الأحد، 27 سبتمبر 2015

من الفوائت الظنية: ولّعتِ النارُ:

من الفوائت الظنية: ولّعتِ النارُ

        يقولون: وَلَّعِ النَّارَ: أَشْعِلْها، والنارُ وَلّعتْ، وأُولعت، وهي مُولّعة ووالعة، شائعة في كثير من اللهجات، مسموعة مستفيضة في كل جزيرة العرب حجازها ونجدها وعسيرها وتهامتها وشمالها وشرقها ويمنها وعمانها، وكذلك في فلسطين والعراق والشام.
     ولم تذكرها المعاجم القديمة بهذا المعنى باستثناء التاج، الذي وصفها بأنها من كلام العامة، قال: ((واستعملتِ العامَّةُ الوَلَعُ بمعنى: الشَّوْق والتَّوْلِيعَ بمعنى: إيقاد النّار، وبمعنى: التَّثْوِيق)). وتأثر بقوله البستاني فقال: ((وبعض العامّة يستعملها بمعنى القَبْسَة من النّار، ويقولون: وَلَّعِ النّارَ؛ أي: أشعلْها)).
      ونص التاج مهم في إعطائها بعدا تاريخيا، فهي ليست حادثة في زماننا، ولكننا لا نوافقه في حكمه عليها بأنها من كلام العامة، فحكمه مبني على سماعه في زمانه، ولأنه لم يجدها في المعاجم قبله وحين سمعها من الناس ظنها عامية. والأظهر أنها عربية صحيحة، متطورة دلاليا من بعض دلالات ما جاء في جذر ولع، تطوراً قديماً، أو قريبا من عصور الاحتجاج، وفي اشتقاقها أوجه محتملة:
  الأول: أن تكون من معنى الانتشار، فمن معاني التوليع: الانتشار، والعرب تستخدم ولع لانتشار شيء في شيء، تقول: وَلّع جسدُه؛ أي: انتشر فيه البَهَق (البرص) ومنه اشتقت دلالة انتشار النار في الحطب وانتشار الضوء في المكان.
الثاني أن يكون من انتشار اللون الأبيض في الجسد، وهو البهق والبرص، قال ابن فارس في معنى الجذر (ولع) الواو واللَام والعَينُ: كلمتانِ تَدُلُّ إِحداهما على اللَّهَج بالشّيء، والأُخرى على لونٍ من الألوان.
فالأُولَى قولهم: أُولِعْتُ بالشَيء وَلُوعًا... والأُخرَى قولهم للمُلَمَّعِ مُوَلَّعٌ. والتَّوْلِيعُ: اسْتِطَالَةُ البَلَقِ. وفي اللسان: التوليع: التلميع من البرص وغيره، وفرس مولّع: تلميعه مستطيل، وهو الذي في بياض بَلَقِه استطالة وتفرّق.. ورجل مولّع: أبرص، وأنشد لرؤبة:
كأنها في الجلد توليع البهق
ويقال: ولّع الله جسده أي برّصه.
الثالث: أن تكون من أصول اللغات العروبية (السامية) القديمة، وذكر الدكتور سالم الخماش أن ولع في معنى أشعل موجودة أيضا في بعض الساميات القديمة، كالإثيوبية، يقولون:  walla?a  ولّع أشعل، أضاء، وهذا يدل على قدمها. ويؤيد هذا ما ذكرناه في الوجهين الأول والثاني.
وننتهي من هذا إلى القول بأن ولّع النار بمعنى أشعلها من الفوائت الظنية، تحققت فيها الشروط الثلاثة ومعيار رابع مرجح هو معيار اللغات (العروبية) السامية.

كتبه عبدالرزاق الصاعدي
14/ 12/ 1436هـ


الخميس، 17 سبتمبر 2015

تصحيح رسم الهمز وتسهيله:

تصحيح رسم الهمز وتسهيله

أ‌. محمد العلالي

     لرسم الهمز مذاهب كثيرة, قديمة ومحدثة, أما القديمة فلم تقعد على نحو واضح سهل, وأهمل العمل بها عند المتأخرين, وأما المحدثة ففيها من التناقض والقصور شيء كثير, فأردت أن أحيي المذهب القديم بعد تقعيده وتسهيله, وهو قائم على ركنين:

[1] الركن الأول: ترسم الكلمة المهموزة على صورة التخفيف القياسي المذكور في كتب النحو, وهو موافق لوقف حمزة على الهمز -إلا في المواضع التي يراعي فيها رسم المصحف مما جاء شاذا- ثم تضاف الهمزة إلى تلك الصورة كما هي.
[2] الركن الثاني: كراهة توالي الأمثال.

    وحتى لا ندخل في متاهة التخفيف صُغْتُ ما يقتضيه على هذه القواعد:
[1] ننظر إلى الهمزة والحرف الذي قبلها من حيث الحركة والسكون, والهمزة المتطرفة تعطى حكم السكون دائما, لأنها ترسم على الوقف.
[2] السكون من جهة والحركات من جهة أخرى متكافئان, والسابق هو الأقوى, فإن سبق السكون كتبت الهمزة على السطر إن لم يتصل الحرفان, وعلى سن إن اتصلا, وإن سبقت الحركات كتبت الهمزة على ما يناسب تلك الحركات, فالفتح على ألف, والضم على واو, والكسر على ياء.

الأمثلة مع التفسير والخلاف مع المذاهب الأخرى:

أولا- السكون يسبق الحركات:
= دفْءْ: الهمزة ساكنة لأنها متطرفة, وما قبلها ساكن أيضا, لذلك تكتب على السطر (لا خلاف)
= دفْئِه: الهمزة متحركة (لا داعي لتحديد الحركة) سبقت بسكون, ترسم على سن لاتصال الفاء بالهاء (لا خلاف, ولكن التفسير مختلف: الكسر أقوى من السكون, ويناسبه الياء بحسب مذهبهم)
= دفْئَه/مسْئَلة: الهمزة متحركة (لا داعي لتحديد الحركة) سبقت بسكون, ترسم على سن لاتصال الفاء بالهاء(يوجد خلاف, ترسم هكذا: دفأه/مسألة لأن الفتح أقوى من السكون, ويناسبه الألف بحسب مذهبهم)
= دفْئُه/مسْئُول: الهمزة متحركة (لا داعي لتحديد الحركة) سبقت بسكون, ترسم على سن لاتصال الفاء بالهاء (يوجد خلاف, ترسم هكذا: دفؤه/مسؤول -بعضهم يكتبها: مسئول, ولكن بتعليل ءاخر- لأن الضم أقوى من السكون, ويناسبه الواو بحسب مذهبهم)

والياء والواو اللينتان ساكنان حقيقيان, بخلاف المديتين, فهما ملحقتان بحركاتهما:
= سَمَوْءَل: (لازم قاعدة المحدثين يقتضي كتابتها هكذا: سموأل, ولكنهم يجعلونها من الشاذ)
= هَيْئة (لازم قاعدة المحدثين يقتضي كتابتها هكذا: هيأة, ولكنهم يجعلونها من الشاذ)

ثانيا- الحركات تسبق السكون:
= بَأْس (لا خلاف)
= بُؤْس (لا خلاف)
= بِئْس (لا خلاف)
= شاطِئْ (ساكنة للوقف) (لا خلاف)
= تَبَرُّؤْ (ساكنة للوقف) (لا خلاف)
= مبتدَأْ (ساكنة للوقف) (لا خلاف)

