الأربعاء، 23 أغسطس 2017

تذكير الألقاب العلمية والمناصب للإناث كقولهم: فلانة رئيس القسم:

تذكير الألقاب العلمية والمناصب للإناث
 كقولهم: فلانة رئيس القسم

يجري على ألسنة كثير من اللغويين والمثقفين والإعلاميين قولهم: الدكتورة فلانة رئيس القسم، وهي أستاذ مشارك، وفلانة استشاري جراحة، وفلانة سكرتير المدير، وفلانة مستشار نفسي، وكذلك يقولون: فلانة ملك البلاد، وهي رئيس الوزراء، ونحوه في الألقاب العلمية والمهنية والمناصب وما يتصل بها. وهذا موضع دقيق في العربية ذو علّة لطيفة، وهو -أيضا- مما يشكل على من لا يعرف علّته وقاعدته، فيضطرب بين المطابقة والمخالفة، ويتخبّط فيه على غير هُدًى.

فما الصواب في ذلك؟ وما القاعدة التي تحكمه؟ وهل جرى على ألسنة العرب شيء منه؟ 
هذه أسئلة مهمة، فأقول في الجواب: لعل أقدم من تناول هذا الموضوع بوضوح تامّ هو الفراء في كتابه المذكر والمؤنث(1) وأشار إلى علّته اللغويّة، وعنه نقل من جاء بعده، وابتدأ قوله بتقرير الأصل في اللغة وهو المطابقة ((رجل كريم وامرأة كريمة)) وأشار إلى المعدول أو المصروف عن أصله، نحو امرأة قتيل وكفّ خضيب وعنز رميّ، وذكر علته، ثم قال: ((فإن قال القائل: أفرأيت قول العرب: (أميرُنا امرأةٌ) و(فلانةٌ وصيُّ بني فلان) و(وكيلُ فلان) هل ترى هذا من المصروف؟ [أي من المعدول من مفعول إلى فعيل]؟  قلت: لا، إنما ذُكّر هذا؛ لأنه إنما يكون في الرجال دون النساء أكثر ما يكون، فلما احتاجوا إليه في النساء أجروه على الأكثر من موضعيه.
وتقول: (مؤذّن بني فلان امرأة) و(شهوده نساء) و(فلانة شاهد له) لأن الشهادات والأذان وما أشبهه إنما يكون للرجال، وهو في النساء قليل، وربما جاء في الشعر بالهاء، قال عبدالله بن همام السلولي:
                          فلو جاءوا ببَرّةَ أو بهِنْدٍ     لبايَعْنَا أَمِيــــــرةَ مُؤمنينا
وليس خطأ أن تقول: وصيّة ووكيلة، إذا أفردتها وأوردتها بذلك الوصف)). انتهى كلام الفراء.

وعلّة التذكير هي: أنّ تلك الصفات أو الألقاب تشيع في الرجال أكثر من النساء؛ أي أنها غالبة في الرجال قليلة في النساء أو نادرة، فأجرَوه على أصله في التذكير، ويفهم من كلام الفرّاء أنه يُوجب التذكير، لذا قال: ((وربما جاء في الشعر بالهاء)) وأيضا من إشارته أنه عند قَطعِهِ عن الإضافة ليس خطأً أن تقول: وَصيّة ووكيلة.  

وروى كلامَ الفرّاء وتعليلَه جماعةٌ من اللغويين، كابن السّكّيت في المقصور والممدود(2) وابن سِيدَه في المخصّص(3) وأبي بكر الأنباريّ (ت 328هـ ) في كتابه (المذكر والمؤنث(4) والفيّوميّ في المصباح(5). وزاد أبو بكر الأنباري زيادة مهمة وهي قوله: ((وربما أدخلوا الهاء، وأضافوا، فقالوا: فلانة أميرةُ بني فلان، ووكيلةُ بني فلان، ووصيةُ بني فلان...  وكذلك يقولون: فلانة كفيلةُ بني فلان، فيدخلون الهاء؛ لأنّ الكفالة تكون من الرجال والنساء، وكان السِّجِستاني يُسوّي بين كفيلٍ وأميرٍ، وهذا غلطٌ منه؛ لأنّ الإمارة لا تكاد تكونُ في النساء، والكفالة تكون في الرجال والنساء. وقال أبو زيد الأنصاري: سمعتُ العرب تقول: وكيلات، فهذا يدلّ على وكيلة))(6).

