الخميس، 31 مارس 2016

محمود شاكر يخطّئ الجاحظ:

محمود شاكر يخطّئ الجاحظ

          روى الجاحظ في البيان والتبيين 1/ 150 قول راجزٍ يصف حمارًا أصابه سهم:

حَتَّى نَجا من جَوْفِهِ وما نَجا

يريد أن السهم نجا من جوف الحمار؛ أي: اخترقه ولم ينجُ الحمار. وذكره في الحيوان 3/ 75 وفسّره بأنه من باب الإيجاز المحذوف وأن الراجز يصف سهمَه حين رمى عَيرا كيف نفذ السهم  من جوف العير وصرعه.

      لكن محمود شاكر يرى أن المعنى خلاف ذلك، لأن نجا الأولى بمعنى أحدث، ومن جَوْفه مصحفه، وصوابها: من خَوْفه، يريد أن العير من خوفه أحدث، ثم لم ينجُ، قال شاكر في حاشية دلائل الإعجاز 523 معلقا على تفسير الجاحظ: ((وهكذا الكلام عندي من أوهام الجاحظ، وإنما الصواب: من خوفه، بالخاء المعجمة من فوق، ونجا الأولى من النَّجْو، وهو ما يخرج من البطن من الغائط، يريد أنه من خوفه أحدث، ثم لم ينجُ، أما الذي قاله الجاحظ فهو لا شيء)).
  
       أقول: ماذكره كل من الشيخين الجاحظ ومحمود شاكر تقبله اللغة وسياق البيت، وتفسير شاكر أقرب عندي، لأن بعض الطرائد كالذئب والحمر الوحشية تحدث من شدّة الخوف، وطالما سمعنا في ثقافتنا الشعبية أن الذئب إذا فَجَأه الصيّاد عن قرب ربما أحدث.
        وتفسيرُ محمود شاكر البيتَ وردُّه على الجاحظ بهذه الثقة والقوة وتبيانه تصحيفه وفساد تأويله هو جزء من منهج اختطه لنفسه، وهو ألا يجامل أحدًا على حساب لغة العرب وآدابها مهما علت مكانته، ويدلّ أيضا على قدرته على الغوص على الدقائق والخبايا التي تخفى على غير خبير، وقد أعانه على ذلك تمكّنه من اللغة وقدرته العالية على تذوق الشعر.
عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة
22/ 6/ 1437هـ

31 مارس 2016م

الجمعة، 18 مارس 2016

قصة مسألة المتنحوي:

مسألة المتنحوي
أبو علي الفارسي يتدخل في مسألة المتنحوي

      بعد أكثر من سبع عشرة سنة من بداية خلافٍ تصريفي بيني وبين الأديب الكبير أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري يتدخل إمام الصرفيين القدامى أبو علي الفارسي المتوفى سنة 377 ويحسم النزاع في مسألة المتنحي والمتنحوي.. ويقول كلمة الفصل التي ستجعل حبيبنا ابن عقيل يذعن للحق طائعا أو كارهاً..

قصة مسألة المتنحوي:
    1- في عام 1416هـ كتب الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري مقالة في زاويته الشهرية (التباريح) في المجلة العربية (العدد 215) بعنوان (حمد الجاسر وشرياني التاجي) جاء فيها كلمة المتنحوي في سياق المتعاطي للنحو، في قوله: ((... ولأنني التصقت بالشيخ قبيل الكهولة، وأنا أتمتع بكل أزياء أبي براقش من أديب.. إلى عاشق فن.. إلى مولَه.. إلى متفقّه أو متفلسف أو متنحوٍ)). فكتبت له رسالة قلت فيها بعد الثناء على علمه : ((..لقد وفق الأستاذ حمد القاضي باستقطاب مثل هذه النخبة المتميزة.. ولم تقتصر لغوية الشيخ أبي عبدالرحمن على حذقه اللغة، ودرايته بقواعدها وإلمامه بأصولها وفروعها، بل تعدى ذلك فتشرب بها. وليسمح لي الشيخ أبو عبدالرحمن أن أعلق على شاردتين وردتا في تباريحه المعنونة بــ ( حمد الجاسر وشرياني التاجي) في المجلة العربية (العدد 215) في قوله: ((..ولأنني التصقت بالشيخ قبيل الكهولة، وأنا أتمتع بكل أزياء أبي براقش من أديب.. إلى عاشق فن.. إلى مولَه.. إلى متفقّه أو متفلسف أو متنحوٍ..)) وهذه الشاردة هي قوله: (متنحوٍ) والتنوين فيها عوض عن الحرف، فالأصل (متنحويٌ) فأعلت إعلال قاضٍ، وتظهر الياء عند إثبات الألف واللام، فيقال: المتنحوي. والقياس ـ أو الأحسن في الاستعمال اللغوي ـ أن يقال في اسم الفاعل في هذا المعنى: (متنحٍ: المتنحّي) وليس ( متنحوٍ: المتنحوي) فالنحو من نحا ينحو ناحية، واسم الفاعل منه: ناحٍ (الناحي).. وإذا ضعّفت العين وزيدت التاء في أوله، فقيل تنحّى كان اسم الفاعل (متنحٍ: المتنحّي) كقولنا من تأدّب وتفقّه: متأدّب ومتفقّه، على وزن متفعّل. وتفعّل هنا للصيرورة، فقولك: تأدّب فلان وتفقّه وتنحّى: أي صار أديبا وفقيها و( نحيّا نحويا)  أما (متنحو) فيجوز أن تحمل على الإلحاق بـمتدحرج.. أي أن الفعل: تنحوى مثل تدحرج وتفلسف، على وزن تفعلل وليس تفعّل، فيكون اسم الفاعل ـ حينئذـ متنحويا (متنحوٍ). وعلى الشيخ أن يقنعنا : لماذا عدل عن تفعّل إلى تفعلل، وهم يقولون إن الإلحاق سماعي لا يقاس عليه ولا يجوز إلا في نوع منه على الضرورة، وهو ما كان بتكرير اللام، نحو: قعدد وضربب وشملل، ومنه تنحوى، فهو مكرر اللام، والأصل: (تنحوو) فقلبت الواو ياء لتطرفها خامسة، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، واسم الفاعل من هذا (متنحوٍ) كما قال أبو عبدالرحمن.
       غير أن هذا النوع مقصور على الضرورة. قال ابن يعيش في شرح المفصل (7/155): ((وهذا القبيل من الإلحاق مطرد ومقيس حتى لو اضطر ساجع أو شاعر إلى مثل ضربب وخرجج جاز له استعماله، وإن لم يسمعه من العرب، لكثرة ما جاء عنهم من ذلك)).

      وثمة شاردة أخرى في مقالة الشيخ أبي عبدالرحمن وهي كلمة (تمعلُم) في قوله: وفي مجال أعمال بعض رجال المعجم وجدت ما يغيظ من إدلال وتمعلُم وقصور في التحقيقوالتمعلم مصدر الفعل: تمعلم، وهي غير مألوفة في هذا الفعل، غير أن الشيخ قاسه على بعض الأفعال الشاذة في بنائها، ومنها تمسكن وتمدرع وتمندل، وهي على وزن تمفعل ملحقة بـ (تفعلل) كتدحرج.
      قال ابن خالويه في كتاب (ليس في كلام العرب) ص 76 : ((ليس في كلام العرب: تمفعل الرجل، إنما هو تفعّل [هكذا، والصواب: تفعلل] إلا تمدرع لبس المدرعة، وتمسكن صار مسكينا، وتمندل بالمنديل وتمغفر وتمغثر ـ من المغافير والمغاثير ـ وتمنطق))، وزاد المحقق: تمرأى نظر إلى المرآه، وتمهجر تكبر، وتمرفق اتخذ مرفقة، أي مخدة. فهل لنا أن نزيد (تمعلم) اعتمادا على لغة الشيخ وقياسا على المسموع من لغة العرب؟.

