الأحد، 14 يونيو 2015

رأي خاص في مُدَراء جمع مُدير:

رأي خاص في مُدراء جمع مدير

      يحكم الصرفي المعياري على جمع مدير على "مُدراء" بأنه لحنٌ لغويّ خالص، ومعه حق، لأنه يقيس على كلام العرب، قياسا صرفيا صحيحا، فالمفرد (مُدِير) ووزنه (مُفعِل) مثل منير ومعيد ومشير، تُجمع جمعًا سالمًا، فيقال: منيرون ومعيدون ومشيرون، جمع سلامة، ولا يُجمع جمع تكسير على مُنراء ومُعداء ومُشراء، وكذلك مُدير، يُجمع على (مديرين) لا (مُدراء).

     ولكنْ لـ(مُدراء) وجهٌ آخر في القياس، وهو الحمل على التوهّم أو الغلط، والتوهّم باب في التصريف، وله أمثلة في عصور الاحتجاج، وكان سلفنا من اللغويين يسمّون التوهّم: "الغلط" و"المشابهة" و"المشاكلة" و"إلحاق كذا بكذا" وهم يلجؤون إلى هذا عند التنبيه على الشذوذ ومخالفة القياس، وهو مبثوثٌ في كتبهم.

     ومن أقدم ما ورد من الإشارات الصريحة عن التوهّم ما عزاه سيبويه للخليل في جمع "مُصيبة"، قال في الكتاب 4/ 356: "فأما قولهم: مَصائب فإنه غَلَطٌ منهم، وذلك أنهم توهّموا أن مُصيبة فَعيلة، وإنما هو مُفعلة". وقال الفراء في معاني القرآن 1/ 373، 374: "وربّما همزتِ العربُ هَذَا وشبهه؛ يتوهمونَ أنها فَعيلة؛ لشبهها بوزنها في اللفظ وعدّة الحروف، كما جمعوا مَسِيلَ الماء: أَمْسِلَة، شُبِّه بفَعيل وهو مَفعِل. وقد همزتِ العرب المصائب وواحدتها مُصيبة شُبّهتْ بفَعيلة؛ لكثرتها فِي الكلام".

     ثم نجد مصطلحَ التوهّم يتردّد عند لغويّين كُثر بعد سيبويه، كالأزهريّ وابن جني والجوهري والمعرّي وابن سيده والصغاني والرضي وابن هشام. ومما غلطت فيه العرب زمن الفصاحة جمعهم المسيل وهو مَفْعِل من سال يسيل على أمسلة ومُسلان، حملوه على رغيف، غلطًا أي توهّما، في قول الفراء السابق وقد نبّه عليه الأزهري وغيره، ومن التوهّم أو الغلط زمن الفصاحة جمع عُمارة بن عقيل الرِّيْح على أَرْياح والصواب أَرْواح، ومن ذلك قول العرب في جمع عِيدٍ أعياد، والقياس أَعْواد، ومن أشهر أمثلة الغلط أو التوهّم عند الصرفيين قول العرب الفصحاء من مِسكين ومِنديل ومِدرعة تَمَسْكَنَ وتَمَنْدَلَ وتَمَدْرَعَ، وهذا من باب الغلط، توهّموا أصالة الميم، فحملوه على تدحرج، وهو باب واسع.

      وحين نتأمل مواقف بعض اللغويين المعاصرين نجدها أكثر مرونةً ووعيًا لمفهوم التوهّم وأثره في النموّ اللغوي، فهذا مجمع القاهرة يناقش هذه الظاهرة، ويناقش مفهوم المصطلح، ويرى أنّ ((التوهّم تسجيلٌ لظاهرةٍ لغويّةٍ عُومل فيها شيء معاملة آخر، على سبيل الافتراض أو الاعتبار، لفائدة في الدلالة، وإن جاء مخالفاً للقياس... وأن جمعاً من أقطاب النحاة خلال العصور، رأوا في البناء على التوهم سراً من أسرار العربية، وأطلقوا عليه هذا التعبير)).

     وفي هذا الاتجاه سار أحمد مختار عمر في معجم الصواب، وهو من المُيسِّرين،  فأجاز جمعَ مُديرٍ على مُدَراء، وذكر أن هذا الجمع المتوهّم يرقى إلى درجة الصحيح في اللغة، وقال: ((رأى مجمع اللغة المصري أن توهّم أصالة الحرف الزائد لم يبلغ درجة القاعدة العامة، غير أنه ضَرْب من ظاهرة لغوية فطن إليها المتقدمون ودعمها المحدثون؛ ولذا ففي الوسع قبول نظائر الأمثلة الواردة على توهّم أصالة الحرف الزائد، مما يستعمله المحدثون إذا اشتهرت ودعت إليها الحاجة. وقد ورد منها في القديم: تمندل، وتمرفق، وتمسكن، وتمدرع. وهو ما ينطبق على كلمة مُدَراء».

      ومن حُجج المنكرين المتمسّكين بالقياس الصرفي الصّارم أنّ وزن (مُدَراء) لا نظير له، وهو في التصريف (مُفلاء) وهي حُجّة تبدو في ظاهرها قويّة، ولكنها في الحقيقة مدفوعة؛ لأن هذا الوزن لا يلزم المتوهّم، إذ لم يلزم المتوهمين القدماء من العرب الذين جمعوا مَسِيلا من السَّيْل على أَمْسِلة، فيكون وزنه الصرفي (أَمْفِلة) وهو منكر لانظير له، ولم يرده الصرفيون؛ لأنهم يعلمون أن العرب يتوهمون أنه أَفْعِلة، وكذلك لا يلزم المتوهّمين المعاصرين في مُدَراء وزن مُفلاء لأنهم يتهمونه فُعلاء، كوُزَراء وأُمَراء وسُفَراء، ومثله تمسكن وتمدرع لم يلزمهم أن يكون وزنه تمفعل؛ لأنهم يتوهمونه تفعلل كتدحرج.

     ولذا أرى أن لجمع مُديرٍ على مُدَراء وجهًا في قياس العربية، وهو التوهّم، وإنْ قصّرَ بهذا الوجه زمانه؛ لأنه لم يسمع في عصور الاحتجاج، وهؤلاء المعاصرون حملوه على أمير ووزير ووكيل وسفير، فهو يصاحبها في الاستعمال ويقاربها في البنية، فتوهّموه منها، وحملوه عليها غلطا، واستخفّوه واستحسنوه، وكما غَلِط العرب الأقحاح وتوهّموا ووجّه الصرفيّون أغاليطهم غَلِطَ المولّدون وتوهموا فللصرفيين المعاصرين أن يوجّهوا أغاليطهم مما شاكل توهّم العرب الأوائل، فيخفف هذا عليهم التغليط والنكير، لكنني أرى أن الأحسن في جمع مُدير أن يجمع جمع السلامة، فيقال: (مُديرون) وأن يكون هذا التوجيه لتخفيف اللّوم على الناطقين به، والله أعلم.

     فاصلة: (مدراء) من أظهر أمثلة اللهجة البيضاء التي ازدهرت بفضل وسائل الإعلام المتنوّعة، وهي أرقى من العامّيّة وأحطُّ من اللهجة الفصيحة التي نسمعها في أرض المنبع، والفصحى أعلى من الجميع.


  عبدالرزاق الصاعدي
خلاصة تغريدات كتبتها بتاريخ

24/ 8/ 1436هـ