافيين واضطربت، ويمكن تلخيص آرائهم في خمسة أقوال متباينة، أولها رأيٌ يقف بتهامة عند مكة، وثانيها يوصلها إلى منتصف المسافة بين الحرمين، وثالثها ينتهي بها عند المدينة (أي بموازاة المدينة) ورابعها يصل بها إلى حرة ليلى بخيبر، والخامس يصل بها إلى خليج العقبة. واليكم التفصيل والأقوال:

الرأي الأول:  وهو القول بأن تهامة تنتهي عند مكة:
     قال المدائني فيما نقله عنه ياقوت: ((تهامة من اليمن، وهو ما أصحر منها إلى حدٍّ في باديتها ومكة من تهامة، وإذا جاوزت وَجْرة وغَمْرة والطائف إلى مكة فقد أتهمت، وإذا أتيت المدينة فقد جَلّست))([2])
     وقال ابن حوقل: ((وأمّا تهامة فإنّها قطعة من اليمن، جبال مشتبكة أوّلها مشرف على بحر القلزم ممّا يلى غربيّها وشرقيّها بناحية صعدة وجرش ونجران، وشماليّها حدود مكّة))([3])

والرأي الثاني: وهو القول بأن تهامة تصل إلى منتصف المسافة بين مكة والمدينة من جهة الغور:
    نقل ياقوت عن الأصمعي أنه قال: طرف تهامة من قبل الحجاز مدارج العرج وأول تهامة من قبل نجد ذات عرق. المدارج: الثنايا الغلاظ([4]). ومعلوم أن العرج واد عظيم ينحدر إلى البحر من جبال الحجاز بين مكة والمدينة، وصفها البكري بأنها قرية جامعة على طريق مكة من المدينة، قلت: والعرج قريب السقيّا ومن جبلي ثافل الأكبر وثافل الأصغر، وذكر البلادي أنه من ديار صبح من حرب.
       وقال لُغدة الأصفهاني: ((إذا خرجت من المدينة فأنت منجد، إلى أن تتصوّب في مدارج العرَجْ، فإذا تصوّبت فيها فقد أتهمت إلى مكة.
     ويقول أهل المدينة: أخذت التِّهامية أم النجدية؟ فالتهامية التي على عسفان والجُحفة، والنجدية التي على طريق الرَّبذة))([5])

      ونقل ياقوت عن الشرقي بن القطامي أنه قال: ((تهامة إلى عرق اليمن إلى أسياف البحر إلى الجحفة وذات عرق))([6]) ومعلوم أن الجحفة إلى الشرق من رابغ وهي ميقات أهل الشام وتقع في منتصف المسافة المحاذية لما بين مكة والمدينة مائلة إلى جهة البحر، إلى الشرق من رابغ.
      ونجد في بعض أقوال البكري في معجم ما استعجم أن تهامة تصل إلى منتصف الطريق بين مكة والمدينة، قال البكري في مقدمته: ((أما تهامة فإنك إذا هبطت من الأُثاية إلى الفرع وغيقة إلى طريق مكة، إلى أن تدخل مكة: تهامة، إلى ما وراء ذلك من بلاد عَكّ، كلها تهامة، والمجازة وعليِّب وقَنَونى ويَزّن، كلها تهامة؛ وأنت إذا انحدرت من ثنايا ذات عرق متهمٌ إلى أن تبلغ البحر. وكذلك إذا تصوّبتَ في ثنايا العرج إلى أقصى بلاد بني فزارة أنت متهم. فإن جاوزت إلى أرض كلب فأنت بالجِناب))([7])
     وقال البكري في رسم تهامة: ((طرف تهامة من قبل الحجاز: مدارج العَرْج؛ وأولها من قبل نجد: مدارج ذات عرق))([8])
     وربما اقتصر بعضهم على عسفان بين مكة والمدينة، قال ياقوت: ((وقال بعضهم: نجد من حد أوطاس إلى القريتين ثم تخرج من مكة فلا تزال في تهامة حتى تبلغ عسفان بين مكة والمدينة، وهي على ليلتين من مكة))([9])