     2- فرد الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري على رسالتي الخطية في تباريحه (المجلة العربية العدد 227 ص66، 67) : بعنوان (بل هو المتنحوي.. لا المتنحّي) وهذا نصها: ((بعث الدكتور عبدالرزاق فراج الصاعدي من المدينة المنورة إلى المجلة العربية مداخلة رائعة مع التباريح، ولنفاستها أترك جزءا من تباريحي لمداخلته على الرغم من حاجتي إلى حيز التباريح، ورسالة الدكتور تناولت موضوعين لغويين بعد إطراء من الدكتور لأبي عبدالرحمن صاحب التباريح (أقابله بعظيم الامتنان) ثم علق يقول: ولقد وفق الأستاذ حمد القاضي باستقطاب مثل هذه النخبة المتميزة. ولم تقتصر لغوية الشيخ أبي عبدالرحمن على حذقه اللغة، ودرايته بقواعدها وإلمامه بأصولها وفروعها، بل تعدى ذلك فتشرّب بها. وليسمح لي الشيخ أبو عبدالرحمن أن أعلق على شاردتين وردتا في تباريحه المعنونة بــ (حمد الجاسر وشرياني التاجي) في المجلة العربية (العدد 215) في قوله: ((..ولأنني التصقت بالشيخ قبيل الكهولة، وأنا أتمتع بكل أزياء أبي براقش من أديب.. إلى عاشق فن.. إلى مولَه.. إلى متفقّه أو متفلسف أو متنحوٍ..)) وهذه الشاردة هي قوله: (متنحوٍ) والتنوين فيها عوض عن الحرف، فالأصل (متنحويٌ) فأعلت إعلال قاضٍ، وتظهر الياء عند إثبات الألف واللام، فيقال: المتنحوي.
     والقياس ـ أو الأحسن في الاستعمال اللغوي ـ أن يقال في اسم الفاعل في هذا المعنى: (متنحٍ : المتنحّي) وليس ( متنحوٍ: المتنحوي) فالنحو من نحا ينحو ناحية، واسم الفاعل منه: ناحٍ (الناحي) وإذا ضعّفت العين وزيدت التاء في أوله، فقيل تنحّى كان اسم الفاعل (متنحٍ: المتنحّي) كقولنا من تأدّب وتفقّه: متأدّب ومتفقّه، على وزن متفعّل وتفعّل هنا للصيرورة، فقولك: تأدب فلان وتفقّه وتنحّى: أي صار أديبا وفقيها و( نحيّا نحويا)
     أما (متنحوٍ) فيجوز أن تحمل على الإلحاق بـمتدحرج.. أي أن الفعل: تنحوى مثل تدحرج وتفلسف، على وزن تفعلل وليس تفعّل، فيكون اسم الفاعل ـ حينئذـ متنحويا (متنحوٍ)
     وعلى الشيخ أن يقنعنا: لماذا عدل عن تفعّل إلى تفعلل، وهم يقولون إن الإلحاق سماعي لا يقاس عليه ولا يجوز إلا في نوع منه على الضرورة، وهو ما كان بتكرير اللام، نحو: قعدد وضربب وشملل، ومنه تنحوى، فهو مكرر اللام، والأصل: (تنحوو) فقلبت الواو ياء لتطرفها خامسة، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، واسم الفاعل من هذا (متنحوٍ) كما قال أبو عبدالرحمن. غير أن هذا النوع مقصور على الضرورة. قال ابن يعيش في شرح المفصل (7/155) : ((وهذا القبيل من الإلحاق مطرد ومقيس حتى لو اضطر ساجع أو شاعر إلى مثل ضربب وخرجج جاز له استعماله، وإن لم يسمعه من العرب، لكثرة ما جاء عنهم من ذلك)).
وثمة شاردة أخرى في مقالة الشيخ أبي عبدالرحمن وهي كلمة (تمعلم) في قوله: وفي مجال أعمال بعض رجال المعجم وجدت ما يغيظ من إدلال وتمعلم وقصور في التحقيق.
     والتمعلم مصدر الفعل: تمعلم، وهي غير مألوفة في هذا الفعل، غير أن الشيخ قاسها على بعض الأفعال الشاذة في بنائها، ومنها تمسكن وتمدرع وتمندل، وهي على وزن تمفعل ملحقة بـ ( تفعلل) كتدحرج.
     قال ابن خالويه في كتاب ( ليس في كلام العرب) ص 76 :  ليس في كلام العرب: تمفعل الرجل، إنما هو تفعّل [ هكذا، والصواب: تفعلل ] إلا تمدرع لبس المدرعة، وتمسكن صار مسكينا، وتمندل بالمنديل وتمغفر وتمغثر ـ من المغافير والمغاثير ـ وتمنطق. وزاد المحقق: تمرأى نظر إلى المرآه، وتمهجر تكبر، وتمرفق اتخذ مرفقة، أي مخدةفهل لنا أن نزيد (تمعلم) اعتمادا على لغة الشيخ وقياسا على المسموع من لغة العرب؟))
     قال أبو عبدالرحمن: احتمالات الصحة متعددة في لغة العرب، ومراد المتكلم لا بد أن يكون واحدا ينزل على احد الاستعمالات الجائزة، فأما المتنحّي فلا تحقق مفهوم من صناعته النحو، وإنما هي عن المبتعد. والصواب: المتنحوي، والفعل تنحوى.. وليست تنحوى تصريفا للفعل تنحّى بحيث يصبح الفعل على وزن تفعلل، فيكون ذلك إلحاقا من باب الضرورة، فيعاب ذلك بما ذكره ابن يعيش.بل المتنحوي اسم مشتق مباشرة من اسم النحو، وجاءت صيغة التفعلل للتكلف في تعلم النحو. والعرب تشتق الفعل كثيرا من الاسم، فتقول: جلده، بمعنى ضربه في جلده، ورَأَسَه ضربه في رأسه.
     ويجوز على نفس الأسلوب فَكْرَنَه اشتقاقا من الفكر، ويسمون ذلك نحتا تجوزا. وهكذا الشأن في التمعلم بمعنى التظاهر بالعلم من غير علم. وما يذكره ابن خالويه في كتابه ليس في كلام العرب ـ وقد ضاع من هذا الكتاب شيء كثير ـ إنما هو من الصيغ التي سمعت لها مفردات.
     قال أبو عبدالرحمن: وقد حررت مذهبي في مناسبات كثيرة بأن صيغ العربية (أوزانها) موضوعة لمعانيها كدلالة الفاعول على المبالغة وما يحصل به بلوغ الغاية من الآلات بغض النظر عن معاني مواد مثل الفاروق والساطور، وكدلالة المفاعلة على التتابع بغض النظر عن معاني مواد كالمسافرة والمسايرة.
    فإذا أراد معنى الصيغة حول المادة إليها ولا يضيره أن كانت المادة مسموعة بتلك الصيغة أم غير مسموعة.. وإنما المهم أمران:
     أولهما: أن تكون الصيغة ذاتها مسموعة، ولو في مادة أخرى.
    وثانيهما: أن لا يمنع مانع صرفي من التحويل إليها.
وصيغة التمسكن لا تدل على أن المرء صار مسكينا، وإنما تعني أحد أمرين حسب أصل الاشتقاق:
     أحدهما: السكون من المسكنة، وفي أمثالهم العامية: تمسكن حتى تمكّن.
   وثانيهما: التظاهر بزي المساكين بحيث يبدو كأنه مسكين، وأما دعوى أن الأصل في الاشتقاق الاسم أو الفعل فمن الميتافيزيقيات اللغوية، وإنما نعبر بالاشتقاق على مصطلحات القوم، وإنما الاشتقاق حقيقة في المعاني على نحو ما يذكره ابن فارس في مقاييس اللغة والزمخشري في أساس البلاغة.
أما الألفاظ فلا اشتقاق فيها إلا من ناحية صورية فتقول ضارب من ضرب، فتجعل الأقل حروفا مشتقا منه. والواقع أنك حولت المادة من صيغة موجودة مثل صيغة (فعل) إلى صيغة موجودة مثل صيغة (فاعل)
وقد يدوّن المعجم صيغة الاسم ولا يسعفك بالنقل عن استعمال صيغة الفعل، فتحول الاسم إلى صيغة الفعل، فكأنك اشتققت منه وأخذت صيغة الفعل الحاضرة الغائبة، وشكرا للدكتور على هذه المداخلة، والله المستعان.

      3- ومن هنا بدأت مساجلة علمية بيننا، كتبتُ أنا عدة مقالات في جريدة المدينة ( ملحق التراث وملحق الأربعاء) ومجلة المنهل.. وكتب الشيخ ابن عقيل في المجلة العربية وجريدة الجزيرة، وكلٌّ منا يحاول أن ينقض رأي الآخر وينتصر لرأيه..

تأملوا عنوان مقال الشيخ ابن عقيل الظاهري السابق : (بل هو المتنحوي.. لا المتنحّي)

وتأملوا قوله نصا من كلامه السابق: ((... فأما المتنحّي فلا تحقق مفهوم من صناعته النحو، وإنما هي عن المبتعد. والصواب: المتنحوي، والفعل تنحوى.. وليست تنحوى تصريفا للفعل تنحّى بحيث يصبح الفعل على وزن تفعلل...))


     4- فبدأت مساجلة علمية بيننا، كتبتُ عدة مقالات في جريدة المدينة ( ملحق التراث وملحق الأربعاء) ومجلة المنهل.. وكتب هو في المجلة العربية وجرية الجزيرة، وكلٌّ يحاول أن ينقض رأي الآخر وينتصر لرأيه..


