الأربعاء، 28 مايو 2014

تفاريق في الأدب والشعر :

تفاريق في الأدب والشعر 
الجزء الأول

      هذه خواطر وشذرات متنوّعة في الأدب والشعر كتبتها في تغريدات متفرّقة في أوقات مختلفة في حسابي الشخصي على تويتر، فأردت أن أجمع بعضها هنا، ومنها:
1- لا تهمل الطفل بداخلك.
2- العمر كالنّهر العذب، مصبّه في البحر المالح.
3- لماذا تختلط أحلامنا بالكوابيس؟!
4- من فضائل المَشرق أنه يوقظ الشمس ولا يحبسها.
5- أشعة الشمس تصل إلى كل مكان، لكنها لا تصل إلى أعماقنا المجهولة!
6- الشمس هي تلك التي تشرق داخل نفوسنا كل وقت وحين.
7- لن تعانيَ من العطش حين يكون الينبوعُ في داخلك..!
8- للشعر فضل كبير على العرب، فقد هذّب نفوسهم وهيّأهم للإسلام.
9- لولا الشعر في الجاهلية لكان العرب وحوشاً ضارية في جزيرتهم!
10- نستعين بالشعر على يبوسة النحو والتصريف.
11- ربما كان أصحاب المختارات (الحماسات والمفضّليات) أشعر من الشعراء.
12- تركت "عيار الشعر" حين عرفت أن تذوق الشعر لا عيار له.. فصار منهجي فيه: أنت وذوقك.!
13- حين كنت أحفظ معايير الشعر لم أكن أتذوّقه، فلما نسيتها تذوّقته!
14- كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من أعظم المتذوقين للشعر.
15- إنما خلق الله ضرائر الشعر رحمة بالشعراء وتعذيباً للنحاة.
16- كيف نعتقل لحظاتنا الهاربة كما فعلت غادة السمان..؟!!
17- السير الذاتية اعتقال للماضي وترميم له.
18- ثلاثة يكذبون: مؤرّخ الدولة، ومدّاح القبيلة، وكاتب السيرة الذاتية.
19- مع أن السيرة الذاتية "تلميع" للماضي إلا أنني مغرم بقراءة سِير الرجال.. ومن أهمها ذكريات الطنطاوي ومذكرات الملك الحسن الثاني.
20- السير الذاتية للمغاربة تجتذبني.. ومنها ما كتب عن انقلاب الصخيرات وانقلاب الجنرال محمد أوفقير، ومنها: "حدائق الملك" لفاطمة أوفقير و"السجينة" لمليكة أوفقير.
21- من أمتع ما قرأت "تزممارت: الزنزانة رقم 10" لأحمد المرزوقي، أحد ضباط انقلاب الصخيرات بالمغرب، لا أعرف حجم الكذب فيها، لكنها مؤلمة ومبكية.!!
22- أمتعُ الكذّابين محمد شكري في "الخبز الحافي" قرأتها عدة مرات..!
23- رؤوف مسعد كان (وقحاً) في سيرته الذاتية "بيضة النعامة" وبطبيعة الحال كان كاذبا.
24- رغم التلميع كانت سيرة محمد أسد "الطريق إلى مكة" لا تقاوم لجمال أسلوبها.
25- سقيفة الصفا لحمزة بوقري سيرة ذاتية "مكّيّة" شيقة قرأتها على صفحات جريدة المدينة قبل ثلاثين سنة..

عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة

الثلاثاء، 27 مايو 2014

أيجوز تسمية القيف حرفاُ؟:

أيجوز تسمية القيف حرفاُ؟
     
      يجوز التوسع في تسمية الأصوات الفرعية، وإطلاق مصطلح (حرف) على الصوت الفرعي، كالقيف، وربما سَمّيتُ القيفَ حرفاً في بعض قولي، فلا ضير في ذلك، لأمرين:
     الأول: أن لهذا الصوت من الخصوصية ما جعله يشبه الحروف في بعض أحوالها، فله مخرجه وصفاته، ولكنه لا يغير المعنى.
     والثاني: أنّ هذا من التجوّز أو التوسّع المقبول، وقد كان القدامى يطلقون على الأصوات الفرعية مسمّى حرف، وهذا كبيرهم وكبيرنا جميعا سيبويه سماها حروفا، ونجد  بعد سيبويه أن السيرافي والرماني وابن سيناء وابن الناظم وأبا حيان وابن عقيل والخضر اليزدي والسيوطي يسمون تلك الأصوات الفرعية: حروفا..
     قال سيبويه: ((وتكون خمسة وثلاثين حرفا بحروف هن فروع... وتكون اثنتين وأربعين حرفا بحروف غير مستحسنة))
      وقال ابن سيناء في رسالته (أسباب حدوث الحروف): (( وهاهنا حروفٌ غير هذه الحروف، تحدث بين حرفين حرفين فيما يجانس كل واحد منهما بشركِهِ في سببه، ومن ذلك الكاف الخفيفة التي ذكرناها))
    وكل ذلك قبل التفريق بين الحروف الأصلية والأصوات الفرعية أو بين اصطلاحَي الفونيم والصوت أو الألوفون عند الأصواتيين المحدثين. يقول تمام حسان في اللغة العربية معناها ومبناها: ((ومن الواضح أن سيبويه مع تفريقه بين أصول الحروف وفروعها لم يكن يفرّق بين اصطلاحي "الحرف" و"الصوت" على نحو ما يفرّق علم اللغة الحديث بين اصطلاحي phoneme و sound أو allophone, فالحرف لديه يشمل كل ذلك))
    فمن سمّى القيف حرفا فلم يخطئ، وسار في هذا على منهج علماء العربية القدامى، ولنا فيهم أسوة حسنة، ومن سماه صوتا فهو الصواب، وقد سار فيه على منهج الأصواتيين المحدثين. وأنا أميل إلى تسمية القيف صوتاً لا حرفاً، على منهج المحدثين، وحتى لا يظنّ أنه حرف من الحروف الأصلية.

    أما الرمز الكتابي فباب آخر، وعلماؤنا القدامى استعانوا لهذا الصوت أو الحرف كما يسمونه برمز أجنبي، وهي الگاف الفارسية (گ) ولم تكن مناسبة له، وذكرنا علّة ذلك سابقا، ولعل ما اقترحناه من رمز كتابي (قاف منقوطة بنقطتن من تحت ݠـ ) هو الأقرب والأليق بلغتنا والأبعد عما يؤدي إلى انحراف صوتي بسبب ذلك الرسم.

عبدالرزاق الصاعدي
28 رجب 1435هـ


الجمعة، 23 مايو 2014

هل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بصوت القيف؟:

هل نطق النبي صلى الله عليه وسلم بصوت القيف؟
   
     ذكر جمال الدين محمد الأشخر اليمني المتوفّى سنة 991هـ فائدة في كتابه ((شرح بهجة المحافل)) في أثناء شرحه لحديث بدء الوحي المروي عن عائشة -رضي الله عنها- في جواب النبي صلى الله عليه لجبريل حين طلب منه أن يقرأ، فقال: (ما أنا بقارئ) والفائدة قوله: ((أخبرنا شيخنا وجيه الدين عبدالرحمن بن عبدالكريم بن زياد عن شيخه وجيه الدين عبدالرحمن بن الديبع عن مشايخه أنه ورد في بعض المسندات أنه صلى الله عليه وسلم نطق فيها بقاف الحجاز المترددة بين القاف والكاف))
                                                                                              شرح بهجة المحافل 1/ 62

قلت: وفيه من الفوائد:
1-  هذ يفسر قول ابن خلدون في المقدمة عن القيف: ((ولعلّها لغة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعينها؛ قد ادّعى ذلك فقهاء أهل البيت وزعموا أنّ من قرأ في أمّ القرآن «اهدنا الصراط المستقيم» بغير القاف الّتي لهذا الجيل فقد لحن وأفسد صلاته ولم أدر من أين جاء هذا؟)) وهو أيضا يقوي القول باحتمال نطقه -عليه السلام- بالقيف في ((ما أنا بقارئ)) إن صحت هذه الرواية. وإن كان يحتاج إلى بحث مستفيص في صحة الرواية.
2- ورود مصطلح قاف الحجاز
3- ورود مصطلح أو وصف القاف المترددة.

عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
23 رجب 1435هـ

الخميس، 22 مايو 2014

تعقيب العقاد المتضمن تأييد خليل عساكر:

تعقيب العقاد المتضمن تأييد الدكتور خليل عساكر

في رسم الأصوات الفرعية

     قال الأستاذ عباس محمود العقاد معلّقا على اقتراح الدكتور خليل عساكر المتضمن رسم أصوات فرعية: ((هذه العلامات التي وضعها الأستاذ المحاضر نافعة مفيدة، لا غنى عنها في دراسة اللهجات، وقد كنت أحاول أن أصل إلى طريقة أتمكن بها من ضبط اللهجات المختلفة بطريقة صحيحة، ثم رأيت حضرة المحاضر قد وصل بسعيه وجهده إلى هذه الطريقة النافعة. ولا خطر مطلقًا منها؛ لأنها - على الأقل - تغنينا عن " الدكتافون " للتمييز بين اللهجات ويكننا أن نعتمد عليها في غيبته. وأعتقد أن هذه العلامات لم توضع لتكتب العامة بها لهجاتهم وإنما وضعت للباحثين في اللهجات...

      ثم قال: أذكر أنني كنت عضوًا في لجنة اللهجات، وكان من العقبات في طريقنا احتياجنا إلى آلات لتسجيل الأصوات، ولعدم توافرها لدينا وقف البحث، وأظن أن وجود طريقة كتابية لتسجيل الأصوات تغنينا - إن لم يكن كل الغنى فبعض الغنى - عن هذا. وأنا من المؤمنين بأن المعرفة لازمة لذاتها بغض النظر عما يستفاد منها. ومع ذلك فالرجوع إلى التاريخ يمدنا بأمثلة للاستفادة من فهم الفروق بين اللهجات في أمور علمية فمن ذلك أنه أثناء هجوم البدو على مصر في العهد الفاطمي وتتبع أولئك البدو المتمردين. كان من الطرق المتبعة للاستدلال عليهم أن يطلب إلى المشكوك في أمره نطق كلمة (دقيق)، فكان البدوي لا يستطيع أن ينطقها إلا بلهجته الخاصة مهما حاول غيرها. ومن ذلك أيضًا أنه أريد إحصاء النوبيين في أيام الثورة العرابية - على ما أذكر - فكانوا يكلفون الواحد منهم أن ينطق لفظة ( خروب ) والنوبي لا يستطيع أن ينطق الخاء إلا كافًا.
 
    فلو نظرنا اليوم إلى هذه الطريقة في كتابة اللهجات ملتمسين فائدة عملية منها لرأينا أنها تنفعنا في التحقيق مع المجرمين للتأكد من شخصية المحقق معه اعتمادًا على معرفة الجهة التي ينتمي إليها، إذ كيف يسجل هذا في محاضر التحقيق إذا لم نقل إنه نطق كذا هكذا؟

   ولذلك فأنا أشكر الأستاذ المحاضر وأرجو أن يستمر في بحثه.))

عباس محمود العقّاد
(اللهجات العربية: بحوث ودراسات 1/ 88، 90، 91)

خطرات الطيف من بركات القيف:أخبارٌ وأخباء!

خطرات الطيف من بركات القيف: أخبارٌ وأخباء!
أ‌. علي الجبيلان

"إبستمولوجيا " .. في مجالس أبي عموم حال وعلوم رجال : ) :
ليعذر لي كل قارئٍ كريمٍ وقارئةٍ كريمةٍ حيدتي هذه المرة عما اعتدت من البعد عن مستلتن اللفظ "من اللاتينية!" .. والميل إلى الأحب الأقرب إلى نفسي: عاربًا أو مستعربا، وإنما هي الفتنة التي ما فتئت أنفك عنها من جمع الأحرف الواحدة للمعنى المقصود بدقةٍ اجتهادا، ولعله بلغه هنا كما أريد له أن يبلغ إن شاء الله.  وتكفيرًا عن ذلك نعد بتعريبها التعريب المَرْضيّ المقبول في المجمع قريبًا بإذن الله. : )

شكوت لأبي حفظه الله ورعاه يومًا – وكنت يافعًا – أن أناسًا كانوا يقعدون لي، فلم يزد على أن قال: "لا تقعد مثلهم ولا يضرونك!" .. فتعجبت ولم أفهم ما قال، لحداثتي حينها، فسألته: ما قصدتَ يا أبتي أبقاك الله لي منهلا؟ فقال: ما داموا قاعدين وأنت سائر فلا يضرونك .. لا تَخُرْ همتك فتقعد معهم كما قعدوا فتكون مثلهم .. ولا تقعد لهم كما قعدوا لك فقد كفوك ذلك . قلت وكيف ذاك؟ .. قال: قعودهم لك قعودهم لأنفسهم وعليها .. وهل عثرات الطريق إلا رؤوسهم .. أو بعضٌ من رؤوسهم؟!

فلما كبرت ووعيت وسعيت ولاقيت وقاليت أكبرت ما كان لأبي حفظه من دقيق علمٍ وأصالة نظرٍ في حكمه على الطبائع، فذاكرته إياه سائلاً مستزيدا: وهل تراني أطأ فوق العثار بقدمي أم أقفز فوقها خيرٌ؟! قال: لا يضيرك أيها فعلت والغاية شريفة يشرف لها العمل والمسير! قلت: لله درك إني لآخذ بما قلت لا أزيد عليه، فقال: بل زد عليه مع الذكر والحمد والشكر: الحداء يؤنسك كلما مضيت في طريق، فكان من إنشادي:

إني وإن لمت حاسديّ فما
أنكر أني .. عقوبةٌ لهمُ!
وكيف لا يحسد امرؤ علمٌ
له على كل هامةٍ قدمُ!
يهابه أبسأ الرجال به
وتتقي حد سيفه البهمُ!
كفاني الذم أنني رجلٌ
أكرم مالٍ ملكته الكرمُ!

وأنا اليوم أشد تعجبًا من هذا البصْر العميق والنظر الدقيق، من هذه الأمالي لأبي عليٍ الغالي، يمر بي نسج الحادثة تلو الحادثة فتكون وأهلها كما وصف بدقةٍ شديدةٍ لكأنما كان يعاين الأحوال ويرقب ما يجري ، فينبئ عن علمٍ دقيقٍ ونظرٍ ثاقب بأحوال الخلق وطبائع النفوس، وكم وقع في نفسي إعظام مثل هذه النظرات من مجالسة أبي رعاه الله وأبقاه، فكلما ذكرت حديثه في شأنٍ ورأيته كما حدث به لم أزد على أن أقول: ولا ينبئك مثل خبير!

لب المسألة:
تكلم قومٌ في الأصوات اجتهادًا -أو جهادًا!- وفقهم الله، فجمعوا بين الأروى والنعام، وأنكحوا الثريا سهيلا، وقرنوا الصحيح إلى الأجرب في مرتعٍ واحد، والله المستعان. ولا يُنكر الاجتهاد على أحدٍ، وكلٌ مظنونٌ فيه إحسان القصد والنية، ولكن تنكر العجلة وعدم التثبت وأخذ أمور المعقولات المعضلات بالصياح واللطم والعويل، وما هكذا تورد الإبل، ولا يكون النظر في المسائل، وكم من مبتغٍ للخير لن يصيبه إلا ما شاء الله. وكان من بركات صوت القيف أن جلى - بفضل الله- ما بين مزاعم مدعين ومعازم مبدعين، ومجددين مسددين، ومقلدين مقيدين، رأوا البقاء على العلة أولى وأقرب .. ورام الآخرون بهاء الصوت بحلة أحلى وأعرب .. فأبان بعض مدللا وأدان بعض مقللا .. واتجه مُجيدٌ للتشخيص ومُجهَدٌ للأشخاص! فكانت الغاية من المسألة عند أولئك لُبها وعند أولئك قَلبها! ولعلها تتبين بميسر من البيان لا يشكل – لمن رغب الفهم – إن شاء الله، في بعض جوانب رأيت من أهمها:

-        جمع قوم في احتجاجهم على القيف بين الصوت الجلي والصفة التي قد تتغير في صوتٍ ما، وكان مجمل احتجاجهم أن الأصوات الفرعية ستطلب رسمًا كلما تغيرت صفةٌ من الصفات، وما أبعدهم عن المرام والحقيقة والمقرر بهذا القول، وذلك من وجوه:
-         أولاً: إن تغير صفة في الحرف لا يوجب استحداث رمزٍ صوتي لوصف ذاك التغير وتلك الصفة، بل تُرسم على الصوت نفسه علامةٌ Diacritic تبين تلك الصفة، فمثلاً: الكاف قد تكون مهموسة، وقد تكون مقيدة الانفجار، وقد تكون متقدمة المخرج بعد أصواتٍ معينة، واللام ومثلها الراء ترقق وتفخم ولكل هذه رموز،  منها هنا :  k̟ k̚ kʰ l ɫ  ، فكل واحدٍ من هذه له دلالة على صفةٍ معينة من المذكورة إما وقعت في الحرف أو تخلص منها على نحو ما، ولكنها لم تغير الصوت في السماع أو النطق تغييرًا أصليًا .. فالكاف أولا في مثل : "كان" مصحوبة بهاء النفس مصاحبة ملحوظة في النطق، وفي "أرائك" مقيدة الانفجار: أي لا يكون انفجارها بقوة كقوته حين وقوعها أولا أو وسطا في الكلمة أو المقطع، وفي مسكين تقدمت مخرجا، حيث إنها إكليلية الموضع:  إلى آخر الوسط من الحنك أو الخلف قليلا، فإذا وقعت بعدها ياء ممدودة تقدمت لتنطق في حيز المخارج التاجية أو قريبا منها، وهو ما يصطلح عليه بالتقدم Advanced، لنجرب ولنستمتع معا في نطق الكاف في "مكان" وننتبه لموضع نطقها ثم لننظر كيف تتقدم وكيف هي حركة اللسان  حين تنطق في مثل "كير" و "كِيل" و"مكيدة" و"مكين" وغيرها. ولنلاحظ ملاحظة طريفة تنبيك عن عظم شأن هذا اللسان، فسيُلحَظ أن كل الأصوات التي تقع ما بعد الياء الممدودة التي قبلها كاف أصوات من مخارج تتقدم مخرجها، كالكلمات التي مثلنا بها، وهذا في نظري من روعة انتظام البناء الصوتي العربي وسلاسته والله أعلم ، وشذت كلمات مثل وكيع وركيك، فالعين خلف مخرج الكاف، ومع ذلك، تتأثر الكاف والعين الأخيرتان في ركيك ووكيع بتقدم الكاف الأولى فيتقدمان معها! لننطق ونر ونحمد الله على أن كنا من أهل هذا اللسان!

-        يلزم إيجاد الرمز الصوتي للصوت الفرعي إذا اختلف اختلافًا أصليًا عن الصوت الأصل بحيث يتغير إدراكه نطقًا أو سماعا، وهذا مفهوم واضح، فالهمزة قد تبدل عينًا أو لينا، فهيئة قد تنطق هيّة أو هيعة، والكاف تبدل في خطاب المؤنث بالكشكشة أو الكسكسة، فتقول في حالكِ : حالتس أو حالتش، وهذه بالمناسبة – أي تحول الكاف لأحد هذين الصوتين أو مثلهما - من الظواهر اللغوية المعروفة التي "يمكن" أن يصطلح عليها بالتقديم Fronting  أو Palatalization  ، وفرقه عن التقدم الأول المذكور أن الصوت نفسه في الأول يتقدم موضع نطقه قليلا دون تغير إدراكه المجرد عند النطق بالصوت، أما في التقديم فينقلب الصوت إلى صوت آخر مختلف عنه نطقًا وسمعًا ومخرجًا موافقة لمخرج المد أو الحركة بعده، فكاف مكين هي كاف مكان ، ولكنها في حالكِ غير حالتس، فهل صعب وصف النطق في مثل هذه المواضع بالصوت المختلف اختلافًا أصليا؟! الجواب طبعًا لا، وذلك لوجود الرموز الدالة عليه أصالة، ولو أردنا رسم بعض فرعيات الكاف والهمزة في العربية "الفصحى" ( لأن الأمر سيختلف بوصف لهجةٍ غيرها) لقلنا ما يلي:
ك : ك، تْس، تْش، ش، س، ج، ... الخ
وكذا في الهمز:
ء : ء ، ع، وَ، يَ ..... الخ
وكذا بقية الصفات من العجعجة والاستنطاء وغيرها ، وصفها بلا إلباس متيسر لتوفر الرمز .. ولكن   الإشكال كان في صوت القيف قبل ابتكار المجمع رمزه الخاص، فالعلم الحديث لا يكتفي بوصف القاف المعقودة واليابسة والتي بين القاف والكاف وغيرها، بل المطلب الرمز الواضح المحدد، ولا نطلب العلم الحديث لمجرد أنه علم حديث كمن فعل! : ) بل لأن الحكمة ضالة المؤمن ، وفي الحديث من التنظيم وتيسير العلم لطالبه منفعة لا تعزب عن ذي لب، وفائدةٌ لا تخفى عن صاحب نظر، فلا شطط في القول أنه لم يكن يغني أن ترسم بالكاف الفارسية كما رسمها الأوائل مجتهدين رحمهم الله، ( وفي ذا دليل على أن الامر ليس فيه ابتداع فقد سبق الأوائل إلى محاولة الرسم :) ) ، لسببين جوهريين:

-        الأول: ما استقر في الأذهان من مؤدى صورة الكاف، أو ما يسمى " الصورة العقلية أو الذهنية الكامنة" Underlying Representation ، فأنا وأنت وغيرنا سنجد صعوبة في تصور أن هذا الرمز يدل على نطقٍ غير نطق الكاف، وكذا بقية الرموز كالجيم والغين وغيرها، وسنجرب ونكتب: غوغل وجوجل وكوكل، هل تنطقها وتخرجها بالنطق الواقع أو الصورة الحسية Surface Representation كلها بالقيف أم إنك تجد في نفسك ميلاً عفويًا لأن تقرأ وتنطق تلك الأصوات حسب رموزها وصورها التي استقرت في ذهنك عنها؟! هذا عني أنا وأنت وأمثالنا: الراشدون- بحد النمو العقلي تزامنا مع السن للإنسان الطبيعي فقط! : ) - الذين نالوا حظا من العلم يمكنهم من التمييز، بل لنجاوز ذلك كله، ونقبل بزعم الزاعم أن لا إشكال فيها ولا اشتمال أو احتمال على تحريف، فسنجيب: هذا عنك أنت بارك الله فيك لعقلك المختلف عن عقول البشر الطبيعية ( وهذه حقيقة ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله إن صدق وقوعها!)  وهنيئا لك ذلك : ) ، ولكن ماذا عن الناشئة الذين يعدون من أخطر المؤثرين في تغيير صور الأصوات على الأمداء الزمنية المختلفة والمتعاقبة؟! من سيؤمن ويضمن تفريقهم وتمييزهم النطق عند الحاجة بهذه أو تلك برمز إحداهما لكليهما؟! لنتأمل قليلاً هنا فقط ونتساءل بصدق أفي مثل هذا يصح قولٌ ويصلح؟ : )