[3] إذا كانت الهمزة متحركة وكذلك ما قبلها فالأمر على هذا النحو -المتطرفة لا تدخل هنا, فهي من حالات السكون فقط-:
1- الضم والكسر أقوى من الفتح مطلقا سواء أكانا قبله أم بعده, وسواء أكانت الحركات طويلة أم قصيرة:
الأمثلة: فُؤَاد, بَؤُس, بَئِس, مِئَة, مَاؤُه, مَائِه (لا خلاف, ولكن أحرف العلة في هذا المذهب لها حكم الحركة التي هي منها, فماؤه في الاعتبار مثل مَؤُه, وكذلك مائِه مثل مَئِه)
2- الكسر أقوى من الضم مطلقا, سواء أكان قبله أم بعده, وسواء أكانت الحركات طويلة أم قصيرة: الأمثلة: سُئِل, سُوئِل, شانِئُه, هنِيئُه (لا خلاف, ولكن أحرف العلة في هذا المذهب لها حكم الحركة التي هي منها, فسُئِل في الاعتبار مثل سُوئِل, وكذلك هنيئُه مثل هَنِئُه)

[4] إذا سبب تطبيق القواعد السابقة تكرار ألفين أو واوين أو ياءين, حذف الذي يمثل الهمزة, ورسمت على السطر أو على سن بحسب اتصال ما قبلها بما بعدها, ويشترط هنا أن يكون أحد المثلين مديا, أما إذا كانا غير مديين فلا كراهة.
الأمثلة:
= رؤوس: رءوس/ فُؤُوس: فُئُوس (ـئـ سن)
= رئيس: رءيس/ بئيس: بئيس (ـئـ في الأولى ياء, وفي الثانية سن)
= رَأَاسة: رءاسة/ كأابة: كَئَابة (ـئـ سن)
= أاخر: ءاخر
= تَبَوُّؤ: تبوء
= تبوؤًا: تبوُّؤًا (لا تحذف واو الهمزة لأن شرط الكراهة أن يكون أحد المثلين مديا)
= سَيِّئ: سَيِّء
= سيئة: سيئة (لا تحذف ياء الهمزة لأن شرط الكراهة أن يكون أحد المثلين مديا, ولاتصال الحرفين فلا قيمة لهذا هنا)
= قُرُوؤًا: قروءًا
= دنيئًا: دنيئًا (ـئـ في الأولى ياء, وفي الثانية سن)
= خَطَأًا: خَطَئًا (من مقتضيات القاعدة)
= سماأًا: سماءًا (من مقتضيات القاعدة)


أ‌. محمد العلالي
سوريا
5/ 12/ 1436هـ 

الاثنين، 7 سبتمبر 2015

خرجتُ بَرّا ودخلتُ جُوّا:

خرجتُ بَرّا ودخلتُ جُوّا

       يقولون في أغلب البلاد العربية: اطلعْ برّا، وخرجتُ برّا، وجلسنا برّا، بمعنى الخارج، وهو من البَرّ الخلاء، عكس الداخل، وبعضهم في الحجاز وغيرها يقولون: برّهْ، وفي الإمارات وعمان وجنوب اليمن يقولون برّع، وفي مقابله يقولون: ادخلْ جُوّا، أو جُوّه، ومن أمثالهم: ((من بَرّا اللهْ اللهْ ومن جُوّا يعلم الله)) فما أصل ذلك؟
     هذا استعمال قديم يرجع للقرن الثاني أو الثالث، جاء في العين: البّرُّ: خلافُ البَحرِ، ونقيضُ الكِنِّ، تقول: خَرَجْت برّاً وجَلَسْتُ برّا، على النّكرة تستعمله العرب)) وهذا يعنى أن صاحب العين لا ينكره، فهو يراه عربيا محضا، لقوله: تستعمله العرب، وأورده الصاحب في المحيط (برر) قال: ((خرجتُ برًا، وهو ضد الكِنّ))، وله شاهد من الرجز ذكره ابن درستويه في تصحيح الفصيح 310، وهو قوال الراجز (وهو أبو فرعون الأعرابي كما في أخلاق الوزيرين):
أُريدُ جَوّا ويُريـدُ بَرّاً 
كأنما أُسعِطَ شيئاً مُرّا
        ولم يكن هذا الاستعمال محل اتفاق على صحته عن العرب، فأنكره بعضهم، ولعل الأزهري في التهذيب أول من أنكر فصاحته وقال إنه من كلام المولدين، وهو مولع بنقد الليث (يعدّه صاحبَ العين) فنراه هنا بعد إيراده ما في العين معزوّا لليث يعقّب عليه بقوله: ((قلت: وهذا من كلام المولدين، وما سمعته من فصحاء العربِ البادية))، ونقلها عنه بعض المعجميين المتأخرين كابن منظور والمرتضى الزَّبيدي.
     ولكن طائفة من العلماء قبلوه ولم ينكروه، منهم الصاحب بن عبّاد كما تقدم، والخطيب الإسكافي في مختصر العين1210، في قوله: ((والبَرّ نقيض الكِنّ، والعرب تستعمله على النكرة، فتقول: جلستُ بَرّاً، وخرجت برّاً)) ، والزمخشري في قوله الأساس (برر): ((وجلست برّاً وخرجت برّاً، إذا جلس خارج الدار أو خرج إلى ظاهر البلد... ويقال: أُريدُ جَوّا ويُريـدُ بَرّاً؛ أي: أريد خُفْيةً وهو يريد عَلانية))، والعوتبي الصُّحاري العماني في قوله في الإبانة 2/ 224: ((البرّ نقيض الكِنّ. خرجتُ براً وجلستُ براً على النكرة وتستعمله العرب)).
      ولأبي بكر الزبيدي كلام في استعمال ملحون منه، ذكره في لحن العامة 111، قال: ((يقولون: جئتُ من برَّا والصواب: جئت من برٍّ وذهبت برًّا، والبر خلاف الكِنّ، وهو أيضا ضد البحر)) ومثل هذا في تثقيف اللسان لمكّي الصقلّي 121 وتقويم اللسان لابن الجوزي 81، وبعض كتب لحن العامّة التي لم أذكرها.
       ولأحمد رضا في رد العامّي إلى الفصيح كلام لم يخلُ من تأثّر بكلام الأزهري، قال: ((هذا من كلام المولدين، وهو قديم وربما اتصل بالعصور الإسلامية الأولى، ولكنه لا يعدّ من فصيح الكلام، نصّ على ذلك صاحب اللسان))، ولم يذكر علة لغوية.
      وبرّا -في قولهم: خرجت برّاً- ظرفُ مكان، ووزنه (فَعْلاً) وهو استعمال صحيح، والعامة في زماننا يقفون عليه بالألف، فيقولون: بَرّا،كأنها عندهم ألف مقصورة (برّى) ، وبعضهم يقف عليه بهاء السكت، فيقول: برّه، وهي مسموعة في الحجاز والعراق ومصر، ويتوّهم بعضهم أنها ألف منقلبة عن همزة، فيقلبها عينا على سبيل العنعنة، وهذا لحن صرفي، فلا يصح إبدال ألف التنوين حرفا صحيحا، وهذا الإبدال غيّرَ مادّة الكلمة، ووزنها، فمادتها (برع) ووزنها (فَعّلٌ) ولم أجده في أوزان الأسماء، وفيها فِعّل كقِنّب ودِنّم، أما شمّر -وإن كان من هذا- فهو منقول من الفعل مثل يزيد.  ثم ابتعد بهذا اللفظ بعضهم عن أصله فصاغه على فعّال وأدخل عليه أل التعريف، وقال: البرّاعي؛ أي: الخارجي، وهو من كلام العامة في البحرين.
       وبرّا هذه يقابلها جَوّاً دخلتُ جَوّا، ضدّ خرجتُ برّا، وهذا من الجَوّ ، وجَوُّ كل شيء باطنه وداخله، ولكن العامة في زمانا يضمّون الجيم فيقولون: جُوّا، ولعله من تأثير الواو المتصلة بالجيم.  وتذكر المعاجم أنهم قالوا في عصور الإسلام: جَوّانيّ وبَرّانيّ، وجاءت في أثر رووه منسوباً لسلمان الفارسي رضي الله عنه، وهو: إنَّ لكُلِّ امرىءٍ جَوّانِيًّا وبَرَّانِيًّا فمن يُصلِحُ جَوّانِيَّه يُصلِح اللهُ بَرَّانِيَّه، ومن يُفسدُ جَوّانِيّه يُفْسِدُ اللهُ بَرّانيَّه. وهما من المنسوب على غير قياس.