5- وكتبت مقالة لي في ملحق الأربعاء بجريدة المدينة بتاريخ 5 محرم 1417هـ تحت عنوان: ( بل هو المتنحّي يا صاحب التباريح) ليست تحت يدي الآن ( سأبحث عنها)

5- وقلت في مقال لي بعنوان ( كيف تنكر الإلحاق أيها الشيخ ) الأربعاء 8 شعبان 1417هـ : (( أيها الشيخ الجليل؛ اسم الفاعل مما زيد في أوله تاء وضُعّفت عينه مثل تأدّب وتفقّه يأتي على وزن ( المتفعل) فيقال : المتأدّب والمتفقّه ، ويأتي من الرباعي المزيد بتاء في أوله من نحو تدحرج وتبعثر على وزن ( المتفعلل) أو ما ألحق به ، فيقال المتدحرج والمتبعثر ، ومما ألحق به : المتجلبب من تجلبب وأصله (جلب) ثم ألحق بالرباعي بزيادة باء ثانية ، فقالوا جلبب، ثم زيدت التاء في أوله، ومثله المتسعود من تسعود ، والواو للإلحاق...
وكلمة النحو كلمة ثلاثية، واسم الفاعل منها قبل الزيادة ( الناحي) وبعد زيادة التاء والتضعيف ( المتنحّي) مثل : المتأدّب والمتفقّه والمتبحّر والمتعلّم والمتديّن، كل ذلك ثلاثي الأصل.
فـ (المتنحّي) هو الوجه الأقوى في اسم الفاعل من ذلك الفعل المزيد، مع أن المتنحوي وهو الوجه الذي تختاره قد يصحّ على وجه من وجوه اللغة، وهو الإلحاق؛ إلا أنه سماعي، وخصه بعض الصرفيين بالضرورة، ويجوز القياس عليه عند بعضهم ( ينظر شرح المفصل لابن يعيش7/155)
وهذا يعني أن (المتنحّي) هو الأفصح، لكن أنت تقول إن الصواب هو (المتنحوي) وتنكر(المتنحّي) في هذا المعنى، أي الذي يتكلف النحو ويتعاطاه، وتصرّ على ذلك في مقالتيك الاثنتين، ومع ذلك تنكر الإلحاق في العربية مع أنه مخرجك الوحيد فيما ذهبت إليه، وهذا من الغرائب.
وأقول ثانيا: إن (المتنحوي) اسم فاعل من فعل ثلاثي ملحق بالرباعي، وتقديره مع فعله: (تنحوو) ـ بواوين ـ فهو (المتنحوو) ثم قلبت الواو الثانية في الفعل ألفا لعلة صرفية معروفة، فأصبحت الكلمة( تنحوَى) على وزن (تفعلل) وهذه الألف قلبت ياء في اسم الفاعل لكسر ما قبلها فقالوا: (المتنحوي) فإن جئت بها نكرة قلت: منتحوٍ ، تحذفت الياء كما تحذفها في : داعٍ وقاضٍ وغواشٍ.
وقد يجوز وجه آخر في الإلحاق ، وهو أضعف من سابقه، وذلك أن يكون فعل المتنحوي ملحقا بالرباعي يزيادة الألف مثل سلقى من قولك: سلقاه على ظهره، فيكون وزن الفعل( تنحوى) إن صحّ هذا التوجيه: ( تفعلى) واسم الفاعل منه (المتنحوي) ـ أيضاـ وزنه ( المتفعلي)
ولولا وجه الإلحاق لقلت لك: إن (المتنحوي) كلمة عامية ونظيرها من كلام بعض العامة: (المتخطوي) يريدون ( المتخطّي) ولو تدبرت ذلك ـ أيها الشيخ الكريم ـ لوجدت أن (المتنحوي) كلمة لا نظير لها في فصيح الكلام مما اعتلّ لامه ، كالنحو والدلو، أما (المتنحّي) من النحو فلها نظائر لا حصر لها، لأنها هي القياس، ومن ذلك قولهم من الدلو: تدلّى فهو المتدلّي ، وليس المتدلوي ، ومن البدو : تبدّى فهو المتبدّي وليس المتبدوي ، ومن اللهو : تلهّى فهو المتلهّي وليس المتلهوي، ومن العلو: تعلّى فهو المتعلّي وليس المتعلوي، ومن التربية: تربّى فهو المتربّي وليس المتربوي... ولذا يقال من النحو: تنحّى الأستاذ وتعمّق في النحو فهو المتنحّي وليس المتنحوي ، إلا على وجه الإلحاق بصورتيه اللتين ذكرتهما لك.. فأنت تنكر الصواب الراجح وتبطله وتأخذ بالمرجوح.. والله المستعان))
(جريدة المدينة الأربعاء 8 شعبان 1417هـ)

هذا كلامي فلم يقبل به الشيخ ابن عقيل الظاهري على الرغم من وضوحه واستمر في التخبط الصرفي كما سنرى لاحقا.


7- أصر الشيخ الفاضل أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري على الخطأ وواصل انكاره لقاعدة صرفية لا ينكرها من له مسكة من علم بالتصريف..
وكتبت أنا مقالته في مجلة المنهل عدد ذي الحجة سنة 1418ه ص 122 - 123 ذكرت فيه أغلوطات ابن عقيل: منها أنه ينكر أن يكون تنحى دالاً على التعمق في النحو؛ لأنه ينكر أن يكون تنحى مشتقاً من النحو الذي هو العلم المصطلح عليه,, وهو يرى أنه لا سبيل إلى تأدية المعنى الذي أراده إلا بأن يقال: تنحوى فهو المتنحوي,, وهذه من غرائب الشيخ، لأن تنحى يؤدي المعنى,, وفوق ذلك هو القياس,, كما يؤديه تفقه من الفقه، وتأدب من الأدب,, والفقه والأدب مصطلحان مستجدان كالنحو,
أما من يفهم أن تنحى بمعنى ابتعد فحسب ففقهه قاصر، لأن الصيغة الصرفية الواحدة تؤدي عدداً من المعاني المختلفة,, ولا يمكن أن يصاغ من كلمة النحو صيغة تنحوى إلا عن طريق الإلحاق الذي بينته فيما سبق، فالقياس أن يقال من النحو: تنحى,, كما يقال من الأدب تأدب,, فإن أراد صيغة الإلحاق من الأدب قال: تأدبب!!,, وكذلك يقول من النحو: تنحوى,, وأصلها: تنحوو,, ثم تقلب الواو ألفاً على النحو الذي فصلته سابقاً..

