الجمعة، 1 مارس 2013

بدل فاقد.. توجيهٌ لغويّ (2)

نفاضة الجراب
بدل فاقد.. توجيهٌ لغويّ (2)

      ذكرت في المقالة السابقة أن قولهم (بدل فاقد) شائعٌ في الاستعمال اللغويّ المعاصر وأنه استعمال معروف في بعض المؤسسات الحكومية في بعض البلدان العربية للدلالة على وثيقة أو بطاقة تستخرج بدلَ مفقودٍ، ويكتبون عليها (بدل فاقد) وأن لهذا الاستعمال في التصويب اللغوي وجهين: وجهُ قبولٍ ووجهُ رفض، وأنه يمكن حمله على أنه من باب فاعل بمعنى مفعول، وأن شواهده كثيرة ..

ج ـ ومما جاء منه في كلام العرب وأشعارهم :

حكى الأصمعي أن العرب تقول: (ناقةٌ ضاربٌ إذا ضُربت، فهي مضروبة) فبناء الفعل للمفعول يدل على كون ما اشتق منه اسم مفعول.
ويقولون: وسرٌّ كاتم بمعنى مكتوم، وَهَمٌّ نَاصِبٌ، ويومٌ فاجر، قال وَعْلَةُ الجَرميّ:

ولمّا رأيتُ الخيلَ تَترى أثائِجا علمتُ بأنّ اليومَ أحمسُ فاجرُ
 
أي يوم صعب مفجور فيه، وقول الشاعر:

لقد لمتِنا يا أُمَّ غيلانَ في السُّرى ونمتِ وما ليلُ المَطِىِّ بنائمِ
 
أي بمنوم فيه.
ومنه (ساحِلُ البحر ) قالَ ابن دُرَيد هو فاعل بمعنى مفعول لأنّ الماء سحله أَي قشره.
وفي المصباح: طريق شارع يسلكه الناس عامة فاعل بمعنى مفعول، مثل طريق قاصد، أي مقصود.
ومنه جَبَلٌ حالِقٌ لا نباتَ فيه، كأنه حُلِق، قال ابن سيده في المخصص: هو فاعِل بمعنى مَفْعول.
والغامر الخراب من الأرض، وقيل ما لم يزرع، وهو يحتمل الزراعة، وقيل له غامر لأن الماء يغمره فهو فاعل بمعنى مفعول.
واللاحب: الطريق الواضح، وهو فاعل بمعنى مفعول، أي: ملحوب.
و أمر عارف؛ أي معروف فهو فاعل بمعنى مفعول، ومنه قول الحُطيئة يهجو الزِّبرِقان:
دَعِ المَكَارِمَ لا تَرْحَلْ لبُغْيَتِها واقْعُدْ فإنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الكَاسِي
 
أي: المُطْعَم المَكْسوّ.. فاعل بمعنى المفعول.
واشترط ابن ولاد في رده على الفراء منع اللبس، فهو يرى أن (( مثل ذا إنما يجوز فيما لا يلبس، فأما ما ألبس فلا يجوز فيه ذلك، ألا ترى أنك لو قلت: لا ضارب في الدار، وأنت تريد مضروبا، لم يعلم المخاطب حقيقة ما أردت، وكذلك لو قلت: رأيت زيدا ضاربا، وأنت تريد مضروبا، لم يعلم ما نويت، وفي هذا اختلاط الكلام والتباسه وفساده. وأما احتجاجه بعيشة راضية فإن العيشة لا تكون فاعلة من رضيت البته، ولا تكون إلا مفعولة، فلما لم يحتمل غير وجه واحد لم يجز فيها لبس، وكذلك ماء دافق، لما كان الماء لا يفعل ذلك كان بمنزلة عيشة راضية، فأما عاصم وضارب وما أشبههما فلا يجوز فيه ذلك، ولا أن تضع مفعولا في موضع فاعل، ولا فاعلا في موضع مفعول؛ لأن الرجل قد يكون عاصما ومعصوما وضاربا ومضروبا، بحقيقة المعنيين المختلفين، فلم يجز أن تضع أحدهما في موضع الآخر فيلتبس هذا بهذا))
وشرط ابن ولاد يتّسق مع فطرة اللغة وطبيعتها، وهو طلب الوضوح وتنكب طرائق اللبس، و عليه جرت العربية فيما ورد عنهم من نصوص في ما جاء من فاعل بمعنى مفعول، ففي كل مثال ما يمنع اللبس، ظاهرا أو مقدرا مفهوما. 
(وللحديث صلة)

أ.د.عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
جريدة المدينة - ملحق الرسالة : الجمعة 1434/4/19 هـ 2013/03/01 م العدد : 18209
http://www.al-madina.com/node/436834...A%D9%91-2.html