 عبدالرزاق الصاعدي
3 / 12/ 1436هـ
المدينة المنورة

الجمعة، 4 سبتمبر 2015

القرار التاسع عشر: إجازة مصطلح "اللغات العُرُوبية" مرادفاً لمصطلح "اللغات السامية ":

القرار التاسع عشر

إجازة مصطلح "اللغات العُرُوبية" مرادفاً لمصطلح "اللغات السامية "

بعد الاطلاع على مشروع القرار التاسع عشر والأوراق الثلاث المقدمة من الأساتذة الفضلاء أعضاء المجمع، وما فيها من حجج وعلل متكافئة، والاطلاع على مداخلات أعضاء اللجنة والأعضاء الكرام، والاطلاع على نتيجة التصويت يرى المجمع: ((إجازةَ مصطلح "اللغات العُرُوبية" مرادفاً لمصطلح "اللغات السامية" ويرى صحة المزاوجة بين المصطلحين على صور الاستعمال الأربع:
1- اللغات السامية أو الساميّات.
2- اللغات العُرُوبيةّ أو العُروبيّات.
3- اللغات السامية (العُرُوبية).
4- اللغات العُرُوبية (السّاميّة).
وأن يُترك للأوساط العلمية والثقافية والإعلامية أن تختار ما تراه من المزاوجة أو الانتصار لأحد المصطلحين. والمزاوجة بين المصطلحات عرف علمي قديم، حين ينظر إلى المسمى من زاويتين، وفي تاريخنا شيء من المزاوجة بين مصطلحات علمية شهيرة، كالنعت والصفة، والجرّ والخفض، والتصغير والتحقير، والنفي والجحد، وهي مصطلحات ناجحة ساعدت الكتاب والشعراء على التنويع اللفظي الذي يحتاجونه، مع المحافظة على صحة المدلول الاصطلاحي))

وكانت نتيجة التصويت للجنة العلمية كا يأتي:

أولا: أجازت اللجنة العلمية القرار بالأغلبية، (للجنة 70% في الحكم على القرار) وفيما يأتي تفاصيل التصويت:

أعضاء اللجنة الذين أدلوا بأصواتهم: 16 عضوا، وتفصيل أصواتهم كما يأتي:
13 صوتا أجازت القرار.
صوت واحد رفض القرار.
صوت واحد أجاز الصيغة الثالثة وهي: اللغات السامية (العُروبية) فقط.
صوت اقترح تعديل القرار  وهو يرى اللغات الجزرية.

أسماء أعضاء اللجنة وأصواتهم:
    
  1-    د. عبدالله بن محمد العتيبي = مقبول.
  2-   د. عبدالرحمن بن عيسى الحازمي = مقبول.
  3-  د. إبراهيم بن سالم الصاعدي = مقبول.
  4-   د. سالم الخماش = الصوت: يقبل الفقرة رقم 3.
  5-   د. أحمد بن سعيد قشاش = مقبول.
  6-  م. نواف البيضاني = مقبول.
  7-  د. عبدالملك آل الشيخ = مقبول.
  8-  أ. سلطان العميمي = مقبول.
  9-   د. رياض الدخيل = الصوت: مرفوض.
  10- د. عبدالعزيز بن صالح العمري = مقبول.
  11-   د. عبدالله السفياني = مقبول.
  12-   د. محمد بن راجي الصاعدي = مقبول
  13-   د. مكين بن حوفان القرني = مقبول.
  14-   أ. تركي الغنامي = يقترح اللغات الجزرية.
  15-    أ. محمد العلالي =  مقبول.
  16-   د. خالد أبو حكمة = مقبول.


ثانيا: حصل القرار على الأغلبية أيضا في التصويت العام لأعضاء المجمع ومتابعيه وزواره، وهو قياس للذوق العام. ولهذه الفئة 30% في التأثير على القرار.

*****
مسودة القرار التاسع عشر

مفاضلة بيين مصطلحي (اللغات السامية) و(اللغات العُرُوبية)

     طلب بعض الباحثين من مجمع اللغة الافتراضي أن ينظر في مصطلح ((اللغات العُرُوبية)) ويفتي في أمره وإمكانية أن يكون بديلا لمصطلح ((اللغات السامية)) أو مرادفا له على الأقل، فجاءت فكرة أن يطرح أمر المفاضلة بين المصطلحين على بساط البحث في مشروع قرار للمجمع، ويعرض على لجنة علمية متخصصة. وطلب المجمع من بعض الأساتذة الكرام المعنيين بأمر المصطلح وهم: الدكتور سالم الخماش والدكتور أحمد بن سعيد قشاش والمهندس نواف البيضاني أن يُعِدُّوا أوراقاً علمية ترشد اللجنة لاتخاذ القرار الأمثل، وإليكم الأوراق الثلاثة:

الورقة الأولى:
اللغات السامية أم العُرُوبية

أعدها: الدكتور سالم الخمّاش

    ظهر في الآونة الأخيرة دعوات من بعض المتخصصين في فقه اللغة واللغات السامية إلى استبدال مصطلح "اللغات العُرُوبية" بمصطلح "اللغات السامية"، أي تتغيير مصطلح الساميّات إلى العُرُوبيات، وقبل أن نتكلم عن مسوغات هذا التغيير، نود أن نستعرض سريعا تاريخ هذه القضية. "اللغات السامية" مصطلح أطلقه شلوتزر Schlözer على عدد من اللغات الآسيوية، وهي: العربية، والعبرية، والآرامية. وقد وقع اختياره سنة 1780م على مصطلح السامية نسبة إلى سام، أحد أبناء نوح عليه السلام، الذي ورد ذكره في التوراة. ويعود فضل شيوع هذا المصطلح إلى Eichhorn أيكورن الذي كرره في مقالته التي حملت عنوان: اللغات السامية ونُشرت عام 1795م. وكانت تُدعى هذه اللغات من قبل في أوساط المستشرقين باللغات الشرقية، وكان هذا مصطلحا واسع المعنى يشمل عددا من اللغات من عائلات مختلفة. ووجد العلماء المهتمون بلغات الشرق الأدنى في مصطلح اللغات السامية بغيتهم؛ لأنه أكثر تحديدا وانسجاما مع المعطيات العرقية في هذه المنطقة. وبالطبع كان هناك مآخذ على هذا الاصطلاح؛ لأن بعض متكلمي هذه اللغات كانوا يعدون بحسب سلالات العهد القديم أقواما ليسوا من أبناء سام بن نوح كالكنعانيين والسبئيين الذين تصنفهم التوراة على أنهم من أبناء حام. وقد رأى بعض العلماء مثل Prichard بريكارد (1813م) تغيير المصطلح إلى اللغات "السوريوالعربية"، ولكنه لم يصل إلى درجة شيوع "السامية". وقد شاع مصطلح السامية عند اللغويين وفقهاء اللغة في العصر الحديث، ولم يشعر كثير منهم بأي غضاضة في استعماله في هذا المجال. ولكن هناك فئة لم ترض عن هذا الاصطلاح، ولعل من أوائل الذين أثاروا هذه القضية عباس محمود العقاد (إبراهيم أبو الأنبياء: 126) واقترح إطلاق مصطلح "العربية القديمة"، وذكر أحمد قدور (مدخل إلى فقه اللغة العربية: 49) أنّ طه باقر قد اقترح تسميتها باللغات العربية القديمة، وذهب البهبيتي بعيدا معتبرا السومريين (شعب غير سامي عرقا ولغة) عربا وملحمتهم المشهورة ﮔلـﮔامش ملحمة عربية (قدور:49)، وجاء بعد ذلك محمد خليفة التونسي بمصطلح اللغات العُرُوبية، معللا ذلك بأن العروبة هي الصفة التي تربط بين جميع الشعوب المهاجرة من جزيرة العرب، ولأن العربية هي أقرب هذه اللغات إلى اللغة (السامية) الأولى. 