-        الثاني: أن الترميز للقيف والاصطلاح له وجد قبل ضبط المجمع بقرون كما ذكرنا، ولكنه إما ملبس غير دقيق يسبب الاضطراب أو دخيل لحرف موجود أصيل فمَن عاقلٌ يقول في مثل هذا بالقبول؟! هذه الكاف الفارسية - التي لا أعلم كيف لم يغضب وجودها المتحوطين للعربية منا نحن أهلها! -  غير عربية لا تليق أبدًا باللسان المبين،  والغين والجيم والكاف والقاف صور منطوقاتٍ أخرى مختلفة اختلافًا أصليًا في الإدراك نطقًا وسمعا، فهل حين أكتب ج، تتخيل صوت الزاي؟ بل إنك لو غيرت موضع النقط لتغيرت الصورة الصوتية الحاضرة لذهنك: ألا ترى معي يا رجل: ب ت ث ، ح خ ج؟! أَوَ يصح بعد هذا كله أن يحضر في ذهنك الغين مكان النون؟! هذا يستحيل عند عاقل والله أعلم. فلم نأت بدعًا من القول ولم نك بدعًا من القوم من إخواننا الذين سبقونا بالإحسان، فلم نحدث ولم نتحادث، بل صرحنا بما صححنا وما رمنا من تهذيب المذاهب! ولنسأل أنفسنا فيم كان رسم ميم الإقلاب –مثلاً- فوق النون والتنوين في مواضعها في الذكر الحكيم؟! ألم يكن أوائلنا رحمهم الله سباقين لهذا الوعي بالكامن الذهني والتنبيه عليه وهذا البرهان ساطعٌ في الكتاب الأعظم؟! أفبعد ذلك كله يعجل علينا بعض إخواننا – وفقهم الله -  بحجة مقلوبة لو نظروها لوجدوها مغلوبة مسلوبة، فلم نزد ولم نزر، بل كان الأمر منا كما يزعمون لأنفسهم من حب العربية والغيرة عليها والحرص على خدمتها ما استطعنا، وهي باقية بحفظ الله سبحانه وبوعده بدونهم وبدوننا، لن تضرها بأمر الله مغامرات ولا مؤامرات، وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلالٍ مبين، فهو المسدَّد: إما يقارب فيعيش، وإما يطيش! فلا تزكوا أنفسكم ، هو أعلم بمن اتقى! اللهم إلا أن يكون وراء الأكمة ما وراءها فلا بأس .. فإن يك مقدامًا ففيم الاختباء وليبرز وليبرع للاختبار ويجد ما يسره! وإن كان مقداحًا فهي العادة في كل من أعيته الحيلة أن يكون من السادة أن يتورى ولا يتورع ولن يجد إلا ما يضره!

-       النقطة الأخيرة في صوت القيف المبارك، ما داوره بعض الإخوة معي أو على العموم عن حقيقة حرف القيف في العربية: هل هو تنوعٌ أم صورة صوتٍ أصلي مستقل؟ وبعد نظرٍ وتأمل وبحث، وجدت أن مقولة شيخي الفقيه العلامة الفهامة أبي عامر عبد الرزاق بن فراج الصاعدي فيه: "إن كاد القيف ليكون صوتًا مستقلا!" ستكون بأمر الله مقولة خالدة، وأصلاً في وصف هذا الصوت الجميل الفريد وتأريخه، سخر منها قوم – لأنهم لم يقرؤوها ولو قرؤوها لكانت من دقائق علمهم العميم وفقههم العظيم! : )-  ولم يعلموا أنها دارت بهذا النص Almost Independent Sound في بعض كتب الصوتيات العتيقة التي كانت تبحث بعض التطورات والتغيرات الصوتية لبعض الأصوات، والعجيب أن من تلك الأصوات المبحوثة صوت g أو مقابل القيف العربي الأصيل : ) . أما تفسير ذلك: فمعروف أنه فرع عن مثل الجيم والقاف لا يفرق في المعنى، أما في المعرب والدخيل فهو ثابت النطق عند العرب كافة كذلك إلا من ندر، فقد كاد يكون  بهذا صوتًا مستقلا، خاصة حين يقع به التفريق بين كلمتين دخيلتين مستعملتين في المعنى مثل:شيكاݠو ، وشيكانو،  Chicano  vs. Chicago . فالحمد لله أن رزقنا مثل شيخنا على بعد نظره، ودقيق حده، ولا غرو .. حفظه الله وزاده فضلاً وعلمًا ونورًا يمشي به في الناس، آمين، والعذر كل العذر لمن لم يعجبه قولنا هذا، فهو إحقاق حق نراه وأمانة نؤديها لأهلها، وإنصاف نهواه فنقواه! لا تزلف ولا تكلف، ولا استكتاب في تكسب! لم يتغلم من يتغلب! ولم يتعلم من يتعلب! إنما يدعي في العلم فلسفة ..  يحفظ شيئًا على علاته وتغيب عنه أشياء وتعليلها!
-        قد يذهب قومٌ إلى أن القاف والقيف تغير غير كلي ويحتجون بذلك بعدم لزوم إيجاد رسم له، فالإجابة عن هذا سهلة ميسرة، ونظيرها الأوضح منها في العربية ما بين السين والصاد، رغم تقاربهما الشديد وكونهما من المخرج نفسه – على عكس ما بين القاف والقيف- إلا أن لكلٍ منهما رمزًا يميزه، والسر كما قلنا من قبله: لوضوح الاختلاف في الصورة العقلية والإدراك الذهني، فالتمييز بين كل صوتٍ وقسيمه من الأصوات الأربعة واضحٌ لا يحتاج توضيحا. 

-        بقي من حكاية القيف أن أقول إن المجمع أنصف عَلَم الأصوات العربي الأول ( ابن  ݠني ) رحمه الله – بعد عقودٍ من تحريف اسمه هو نفسه والاختلاف عليه! : ) فقد اختلف رسمه في بعض المصادر بين: جني وكني بالكاف الفارسية والمراد القيف الرومية! تعريبًا عن اسم أبيه الرومي geannaius! أي: الكريم النبيل والعبقري. فما ترون إمامنا يصنع رحمه الله لو كان حيا: أيباشر أمرنا بالتهويل أم يبادره بالتهليل؟! :)  .. وعلى كلٍ لو لم يكن للمجمع من مفخرةٍ بابتداع رمز هذا الصوت إلا هذه لكفته، ألا يُخجِل أن يضطرب نطق اسم سيد أهل العربية في الأصوات بسبب رسمٍ مضطرب وغير عربي؟! : )  وليحفظ لي حقي في هذا الشرف بعد إذن شيخنا وإخواننا ومجمعنا المبارك .. في كوني أول من أشار إليه ورسم اسم إمام الأصوات العربية برمزه العربي المبين! :)

-        لكل غاضبٍ من الرسم والرمز نقول: هب بارك الله فيك أن الأوائل ابتدعوا رمز قيفنا ونحن ابتدعنا لها الكاف الفارسية رمزًأ .. وينتهي الأمر عندك حيث بدأ عندك .. فإن أرضاك فعلهم فلعله يغضبك فعلنا وتُعذَر! : )

-        تمت حكاية القيف بحمد الله .. وقلت من أول ما دار الأمر: إن من أراد ألا يسمع فلن يسمع .. ومن ظن أننا نجهد ونجالد ونتجلد لنسمع موتى وصُمًّا وكل مخلفٍ فرحٍ بمقعده فوهمه شديد .. إنما الأمر لمزيدٍ من الأدلة الراسخة نتساوقها معًا ليثبت الأمر بعون الله، فيستزيل شك المتبصر، ويستزيد شد المتبحر، ولا شأن لنا بعد ذلك بكل ما دونه: شذ أم شط أم شح أم كل ما تفشى مما لا يحتاجه شرح!


نظراتٌ قبل الانتهاء:

-        هلا تأملنا فيم نقول: اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا؟! فأول النفع من العلم العمل به، أما مجرد المداورة والنقل فهل ذم القرءان - في من ذم – أشد من ذمه المغضوب عليهم يحملون الأسفار لا ينتفعون بها ؟! وهل شبه حال مذمومٍ غيرهم بأشد مما شبههم به؟! ولله المثل الأعلى .. سبحانه.
-        نال الأئمة: محمد بن علي الشوكاني والحسن بن أحمد الحلال وصالح بن مهدي المقبلي رحمهم الله – لما كانوا مجددين مجتهدين - من ضروب الامتحان والعداء من المتمسكين بالتقليد شيء عظيم، وقد كانت شوكة أولئك المقلدين قوية ولهم سطوة عظيمة حتى على بعض حكام اليمن الأقوياء كالمهدي عباس، الذي أرغموه على الإذعان لهم وترك بعض ما كان يتسنن به في صلاته، أما الحلّال فقد اعتزل الناس في هجرة رحمه الله لما لقي منهم ما لقي، وأما المقبلي فقد ارتحل إلى مكة وظل فيها حتى وافاه الأجل رحمه الله، وأما الإمام الشوكاني فقد تصدى لهم بقوة شخصيته، ودقيق علمه ونظره، وما شعر من احتمال الأمانة بضرورة إحياء المدرسة العقلية العربية الإسلامية الأصيلة بعد ما شاع من كسل عقلي وارتخاء وتواكل، فكان أن رفع الله ذكره في القاصي والداني وهو من نعرف اليوم، أما صاحباه رحمهما الله فلا يكاد يسمع باسمهما أحدٌ إلا من خاصة الخاصة.
-        وعلى ذكر خاصة الخاصة: : ) فقد أبدع شيخنا أبو عامر في سك مصطلح: عامة الخاصة، وسأزيد: إن من العامة خاصة يستحقون أن يسموا: خاصة العامة! وهم الذين يبينون عند الحاجة، أخملوا ذكرهم بأنفسهم ولم يرغبوه كما رغبه عامة عامة الخاصة! ولو شاءوا لملؤوا الدنيا وشغلوا الناس بأمر الله .. ولكن لا يرون لذلك في أنفسهم حاجة.
-        آثرت أن يكون هذا المقال – وليس ردًا بالمناسبة :) -  على سبيل المجالسة والأمالي والإخبار مع حرصي على أن أبث في تضاعيفه ما تمثلت الحاجة لبيانه في بابه وموضعه من الحقائق والدقائق.. طلبًا للإطراف والإمتاع وابتغاء الإتحاف في الإسماع، وجمعًا لكل ذلك إلى الفائدة، وتدليلاً على مكانة المجمع ودوره كمنهلٍ ثرٍ لكل هذه، وأهله أهلٌ لما فوق هذه، وقد رأينا كيف انبرى الفتيان بفضل الله من إخوتي، كلٌ أظهر ضروبًا من محسن القول مجاد العَرض ومتمرس الرمي البالغ القصد السديد الرشيد، فلله الحمد من قبل ومن بعد على ما رزقنا في هذا المجمع من إخوةٍ كرام، أدبًا وعلما .. يفيضون ويفيدون. ولذا أسميت هذه المقالة: خطرات الطيف في بركات القيف، ولو كان الأمر غير ذلك لما مهرته إلا بـ: حد السيف في بيان مسألة القيف! : )
-        نحن قوم لم نخدم العربية طلبًا لرفعتنا وذكرنا بل طلبًا لرفعتها هي ورفعة ذكرها هي .. فليس لنا في ذلك حاجة إلا أن يكون فيه رفعة لاسم العربية فندعو الله أن يكون، أما إن لم يكن كذلك فنسأل الله أن يجنبنا ذكرًا كذكر إبليس وهبنقة وباقل وأبي جهل: عرف الأول بعناده وكبره، والثاني بحمقه .. وأما من خلفه .. فالله أعلم به! : )
-        تمت بحمد الله.
مسك الختام:
-        "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"
           سبحانك اللهم وبحمدك .. لا إله إلا أنت .. أستغفرك وأتوب إليك.


علي بن عبد العزيز الجبيلان
الأربعاء 22 رجب 1435هـ

الأربعاء، 21 مايو 2014

البحور الشريفة والبحور الخبيثة:

البحور الشريفة والبحور الخبيثة
وترتيبها في الشيوع والنظم

    المتدارك أو الخبب هو البحر الثاني من الدائرة الخامسة، يزعمون أنه فات الخليل، وأن الأخفش تداركه عليه، والحق أنه لم يفت الخليل، فهو ظاهر سهل الفكّ من الدائرة، والخليل فك جميع البحور المستعملة والمهملة من الدوائر، وبعضها شديد الخفاء، أفيعجز عن فك بحر ظاهر كهذا؟ وبخاصة أنه معكوس المتدارك: فعولن (لن فعو، لن فعو، لن فعو، لن فعو) ويتحول إلى (فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن) لكن الخليل كان يستهجنه ويزدريه، وكان الشعراء قبله لا يرونه شيئا، ويستعيبون النظم عليه، فقل في أشعارهم إلى حد الندرة، لذا سكت عنه الخليل، لا جهلا به ولكن استهانة أو ازدراء له، وترفعا عن وضعه مع بحور شريفة كالطويل والكامل والوافر، أو لأنه رأى دخول التشعيث أو القطع في حشوه.
     وهوّلَ العروضيون أمره وجعلوه مما استدرك على الخليل ونسبوه إلى الأخفش، والخليل أكبر من الخبب ومن الأخفش معا..

   والذين يزعمون أنه فات الخليل لا يعرفون قدر الخليل، فصنعته في الدوائر، وتصنيفها، واستخراج مستعملات البحور ومهملاتها من تلك الدوائر شيء مذهل، لا يطيقه عقل غير عقل الخليل، وهي صنعة تنبئ عن عقل جبار مبدع، أبدعها وتعداها ذلك العقل إلى تقليبات الألفاظ جذورها ليضع بين أيدينا مستعمل الكلام ومهمله بطريقة رياضية حاصرة جامعة مانعة، فلله درّ هذا الخليل! ما أعظم عقله! فلا تعجب لو كُشف في أرض وبار عن مخطوط في التراجم يدعي أن الخليل كان من جن نصيبين الذين أسلم أجدادهم.. فإني سأكون أول المؤمنين بانتساب الخليل الفراهيدي إلى جن نصيبين المسلمين!

وبحور الشعر أربعة أنواع:
1- (بحور شريفة) وهذا ترتيبها في الشرف الأدبي وقبولها لدى الشعراء: الطويل ثم الكامل ثم البسيط ثم الوافر ثم الخفيف.
2- (بحور عريقة) ولكنها لم تدرك الشرف وهي المديد والسريع والرمل والرجز والمنسرح.
3- (بحور ضعيفة) رخوة وهي الهزج والمتقارب والمجتث والخبب (المتدارك).
4- (بحور خبيثة) وهي المضارع والمقتضب.

    ولمعرفة شيوع البحور كلفت طلابي في الماجستير بإجراء دراسة إحصائية على البحور في الشعر العربي للوقوف على ترتيبها في الشيوع والنظم عليها مستخدمين موسوعات الشعر، فجاءت النتيجة على هذا الترتيب: الطويل – الكامل – البسيط – الوافر – الخفيف – السريع – الرجز – المتقارب – الرمل – المنسرح – المجتث – الهزج – المديد – الخبب (المتدارك) – المقتضب – المضارع.

     وينقل البستاني في إلياذة هوميروس أن الخليل كان يعرف هذا البحر ولكنه أهمله؛ لأنه يغاير أصوله التي سار عليها بدخول التشعيث أو القطع في حشوه، وهما من خصائص الأعاريض والأضرب لا الحشو.
ومن القصائد الذائعة المنظومة على هذا البحر قصيدة قصيدة الحصري القيرواني، التي يقول في مطلعها:

يا ليلُ الصبُّ متى غَدُهُ    أقيامُ الساعةِ موعِدُهُ
رَقَـدَ السُمَّـارُ وأرَّقَـهُ         أسَــفٌ للبَيــنِ يُردِّدُهُ
فبكاهُ النجـمُ ورقَّ لهُ        ممَّا يَرعَاهُ ويرصـدُهُ
نَصبَتْ عينايَ لهُ شَرَكاً    في النَومِ فعزَّ تصيُّدُهُ
وعارضها شوقي بقصيدة شهيرة منها قوله:
مُضناك جفاه مرقدُهُ       وبكاه ورَحَّمَ عُودُهُ
حيرانَ القلبِ معذّبُهُ    مقروحُ الجَفنِ مُسهّدُهُ

    والعجيب أن بعض المصادر تضبط مطلع قصيدة الحصري هكذا: (يا ليلَ الصبِّ متى غدُهُ) وهذا لا يستقيم مع مراد الشاعر، والصواب: ( يا ليلُ، الصبُّ متى غدُهُ)

أ.د.عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
تويتر/ sa2626sa@
نشر بجريدة المدينة المنورة، ملحق الرسالة،
الجمعة 1434/4/5 هـ 2013/02/15 م العدد : 18195
http://www.al-madina.com/node/433849...86.html/risala

الثلاثاء، 20 مايو 2014

غلواء القيف بين السوانح والبوارح:

 غلواء القيف بين السوانح والبوارح
فهيد بن رباح

  فوح عبير الشذا تعبق به مجالس حضرات النجباء معاشر القراء .. من عادات السادات الإخلاص المطلق والانتماء المعرق للهويّة، والفخار بها، والجلَد على لأوائها، والصيال دونها، وتحمّل المثاقيل في سبيلها، وهذا ظاهر ظهوراً بيّناً في ما صاحب:(سيف القيف) وقتما أذيع خبره وأشيع، فبعض جالد به، وآخرون جالدوه؛ فصار (القيف) لُقَفة بين الفريقين، بين طاعن به وطاعن دونه، وهاجت مرارٌ لأجله وعليه، وعكرت خواطر، وشاع لهج لم يكن معهوداً بين أرباب تيك القبّة.
      عند البعد عن وهج الغبار، والانتحاء عن عكر الرهج، والنظر من بعيد على هذا الأمر الشَكول= يرى الرائي أن القوم قد اصطلموا واستلأموا عتادهم، وفُتنوا في ما لا يفتتن فيه.
     إنّ الفريقين -علم الله- مواردهما واحدة، ومقاصدهما، ولسانهما واحد، وميدانهما واحد، فكلاهما من أهل الفن= التخصّص في العربيّة(لغويات ولسانيات)، وكلاهما حاديهما الحرص على لسان العرب، وهجّيراهما الذياد عن حياضة، والمنافحة عنه، فإذا كان ذلك كذلك؛ فلا ينبغي زيادة الإيقاد بالإضرام في نار ربما استعر شررها، وجاوز حدود المراد،؛ لإن الحرص على إحماء البواتر عاقبته سيئة، ويجعل النويرة سعيراً.
     لحظت أنّ المنابع واحدة والمصادر كذلك، ومثلها المقاصد والمرامي بين الفريقين كاملة غير أنّ المشكلة في (القيف)، ففريق يراه مكسباً، وآخرون يرونه مثلباً= الأولون يرون فيه نفعاً قريباً، ولا أثر قبيحاً له بعيداً.
والآخرون يرون أن أثره البعيد قبيح، وإن حسن مأخذه قريباً؛ لذا هم توجّسوا منه خيفة.
     إذن مدار الأمر عن أمرٍ مستقبليّ لم يقع، وهو في طور الظن والتوقّع، فلم الخصومة في أمر لم يقع، وهو في دائرة المظنونات، وإذا كنّا مقتنعين أن اللسان العربيّ محفوظ، فرسمه كذلك.
    إنّ حال القيف أن يخدم الآن، وأمّا عمره فهو إمّا معمّر ونافع، وإمّا ميت وذاهب، غير أنّه وإن فني وامّحى أثره فيبقى إضافة في لحظة من الزمن في سلّم العربيّة، وأصواتها، ورموزها، إضافة حسنة عند من حسّنه، وغير حسنة عند من ردّه.
    إذا كان الأمر كذلك في شيء مستقبليّ، فلم الشطط في ما بيننا، والصراع الآن على أمرٍ إن بقي خدم في حدوده، أو يهلك مع تقادم الزمن، وكل المخشي منه أن نكون خشّنّا صدور بعضنا بغلواء الصراع في أثر لم يقع بل متوقع.
فلايكون حالنا كاصطراع ذاكم الرجلين المتمنيين قطيعين من شاءٍ وذئاب وصاحبَ السمن، فنتساقط أخول أخول، وتذهب بالفرقة الريح، فلا أنهر الله سمننا ولا دمائنا، بل لا أهراق قطرة منهما.

** همزة وصل في همسة حرف:
    قرأت أنّ من المخشيّ أن تتكاثر رموز الهجائية العربيّة إنّ المطّلع على رموز اللسانيّات في الدراسات العربيّة يجد أنّها منافرة لصورة الخطّ العربيّ، ومع ذلك تفتح لها صفحات أعرق المجلات اللغويّة المحكّمة، ومع ذلك لم يعترض على نشرها فيها أحد؛ لأنّ لكل علم فنونه وأبجدياته، وجديده وعتيقه. تمّت.

** بألطاف الحسنى تدوم مسرّة الأيام بكم ..

كتبه 
راجي إشراق الصباح
فهيد بن رباح
الثلاثاء (جُبار)
٢١/ ٧/ ١٤٣٥هـ


السبت، 17 مايو 2014

مداخلة الأستاذ عبدالرؤوف الخوفي في صوت القيف:

      مداخلة الأستاذ عبدالرؤوف الخوفي في صوت القيف

     ابتداء أود أن أشير إلى محاولتي الحثيثة في نقاش الأستاذ صالح العوض من خلال الرد على تغريدته التي عرض فيها تدوينته المعنونة بـ "من أعظم الحيف القبول برسم القيف" غير أني لم ألق تجاوبًا منه.. وقد كانت تغريدتي الموجهة إلى تدوينته في كون طرحه لا يميز بين الدراسات اللغوية المعيارية والدراسات اللغوية الوصفية، بالرغم من كونهما منهجين لغويين علميين راسخين!! غير أن رده علي كان بما معناه أنه لا ينتظر حكما على ما قاله من أحد !

     وفي مداخلتي هذه لن أتطرق لرأيي في إطلاق مصطلح صوت "القيف" أو اعتماد رسم له، فقد سبق أن أبديت وجهة نظري في مداخلة سابقة على مدونة المجمع على الرابط التالي:
المتمثلة في تأييدي الشديد للقرار، لكني هنا سأحاول مناقشة ما طرحه من اعتراضات قدمها حول الحرف ورسمه، وكثيرًا من المغالطات التي أزعم أن بعضها قد بلغ مرحلة "التضليل" والافتئات على الأستاذ الدكتور عبدالرزاق الصاعدي وأعضاء مجمع اللغة الافتراضي من خلال نقاطه الإحدى والعشرين التي ساقها تباعًا؛ حيث بدا لي أن الأستاذ "العوض" قد اتبع إستراتيجيات حجاجية تمثلت في "العاطفة والتهويل والتجهيل والمصادرة على المطلوب والقسمة" وكلها إستراتيجيات تصنف عادة في المقاربات الحجاجية بأنها من "السوفسطائيات والمغالطات" والتي ظهرت تارة في صورة "زخم من المشاعر والأحاسيس" وتارة في صورة كلام إنشائي، والتي حاول أن يوظف فيها الإستراتيجيات السابقة كشكل من أشكال حجاجه في كثير من الأقوال التي أوردها، والتي بدت ميَّالة إلى الذاتية أكثر منها إلى الموضوعية..

      وأود أن أشير بأنَّ ما دعاني إلى كتابة هذه المداخلة ليس الدفاع عن أستاذنا الدكتور عبدالرزاق الصاعدي المشرف على مجمع اللغة الافتراضي، فمثلي ليس يدافع عنه وهو العلم الذي فوق رأسه نار، بل إنَّ ما دعاني إلى الكتابة هو تجنيه على المجمع وأعضائه ووصفهم بكون جلهم من غير المتخصصين بل ومن غير المؤهلين! وقد قيل: "إذا أردت نسف قضية فاطعن في فكر صاحبها"!*رغم أن كثيرا من أعضاء المجمع على الأقل ممن أعرفهم هم أصحاب تخصصات دقيقة في الأصوات واللسانيات!!

      كما أود أن أشير إلى أن ما كتبته هنا لا يعني بحال من الأحوال الإساءة للرجل أو الانتقاص من مكانته، فهو يكبرني سننا إن لم يكن في عمر والدي،فله مني كل الاحترام،**وأما نقدي فهو موجه بالدرجة الأولى لطرحه الذي رأيت فيه استغفالا لي ولغيري من المتخصصين في اللغويات على اختلاف مستوياتها.

(1) إنَّ أول فساد يهدم حجج "العوض" كلها ولا يجعل لها قيمة اعتبارية ادعاؤه بأن الدكتور الصاعدي سعى لتأسيس حرف (مستقل)، وهذا تضليل واضح ومصادرة للحقيقة، فقرار المجمع كان جليا في كون هذا الحرف غير داخل في الحروف الأبجدية، بنص قرار المجمع:

"وأنه لا يدخل في الحروف الأصلية الثمانية والعشرين، فهو من الأصوات الفرعية الأربعة عشر التي ذكرها القدامى، وليس لنا فيه سوى الاسم". وهذا رابط القرار:


(2) أشار "العوض" إلى خطره على القرآن الكريم والنصوص الفصيحة غير أنَّ الدكتور المشرف قد أشار مرارًا إلى أن الهدف من هذا الحرف هو إعانة المتعلمين في الدراسات اللهجية ونقحرة الحروف الأجنبية، ورفض استعماله في النصوص اللغوية الفصيحة والمكاتبات الرسمية، والاقتصار عليه في الحاجة.