       ثم أصدر مجمع القاهرة في عام 1978م قرارًا يقضي بعدم جواز وصف المرأة دون علامة التأنيث في الألقاب والمناصب والأعمال، ونَصُّ قراره: ((لا يجوز في ألقاب المناصب والأعمال –اسما كان أو صفة- أن يُوصفَ المؤنثُ بالتذكير، فلا يُقال: فلانة أستاذ، أو عضو، أو رئيس، أو مدير))(7)ولكن ما ذهب إليه المجمع من منعٍ يخالف ما رواه الفرّاء وإشارته الضمنيّة إلى وجوب التّذكير، ويخالف ما انتهى إليه المطرّزي (ت 610هـ) في المغرب في الأسماء دون الأوصاف، إذ قال: ((والإمام من يُؤتمّ به؛ أي يُقتدى به، ذكرًا كان أو أنثى، ومنه: (قامتِ الإمامُ وسطهنّ)  وفي بعض النسخ (الإمامة) وتَرْكُ الهاء هو الصواب؛ لأنه اسمٌ لا وصف))(8). ونقله عنه الفيّومي في المصباح.

وخلاصة ما سبق:
    1-  أنّ التّذكير في الألقاب والأوصاف للإناث مسموعُ عن العرب في عصور الاحتجاج.
    2-  أنّه يكون فيما يشيع في الرجال ويقلّ في النساء أو يندر.
    3-  أنهم حين احتاجوا إليه في النِّساء أَجرَوه على الأكثر في مَوضعه.
    4-  أنّ في التذكير إشارة إلى أنّ الصّفة خاصّة بالرّجال أو غالبة عليهم.
    5-  أنّ التذكير في هذا يقع على سبيل الوجوب عند بعضهم، وعلى سبيل الجواز عند بعضهم.
    6-  أنّه حين يُفرد لا يصحّ فيه إلا التأنيث فتقول: هي مؤذّنة، ووكيلة، وأميرة، ورئيسة، ووصيّة.
    7-  فرّق بعضهم بين الأسماء والصّفات، فأجاز تذكير المؤنث في الأسماء أو ما يحمل عليه وطابق في الصفات.
    8-  أوجب المطرزي التذكير في نحو (هي الإمام وسطهنّ) ووافقه الفيّومي، ومنعا المطابقة؛ أي التأنيث، فحجّرا واسعا.
   9-  أوجب مجمع القاهرة المطابقة، ومنع التذكير للإناث، فحجّر بذلك واسعًا، وخالف الرواية المنقولة عن العرب، ولو جعله راجحًا أو اختيارًا لكان أحسن.

  رأيي الخاص في المسألة:
الرأي الذي أنتهي إليه في هذه المسألة هو جواز الوجهين بالقيد أو العلّة التي ذكرها الفرّاء وابن السّكّيت وأبو بكر الأنباري وابن سيده، ولا سبيل إلى تخطئة من يقيس عليها من المعاصرين، ولكني أرى أنّ التّذكير في هذا هو المذهب الأقلّ للعرب، خلافا للمطرزي والفيّومي، فاختار المطابقة في كلّ ذلك؛ لأنّ التذكير في الألقاب والمهن للإناث أسماءً كانت أو أوصافًا قد يفتح بابًا للاضطراب، ثم إنّ ما يكثر للرّجال في زمان قد يتغيّر في أزمان لاحقة أو بيئات مختلفة، وقد تتساوى بينهما كرئاسة الأقسام العلمية مثلا، فهي للرجال في الجامعات الذّكوريّة وللإناث للجامعات النّسائيّة، فالأرجح أنّ يقال: الدكتورة فلانة أستاذة مساعدة أو الأستاذة المساعدة، وهي رئيسة القسم أو عميدة الكلية، وفلانة رئيسة الوزراء أو أميرة البلاد أو مديرة البنك، ونحو هذا(9)، فليس في التأنيث في هذا الباب ما يعيبه.  

  عبدالرزاق الصاعدي - المدينة المنورة

1 / 12/ 1438هـ الموافق 23/ 8/ 2017م 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(1) ص 54، 55,
(2) لم أقف عليه في المطبوع منه، وعنه نقل الفيومي في المصباح مادةة أمم.
(3) المخصص 17/ 35، 36.
(4) المذكر والمؤنث 1/ 141 -143.
(5) المصباح (أمم)
(6) المذكر والمؤنث 1/ 143، 144.
(7) في دورته الرابعة والأربعين (الجلسة السابعة المعقودة في 21 مارس 1978م). وينظر: تصحيحات لغوية لعبداللطيف الشويرف 652.
(8) المغرب (أمم) 1/ 45.
(9) ومنه: فلانة عضوة هيئة التدريس، ومنعه بعضهم بحجة أن العضو اسم جامد، وأنه لم يسمع عن العرب: عضوة، وأجازه بعضهم؛ لأنه نقل من الاسمية إلى الوصفية، كما قيل في الشِّلْو وهو العضو: شلوة وفي الثبج وهو الوسط: ثبجة، وأجاز مجمع القاهرة: هي عضوة، بالتاء، وأجازها مطفى جواد في قل ولا تقل 1/ 83 وعبداللطيف الشويرف في تصحيحات لغوية 651.