     وفي رأيي أنّ هذه الحجج قائمة على أمور ظنية؛ لأنّ شعوب الهلال الخصيب وإن كانوا يتكلمون لغات تعود في أصلها إلى الجزيرة العربية إلاّ أننا لا نملك ما يؤكد أنهم جاؤوا من هذه المنطقة لسبب بسيط هو احتمال أنهم تحولوا من لغاتهم القديمة إلى لغات الغزاة الساميين.

    وعندما نتأمل في أبعاد هذه المسألة علينا ألا ننشغل بدقة المصطلح؛ نقول ذلك لأن المصطلح (كما يدل لفظه) ما هو إلا رمز لتصور ما، ولا يعني بالضرورة أنه يجب أن يطابق ذلك التصور أو ذلك الواقع. ولو حاكمنا مصطلحات كثيرة في العلوم والفنون على مقياس مطابقة الواقع أو التاريخ لاضطررنا إلى تغيير ما يربو على 90% منها. خذ مثلا مصطلح العروض؛ هل ينبئ بشكل واضح عن هذا العلم، وكذلك لو راجعنا مصطلحات: النحو، والمعجم، .. وإلخ لوجدنا أنها بحاجة إلى إعادة النظر فيها؛ إذن المصطلحات ما هي إلا رموز مرتبطة بملابسات نشوئها، وتقييمها يجب أن ينصب على شيوعها ومدى عمليتها. ولوعدنا إلى مصطلح اللغة السامية لوجدنا أنه قد مضى عليه 235  سنة . وأود أن أذكر في السطور التالية بعض النقاط المهمة التي تجعلنا نفضل مصطلح اللغات السامية على غيره:

1-  ليس هناك مأخذ ديني أو تاريخي يحظر أو يشير إلى كراهة استعمال لفظ السامية، بل إنّ هناك في التراث ما يشير إلى أن العرب من ذرية  سام بن نوح، وبرغم أن كتب اليهود تحاول أن تستثني بعض الأقوام من سلالة سام بن نوح لأهداف عنصرية إلا أن علماء الساميات والأعراق يميلون إلى أن العرب هم العنصر المهم من بين هذه الشعوب.

2- يجب التمسك بهذا المصطلح اللغوي لأن الدوائر الصهيونية في الغرب تحاول جهدها الاستحواذ عليه وجعله مقصورا عليهم فقط، ويطلقون على نقاد إسرائيل والصهيونية anti-Semitism ضد السامية.

3- مصطلح "السامية" هو الأكثر شيوعا في أوساط علماء اللغة عربا وعجما، وهذا مؤشر مهم جدا على مدى عمليته وعدم غموضه، واستعمال مصطلح كالعُرُوبية سيصدم بفكرة العروبة كمفهوم قومي مما يجعله غامضا وغير محدد المعنى.

4- إدخال مصطلح العروبية سيفاقم من مشكلة تضخم المصطلحات التي يعاني منها معجم العلوم والفنون في العربية، والتي كثيرا ما تعيق البحث العلمي لأنها لا تضيف إلا إبهاما وعدم وضوح، ووجود مصطلح واحد متداول وشائع - وإن كان معتلا - أفضل من أربعة أو أكثر؛  لأن الكثرة في هذا الباب لا تضيف إلا قلة في الفهم.

4- التسمية والاصطلاح حق معنوي وفكري لأول من بدأ العلم أو النظرية أو المخترع، وشلوتزر هو أول من وضع هذا المصطلح لهذه العائلة اللغوية، واستعمله من بعده علماء الساميات الذين فكوا رموز هذه اللغات وقرؤوا نقوشها ، ووضعوا قواميسها، ونحوها، واستمر نشاطهم على ما يربو على 250 سنة في هذا المجال، ونحن العرب عالة عليهم في هذا الحقل، ولا يُعقل أبدا أن نأتي في زمن متأخر ونصرّ - بناء على مواقف قومية - أن نغيّر المصطلح إلى العربية أو العروبية.

5- لفظ عرب الذي يدعو البعض إلى اشتقاق العروبية منه لفظ متأخر، وقد ورد في بعض النقوش الآشورية يُطلق على بعض الفئات الرعوية في غرب العراق، ويظن بعضهم أنهم كانوا قبائل عربية وآرمية. ولكن هذا اللفظ لم يكن شائعا عند العرب أنفسهم إلا قُبيل البعثة، ثم هل كان يُطلق هذا اللفظ على هذه البقعة (جزيرة العرب) في زمن تبلور اللغة السامية الأولى؟ لا أظن أن لدينا ما يؤكد ذلك، وفي نظري أن إطلاق اسم متأخر على أقوام قديمة سيكون مدعاة للتندر، كما هو الحال عندما وصف أحدهم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم "سعودي". علينا أن أخذ في الاعتبار أن النسب يكون للأب أو للمكان الأقدم وليس الأدنى.

6- أرى أنّ حظوظ انتشار مصطلح "العروبية" ضئيلة جدا؛ لأن هناك أقواما سامية لن ترضى بأن يُطلق عليها لفظ عربي أو عروبي كالسريان واليهود وغيرهم، والأولى بنا ألا نعرّض لفظ "عرب" للرفض أوالسخرية من قبل هؤلاء.

7- لفظ اللغات السامية ينسجم مع مصطلح آخر هو اللغات "الحامية" وهو مصطلح معروف لدى علماء اللغة المقارن يُطلقونه على عائلة لغوية تتضمن بعض اللغات الإفريقية القديمة كالمصرية والليبية والتشادية والكوشية، التي يُعتقد أنها كانت بمثابة أخت لعائلة اللغات السامية، وأمهما هي "الحام-سامية" Hamo-Semitic.

    في ضوء هذه الاعتبارات يتبيّن لنا أن مصطلح "اللغات السامية" ما هو إلا مجرد رمز يشير إلى عدد من اللغات التي تشترك في سمات لغوية معينة تؤهلها لأن يُطلق عليها عائلة لغوية. وإطلاق مصطلح "السامية" عليها جاء بناء على خلفية ثقافية ترى أنّ متكلمي هذه اللغات هم من سلالة سام بن نوح، وسواء أصح هذا أم لم يصح فهو اعتقاد ثقافي شائع بين الناس، والاصطلاح عريق في حقل علم اللغات المقارن، وشائع بين العلماء عربا وعجما، وقد مضى عليه ما يقرب من ثلاثين ومئتي سنة، وقد أصبح معتمدا عند علماء هذا الحقل، واستبداله بمصطلح آخر لن يغيّر من الأمر شيئا إلا تضخيم المصطلحات وتشتيت منظوماتها لأن هذا المصطلح كما ذكرنا مرتبط بمصطلح آخر هو الحامية.
------------------------------------------------------ 

الورقة الثانية
اللغات العروبية أم السامية

أعدها: الدكتور أحمد بن سعيد قشاش الغامدي

     السامية مصطلح ابتدعه عالم يهودي نمساوي اسمه شلوتزر عام 1781م. وذلك حين قسم اللغات البشرية إلى ثلاث مجموعات كبرى، هي السامية، والحامية، واليافثية، وذلك بناء على ما جاء في شجرة الأنساب في ( سفر التكوين 10/1 )  من أن تلك الأقوام السامية تنحدر من ســـام، وهو أحد أبناء نوح الثلاثة : حــام وســام ويافث ، فسمى لغات نسل سام باللغات السامية والمتكلمين بها بالساميين، في حين سُميت المجموعة الثانية من اللغات التي انتشرت في شمال أفريقيا بخاصة باللغات الحامية نسبة إلى حام، أي أنه تقسيم مبني على أساس ما ورد في التوراة من أن نوح هو الأب الثاني للبشرية، على زعم أن الطوفان قضى على كل البشر سوى نوح ومن ركب معه في السفينة .