(3) يقول "العوض": "*استحداث اسم جديد يضاف إلى مسميات الحروف المألوفة يقتضي منا بالضرورة ازدواجية كثير من الكلمات العربية ومنها المستدل بها هنا؛ فحينما نقول: قاسم بحرفه الأصيل فلا يسعنا أن نقبل قاسم بحرفه الرديف المستحدث بما سماه المجمع (القيف) فأي ضرورة تدعونا إلى أن نجعل لدينا قاسمين أحدهما للعوام؟!"

      وتساؤلي هنا: ما دام هذا الحرف يعد تلونًا صوتيًا، أو حرفًا فرعيًا لا تقبل الكتابة به في النص الفصيح ، فمن أين يأتي ازدواج الكلمات وهو ليس في المعجم أصلاً؟! ويلاحظ أن هذا الإصرار من الأستاذ العوض على إقحام القيف كحرف أصلي نابع من سوء فهم، فيكرس طاقته كلها منطلقا من حجة فاسدة في أصلها، فيستحث المغالطة تلو المغالطة ليصل إلى ما يخدم جدله .

(5) يقول: "*ما يراد في النص المكتوب لن يعزب عن المتلقي حينما ينطقه أحدهم في الوسط في نجد بقاف مخففة، وينطقه عربي جنوبي في اليمن بقاف مفخمة فصيحة، أو ينطقه في الشرق بقاف هي أقرب إلى الغين، فالتناوب الصوتي لا يُشكِلُ لدى المتلقي، لأنه يعرف المراد وسيكتبه بحرفه الأصيل ولا تثريب على ناطقه بأية طريقة كانت، فكلمة:"حق" ينطقها النجدي بقاف متخففة من مخارجها إلى الرقة والليونة، وينطقها اليمني بقاف موغلة في مخرجها متمكنة منه لتشعرنا أنه على سجيته الأصيلة، وتتجلى حينما تضاف إلى ياء المتكلم".

      وهذه مغالطة أخرى ينطلق فيها من كون الأصل في اللغة أنها مكتوبة لا منطوقة، ثم لو أننا سلمنا جدلاً بأنَّ زيدًا في نجد، وعمروًا في الحجاز، وسليمان في اليمن كلٌّ منهم سيقرؤها بالتلون الخاص في لهجته، فكيف سيسعفنا ذلك في دراسة لهجية وصفية مكتوبة تشير إلى هذه التلونات الصوتية بغرض بحثي أو تعليمي؟! بل وما الخطر على اللغة في إنشاء رموز لكل أصوات (الألفون) مقتبسة من الخط العربي ؟! عوضًا عن حروف الأبجدية الصوتية الدولية، سيما في صوت كـ"القيف" حيث يشكل عمقًا لا تكاد لهجة تخلو منه، وعلى ذكر الأبجدية الصوتية الدولية التي تكتب بحروف لاتينية، هل تأثرت اللغات الجرمانية مثلا والتي تكتب بخط لاتيني بإضافة نقاط على سبيل المثال إليها؟ هل أحدث الغرب في لغاتهم ما ليس منها عندما وضعوا نقطة تحت الحرف "h" لنقحرة الحرف العربي (ح)؟ ، أو عندما وضعوا هذه العلامة "θ*" للدلالة على صوت الحرفين (th) الذي يشبه حرف (ذ) العربية؟ أو عندما وضعوا هذا الرمز "ŋ*" للدلالة على الحرفين (ng) ؟ وهل دخلت هذه الرموز كأبواب ومواد في معاجمهم اللغوية؟ ، ثم أنَّ قدامى العرب قد ذكروا أربعة عشر صوتًا فرعيًا منذ أكثر من ألف سنة فهل رأيت مادة لصوت فرعي واحد قد دخلت المعاجم اللغوية العربية كمادة صوتية؟!

(6) يقول: "*الكتابة المتعارف عليها يلتقي حولها كل العرب دون استثناء ولا يختلف على حرف القاف من ينطقها بصيغة مباينة لغيره من بني جنسه؛ إذ الكتابة شيء والنطق بين العامة في اللغة المحكية شيء آخر*"

      ونسأله هنا إذا اتفق العرب على قراءتها كلٌّ وفق لهجته، فكيف يصف العربي في إقليم طريقة نطقها كتابة دون أن يسمعها منه؟ فإن قلت وما حاجتنا إلى معرفة نطقها مادامت العربية الفصيحة هي ما يربطنا؟ أقول: أن كثيرًا من العلوم التي تعتمد إبستمولوجيات لغوية كعلم اللغة الاجتماعي وعلم الأنثروبلوجي وعلم الإثنولوجي وعلم اللهجات هي علوم بحاجة إلى استقراء دقيق للأصوات؟ فإن قلت الأبجدية الصوتية تسد الغرض؟ قلت لك وما الضير في إحداث رموز كتابية من الخط العربي النبطي عندما يؤمن اللبس سيما وأنها تمثل أصواتًا لهجية نتداولها في حياتنا اليومية وتستعمل لأغراض علمية وتعليمية؟!

(7) يقول: "*دعوة المجمع صريحة وجريئة؛ بإضافة حرف ليس له أصل في حروف الكتابة العربية التي أَلِفَها الناس منذ آلاف السنين، ونزل بها القرآن الكريم ليكون حافظاً لها، ودونت بها المؤلفات العربية، واعتمدت في المجامع والمنظمات الدولية في عصرنا الحديث، وهذا يتطلب مخاطبة الجهات المعنية لاعتماد ذلك الحرف وفيه ما فيه، وعليه ما عليه حينما تقوم الحجة على أصحاب تلك الدع*"

     وأقول له بأنها فعلا دعوة صريحة وجريئة نعتز بها، ولكن ليس بإضافة حرف إلى الحروف الأبجدية كما يدعي، بل بإطلاق مصطلح ورسم لحرف فرعي موجود ذكره سيبويه والفارسي وابن جني والسكاكي وابن سينا وغيرهم، وأما تهويله فهو لا يعدو أن يكون نابعا عن سوء فهم ومغالطات ، وأما إشارته إلى وجوب اعتماده رسميا فهذا ما يتطلع المجمع وأعضاؤه إليه، ولا أجد في عبارته "فيه ما فيه وعليه ما عليه" إلا محمولات ضمنية توحي بشيء خطير ليس له أصل، يحاول أن يزرعه في ذهن المتلقي.

(8) يقول: "*إن من أهم ما يجب أن نعيه وندركه أن اللهجة الدارجة للناس، في كل زمان ومكان، ليست مظنة للتدوين والرصد، وهذا تعارف عليه العلماء وألفوه منذ شرعوا في جمع اللغة وتراثها*".

      وأتساءل حقيقة هل يعقل أن مثل هذا الكلام يقال في الألفية الثالثة؟ وهل يعقل هذا الخلط بين الدراسة المعيارية وبين الدراسة الوصفية؛ حيث تؤمن هذه الأخيرة بأن دراسة اللهجات المعاصرة لا تفضي بالضرورة إلى الاحتجاج بفصاحة اللغة، إلا في محاولة تأصيل وتأثيل بعض المفردات للعودة بها إلى أصولها العربية أو السامية وهلم جر، وهل ما قام به كثير من علماء الجزيرة فيما يعرف بمعاجم فصيح العامة لم يكن رصدا ولا تدوينا؟!

    فهذه الحجة التي ساقها لو تم التسليم بها لكان من شأنها إغلاق جميع أقسام الدراسات اللسانية الحديثة في جامعات الوطن العربي!

(9) يقول الأستاذ العوض: "*إننا إنْ نحن سعينا إلى ابتداع حرف ناشز على لغة العرب؛ فهذا بالضرورة يعني انشقاق كلمات أصيلة من وضعها، لأن الناطقين بها أحالوها إلى بناء جديد غير مؤصل في لغتنا، فاقتضى بذلك سلخها لتوهم أننا في أمة أخرى*"

      وفي هذه الفقرة يستمر في خطاب التهويل المبني على السفسطة والمغالطات، إذ ما زال مصرا على كون حرف "القيف" حرفًا أصليا وليس فرعيا.