والمقالة في مجلة المنهل عدد ذي الحجة سنة 1418ه ص 122 123

8- ثم كتب الشيخ ابن عقيل مقالة بعنوان : يكفي هذا التنحوي
وهذا نصها:
يكفي هذا التنحوي
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبد الرحمن: مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن ترك المراء وإن كان محقاً، ووعده بالأجر الجزيل,, بيد أن الدكتور عبد الرزاق فراج الصاعدي من طيبة الطيبة ألح على المراء، وكان هو المبتدىء، ولم يكن محقاً، بل كان والله - قسماً براً - مخطئاً مخطئاً,, وفي كل مرة يستدل يأتي بخطأ جديد,, ولعله أراد بهذا الإلحاح التعمية على الطلاب حتى لا يكون مهزوماً في نظرهم، فلا يفقد إعجابهم,
قال أبو عبد الرحمن: ومسألة النحوي، والمتنحوي قد طبخت ونضجت واحترقت وأكلت حتى صارت رجيعاً!! وبياني فيها كان جلياً واضحاً,, لا شبهة ألبتة في استعمال المتنحوي بمعنى المتعمق في علم النحو حقيقة، أو المتكلف علمه ادعاء,, وليس ترك المراء من جانبي، لأكون مشكوراً شرعاً في تركه، بل أنا أمام شغب يتجدد ويتنوع، ولا يسعني إلا جلاء الشغب استجابة لمطالب العلم، وأداء لأمانته، فقد بليت بمن يقول: 5x5=10,, والعلامة علامة ضرب!! وكان الصاعدي يتنقل بردوده من جريدة المدينة,, إلى المجلة العربية,, الى مجلة المنهل؛ لعلي لا أطلع على آخر كلمة منه، فيقول الطلاب: سكت الظاهري، فهو محجوج!!,
ومقالته الأخيرة في مجلة المنهل عدد ذي الحجة سنة 1418ه ص 122 - 123 قدم له بربع المقالة تقديما لا تقتضيه ضرورة، ولا يسوغه جمال أدبي!!,
قال الدكتور الصاعدي عن أغلوطات جديدة وقعتُ فيها بزعمه: منها أنه ينكر أن يكون تنحى دالاً على التعمق في النحو؛ لأنه ينكر أن يكون تنحى مشتقاً من النحو الذي هو العلم المصطلح عليه,, وهو يرى أنه لا سبيل إلى تأدية المعنى الذي أراده إلا بأن يقال: تنحوى فهو المتنحوي,, وهذه من غرائب الشيخ، لأن تنحى يؤدي المعنى,, وفوق ذلك هو القياس,, كما يؤديه تفقه من الفقه، وتأدب من الأدب,, والفقه والأدب مصطلحان مستجدان كالنحو,
أما من يفهم أن تنحى بمعنى ابتعد فحسب ففقهه قاصر، لأن الصيغة الصرفية الواحدة تؤدي عدداً من المعاني المختلفة,, ولا يمكن أن يصاغ من كلمة النحو صيغة تنحوى إلا عن طريق الإلحاق الذي بينته فيما سبق، فالقياس أن يقال من النحو: تنحى,, كما يقال من الأدب تأدب,, فإن أراد صيغة الإلحاق من الأدب قال: تأدبب!!,, وكذلك يقول من النحو: تنحوى,, وأصلها: تنحوو,, ثم تقلب الواو ألفاً على النحو الذي فصلته سابقاً ,
قال أبو عبد الرحمن: التسوية بين الفقه والأدب والنحو في الاشتقاق المعنوي تسوية بين مختلفين,, وعلى لغة الأصوليين قياس مع الفارق، ولذلك حديث يأتي ان شاء الله,, والجواب العاجل هاهنا من وجوه: أولها: ان الصاعدي كحصان الجرف العزوم الغاضب على اللجام,, جلَّح تجليحة صلعاء عندما قال: لأن الصيغة الصرفية الواحدة تؤدي عدداً من المعاني المختلفة ,, قال ذلك تسويغاً لتحويل صيغة متكلف النحو من الفعل تنحى !!,, والغلط الشنيع في هذا هو ظن الدكتور أن معنى الصيغة يحول معنى المادة الى معنى آخر؛ فوارحمتاه بلغة العرب إن كان هذا هو فقه بعض المعاصرين المدعين التخصص بها!!,, وواضيعة الأعمار إذ خلف الثعالبي وابن فارس وأبا علي الفارسي وابن جني من يفهم لغة العرب بهذا الفكر المرسل البريء من معهود الإعجاز والفروق!!,
قال أبو عبد الرحمن: الصواب في هذا أن لغة العرب: مفردات مواد، وأوزان صيغ، وروابط حروف معان,, وتركيب جمل يحكمها علم النحو، وعلم البلاغة، ثم دلالات السياق، والقرائن، ومعهود خطاب المتكلم,, ويتدخل في كل ذلك استنباط العقل، واستقراء الحس,
فالصيغة مثل فاعول - مهما تعددت معانيها من الاسمية المحضة، أو الوصف، أو الآلة، أو المبالغة -: لا تجعل ساطوراً بمعنى فاروق، ولا تجعل كافوراً بمعنى ماطور ودافور وهما من موجدات الحضارة الحديثة,, هذا عند تعدد المواد من ماطور، وساطور، وفاروق,, إلخ على صيغة واحدة هي الفاعول ,, كما أن الصيغة الواحدة - مهما تعددت معانيها - لا تنقل معنى من معاني المادة الواحدة الى معناها الآخر؛ فالبار بتشديد الراء صيغة اسم فاعل لا تجعل البر بضم الباء بمعنى البر بكسر الباء,
إن تعدد معاني الصيغة مهما كثرت معانيها انما هو في نطاق معنى واحد لا غير من معاني المادة,, وتعدد معاني الصيغة ليس تعدداً لمعنى المادة، وإنما هو تعدد لأحوال المعنى الواحد وعلاقته بغيره، فالفعيل مبالغة في الفاعل، والمفاعلة لتتابع الحدث من طرف واحد مثل سافر، ولتتابع الحدث من طرفين فأكثر مثل ساير، وفعل للحدث الماضي، وافعل للحدث المراد إيقاعه، والفاعلون لبيان أن القائمين بالحدث عدة أفراد، والفاعلة لتأنيث المؤدية للحدث,, فإذا كانت المادة قام فهي على معناها في كل هذه الصيغ لا تنصرف باختلاف الصيغ إلى معان أخر,, إنما الذي تعدد بتنوع الصيغ أحوالٌ لمعنى المادة من سهولة وتكلف، وزمان ومكان، وكثرة وقلة,, كما تعددت أحوالٌ لذي علاقة بالمعنى من الفاعل والمفعول به,, إلخ,
والدكتور وصفني بقصور الفهم؛ لأن هذا البيان الجلي المشرف عن معنى المادة ومعاني الصيغ هو لازم ونتيجة تأصيلي!!,
ووصف نفسه بكمال الفهم - من لازم الصفة المضادة التي أسبغها علي اسبغ الله عليه نعمة التعلم قبل التكلم -؛ لأن لازم كلامه ونتيجته أن تعدد معاني الصيغة يجعل معنى المادة متعدداً,, وذلك طلب لمحال لا يوجد شاهده ألبتة!!,, وعلى هذا تكون صيغة تنحى تجعل المادة بمعنى تكلف علم النحو,
وأسبغ علي مرة أخرى وصف الإغراب فقال: من غرائب الشيخ ,, يعني منعي دلالة تنحى على التعمق في علم النحو، أو تكلفه ادعاء,, ونقيض هذا الحكم أن يكون الدكتور مع المشهور غير الغريب!!,, ولا أطيل معه الجدل، بل أقول له: أحلني إلى أي معجم لغوي، أو قولة عالم معتبر، أو قولة طويلب علم لم يتبين بعد اعتباره,, أحلني إلى أي واحد من هؤلاء قال: إن تنحى بمعنى تعمق في علم النحو، أو تكلف التظاهر به؟!,, فإن لم يفعل فهو المغرب بالخطأ حقاً، ويبقى مع الصواب المشهور من قال: تنحى بمعنى اتجه ناحية، أو ابتعد، ولا تدل على علم النحو ألبتة,, وذلك هو الظاهري لا الصاعدي!!,
إنني أدعو الدكتور الصاعدي إذا تمادى في المراء والحمية لغلطاته الصلع أن يشفق على نفسه، فيطرح ما خطر على باله من أوهام، ووساوس، وظنون مرسلة بصيغة سؤال المسترشد لا بإملاء المتمعلم، ولا يتطاول بالتخطئة، وتزكية النفس، ووصف المحققين بقصر النظر؛ فطريق الشهرة أكرم من ذلك,, وكم من طالب علم لغير وجه الله، فتحول علمه بالرياضة إلى طلب العلم لوجه الله,, وردت هذه الكلمة صراحة بقلم أبي حامد الغزالي، وقد مرت عليَّ لعالم أسبق منه زمناً,, وتلك الشذرة من شذرات لفتها سحائب النسيان!
وثانيها: نعم - ومليون نعم - أنكر أن يكون فعل تنحى دالاً على التعمق في النحو، أو تكلف التمعلم فيه,, بل هي بمعنى ابتعد، أو أخذ بناحية,
وثالثها: لو كان قصدي مجرد الغلبة، وأن أخطف الصاعدي من أول طريق لقلت له منذ البدء: تنحى لا علاقة لها ألبتة بنحا؛ لأن نحا من الواوي، وتنحى من اليائي، فهما مادتان,, ولو فعلت لأسكته إلى الأبد؛ لأن أهل المعاجم مجمعون على الفصل بين معاني الواوي واليائي، ومجمعون على أن علم النحو من الواوي، وأن تنحى من اليائي، فلا وجه ألبتة لاستعمال المتنحي بمعنى المتعمق في النحو؛ لاختلاف المادتين,, ولن يبق للصاعدي كلام بعد هذا الإجماع,
قال أبو عبد الرحمن: إلا أنني صاحب نظر، وتأصيل، وتدقيق فكري لا أحجر على من تكلم ببرهان، وإن خالف المتوارث,
والذي أحققه أن الواوي واليائي يجمعهما معنى اشتقاقي واحد كما سيأتي بيان ذلك,, ومع وجود المعنى الاشتقاقي الواحد فإن النحو مأخوذ من المعنى الفرعي المتعلق بالواوي، وليس مأخوذاً من الفرع الثاني المتعلق باليائي الذي منه المتنحي,, إذن الصاعدي محجوج بكل تقدير,
ورابعها: أن العرب لا يعرفون قواعد النحو، وانما يتكلمون سليقة، ولم يصطلحوا بالنحو اسماً لهذا العلم المستجد عندهم,, وإنما نسب الأزهري إلى اليونان - لا إلى العرب - أنهم يسمون علم الألفاظ والعناية بالبحث عنه نحواً,
قال أبو عبد الرحمن: هذه المواضعة عند اليونان، وليست هذه المواضعة على كلمة نحو بحروفها المعروفة لدينا، وإنما اللفظ عندهم الدال على علم النحو ترجم الى كلمة النحو الدالة على نفس العلم الذي عندهم, فالذي عند اليونان علم النحو,, كانوا فيه اقدم من العرب,, وليس الذي عندهم كلمة نحو بل الذي عندهم رطانة ترجمت الى النحو بعد ان كان مصطلحاً عند العرب على هذا العلم؛ ولهذا قال الأزهري: فيما يذكر المترجمون العارفون بلسانهم ,
واذن فالعرب - قبل وجود هذا العلم عندهم - إنما يعبرون بمادتي الواوي واليائي للقصد والابتعاد,, والنحو مصدر لم يتخصص بتسمية؛ فلما تخصص باسم لشيء معين كان ذلك المعين معنى آخر غير الابتعاد والقصد والاتجاه,, إنه قواعد، ومسائل، وامثلة، وفصول، وأبواب لا تدل على فعله صيغ ما قبل الاشتقاق، فاحتيج أن ينحت من اسمه فعل يعبر عن المراد,
والعلماء يقولون: النحويون - نسبة إلى النحو - ,, ولا يقولون: المتنحون,
وخامسها: أنه جاء بأبدة ثانية أنست ما قبلها، فقال: القياس أن يقال من النحو: تنحى ؟!!,
قال أبو عبد الرحمن: يا أخي,, يا أخي: أي قياس في صرف نحا الواوي إلى تنحى اليائي؟!,, وأيضاً: فالنحو في الاشتقاق قصد إلى هذا العلم,, والتنحي ابتعاد، فكيف يوصف المتعمق في النحو بالابتعاد عنه؟,, وأيضاً: فالنحو مشتق من الواوي بإجماع,,
وأيضاً: فلم يؤثر عن عامي أو فصيح استعمال المتنحي بمعنى صاحب النحو,, بل وفق الله العوام، وطلبة العلم في منطقتنا الوسطى إلى استعمال التنحوي بمعنى احتراف النحو نطقاً بسليقة في النحت كالتفلسف من الفلسفة مع أن المادة ليست من لغة العرب، ولا من تعريبها، بل من نقلها للفظ الأجنبي برمته، وتحويله إلى صيغها,, وإلى مناسبة أخرى، والله المستعان