      ولم يكن شلوتزر أول من ذكر أوجه الشبه بين لغات هذه المجموعة بل سبقه إلى ذلك عدد من الكتاب العرب المسلمين منذ القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي ، فقد ذكر الخليل بن احمد الفراهيدي المتوفى في العام 175 هجرية / 786 م في معجمه ( العين ) ما نصه:((وكنعان بن سام بن نوح ينسب إليه الكنعانيون ، وكانوا يتكلمون بلغة تضارع العربية)) وشبه ابن حزم الأندلسي المتوفى في العام 465 هجرية / 1064م القرابة اللغوية بين العربية والعبرية والسريانية بقرابة لهجات اللغة الواحدة وذكر أن هذه اللغات إنما هي لغة واحدة في الأصل، وذلك في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام 1/ 31) حيث يقول : ((إلا أن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعربية هي لغة مضر وربيعة لا لغة حمير لغة واحدة تبدلت مساكن أهلها فحدث فيها جرس كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيرواني إذا رام نغمة الأندلسي، ومن الخراساني إذا أراد نغمتها... فمن تدبر هذه اللغات أيقن أن اختلافها من نحو ما ذكرناه، من تبديل ألفاظ الناس على طول الزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم وأنها لغة واحدة في الأصل)) .

     وذكر المسعودي في ( مروج الذهب 1/198) وابن خلدون في  ( تاريخه 2/30 - طبعة بولاق) أن لغة جرهم وقحطان في جنوب الجزيرة العربية هي السريانية في قول المسعودي  والعبرانية في قول ابن خلدون . 

     وقد تبين لكثير من الباحثين الصلة الوثقى بين المجموعتين السامية والحامية، وانتهوا إلى أنها مجموعة واحدة ذات صلات وسمات واحدة، فسموها المجموعة ( الحامية السامية ) وهي تمثل، في الواقع, الوطن العربي كله، من حدود فارس شرقا إلى شواطئ المحيط الأطلسي الشرقية غربا. وكان الأولى كما يذكر علي فهمي خشيم أن تسمى ( المجموعة العربية ) لكن صفة العربية بسبب من عدة عوامل خصت جزيرة العرب، لكن صفة العروبية أوسع وأشمل لكي تضم ما كان يحسب من الساميات كالبابلية والكنعانية والآرامية والحميرية والعدنانية أو المضرية، وما كان يعد من الحاميات كالمصرية والليبية والنوبية القديمة .

     وقد أثبت البحث المقارن أن جميع اللغات السامية هي لهجات عربية قديمة لم تزل معظم خصائصها اللغوية موجودة إلى اليوم في لهجات الجزيرة العربية، ولا سيما في جنوبها الغربي، وهناك شبه إجماع لدى معظم العلماء أن جنوب غرب الجزيرة العربية هو مهاجر جميع الأقوام التي أطلق عليها الشعوب السامية . ( تاريخ اللغة العبرية لرابين ص 26 ) .

     وإن الناظر في اللغة السامية الأم كما تم تصورها وإعادة بنائها في كتب بروكلمان ونولدكه ورايت وموسكاتي وغيرهم (وهي الكتب المرجعية للبحث في اللغات السامية) يجد أنها لا شيء إلا العربية تقريبا.

     إن التسمية التي ينبغي أن نطلقها على تلك اللغات أو اللهجات هي اللغات أو اللهجات العروبية، وهي التسمية الأقرب إلى روح العلم والفكر المجرد من الأهواء والمآرب. وما بدعة السامية إلا لإبعاد الاسم الحقيقي للشعوب المهاجرة من جزيرة العرب، وهي شعوب عربية خالصة، اضطرها الجفاف الذي ضرب الجزيرة العربية قبل الميلاد بنحو 2000سنة إلى الهجرة باتجاه أماكن ذات موارد طبيعية دائمة، فكان أن وصل هؤلاء العرب إلى شمالي الجزيرة العربية ومنها أخذوا يتوزعون في موجات بشرية متتالية شرقا نحو بلاد الرافدين، ومنهم من استقر في بلاد الشام، ومنهم من توجه غربا نحو وادي النيل وسائر شمال أفريقيا . وهكذا كان الوطن العربي في التاريخ القديم من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا.

     إن إطلاق لفظ الساميين على تلك الشعوب العربية المهاجرة من قلب جزيرة العرب، يهدف بالدرجة الأولى إلى حجب الهوية العربية لسكان الوطن العربي القديم عن الأنظار من جهة، وتغييب الوجه الحضاري المتفوق للعرب الذي ما زال يذهل المستكشفين يوما بعد يوم، وذلك عن طريق حجب الوجود العربي الحضاري عن الساحة، وقصر التسمية بــــ ( عرب ) على فئة محدودة من سكان الجزيرة العربية، وهم الأعراب أو أهل البادية، والهدف من ذلك مسخ الشخصية العربية في وجه صحراوي جاف، خرج، في زعمهم، للتاريخ مع ظهور الإسلام، إذ لم يكن ( كما يذكر الدكتور فيصل عبد الله) في نية علماء التاريخ القديم في الغرب، في أي وقت أن يقيموا الصلة بين عربي الأمس الذي اخترع الكتابة، وأبدع تلك الحضارة التي باتت من الجذور الأقدم للحضارة الإنسانية، وبين عربي اليوم الذي يعيش بلا انقطاع في تلك المنطقة ويتحدث اللغة نفسها. ولم يجد هؤلاء العلماء من مصلحتهم القومية ولا الشخصية «العلمية»، نسبة القول بأن فضل قيام الحضارة القديمة يعود لأسلاف عرب اليوم وحضارتهم ولغتهم، فهؤلاء يتجاهلون ذكر العرب والعربية، واستمرارية الحضارات القديمة في العربية وحضارتها . وإن من كتب التاريخ هو الذي يمتلكه، ونحن للأسف لم نكتب تاريخنا القديم الذي يمتد إلى خمسة آلاف عام .‏

     وفي ضوء ما تقدم بات من الضروري لدى كثير من العلماء إيجاد تسمية بديلة لهذه الأقوام وللغات التي استخدمتها، وكان أول من دعا إلى ذلك هو الدكتور جواد علي في كتابه ( تاريخ العرب قبل الإسلام 1/287) إذ يقول: ((إني سأطلق لفظ عرب على جميع سكان الجزيرة بغض النظر عن الزمان الذي عاشوا فيه والمكان الذي وجدوا فيه، سواء أكانوا سكنوا في الشام الشمالية أم في الأقسام الوسطى من جزيرة العرب أم في الأقسام الجنوبية منها ، فكل هؤلاء في نظري عرب، وعرب علم لقومية خاصة ومصطلح ظهر متأخرا في النصف الأخير من الألف الأول قبل الميلاد، وتركز وتثبت بعد الميلاد خاصة، وقبيل ظهور الإسلام على الأخص .. وعلى هذا فالذين عاشوا قبل الميلاد بقرون عديدة وبألوف من السنين، هم عرب، وبالطبع وإن لم يُدعوا عربا ... ولعلني لا أكون مخطئا أو مبالغا إذا قلت أن الوقت حان لاستبدال مصطلح سامي وسامية بعربي وعربية، فقد رأينا أن تلك التسمية ، تسمية مصطنعة تقوم على أساس التقارب في اللهجات وعلى أساس فكرة الأنساب الواردة في التوراة... أما مصطلحنا (العرب) الذي يقابل (السامية) فهو أقرب عندي في نظري إلى العلم وليس ببعيد ولا بغريب عن العلم والمنطق أن السامية عربية لكونها ظهرت في جزيرة العرب ونحن نعلم أن كثيرا من العلماء يرون أن جزيرة العرب هي مهد الساميين)).