(10) يقول أيضًا: "*البيت الذي استشهد به المجمع؛ (ولا أكُولُ لِكدرِ الكَوْمِ قَدْ نضجت) أشار دارسو تلك اللهجة ونظامها الصوتي إلى أنه نُطْقٌ شَذَّ عن الفصاحة فحاولوا تكريسه والوصول به إلى المنافسة والمزاحمة بين قواعد اللغة وأحكامها"

       والسؤال للأستاذ العوض: من أين سمعت أن لفظة "أكَول" فصيحة عندما تنطق بحرف القيف؟! وهل الدكتور عبدالرزاق قد احتج بهذا البيت لأجل إثبات فصاحة النطق بالكاف الفارسية، أم أنه أراد به إيضاح إشكال الانحراف الذي أحدثته لنطق حرف القيف؟! لقد أراد به الانحراف الذي تسببت به الكاف الفارسية والتصحيف حتى بدت كالكاف العربية. فما علاقة الفصاحة والركاكة عندما سقتها هنا؟

(11) يقول:"*فالحكم الذي أخلص إليه حول البيت هو أنه إما أن يكون زجلاً فلا يعوَّل عليه، أو أن يكون منقولاً مشافهة لا كتابة فالمعتمد الكتابة لا المشافهة*"

     يقول: "لا يعول عليه" وقد ترك هذا التعويل مبهمًا فضفاضًا!! وسؤالي: يعول عليه في ماذا؟ هل في إصدار حكم بفصاحتها مثلا كما يتوهم، أم في إصدار حكم على وجود ظاهرة نطق القيف لدى العرب؟ ثم قوله: "المعتمد عليه الكتابة لا المشافهة" وهنا يترك المعتمد عليه أيضًا مبهمًا فضفاضا!! ففي أي شيء يعتمد عليه؟! هل المقصود اللغة؟! أما قول الأستاذ العوض:"فالمعتمد الكتابة لا المشافهة" فأقول إن مثل هذا الكلام لا يقول به لغوي عالم بالأصوات بشقيه العام والوظيفي فضلا عن أن يحتج به.

(12) ثم يستدل العوض بالقياس: "*ليبينوا عن أصالة الأصيل ورداءة الرديء، مثلما فعل الأدباء في أبيات بشار بن برد: (ربابة ربة البيت)"

     قلت وهذا قياس فاسد فهو يستدل بقضايا أدبية على قضايا لغوية محضة!

(13) ثم يقول العوض: "*حين ناقش الكاف الفارسية وما آلت إليه، فاته أن مصير هذه الدعوة سيؤول إلى ما آلت إليه تلك الكاف، وستجني أعني الدعوة - ما جنته على لغتنا بإبطالها فصاحة القاف وتأثيرها المباشر عليها، لنرى لاحقاً قارئاً لسورة القارعة والحاقة بذلك الحرف المبتدع*"

      وهنا أحيله إلى همسة ذكرها الأستاذ فهيد بن رياح، قال فيها ما نصه:"*المصريون أشد الناس تمسكاً بنطق الجيم*]القاهرية[*عند عامتهم وخاصتهم بل الخاصة ينازعون بأفصحيتها، ومع ذلك لا يقرأون القران بها، فليفرخ روع الخائف على أن نطق القيف سيسري على القران، وستتبلبل بعد ذلك الألسنة، وستصبح العربية أثراً بعد عين، وخَبراً بعد خُبر."

(14) يقول:"*انطلق المجمع في دعوته تلك بدءاً من اللهجة الدارجة (...)، ثم عَرَّج على الألفاظ غير العربية التي تنقل إلينا من لغات أخرى وليس فيها حرف القاف الفصيحة، ولكنهم ينطقونه بالمخففة (مختلة المخرج) ليمثل لها بكلمات أعجمية راوحت كتابتها بين أحرف غير ثابتة كالجيم والقاف والغين ونطقها واحد غالباً، ولكنه فات عليه أن ذلك منحى عرفه المترجمون فأنالوه حقه بمنهج علمي رصين تعارفوا عليه ودونوه بما يقارب الحرف المراد فيه، فمثلاً كتابة اسم مدينة (هونج كونج)*"

    يزعم هنا -عندما تبدو الحجة في خدمة فكرته- بأن المترجمين قد أنالوا المخارج حقها "بمنهج رصين"، ولا أعلم عن فحوى هذا المنهج الرصين في الوقت الذي يشكوا فيه المترجمون في تنظيرهم من إشكالية نقل اللفظ الدخيل بحروف عربية، ثم يستعين بلفظ مشهور مثل "هونج كونج" ولكنه نسي مسميات أخرى مثل "كرايس" و "جرايس" و "غرايس" !! فهل بظنه أن كل حرف "ك" أو "ج" أو "غ" سينطق بالقيف؟ وهل نطق الجيم مثلاً في "John- جون " مثل نطق الجيم في "god*جاد" ؟ فهل قرأ الأستاذ العوض في كتب تناولت إشكاليات ترجمة أسماء الأعلام إلى العربية؟

(15) يقول: "**المجمع حينما بادر بالحديث عن هذا المبتدع، وهذه الدعوة، صار يتكلم عن حرف معتمد مسلَّمٍ به، ويصفه كما توصف الحروف المعتمدة في لغة العرب، وكأنما حُسم أمره وانتهى، وهذا ليس من المنهج العلمي في شيء، إذ لم يقبل به أية جهة ذات شخصية اعتبارية في القرارات المصيرية للغة*"

     في الفقرة السابقة قلت في نفسي هل قرأ الأستاذ العوض شيئا في المصطلحية، وعوامل انتشار المصطلحات؟ وكيف يتم نشرها وترويجها؟ وهل يلزم لكل مصطلح أن يعتمد من جهة رسمية أو مجمع لكي يتم قبوله؟ أوليس يعلم بأن بعض المصطلحات تتركها المجامع لتختبر فترى مدى تقبلها؟ أو ليس المؤلفون والأكاديميون والكتاب والإعلاميون يعدون وسيلة مهمة في سك المصطلحات وترويجها، ثم بعد ذلك يثبت المصطلح نفسه أو يفشل؟ ثم لنا أن نتساءل إذا لم يسك المصطلحات أمثال الدكتور الصاعدي وهو البروفسور الضليع في اللغة وأمثاله فمن يسك هذه المصطلحات إذًا؟!

*(17) يقول العوض أيضًا : "غير العرب من الأعاجم والروم والزنوج لا ينطقون كثيراً من الحروف العسيرة في العربية مثل الحاء والخاء والظاء والقاف والضاد وغيرها فهل يعني ذلك أن نسعى لما يخدمهم بإيجاد بدائل لتلك الحروف مجاراة لهم؟"

        قلت: وهل بظن الأستاذ العوض أن الأجنبي عندما يريد أن يتعلم لغتنا سيكون هاديه إلى نطقها نطقًا صحيحًا هو حرف"القيف" فهو إن كان سيلحن في نطق كلمة مثل" قام" فسيلحن حتى لو كتبت بالقاف!

     ومع أن المجمع قد أكد على أن استعمالها لنقحرة الحرف الأجنبي وليس الحرف العربي! لكن العوض قد قلب الصورة هنا عندما حاول أن يشعر المتلقي بأنها (القيف) ستكون خدمة للأعجمي، والحقيقة أنها ستكون خدمة للعربي الذي يدرس لغته أو لغة أخرى دراسة وصفية!

(18) قال العوض أيضًا: "دأب علماؤنا على متابعة المنقول من تراثنا فنقحوه وهذبوه ليخرج سليماً نقياً براقاً تقبله الذائقة السليمة، فانتقدوا اللحَّانين وعابوا على غير الفصحاء، واطرحوا كل ما يروى حتى عن الأعيياء الذين لا تستقيم ألسنتهم لعيب خَلْقي فيهم"

    وهنا إشارة واضحة إلى عدم تمييز طرحه بين المعيارية والوصفية، وأنا أقول جازمًا بأننا المجمعيين بما فينا أستاذنا الصاعدي لا نشك مثقال ذرة في هذا القول!، غير أن السؤال هو: أين مربط الاحتجاج هنا على مسألة القيف؟!


      أخيرا أسأل الله العلي العظيم أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،، 
كتبه
عبدالرؤوف الخوفي
الأحساء 
الجمعة 17 رجب 1435هـ