9- ثم كتب مقالة بعنوان: اللغة نقل، وعقل، وقاعدة منهما، وهذا نصها:

اللغة نقل، وعقل، وقاعدة منهما
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبد الرحمن: الدكتور الصاعدي مولع بالتلقين الافتراضي المدرسي عن دعوى الإلحاق الذي نتيجته: تأدبب!!,
وإذا قلت له: أريد الحجاز من الرياض، فوجدت طريق قنيفذة مسدوداً،فتياسرت على طريق القويعية؛ لأنه أسهل وأقرب: قال: بل عليك ان تسلك طريق قنيفذة، أو تتيامن عن طريق شقراء,, هكذا فعل تماماً,, قلت له: يا ابن الأجواد لا شأن لي بالإلحاق، وقيود الإلحاق لا تحكمني، لأنني أحول صيغة إلى صيغة بطريق النحت، والنحت مشروع في الجمل، فقيل: الحوقلة، والبسملة، والحمدلة، فكيف يمتنع من المفردة,, والعرب تأخذ المعنى الجديد للصيغة القديمة، وتحول الاسم إلى فعل مثل جلده ورأسه؟!,
وكلما ألقمته العنان التقم يدي، وما ألجمته إلا بعنان حق!!,
ثم جاء الصاعدي بكلام مضطرب غير مفهوم، وما فهم منه فهو خارج دائرة الحديث,, قال عني: ومنها [يعني من أغلوطاتي الجديدة ] أن الشيخ الفاضل لم يزل يتشبث بخيط المعنى في بناء اسم الفاعل,, مع أن الأساس فيه هو البناء الصرفي للكلمة قبل المجيء باسم الفاعل على نحو ما قرره علماء التصريف,, وكأنه نسي المشترك اللفظي في اللغة العربية وهو ما اتفق لفظه، واختلف معناه؛ فالفعل وجد مثلاً له معان متعددة كأن يكون بمعنى حزن، أو غضب، أو علم، أو أصاب شيئاً، او استغنى,, ومع ذلك لا يتغير اسم الفاعل من ذلك؛ لاختلاف المعاني,, وهل فات الشيخ أن هناك كلمات من الأضداد تدل على المعنى وضده ومع ذلك لا يتغير اسم الفاعل فيها كالسارب بمعنى المتواري، وبمعنى الظاهر,, والدائم هو الساكن او المتحرك [الصواب واو الجمع لا أو التخيير],, ومثل ذلك كثير، واسم الفاعل لا يتغير لتغير المعنى الى الضدية اه,
قال أبوعبد الرحمن: ها هنا أمور:
أولها: لأنه لا يعلم إنسي ولا جني معنى خيط المعنى في بناء اسم الفاعل !!,
وثانيها: أقول معه: نعم لا يحوّل اسم الفاعل - ولا أي وزن من الأوزان - إلى صيغة أخرى إلا بعد صحة التصريف بمقتضى القاعدة المستقرأة من كلام العرب,,وهذا غير وارد علي؛ لأن المتنحوي اسم فاعل من الفعل تنحوى المنحوت من كلمة النحو الدالة على العلم المعروف,, فما معنى هذا الخبط والتلبيس في ذكر اسم الفاعل والبناء الصرفي للكلمة؟!,
وثالثها: ما علاقة المشترك اللفظي، وما اتفق لفظه واختلف معناه بمسألتنا؟,, هذه أم المراد التكثر والتشبع؟!,
ورابعها: أنه ذكر ثبوت اسم الفاعل,, يعني أن صيغة اسم الفاعل لا يتغير معناها بتغير معاني المواد,, قال ابو عبد الرحمن: ومن قال: إن معنى الصيغة يتغير بتغير معنى المادة، وما الغرض من إيراد هذه التحفة وهي لا تعارض حرفاً واحداً من جميع ردودي عليه؟!,
وفي أي كتاب، أو جريدة، أو شريط، أو حديث مجلس وجد فيه أن أبا عبد الرحمن يزعم تغير معنى الصيغة بتغير معنى المادة؟!,
ومع هذا أقول للصاعدي: هذه الحقيقة لا تعارض الحقيقة الكبرى التي تجعلني أختار صيغة من صيغ اسم الفاعل دون صيغة تبعاً للمعنى الذي أريده، فأقول: المتنحوي,, ولا أقول: الناحي، أو المتناحي، أو المنتحي,, إن عدم تغير معنى صيغة اسم الفاعل بتغير معنى المادة لا يعني أن صيغة اسم الفاعل وزن واحد، بل هي تبع الفعل من ثلاثي فما فوقه؛ فتقول: واجد، ومتوجِّد، ومستوجد,
وما دام ربنا فتح على الصاعدي هذا الفتح: فما باله نسي أن تعدد معاني الصيغة لا يغير معنى واحداً من معاني المادة، بل يُصرِّف احوالها كما سلف؟!,
ثم ما علاقة هذه اللفتة بمحل النزاع؟,, ان افعال مادة النون والحاء والحرف المعتل قبل اشتقاق المعنى لعلم النحو المعروف قابلة لأسماء فاعلين بصيغ متعددة بعدد صيغ الأفعال التي تسمح بها هذه المادة,, ثم بعد اشتقاق المعنى لعلم النحو قبلت المادة بالنحت فعلاً جديداً مأخوذاً من الاسم هو تنحوى واسم الفاعل منه المتنحوي,, ولا يقول العلماء عن صاحب علم النحو: الناحي,, التفاتاً الى المعنى المشتق منه، وانما يلتفتون الى المشتق ذاته، فيقولون: نحوي بالاضافة الى المشتق,, ولك أن تنحت من المنسوب فتقول تنحوى واسم الفاعل المتنحوي كما تقول: تأمرك فهو متأمرك، وذلك من أمريكي، وتبغدد فهو متبغدد من بغداد,
وخامسها: أن ما ذكره من عدم تغير اسم الفاعل في المتضاد لا علاقة له بموضوعنا، وقد أسلفت الأمر فيه في كلامي عن واجد، ومتوجد، ومستوجد,, والتضاد والترادف لا يقعان في لغة العرب البتة وضعاً ومطابقة، وإنما يردان في معنيين أحدهما مجازي، أو كلاهما مجازي,, وورودهما نتيجة نمو في الاستعمال، وليس نتيجة وضع أولي, قال أبو عبد الرحمن: ويظهر من تعريضات الصاعدي الساذجة - حينما يعرض بأصالة علمي اللغوي في اكثر من مناسبة قرطاسية في هوامش بعض الصحف-: أن لديه علماً جديداً مخزوناً ينفي ما هذبه الفحول منذ عصور التدوين؟! وإذن فيا ليته يخوض فيما ينفع، ويمسح خيوط العنكبوت عن المتنحوي!,
وقال الدكتور الصاعدي: هل يقبل منه [ أي من أبي عبد الرحمن] أن يقول: أنا أقول: المتنحوي؛ لأن مرادي غير مرادك، والمعنى غير المعنى؟,, وهل اختلفنا في المعنى؟!,
قال أبو عبد الرحمن: إي وربي، فلا يقبل إلا ما قلته؛ لأنني لا أريد طريق قنيفذة طريق الإلحاق الذي هجيري الصاعدي به، وانما أريد طريق النحت الصحيح الذي هو الضرورة المتعينة لكل علم استجد معناه، فعرف بالاسم، فاحتاج الى فعل منه,, ولأن الصاعدي ذهب إلى فعل يائي، والنحو مشتق من فعل واوي,, ولأن المتنحي للمبتعد والآخذ بناحية، وليس للفقيه بالفاعل والتمييز والبدل والاستثناء والحال,
وخير وأزكى - عند الله، وعند الخلق، وعند أصيحاب الصاعدي بطيبة الطيبة - أن يكتب سطرين يرجع فيهما إلى الحق، ويترك اللجاجة بالباطل، لأن الصدق حبيب الله ونحن في مجال الصدق العلمي، ولأن الصخرة توهن وتوهي كل ذي روقين,
وأشهد من حضر كلامنا معاً أن الدكتور الصاعدي يجرح المؤهل العلمي الكريم، لأنه آخذ بصفة المنقطع في الحجة، المصر على المغالطة والعناد، المتنقل من دعوى الى دعوى، المتكثر بما لا مدخل له في محل النزاع، وذلك لسببين جوهريين:
اولهما: أن كل حلقاته اعادة لدعواه بأساليب مختلفة - دون جمال أدبي، او اضافة نكتة ذات اعتبار -، وغفلة عن براهيني، وتجاهل للزومها له أو انفكاكه منها,, ولو كان صاحب برهان لكف عن تكرير دعواه، وانتقل إلى ما أوردته عليها من براهين ساطعة: من كون المتنحي من اليائي والنحو من الواوي، وكون المتنحي للمبتعد وليست لحرفة سيبويه، وأن المشتق يؤخذ من المشتق منه ثم يكون معناه غير معناه، وأن المشتق إذا اكتسب استقلاله الاصطلاحي الخاص او العرفي العام أصبح أصلاً تنحت منه الصيغ اللازمة له، وأن النحت باب نمو صحيح صريح في لغة العرب، وأن دعوى الإلحاق الافتراضية ليست هي الطريق المتعين لنمو اللغة,
قال أبو عبد الرحمن: لو جنينا على لغة العرب بهذا الجمود الصاعدي لكان العرب يحتاجون إلى لغة جديدة!!,
وثانيهما: أنه يلح على التمسك بمسألة الالحاق الافتراضية التي افترضها العلماء لتعليم الطلبة على الانتقال من صيغة الى صيغة - لمعنى يراد - وفق قوانين التصريف المستنبطة من الصيغ المسموعة حينما تحول إليها مواد اللغة,, تمسك بهذه المسألة في غير مجالها على الرغم من أنني بينت له مراراً أن مأخذي ليس من دعوى الالحاق الافتراضية، وان سبل التصرف والنمو اللغوي أوسع من هذا المنعطف,, ولم أزعم قط ان مأخذي من الالحاق وانما اراد الزامي سلوك ثنية وعندي محجة لاحبة,
واستمر أخي الدكتور الصاعدي يخلط ويملط فقال عني: والشيخ ينكر الاشتقاق، فليست كلمة عالم ومعلوم ومتعلم ومتعالم وتعليم من العلم أو من علم,, بل ذلك تحويل من صيغة إلى صيغة,, وفاته أن التحويل من شيء الى شيء لا يقتضي العلاقة بين الشيئين,, والعلاقة لازمة في الاشتقاق؛ ولهذا اجمع علماء العربية على القول بالاشتقاق إلا من شذ منهم، وهم قلة ,
قال أبو عبد الرحمن: في هذا تمعلم كثير، وفيه علم وراقين!!,, يحتج بأن التحويل من صيغة إلى صيغة يسمى اشتقاقاً عند الجمهور,, ونتيجة هذا أنه يفترض غياب العلم عني باختلاف العلماء في الاشتقاق وأنا تلميذ ابن فارس والأزهري والراغب وابن حزم!!,
إن إطلاق الاشتقاق على تحويل الصيغ مجاز غير موفق كما سيأتي بيان ذلك في هذه الحلقة إن شاء الله,, وعلوم اللغة ليست قطعية ولا نهائية، بل هي بدايات,, آية ذلك الفتوح العظيمة في علوم اللغات المعاصرة,, والعلماء في تأليفاتهم يتناولون مسائل من سبقهم جمعاً واختصاراً وشرحاً، ثم يندر بين الحين والحين وجود عالم يترك حرفة الوراقة، ويتلقى الأصول بالنقد والتمحيص,
قال أبو عبد الرحمن: إنني أرد العلم، واختلاف العلماء - في علوم اللغة التأصيلية - إلى متون اللغة ذاتها، وإلى بدائه العقول وضروراتها، وإلى القواعد الحتمية التي أخذها العقل من المتن؛ لأن اللغة نقل، وعقل، وقاعدة منهما,, وللسابق إمامته فيما أصاب فيه، وله على اللاحق ريادته في تصحيح اللاحق خطأ السابق في مسألة بصواب السابق في المسألة الأخرى,
وأما عناصر كلام الصاعدي فجوابها من وجوه:
أولها: أنني لا أنكر الاشتقاق، بل فتحت بابه منذ عقلت العلم، وكانت مراجعي الأولى في البحوث كتب ابن فارس، والخليل، وابن دريد، والأزهري، والراغب، وأساس الزمخشري، وكتب مصطلحات العلوم,, وأظنني - خبراً لا تزكية - حببت الناس في بلادي إلى هذه الكتب ولا سيما مقاييس ابن فارس من خلال وقفاتي في تفسير التفاسير، ومقالاتي، وكتبي,, وما عهدت للناس عناية بابن فارس قبل ذلك في بلادي,
وهؤلاء حريصون على جانب الاشتقاق المعنوي، والامتداد المجازي، وحصر المعنى الوضعي وصفته أنه جامع، والمعاني الفرعية الجامعة؛ لأن المجاز يكون مباشراً من المعنى الوضعي، ويكون مجازات بالواسطة من وراء وراء، فتكون مجامع المجاز جوامع فرعية,, وهذا هو الاشتقاق الحقيقي؛ لأنك تشتق المعنى الجديد من المعنى السابق؛ فيكون الحاصل أن المعنى الجديد حادث,, والاشتقاق في تحويل الصيغ مجازي افتراضي؛ لأنك تفترض أنك أخذت عالماً من العلم، ثم تفترض أن العالم معنى مستجد،فتسميه اشتقاقاً,, وهذا تجوز,, وهو مجاز مجاز ولو أطبق أهل الارض على تسميته اشتقاقاً!!,, والواقع ان العالم ليس معنى حادثا بل هو معنى موجود حولته الى صيغة موجودة هي الفاعل,, والعرب وضعوا الصيغ كما وضعوا المواد والروابط,, ولا اريد بالوضع ما اراده جمهور من المعتزلة من اتفاق جماعة من العقلاء على الرمز بلفظ معين لمعنى معين، وانما اريد بالوضعي الوضع الأول للفظ في استعمال الأمة المعروف بالحصر والاستقراء والجمع لمعاني المادة، سواء أكان الواضع الله سبحانه من الألفاظ التوقيفية المتوارثة بين الأمم، ام كان ارتجالاً، ام كان مشتقاً من لغات سابقة؛ فكان المعنى الواحد المشتق وضعاً للأمة اللاحقة,, فهل تعقل هذا يا صاعدي؟!,,
وثانيها: أن الصاعدي قال: وفاته [ أي فات أبا عبد الرحمن] أن التحويل من شيء الى شيء لا يقتضي العلاقة بين الشيئين ,
قال أبو عبد الرحمن: ما هذا الخلط والملط، وكيف يحتج بما هو عليه لا له؟!,, إنه إن كان من شرط الاشتقاق وجود العلاقة بين المشتق والمشتق منه، وكان تحويل المادة الى عدة صيغ، ولا علاقة بين الصيغة والصيغة، ولا علاقة بين المعنى والصيغة: فمعنى ذلك تأييد مذهبي، وهو أن نقل المادة الى عدة صيغ تصريف لموجود، وتحويل موجود الى موجود وليس اشتقاقاً,
ولكنني أريحه من الحرج؛ فأقول حينما تحول فعل الضرب إلى ضارب فمعنى ذلك أنك أردت معنى للصيغة له علاقة بالمادة وهو بيان فاعله، وإذا حولت المنادمة الى النديم فمعنى ذلك أنك أردت معنى للصيغة له علاقة بالمادة وهو بيان بلوغ الفاعل الغاية في فعل المنادمة، وإذا حولت المنادمة إلى الندمان فمعنى ذلك أنك اردت معنى للصيغة له علاقة بالمادة وهو بيان بلوغ الفاعل الغاية في الاتصاف بالمنادمة وذلك هو الوجود بالقوة لا بالفعل,
وثالثها: أن العلاقة بين المعنى المشتق والمشتق منه هي شرط صحة الاشتقاق، وليست هي معنى الاشتقاق,, وإنما معنى الاشتقاق ان تستخرج معنى حادثاً من معنى قديم، فهذا هو حقيقة الاشتقاق، ولا يكون هذا إلا في المعاني؛ فالفزع مثلاً معروف، ثم اطلقت الفزاعة على حبالة الصائد لأنها تفزع الطير، او تفزع اليه فتعاجله، فالتسمية معنى استجد,, والشمم معروف المعنى، والشم معنى مشتق من الشمم استجد للرائحة؛ لأنها بعضو اشم هو الأنف, أما الصيغ فموجودة وضعاً في لغة العرب، ولكل صيغة معنى أصلي وضعي ومعان مجازية، وبتحويل المادة الى صيغها لا يكون ثمة اشتقاق؛ لأن الصيغة لم تستجد، والمعنى لم يستجد، وإنما حصل تحويل من معنى موجود، الى صيغة موجودة,, أفتعقل هذا يا صاعدي؟!,
ولهذه المداخلة بقية مناسبة تأتي، والله المستعان,