    وليس المراد بـ ( العُروبية ) قصر هذا المصلطح على العربية المعاصرة التي بدأ تاريخها منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا، إن العروبية اسم يراد به خصائص الجنس العربي ومزاياه التي تحمل في مكوناتها جملة من المواصفات والأسس الجينية والجغرافية والتاريخية واللغوية والدينية والنفسية والاجتماعية الحضارية المشتركة التي تجمع هذه الشعوب منذ أقدم عصورها الموغلة في التاريخ.

     وهنا أختتم بما كتبه الباحث الغربي بيير روسّي في كتابه (مدينة إيزيس...التاريخ الحقيقي للعرب ص 31 ) إذ يقول: ((وإذا كنا عازمين على ألا نستعير شيئا من أحلامنا، فيجب علينا عندئذ أن نعرَّف العروبة كثقافة الشرق الوحيدة، التي امتدت عبر مساحة جغرافية ذات تاريخية خاصة، ميزتها عبر آلاف السنين، وكانت شعوبها المصرية والكنعانية والأناضولية والسورية والبابلية تنتمي للأسرة العربية نفسها، فهذه الأرض الشرقية قد عاشت من خلال إيقاع وحيد النغمة لخمس إمبراطوريات: مصرية وبابلية وبيزنطية وفارسية وإسلامية ... بحيث إنه منذ حكم أول فرعون في الألف الخامس قبل الميلاد وحتى سقوط آخر خلافة، مرورا بالإسكندر .. كان الأمر استمرارا لا انقطاع فيه قد تركز في الشرق، استمرارا للقوى، استمرارا للفكر، استمرارا للاقتصاد، وإننا عندما نؤكد من خلال نظرة شاملة، أن الشرق يتعين من خلال ثقافة عربية في مساحة عربية فإننا لا نخترع شيئا، إننا لا نفعل شيئا جديدا سوى جمع وإحكام العناصر الجغرافية والثقافية الموطدة الواحد للآخر)). 
-----------------------------------------------------

الورقة الثالثة:
اللغات السامية أم العروبية!: خلفية تاريخية

أعدّها: م. نواف البيضاني

      من المُجمع عليه تاريخيّا أنّ شعوب بلاد الرافدين والشام القديمة هاجرت من موطنها الأصلي في جزيرة العرب وأقاموا حضارات كثيرة يشهد لها التاريخ في تقدمها وازدهارها. وعندما بدأ المستشرقون يهتمون بدراسة هاذه الشعوب ولغاتها وما تعلق بها، كان كثير من المستشرقين يعتمدون على التوراة والإنجيل كمصدر إما لتوجه ديني أو ثقافي أو لكونهما أقدم المصادر المتوفرة لديهم.

     وترجع كثير من المصادر أصل تسمية تلك الشعوب أو لغاتها بالسامية إلى المستشرق الألماني لودڤيك شلوتزر Ludwig von Schlözer (1735-1809) في مقالته المطولة والمعنونة ( (von den chaldäern(عن الكلدان) والمنشور عام 1781 في مجلة الدراسات الشرقية الشهيرة Repertorium für biblische und morgenländische Litteratur" مرجع الأدب التوراتي والشرقي " التي أسسها المستشرق الألماني الآخر "يوهان ݠوتفريد آيشهورن" Johann Gottfried Eichhorn وحررها حتى عام 1788. الذي نسب لنفسه ابتداع المصطلح ذاته عام 1795. وله يرجع الفضل فينشر المصطلح عبر مجلته آنفة الذكر. وبحلول عام 1800 اكتسب المصطلح الجديد قبولا عالميا في الأوساط العلمية.

ويهمنا من كلام شلوتزر ما يلي :
"من المتوسط إلى الفرات، ومن بلاد النهرين إلى شبه جزيرة العرب تسود كما هو معروف لغة واحد وعليه فالسوريون والبابليون والعبريون والعرب كانوا أمة واحدة، والفينيقيون (الحاميون) أيضًا تكلموا بهذه اللغة التي أود أن أدعوها ساميَّة".
نص كلام سلوتزر
ومن الواضح أن شلوتزر كان متأثرا بما ورد في الإصحاح العاشر من سفر التكوين الذي تكلم عن نسل نوح عليه السلام بعد الطوفان وأن نسله استمر في أبنائه الثلاثة سام وحام و يافث الذي يسمى كذالك آر فقد ذكر الفينيقين وبين قوسين جعلهم حاميين كما ورد في التوارة!. وإن كان هنالك من السريان من يدعي أسبقية استخدام هاذا المصطلح أي "السامي" ونسبوا ذالك إلى يعقوب الرهاوي في كتابه "الأيام الستة" وقد رجعت لكتابه فلم أجد أساسا لهاذا الزعم.

التقارب بين العربية وشقيقاتها:
وقد تنبه شلوتزر إلى التقارب الواضح بين العربية والعبرية والسريانية التي أطلق عليه اسما جامعا هو اللغات السامية رغم أن من حرف التوراة أخرج كنعان من ولد سام وأدخل عيلام فيهم!.

     وقبله تنبه لذالك كثير من علماء العربية إلى هاذا التقارب نذكر منهم الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى 175 هـ وفي معرض كلامه عن كنعان بن سام ذكر ما نصه: "إليه ينسب الكنعانيون وكانوا يتكلمون بلغة تقارب العربية" (معجم العين للخليل 1/205). ومن ذالك ما ذكره ابن حزم : "فممن تدبر العربية والعبرانية السريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم، وأنها لغة واحدة في الأصل" (الإحكام في اصول الأحكام لابن حزم 1/31).

    وقد شاع مصطلح السامية في الأوساط العلمية الغربية واستخدمه جل من جاء بعد شلوتزر، ومن أشهرهم ويلفنسون في كتابه الشهير "تاريخ اللغات السامية" وكارل بروكلمان في كتابه الشهير كذالك "فقه اللغات السامية" وترجمت هاذه الكتب وغيرها وعرب المصطلح كما هو فانتشر في أوساط علماء اللغة العرب المعاصرين.
اللغات العُرُوبية (السامية):
      وفيما يلي مشجرة صنعناها على ضوء التصنيف الحالي للغات العروبية والذي يصنفها بحسب وجودها الجغرافي. وهاذه المشجرة تضم أهم اللغات العروبية (السامية) و بعضها لغات ميتة حاليا.