والرأي الثالث: وهو القول بأن تهامة تصل إلى محاذاة المدينة:
    ويمثل هذا الرأي عَرّام بن الأصبغ السُّلميّ وأبو الأشعث الكندي، ويتضح ذلك من أقوال عَرّام هذا (وهو من علماء القرن الثاني الهجري) في كتابه: (أسماء جبال تهامة وأوديتها وسكانها وما فيها من القرى) وهو يرى أن الجبال الواقعة في منحدرات جبال السراة إلى الغرب من المدينة هي من تهامة ومنها رضوى بالقرب من ينبع، ومواضع في وادي الصفراء، وكذلك المواضع الواقعة جهة الجنوب الغربي من المدينة مما يطل على البحر.
     وذكر عرام أن أول جبال تهامة (رضوى) من ينبع على يوم، ومن المدينة على سبع مراحل ميامنة طريق المدينة([10]) وذكر مواضع تهامية هي مما يقع في الغور في مثلث بين المدينة وينبع ورابغ مثل غيقة وثافل الأكبر وثافل الأصغر والقاحة وسيالة والجيّ وجبل قُدس (يسمى الآن أُدْقُس) وجبل آرة والفُرع والأبواء([11]) وهذه كلها في كتاب عرام السلمي واقعة في تهامة.
وذكر مثلَ هذا ما رواه أبو الأشعث الكندي فيما نقل عنه الحازمي في كتاب (الأماكن) في رسم ينبع وجبل رضوى وثافل وغيرها مما يوافق ما يراه عرّام السلمي([12])  
      وقال البكري ((رضوى جبل ضخم من جبال تهامة  قال السكوني أملى عليَّ أبو الأشعث عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الكندي قال أملى علي عرام بن أصبغ السلمي أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى والمياه وما تنبت من الأشجار  فأولها رضوى وهي من ينبع على يوم ومن المدينة على سبع مراحل))([13])

والرأي الرابع: وهو القول بأن تهامة تصل إلى محاذة خيبر وحرة ليلى:
     قال عمارة بن عقيل: ما سال من الحرّتين حرّة سليم وحرّة ليلى فهو تهامة والغور حتى يقطع البحر([14]) قلت: حرة سليم بين الحرمين، وحرّة ليلى شمال المدينة في نواحي خيبر.
      وقال لغدة الأصفهاني: ((ما سال من الحرّتين حرّة بني سليم وحرّة ليلى فهو الغور حتى يقطع البحر))([15]) ومعلوم أن الغور هو تهامة في عرف البلدانيين.

والرأي الخامس: وهو القول بأن تهامة تمتد إلى خليج العقبة:
      وهو رأي المتّسعين في حدود تهامة، الذين يرون أنها تبدأ من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، على طول ساحل البحر الأحمر في جزيرة العرب وتمتد تهامة عندهم محاذية لكامل الساحل الشرقي للبحر الأحمر، محصورة بينه وبين ما ارتفع من جبال السراة.
     قال ياقوت في رسم تهامة: ((قال أبو المنذر تهامة تساير البحر، منها مكة، قال: والحجاز ما حجز بين تهامة والعروض))([16]) ويظهر من قوله: أن تهامة ممتدة مسايرة للبحر وأن الحجاز يحجز بينها وبين العروض أن تهامة ممتدة كذلك.
     ويشبه هذا قول لُغْدة الأصفهاني: ((الحجاز من تخوم صنعاء من العبلاء وتبالة إلى تخوم الشام، وإنما سمي حجازا لأنه حجز بين تهامة ونجد، فمكة تهامية، والمدينة حجازية، والطائف حجازية))([17])  
      وذكر الهمداني أن ((جبل السراة -وهو أعظم جبال العرب وأذكرها- أقبلَ من قُعْرة اليمن حتى بلغ أطرافَ بوادي الشام فسمته العرب حجازاً لأنه حجز بين الغور وهو هابط وبين نجد وهو ظاهر فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعكٍّ وحكم وكنانة وغيرها ودونها إلى ذات عرق والجحفة وما صاقبها، وغار من أرضها - الغور غور تهامة وتهامة تجمع ذلك كله))([18])
     وقال عبدالسلام هارون محقق كتاب (أسماء جبال تهامة وأوديتها) لعرّام: ((تهامة كلمة يختلف مدلولها اختلافا شديدا، فهي تمتد طولا ما بين عدن إلى تخوم الشام مسايرة لشاطئ البحر)) وقال: ((ولعل أصدق دليل على هذا ما ذكره عرّام في صدر كتابه أن أول جبال تهامة هو رضوى، وهو من ينبع على يومٍ))
وقال عبدالسلام هارون: ((على أن اللغة تعيننا عونا تاما في هذه القضية، إذ إن اشتقاق تهامة من التَّهَم وهو تغير الريح وركودها وشدة الحر فالامتداد الساحلي من جنوب اليمن إلى تخوم الشام هو الذي تصدق عليه هذه التسمية))([19])
     وقال عاتق البلادي بعد أن ساق أقوال الجغرافيين المتفاوتة، ومنهم ياقوت: ((كل ما تقدم لا يخرج عن الصواب، غير أنه يشوبه كثرة التكرار وعدم دقة التحديد فكاتبوه بعيدون عن تهامة، ويأتون حاجّين فلا يرون منها إلا ما حول مكة، وتهامة: كل ما بين البحر والسراة من قُعر عدن جنوبا إلى العقبة شمالا. وعكس تهامة الجلس، وهو ما سال ماؤه في الجهة الأخرى من السراة. والسراة سلسلة من الجبال تمتد من من اليمن قرب صنعاء محاذية البحر الأحمر من الشرق بينهما تهامة، فتظل تسايره حتى تتصل بجبال الكرك في الأردن))([20])
     وقال البلادي في كتاب آخر له: ((أحسن تحديد لتهامة هو: أنها تلك الأرض المنكفئة إلى البحر الأحمر من الشرق، من العقبة في الأردن إلى المخا في اليمن، ففي اليمن تسمى تهامة اليمن... وفي الحجاز تسمى تهامة الحجاز، وهي أضيق أرضا وأقل مياها، ومنها مكة المكرمة، وجدة، والعقبة))([21])
    وما ذهب إليه عبدالسلام هارون وعاتق البلادي تؤيده (موسوعة أسماء الأماكن في المملكة العربية السعودية) فقد جاء فيها: ((السهل الساحلي للبحر الأحمر (سهول تهامة): يطلق اسم تهامة على السهل الساحلي الممتد على طول البحر الأحمر، والتلال السفحية المجاورة له، وهو يكوّن منطقة انتقالية ضيقة بين رفّ البحر الأحمر وجبال الجرف العالية إلى جهة الشرق، ويشتد ضيق السهل الشاطئ في الشمال، حيث يختفي شمال دائرة عرض 27 شمالا، ويتسع تدريجيا باتجاه الجنوب، إذ يبلغ اقصى اتساع له حوالي 40 كيلو متر بالقرب من مدينة جازان، ويطلق على سهل تهامة أسماء محلية مثل: تهامة عسير وتهامة الشام، ويتميز هذا السهل –خاصة في جزئه الحنوبي- بأودية شديدة الانحدار ، وكثرة المسطحات الملحية (السبخات) المحاذية للساحل))([22])