المصدر
http://www.ruowaa.com/vb3/showthread...AD%D9%88%D9%8A


10  -هذا ملخص المسألة، وهناك مقالات لي وللشيخ ليست تحت يدي الآن.. وسأكتب قريبا جدا ردي الذي أرجو أن يحسم المسألة، فأتمنى أن يكون في حوارنا ما يفيد العلم، وأتمنى من الشيخ ابن عقيل الظاهري أن يكون شجاعا حين يقرأ ردي ويكون منصفا من نفسه.. فالحق واضح وضوح الشمس، والصرف علم كالرياضيات ليست فيه أنصاف حلول..
وأرجو منه أن ينتظر حتى أكتب ردي هنا، وله بعد ذلك أن يقول ما يشاء..
هذا مقالي الجديد الذي وعدتكم به:

أبو علي الفارسي يتدخل في مسألة ( المتنحوي ) ويرد على ابن عقيل الظاهري

بعد أكثر من خمس عشرة سنة من بداية خلاف صرفي طويل بيني وبين الشيخ الأديب أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري يتدخل شيخ الصرفيين القدامى أبو علي الفارسي المتوفى سنة 377 ويحسم النزاع في مسألة المتنحّي والمتنحوي.. ويقول كلمة الفصل في هذه المسألة، التي ستجعل أديبنا الظاهري يعيد النظر في أقواله السابقة.
كنتُ - ولم أزل - أُجلّ الشيخ أبا عبدالرحمن بن عقيل الظاهري, وأحترم علمه وأدبه، وأقدّر ثقافته الموسوعية، وتميز قلمه في كثير من كتاباته، ولكني أعترف لكم الآن- بأنني أخطأت حينما توسّمت فيه العلمَ بأصول اللغة وتصريفها على وجه الخصوص، أخطأت حين أنزلته منزلة الصرفيين الحذّاق، فمقالاته في مسألة المتنحّي والمتنحوي أسقطت الأقنعة العلمية، وكان عليّ أن أجد للشيخ الفاضل ما يحفظ ماء الوجه، فهو من أدبائنا الذين نعتز بهم، وقد فعلت ما بوسعي في إيضاح مسألة من مسلمات أصول العلم الصرفي، فلما فقدت الأمل فيه ورأيت ردوده خالية من علم يعتد به ومشحونة بالتعالي والتنفُّش والتجريح مما لا مسوّغ له سوى الرغبة في الانتصار للذات عن طريق التهويل والتلبيس على القارئ زهدت في كتاباته اللغوية، فلم أطلع على آخر ردوده، ولا أعلم عنه شيئا، ولكن بعد سنوات وقفت على رد بالصدفة في الشبكة العنكبوتية، ووجدته منقولا متداولا في عدد من المواقع الأدبية واللغوية، وكأنه فتح مبين للشيخ، جعله بعنوان (اللغة نقل، وعقل، وقاعدة منهما) لكنني لم أفاجأ حين رأيت إصراراً على الخطأ ولغواً من القول يطغى على المقالة، فترسخت قناعتي بأن الأجدى عدم الرد، وتأكدت من أن الشيخ الفاضل بعيد عن علم العربية، ففي كل مقالة يكتبها يأتي بغرائب وطوامّ لا تقبل من مبتدئ في هذا العلم، ويغلف ذلك بمزيد من التهاويل ولغو القول مما أترفع عن ذكره تقديرا للقارئ الكريم، وأنا هنا لا أريد أن أرد على أغلوطات ابن عقيل الصرفية، فأمرها ظاهر، وقد سبق التنبيه عليها، ولا فائدة من تكرارها مع استمراره في اللجاجة والمكابرة - غفر الله لي وله - ولكني هنا أريد أن أحسم المسألة للقراء الكرام؛ لأن واجب العلم يقتضي ذلك، بعد أن ظهر كتاب الشيرازيات للفارسي بعد سنوات من آخر ردودي، وهو كتاب صرفي عظيم، وفيه حديث نفيس جدا للفارسي عن مسألة المتنحي والمتنحوي، وقد نبهني إلى هذه المسألة في هذا الكتاب الدكتور سامي الفقيه الزهراني في أحد مداخلاته في الشبكة العنكبوتية على كلمة الشيخ الظاهري الأخيرة، ثم حصلت على نسخة من كتاب الشيرازيات، وقرأت المسألة، التي جعلها الفارسي بعنوان ( مسألة قولهم :تَـنَحَّى وتَـناحى وتَـنَحْوَى ) (الشيرازيات 2/508 ) فلما قرأتها وجدتها في غاية النفاسة والأهمية، لأن فيها حسما لنزاعٍ طال أمده، وكأن الفارسي - رحمه الله - كان يطّلع من نافذة من حجب الغيب على نزاعنا في (مسألة المتنحّي والمتنحوي) وإذا بكلامي مطابق لكلامه - رحمه الله- فالحمد لله على فضله.
وخلاصة ما سبق مما ذكرته في مسألة المتنحوي :
كلمة النحو كلمة ثلاثية، واسم الفاعل منها قبل الزيادة ( الناحي) وبعد زيادة التاء والتضعيف ( المتنحّي) مثل: المتأدّب والمتفقّه والمتبحّر والمتعلّم والمتديّن، كل ذلك ثلاثي الأصل، مزيد بالتضعيف، فالقياس أن تقول لمن يتعاطى علم النحو ويتكلّفه: فلان متنحٍّ (متنحّي) فالمتنحّي من النحو كالمتدلّي من الدلو، والمتشفّي من الشفا والمتسلّي من السلوة، هذا هو القياس الذي يرفضه الشيخ ابن عقيل، ويتمسك باشتقاق ( المتنحوي) وهي كلمة ملحقة بالرباعي على وزن (المتفعلل) ولا سبيل لأخذها من كلمة ثلاثية الأصل (النحو) إلا بوجه الإلحاق، الذي بينته مفصلا فيما سبق، وينكره الشيخ ويتندّر عليه في مقالاته السابقة، والإلحاق يجوز في العربية لكنه وجه مرجوح إن وجد القياس، فإن أردت الوجه الراجح في تسمية من يتعاطى النحو قلت: (المتنحّي) وإن أردت الوجه المرجوح قلت: ( المتنحوي) فالمتنحّي كالمتأدّب، والمتنحوي كالمتأدبب، سواء بسواء، وقد دار نقاش طويل بيني وبين الشيخ أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في مسألة المتنحوي على صفحات المجلة العربية ابتداء في عام 1416هـ ثم توسع النقاش وامتد إلى صفحات ملحق التراث وملحق الأربعاء بجريدة المدينة ومجلة المنهل وصحيفة الجزيرة.
وابن عقيل الظاهري يصر على الوجه المرجوح ويفضله على الوجه الراجح بل يخطئ الوجه الراجح ــ أعني (المتنحّي) ــ ويزعم أنه لا يصح في معنى المتعاطي لعلم النحو وأن الصواب عنده ( المتنحوي) لأن النحو واوي والمتنحي كلمة يائية بزعمه، والحق أنني لا ألومه فيما ذهب إليه فقد غره الظاهر، وهو ــ أي الشيخ ــ ذو علم موسوعي يخلو من العمق والتحقيق اللغوي الرصين، لبعده عن علم الصرف ومقاييس اللغة، وإيثاره الظاهر، وتعطيله عبقرية اللغة التي تتجلى في نظامها الصرفي المحكم الفريد، وقد سبق أن نبهت الشيخ على مواضع في مقالاته أبعد النجعة فيها، وهي من أوليات العلم اللغوي، وللقارئ أن يتأمل قول الشيخ موجها الكلام لي : ((يا أخي, يا أخي: أي قياس في صرف نحا الواوي إلى تنحّى اليائي؟! وأيضاً: فالنحو في الاشتقاق قصد إلى هذا العلم, والتنحّي ابتعاد، فكيف يوصف المتعمق في النحو بالابتعاد عنه؟, وأيضاً: فالنحو مشتق من الواوي بإجماع(( ولن أعلق على هذا الرأي الفطير الذي يدل على بعد تامّ عن علم الصرف، وأصول الألفاظ؛ لقد غرّه الظاهر فظن أن المتنحّي يائية، وليست هي كذلك قطعا، فهي واوية، وأصلها ( المتنحّو) على وزن المتأدب، فقلبت الواو ياء لعلة صرفية معلومة، وهي الكسرة قبل الواو، وكذلك (الناحِية) هي واوية، وأصلها ( الناحِوة) قلبت الواو ياء بسبب الكسرة قبلها، وهذا من أوليات العلم.
وللشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل أقوال أخرى في مقالاته فمع سقمها ملأها بالتحدي والصلف كقوله - عفا الله عنه - في مقالته (يكفي هذا التنحوي) موجها حديثه لي قائلا: ((أحلني إلى أي معجم لغوي، أو قولة عالم معتبر، أو قولة طويلب علم لم يتبين بعد اعتباره, أحلني إلى أي واحد من هؤلاء قال: إن تنحّى بمعنى تعمّق في علم النحو، أو تكلف التظاهر به؟! فإن لم يفعل فهو المغرب بالخطأ حقاً، ويبقى مع الصواب المشهور من قال: تنحى بمعنى اتجه ناحية، أو ابتعد، ولا تدل على علم النحو ألبتة, وذلك هو الظاهري لا الصاعدي!!))
هكذا قال، عفا الله عني وعنه..
فأقول: أيها الشيخ الجليل والأديب الذي نجله ونحترمه، هذا الفارسي يرد عليك وهو عالم جليل وليس طويلب علم كما أطلقتها متحديا دون أن تعقلها !.
وإليك كلام شيخ الصرفيين الفارسي وفيه الفصل في هذه المسألة.. قال أبو علي الفارسي في كتاب الشيرازيات ( 2/508 ـ 513 ) تحت عنوان (( مسألة: قولهم :تَـنَحَّى وتَـناحى وتَـنَحْوَى)) قال: ( تـنحَّى ) الأصحُّ في هذا المعنى والأخصُّ به ، قال ]الشاعر[ :
تحلَّمْ عنِ الأدْنَينِ واستبقِ وُدَّهم ولن تستطيعَ الحلمَ حتَّى تَحَلَّما
أي:حتى تُنسب إليه, وإنما يُنسب إليه إذا أتى بأشياء يفعلها الحليم, فيُجعل من أهله.
وقولهم ( تَـنَحْوى ) من (النَّحْو) صحيح في القياس إلا أنَّ اللفظين الآخرين اللذين هما:
تفعَّل وتفاعل أشدُّ اختصاصا بهذا المعنى ، وجوازه ( أي تنحوى) من وجهين:
أحدهما: أن تزيد على اللام لامًا مثلَها,كما زيد على جَلْبَب, وشَمْلَلَ, وصَعْرَرَ, فكما زيد على كل واحدة من هذه اللامات مثلُها, فكذلك يُزاد على الواو التي هي لام مثلُها , فإذا زيدت عليها لَزِمَ انقلابها ياء ؛ لأن الواو إذا وقعت رابعة في هذا النحو أبدلت منها الياء, يدل على ذلك قولهم: اغزيتُ وألهيتُ، وهو من الغزو واللهو، فكذلك: تَنَحْوَيْتُ, تبدل الواو الثانية التي زيدت على اللام ياءً.
والوجه الآخر: ألاّ تجعل الياء منقلبة عن الواو, ولكن تزيد على اللام ياء,كما زيدت في: سَلْقَيْتُ وجَعْبَيْتُ, وهما من سَلَقَ وجَعَبَ, فزيدَ على كل واحدة منهما الياء ليبلغا بنات الأربعة, نحو: دحرج وسَرْهَفَ, فكذلك هذه الكلمة, كأنه: نَحْوَيْتُ, ثم دخلت التاء للمطاوعة, كما دخلت في جَعْبَيتُهُ فتَجَعْبَى, وسلقيته فتسلقى)) الشيرازيات 2/508، 509.
ثم ينتقل الفارسي إلى تحليل تناحَى (تفاعل) ويذكر أنه يجيء على ثلاثة أضرب.. ولا حاجة لنا بذكرها هنا ( ينظر: الشيرازيات 2/ 509، 512 )
ويعود الفارسي إلى تنحّى فيقول: (( وأما ( تَفَعَّلَ ) فإنه يجيء في إرادة الرجل أن يُدخِلَ نفسه في أمر حتى يُضاَف إليه ويُنسبَ إلى أهله, وذلك نحو: تَشجَّع, وتَبَصَّر, وتَمَرَّأ: إذا أدخل نفسه في أهل المروءة... فقولهم من النحو ( تنحّى ) تقديره: أنه أحبَّ إدخال نفسه فيه حتى يعد من أهله, فهو مثل: تشَجَّع, وتَقيَّس, وتَنَزَّر, فـــ ( تَنَحَّى ) و ( تناحى ) يليقان بهذا المعنى, و( تنحوى) ـــ وإن كان جائزاً من حيث قدمت ذكره ـــ فليس له بهذا المعنى اختصاص اللفظتين الأخريين به )) انتهى كلام أبي علي الفارسي رحمه الله تعالى، وهو في غاية الوضوح.
فانظر إلى قوله ((تفعَّل (يعني تنحّى) وتفاعل ( يعني تناحى) أشد اختصاصا بهذا المعنى ( يعني من تنحوى)
وانظر إلى قوله: فـــ ( تَنَحَّى ) و ( تناحى ) يليقان بهذا المعنى, و(تنحوى ) ـــ وإن كان جائزاً من حيث قدمت ذكره ـــ فليس له بهذا المعنى اختصاص اللفظتين الأخريين به))
وانظر إلى حمله تنحوى على الإلحاق الذي كان الظاهري يهزأ به في كل مقالاته السابقة، ومنها قوله عفا الله عنه: ((الصاعدي مولع بالتلقين الافتراضي المدرسي عن دعوى الإلحاق الذي نتيجته: تأدبب))!!
ثم انظر إلى قول ابن عقيل الظاهري : في مقالته (يكفي هذا التنحوي) ((وخامسها: أنه - أي الصاعدي - جاء بآبدة ثانية أنست ما قبلها، فقال: القياس أن يقال من النحو: تنحّى!! أقول للصاعدي: هذه الحقيقة لا تعارض الحقيقة الكبرى التي تجعلني أختار صيغة من صيغ اسم الفاعل دون صيغة تبعاً للمعنى الذي أريده، فأقول: المتنحوي, ولا أقول: الناحي، أو المتناحي، أو المنتحّي))
وبهذا يتضح أن الشيخ الظاهري بعيد كل البعد عن علم التصريف، وأنه يختار الوجه المرجوح ( تنحوى فهو المتنحوي) ويخطّئ الوجه الراجح ( تنحّى فو المتنحّي) ويرفضه، مع أنه الأصح، ولذا فإني أدعوه ليراجع كلام الفارسي ففيه القول الفصل في هذه المسألة، وأحسب أن الشيخ يدرك الآن أن الأكرم بالعلم وبه هو شخصيا ألا يتمادى في التهاويل، لأن العيب لا يكون إلا في التمادي واللجاجة، أما الشجاعة الأدبية فهي بلا شك في الرجوع عن الخطأ، ولا يرجع عن الخطأ إلا الشجعان الواثقون من علمهم، الذين يحترمون قراءهم..

نشر المقال في صحيفة المدينة ملحق الرسالة الجمعة 23/8/1433هـ الموافق 13 يوليو 2012م
الرابط: http://www.al-madina.com/node/389784#comment-675461