مشجرة صنعاها المهندس نواف البيضاني للغات العُرُوبية (السامية)

موقفنا من مصطلح اللغات السامية:
ولأن هاذا المصطلح كان منشؤه توراتيا وكذالك لأنه غير دقيق استنادا على التصنيف التوراتي حيث يخرج الكنعانية من السامية والعجيب أن علم اللغة أثبت أن العبرية ما هي إلا لهجة كنعانية. والأمر الآخر أن المصطلح "سامي" مسيّس ومجيّر لصالح الصهونية وأصبح مرتبطا باليهود عموما، وأصبح من لا يخدم مصالحهم يرمى بتهمة معاداة السامية!. رغم أننا أكثر سامية منهم!. وأصبح الإعلام وما يزال يروج لسامية اليهود مما يجعلنا في موقف لا يحبذ استخدام هاذا المصطلح. وقد تنبه كثير من باحثي العربية ولغوييها إلى هاذا الأمر واجتهدوا في إيجاد البديل العربي المناسب. فظهرت مصطلحات بجديلة منها اللغات الأعرابية، واللغات العاربة، واللغات العُروبية، واللغات الجَزَرية، واللغات الجزيرية على غير القياس.
ويبدو أن أول من استخدم مصطلح عروبي هو اللغوي المصري القدير محمد بن خليفة التونسي نسبة إلى قرية تونس بسوهاج مصر وهو مترجم بروتوكولات زعماء صهيون والمتوفى في الكويت سنة 1988م رحمه الله في مقالة له عنونها "أسرة اللغة العروبية السامية"ونشرت في مجلة العربي في العدد 278، كانون الثاني 1982م.
وذكر الدكتور عمر فروخ في مقاله "الترجمة أو نقل الكلام من لغة إلى لغة" (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد الرابع والخمسون - الجزء الثالث - شعبان من سنة 1399هـ ) أن د. زكي النقاش(ولد في بيروت 1896م) اقترح أن تسمى هاذه اللغات "اللغات الأعرابية" بدلا من "اللغات السامية" وعلق على اقتراحه قائلا: "وهو على حق لأن أصل هذه اللغات من شبه جزيرة العرب، والأعراب أو أهل البادية هم أهل اللغة الفصحى الصحيحة".
والذي نميل إليه أن استخدام اللغات العُرُوبية أو العاربة أدقّ و أفضل من استخدام اللغات السامية لعدة أسباب، نذكر منها:
1. أن علماء اللغة يكادون يجمعون على أن اللغة العربية هي أقرب اللغات العروبية (السامية) للغة الأم المفترضة.
2. أن كل الشعوب التي تصنف ضمن الشعوب السامية كلها خرجت من جزيرة العرب في هجرات كثيرة بعضهم اتجه إلى بلاد الرافدين والبعض إلى بلاد الشام وآخرون إلى مصر و غيرهم إلى الحبشة. بيد أنهم جميعا جَزَريون (جزيريون) على أرجح الدراسات التاريخية.
3. أن مصطلح سامي مصطلح فيه تسييس واضح و يعتمد على مصدر ديني محرّف، ولا يعقل أن أبناء نوح الثلاثة كان كل واحد منهم يتكلم لغة غير لغة أخويه.!
4. بغض النظر عما سبق فلا مشاحة في الاصطلاح ولذالك يحق لنا أن نخرج من عباءة المصطلح الاشتشراقي اللاهوتي إلى مصطلح عربي قح سواء كان اللغات اللغات الأعرابية، واللغات العاربة، واللغات العُرُوبية، واللغات الجَزَرية، واللغات الجزيرية.
5. أن مسألة التحجج بانتشار مصطلح السامية في الكتابات العلمية لا تتعارض مع استخدام مصطلح عربي بديل، ولنترك الأمر للباحثين وذوقهم اللغوي ليشتهر أحد المصطلحين على الآخر.
6. يمكن أن نزاوج بين المصطلح السائد حاليا محل الخلاف أي اللغات السامية والمصطلحات العربية البديلة، فنقول مثلا اللغات السامية (العُرُوبية) أو اللغات السامية (الجزيرية) إلخ..
خاتمة:
نعتقد أن استخدام مصطلح عربي لما يسمى باللغات السامية أمر مهم وسيكون فيه خير كثير وسيعيد للعربية جزءاً من حقّها الذي هُضم، ولا سيما أن لها المكانة المتميزة بين هاذه اللغات، وعلى ضوئها قامت الدراسات اللغوية المقارنة واعتمادا عليها اجتهد اللغويون في تصور اللغة السامية الأم. ويمكن أن نجنح إلى المزاوجة بين البديل العربي ومصطلح "السامية" الشائع ولنترك للوسط العلمي أن ينتصر لذالك المصطلح أو الآخر.
-----------------

     والمجمع يطلب من أعضاء اللجنة العلمية أن ينظروا في هذه الأوراق ويقترحوا ما يرونه  مناسبا، ويصوتوا لأحد هذين المصطلحين أو لإجازتهما معا مترادفين، وعلى ضوء المنقاشات العلمية للجنة والمداخلات العامة للمتابعين سنعد مسودة القرار للتصويت عليها، في مرحلتين:
 الأولى للجنة العلمية المتخصصة ولها 70%.
 والثانية: لعموم أعضاء المجمع والمشاركين من غيرهم، ولهم 30%.
 لأننا نرى أن إشراك الرأي العام مهم لانجاح المصطلحات ونشرها، ولعل من أسباب فشل بعض المصطلحات التي اعتمدتها مجامعنا العريقة في القاهرة والشام والعراق تجاهلَ الذوق العام ورأي الجماهير، ولكننا لا نبالغ في ذلك، ولا نعطيه أكثر من حقه، ولذا فإن المعول عليه في القرار هو رأي اللجنة العلمية المتخصصة وخُصّص لأصواتهم ما نسبته 70%، والباقي لعامة أعضاء المجمع والزوار من محبي العربية.

 المداخلات والمناقشات:


د. عبد العزيز بن صالح العمري: قبل البدء أحب أن أشكر الأساتذة الثلاثة د. سالم الخماش ود. أحمد قشاش وم.نواف البيضاني على طرح هذه الأوراق العلمية الرصينة النافعة المضيئة، وعلى ما قدموا فيها من الحِجج القوية الوجيهة لكل رأي، وهذا شأن العلم الذي يذكر كل رأي وما له وما عليه بعيدًا عن الذاتية والهوى وميل النفس. ثم إنه من المعلوم أن أسبقية مصطلح (السامية) أعطته شهرة طاغية حجبت الكثيرين عن مناقشة مدى دقته وصحته ومناسبته. ولكن المتأمل في مسوغات إطلاق مصطلح (العروبية) عليها أيضًا قوية؛ إذ فيها تلافي بعض التجاوز في إخراج بعض أهلها منها كما هو مفصل في هذه الأوراق. والذي أميل إليه أن يذكر المصطلحان معًا ، ويكون البدء بالعروبية؛ لأنه الأقرب إلى المدلول المراد، ويكون ذكر (السامية) مذكورًا بعده؛ إذ لا يمكن إغفاله في المنظور القريب وهو المشهور بين اللغويين سنوات طوالا. ويبقى الاختيار بعدها للمتلقي الواعي، ويغلب على ظني أن (العروبية) سينال حظه من الاشتهار ، ولنا أن نسأل: ما الذي يمنع من المشاركة في هذا الجانب اليسير من المعرفة ونحن الطامحون إلى المشاركة الجادة في الحقول المعرفية ابتداء؟ ولنا أيضًا أن نتفاءل بهذا الحراك المبارك الذي يقوده المجمع للوصول إلى المحل الذي تستحقه لغتنا.

أ.. تركي الغنّامي: قرأت ما جاء في الأوراق ووجدت كلاما علميا رصينا كانت مقدماته سلما موصلا لنتائجه، نظر فيه الفاضلان د. أحمد والأستاذ نواف إلى منطلقات التسمية الشائعة (السامية) وعدم دقتها ولم يلتفتا للمآلات التي قد تنتج عن محاولة تغييره  بينما ركز د. سالم على المآلات الناتجة عن محاولة التغيير ومن أهمها عندي أن هذا المصطلح (العروبية) لن يجد قبولا - لموانع قومية - لدى "الساميين" من غير العرب فقبولهم الإلحاق بالعرب شبه ممتنع.
   وجمعا بين الرأيين أرى أن مصطلح ( الجزرية ) نسبة للجزيرة -وهي الموطن الأصلي للغات "السامية"- أوفق؛ فالنسبة للمكان لن يكون لها ذلك الأثر المنفر كالنسبة للقومية وأرى أن يجمع بين هذا المصطلح والمصطلح الشائع (السامية) فيلحق الأخير بين قوسين شرحا لمصطلح (الجزرية) حتى يشيع المصطلح ويفهم المراد به ثم يكون الاكتفاء به مرحلة تالية.