الفرق بين تهامة الحجاز وتهامة الحرمين:
ورد مسمى (تهامة الحجاز) في عدد من المصادر، من أقدمها (صفة جزيرة العرب) للهمداني([23])، وهي تمتد من مكة إلى نهاية الحجاز شمالا، وهي جزء من تهامة الكبرى، والحجاز عندهم طويل، يراه بعضهم من مكة إلى تبوك، قال البكري: ((تبوك من الحجاز))([24]) ويراه بعضهم ممتدا مع امتداد جبال السراة. قال البكري: ((جبل السراه هو الحد بين تهامة ونجد، وذلك أنه أقبل من قُعرة اليمن... حتى بلغ أطراف بوادي الشام، فسمته العرب حجازا))([25])
والراجح أن الحجاز يمتد من الطائف ومكة إلى خليج العقبة شمالا.
أما تهامة الحرمين فهي جزء من تهامة الحجاز، فهي جزء من الجزء. ومكة واقعة في تهامة الحجاز، أما المدينة ففي قلب الحجاز، في الجلس، فتكون خارج تهامة، وتهامة من غربها حين تنخفض الأودية ويبدأ الغور التهامي، ومعلوم أن ما بين مكة والمدينة مما يلي الغور والساحل واقع في تهامة، لذا دل مصطلح (تهامة الحرمين) على ذلك الغور التهامي الواقع بين مكة والمدينة، مما يلي البحر، ولا يلزم من المصطلح أن تكون المدينة واقعة في تهامة، فالإضافة للتعريف والتعيين، كإضافة تهامة للحجاز، فالحجاز كالمدينة لا يقع في تهامة، لأن الحجاز هو جبال السراة العالية التي تحجز بين تهامة ونجد أو العروض، وهي (أي السراة) لا تقع في تهامة، ولكن المراد تهامة المحاذية للحجاز من جهة البحر، فصح القول: (تهامة الحرمين) للدلالة على جزء أصغر من تهامة الحجاز، وهو ما وقع في الغور مما يحاذي الغور المستطيل بين الحرمين. ولذا فإن تهامة الحرمين جزء من تهامة الحجاز، والعلاقة بينهما علاقة الخاص بالعام. 
وننتهي من هذا كله إلى أن الغور المحاذي لما بين الحرمين الواقع بين جبال السراة والبحر الأحمر كله من تهامة، ويصح أن يخصص بالإضافة فيقال: تهامة الحرمين كما صح قولهم: تهامة اليمن وتهامة عسير وتهامة الحجاز، بل قالوا: تهامة الباحة وتهامة النماص وتهامة الطائف، وربما نجدهم يجزّئون في تهاماتٍ صغرى كتهامة الطائف، فيقولون: تهامة السَّفايين أو السُّفيانيين أو تهامة آل ساعد. وكما جازت التجزئة في تهامة باعتبار المكان الأصغر جاز أخذ شريحة متناسقة منها  وتسميتها، والتناسق هنا في تهامة الحرمين مستفاد من الحرمين وطبيعة المكان السكان.