عبدالرزاق الصاعدي: مصطلح اللغات العُرُوبية نادى به لغويّون عرب منذ عقود، وله عِلله كما رأينا في الأوراق المقدمة من الأساتذة الفضلاء، وأرى مناسبته مصطلحا مستقلا أو مرادفا على الأقل، وترادف المصطلحات مألوف، وفي نحونا منه كثير، كالصفة والنعت، والجر والخفض، والتصغير والتحقير، والمبني للمجهول وما لم يُسمّ فاعله، والعطف والنسق، والنفي والجحد.. فإن كانت هذه المصطلحات نتاج خلاف بين مدرستين عربيتين (البصرة والكوفة) فإن مصطلحي الساميات والعُروبيات نتاج خلاف بين ثقافتين، العرب والمستشرقين التوراتيين.. ولكل من الفريقين اجتهاده.
ورب قائل يقول: إن هذا المصطلح يوحي بأن تلك اللغات المختلفة عربية، وهي ليست كذلك، فنقول: إنه لا يلزم منه القول بأنها عربية، ، فما هو إلا وصف منسوب إلى العروبة يدل على صلة تلك اللغات بالعربية وموطنها الأصلي، ومعلوم أن في الساميات لغات للأقوام من حام، وهم الأحباش.
ومما يؤيد قبول هذا المصطلح ((اللغات العُرُوبية)) مرادفًا للمصطلح الأقدم ((اللغات السامية)) أن الخارطة الجغرافية لتلك اللغات خارطة عربية، وأن تلك الشعوب السامية التي تستقر في الهلال الخصيب وشمال أفريقيا وشرقها تتصل بسبب وثيق بجزيرة العرب، ومنها مُهاجرهم، كما يرى كثير من الباحثين.

أ.. حسن بن خميس الهمامي:  قد يُقال: في مصطلح (العروبية) إنصافٌ للجغرافيا. وقد يُردُّ على هذا القول بأنّ: في مصطلح (السامية) إنصافًا للنسب. وعلى ذلك لا مُرجِّحَ لأيّ القولين.
وقد يُقال: في مصطلح (العروبية) إنصافٌ للجغرافيا. وقد يُردُّ على هذا القول بأنّ: في مصطلح (السامية) إنصافًا للنسب. وعلى ذلك لا مُرجِّحَ لأيّ القولين.
وبقي إنصافان:
أولًا:إنصاف التاريخ (تاريخ هذه اللغات)، وهنا ستظهر عددٌ من الأسئلة:
١-هل يُجزَم بأنَّ لهذه اللغات لغةً تُعدُّ أصلًا لها كلها؟ وماهي؟
٢-إنْ وُجِدَتْ إجابةٌ للسؤال الأول، وهي متعذرة أو شبه متعذرة، فهل يُجزَم بتحديد المكان الذي نشأت فيه هذه اللغة التي تُعدُّ أصلًا؟؟
فإن غابت الإجابات أو بهتت فهذا يدلّ على أنّ ترجيحَ أيّ المصطلحين مع نبذ الآخر ترجيحٌ بلا مُرجِّح.
ثانيًا: إنصاف الدرس اللغوي:
فهل هنالك دلائل لغوية تدلُّ على أصالة لغةٍ وتفرع بقية اللغات عنها؟؟ هذا السؤال لا يُخوَّل للإجابة عنه إلا من درس هذه اللغات  وتخصص لدراسة هذه المسألة، وقد يُنازعُ في نتائجه. فإن غابت الإجابات أو بهتت أو فسدت فهذا يدلّ على أنّ ترجيحَ أيّ المصطلحين مع نبذ الآخر ترجيحٌ بلا مُرجِّح. وتبقى المسألة منتظرةً من يجلي جوانبها.
وعليه فلا يبقى حتى الآن مُرجِّحٌ إلا ما كان لمصطلح السامية من الشهرة، وشهرة المصطلحات معتبرة مالم يتأكد فسادها وسلامة بديلها. ومن ابتكر مصطلحًا جديدًا أيًّا كان فإنه يضعه لقَدَرِهِ يحيا أو يموت، يقوى أو يضعف.

أ.. عبدالرؤوف الخوفي: شكرًا لك أستاذي على ما قدمته وتقدمه للعربية في هذا المجمع المبارك .. والشكر موصول للأساتذة الفضلاء د. سالم الخماس و د. أحمد الغامدي و م نواف البيضاني على هذه الورقات الثلاث الثرية غير المستغربة على ضليعين في علوم اللغة أمثالهم .. الأمر الذي يدعو للفخر بتوالي إنجازات المجمع.. ربما ليست لدي القدرة على الأقل في الوقت الراهن أن أصدر حكما أو رأيا شخصيا في اعتماد مصطلح "العروبية" عوضا عن "السامية" أو أن أزيد على ما جاء في الورقات الثلاث أو أعترض على شيء منها .. لأن المسألة معقدة أكثر مما يتصور .. لكن ما لم أكن أستسيغه أن يكون نص مسودة القرار مبررا لتعددية المصطلح وازدواجيته .. فالمجمع يمثل دائرة لغوية خالصة ولم يكن من الجيد أن يشرِّع لتعددية المصطلح ضمنيا لتبرير القرار من خلال اتخاذه عيبا لسانيا كدليل.. ويحظى بشبه اجماع لدى أبرز المدارس العالمية المصطلحية الروسية والنمساوية والتشيكية والفرنسية والعربية على تصنيفه ضمن عيوب وإشكاليات المصطلح.. و لا يخفى على مثلكم أن العلوم اللسانية إنما تتم بعضها .. وكان بالإمكان النظر في جدوى مصطلح "العروبيات" عبر استدلالات ليس أبرزها تعددية المصطلح باعتباره أمرا حسنا .. ذاك أن مسودة القرار تجعل عيبا من عيوب المصطلح وهو "الازدواجية والتعددية" مبررا تمنيت لو كان المبرر على الأقل غير هذا.. أما الاستدلال بالصفة والنعت .. والجر والخفص وغيرهما فهو صراع مصطلحي وجودي لمدارس نحوية وهو عيب مصطلحي وقع به المتقدمون.. هل نجعل منه مبررا؟! كما أنه من حيث الإثراء اللغوي لا تقاس الألفاظ على المصطلحات .. ولا تقاس المصطلحات على الألفاظ .. الألفاظ ذات معانٍ .. والمصطلحات ذات مفاهيم .. وفرق شاسع بين المعنى الذي لم يفرغ الدرس اللغوي الحديث من دراسته وبين المفهوم الذي بدا مستقرا منذ زمن اليونانيين والهنود والأصوليين العرب والمماحكات العلمية فيه بين الباحثين لا تصل إلى الخروج عن المضمون العام كما هو الحال بالنسبة للمعنى ! تمنيت لو أن مصطلح "العروبية" اعتمد ولو بإضافة صغيرة على مفهوم السامية أو من خلال محاولة لتحرير المصطلحين والخروج بتمايز ولو بسيط إن كان ولابد أن يعتمد أفضل من أن نكرس لعيب لساني ونحن نمثل مجمعا لغويا .. أيضا يدرك أي مصطلحي أن ثمة فرقا بين أن نجد تعددية المصطلح واقعا فنحاول التعامل معه كإشكالية وبين أن نؤصل لتعدديته! وبشأن القرار فإني أتوقف فيه عن إبداء رأي أو تصويت.. مع خالص احترامي لرأي ووجهات نظر أساتذتي وإخوتي أعضاء المجمع ولأية نتيجة سيتمخض عنها القرار .. وتقبلوا مني جزيل الشكر والامتنان ..


مجمع اللغة الافتراضي
المدينة المنورة
25/ 11/ 1436هـ