القرار المقترح: تهامة الحرمين:
 (( يرى مجمع اللغة الافتراضي صحة مصطلح (تهامة الحرمين) الذي أطلقة أعضاء المجمع في مناقشاتهم اللغوية في السنتين الماضيتين، وأن الإضافة للتخصيص، ليدل هذا المصطلح المكاني على منطقة الغور المحاذية للحرمين وما بينهما مما يقع بين جبال السراة وسيف البحر الأحمر.
ويبدأ الحد الجنوبي لتهامة الحرمين من منطقة الشعيبة وينتهي في منطقة ينبع شمالا. ومكة واقعة في تهامة الحرمين والمدينة خارجة؛ لأنها في الجلس من جبال السراة.
وعند إرادة التخصيص لأجزاء من تهامة الحرمين يمكن أن يقال:
شمال تهامة الحرمين فيعنى ينبع وجبل رضوى ووادي الصفراء وبدر وما صاقبها.
ويقال: وسط تهامة الحرمين فيعنى رابغ والجحفة والأبواء وما صاقبها
ويقال: جنوب تهامة الحرمين ويعني مكة والشعيبة وجدة وعسفان وخليص وما صاقبها.
وكذلك يمكن أن إضافة تهامة إلى إحدى المدينتين المقدستين، فيقال: تهامة مكة وتعني ما حولها من تهامة من الشعيبة جنوبا إلى إلى قديد ورابغ، وتهامة المدينة وتعنى ما يصاقبها من تهامة في جهة ينبع ووادي الصفراء وجبل رضوى وبدر والجار والعَرْج والأَبواء ووادي الفُرْع. 
ومن شأن هذا المصطلح (تهامة الحرمين) أن يعين البلدانيين والمؤرخين واللغويين على التعبير عن مرادهم حين يرغبون في تعيين قطعة من تهامة الكبرى وتحديدها لغرض جغرافي أو تاريخي أو لغوي، لاستطالة تهامة الكبرى وتنوع سكانها ولهجاتها، ولا يغني مصطلح (تهامة الحجاز) عن مصطلح (تهامة الحرمين) لطول الحجاز وقصر منطقة الحرمين، ولا يتعارض معه أيضا.
وتتلخص أهداف هذا القرار في:
1-  تحديد مجال جغرافي مؤتلف الطبيعة والسكان من تهامة الكبرى.
2- رفع اللبس والتداخل بين أجزاء تهامة الكبرى.
3- خدمة الباحثين في الجغرافيا والتاريخ وأصحاب رحلات الحج.
4- خدمة الباحثين اللغويين ورواة اللهجات.
5- التفريق بين مصطلحي تهامة الحجاز وتهامة الحرمين فالأول عام والثاني خاص.
6- أن هذا الاسم (المصطلح) يخدم الباحثين دون أن يُفرض عليهم، فللباحث الحق في استعماله أو تركه والبحث عن بديل يلبي حاجته.

والله ولي التوفيق والتسديد))

وكتبه المشرف على مجمع اللغة الافتراضي
4 ذو الحجة 1435هـ الموافق 28 سبتمبر 2014م.




[1] ينظر: معجم ما استعجم 1/ 322  ومعجم البلدان 2/ 63.
[2] معجم البلدان 2/ 63.
[3] صورة الأرض 36.
[4] ينظر معجم البلدان 2/ 63.
[5] بلاد العرب 339، 340.
[6] معجم البلدان 2/ 63.
[7] معجم ما استعجم 1/ 13.
[8] معجم ما استعجم 1/ 322.
[9] معجم البلدان 2/ 63.
[10]  أسماء جبال تهامة 2/ 396.
[11] ينظر أسماء جبال تهامة (نوادر المخطوطات) 2/ 396- 406.
[12] ينظر: الأماكن أو (ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة) 1/ 78، 91، 106، 107، 448، 470، 511، 524، 2/ 816، 878.
[13] معجم ما استعجم 2/ 655.
[14] معجم البلدان 2/ 63.
[15] بلاد العرب 14.
[16] معجم البلدان 2/ 63.
[17] بلاد العرب 14
[18] صفة جزيرة العرب 58.
[19] نوادر المخطوطات 2/ 374.
[20] معجم معالم الحجاز 2/50.
[21] معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية 66.
[22] موسوعة أسماء الأماكن في المملكة العربية السعودية 1/ 55.
[23] ينظر: صفة جزيرة العرب 332 بتحقيق محمد بن علي الأكوع.
[24] معجم ما استعجم 1/ 12.
[25] معجم ما استعجم 1/ 10.