السبت، 9 فبراير 2019

ما وزن ماريّة؟ سؤال صرفيّ وجائزة:

ما وزن ماريّة؟ سؤال صرفيّ وجائزة

    
   من كلام العرب ما يُشكل وزنه وتتداخل فيه أصول (جذور)، وهو كثير في المعتلّات والمهموزات في الغالب، ومنه (الماريّة) بتشديد الياء، ولها معان متقاربة، وجاء منها في معاجمنا القديمة: قَطاة مارِيّة؛ أي: لؤلؤيّة اللون ملساء كثيرة اللحم، وامرأة ماريّة بيضاء برّاقة مكتنزة اللحم، والماريّة البقرة الوحشية، قال الأصمعي: لا أعلم أحدًا أتى بهذه اللفظة؛ أي: (الماريّة) إلا ابن أحمر، قال:

مارِيَّةٌ لُؤْلُؤانُ اللَّوْنِ أَوْرَدَها     طَلٌّ وبَنَّسَ عَنْها فَرْقَدٌ خَصِرُ


والمارِيُّ: وَلَدُ البَقَرَةِ الأَبيضُ الأَملَس. والمُمْرِية من البَقَرِ: التي لها وَلَدٌ ماريٌّ؛ أي: بَرَّاقٌ.


ويحتمل لفظ (ماريّة) ثلاثة جذور، وستّة أوزان، وهي:

الأول: أن يكون الجذر (م ر و/ م ر ي) وفيه معنى البياض واللمعان، وفي هذا الجذر وضعها الأزهري في التهذيب والصغاني في التكملة والذيل والصلة، وابن منظور في اللسان والفيروزي في القاموس والزبيدي في التاج. فيحتمل في التصريف وزنين:

1-      (فاعولة): من المرو، وهو الأظهر، وفيه معنى الملاسة والبياض واللمعان، ومن نظائرها في الوزن: تامُورة وراعُوفة وبانُوفة اسم امرأة. ونظيرها من المعتل: آخيَّةِ العُود، وأصلها: آخويّة، على فاعولة. وتقدير ماريّة قبل الإعلال: إن كانت من المرو: مارُوْوَة، ثم ماروّة بالإدغام، ثم قلبت الواو ياء تخفيفا، وكسرت الراء قبلها، فقالوا: ماريّة، أو قلبت واوها المتطرفة في (ماروو) ياء، فيكون تقديرها: ماروي، فيلتقي واو وياء أولاهما ساكنة فتقلب الواو ياء، وأدغمت، فقالوا: ماريّ، وتقديرها إن كانت من المري: مارُوْيَة، اجتمعت الواو والياء والسابق منها ساكن فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء بعدها، وكسرت الراء للمناسبة، وأشار إلى هذا الوزن ابن سيده في المحكم في (م و ر) بقوله: ((وقد تكونُ المارِيَّة فاعُولَة من المَرْي)).

2-      (فاعيّة) منسوب إلى مارٍ على وزن فاعل، نبهني عليه أ.د. فريد الزامل، ووجهه في التقدير أن يكون اسم فاعل من المرو لحقته ياء النسب، وتقديره: مَرَا الحجرُ يمري، فهو مارٍ (ماري) والحجر ممريّ، أو من قولهم مَرَى الناقة يمريها: مسح ضرعها لتدرّ، فأمْرَتْ هي ودرّ لبنها، فالماسح مارٍ وهي مَمريّة، ويقرّب هذا أن حكم النسب إِلى اسمٍ على أَربعةِ أَحرفٍ فصاعدًا إِذَا كانَ آخرهُ ياءً ما قبلَها مكسورٌ أن تحذف ياؤه كما يقول سيبويه وابن السّرّاج، فتقول في رجلٍ من بني ناجيةً: ناجِيٌّ، وفي أَدلٍ: أَدِليٌّ، وفي صَحارٍ: صَحارِيٌّ، وفي ثمانٍ: ثَمانيٌّ، تحذف الياء في ذلك، وتقدير ماريّة قبل الحذف: (ماري+يّة) التقت الياء الساكنة بالياء الأولى الساكنة من ياءي النسب. ومما جاء منسوبًا في صيغة فاعل: الرّاعِبيُّ: ضَرْبٌ من الحَمام. والزّاعِبيّ: الرُّمْحُ. دمٌ باحريٌّ، أَي: خالص، الجاشِريّةُ: الشَّرْبة مع الصُّبح. والباغِزِيّة: ثِيابٌ، فلعل الماريّة من هذا.

3-      (فَلَعِيَّة) على القلب المكاني، من المرو، وتقديرها قبل الإعلال: مَوَريِّة، فقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وهذا وجه مرجوح؛ لأنّ الظاهر أولى حينما يمكن الحمل عليه.  

الثاني: أن يكون الجذر (م و ر/ م ي ر) وفيه معنى الانسياب والملاسة، ومنه: الناقة تمور في سيرها، وهي موّارة: سريعة، وفرس موّارة الظهر، والمور الموج، وفي هذا الجذر وُضعت المارية في المحكم لابن سيده واللسان لابن منظور والقاموس للفيروزي والتاج للزبيدي. فتحتمل وزنين:

1-      (فَعَليّة) على الظاهر، وفي هذا الوزن وضعها الفارابي في معجمه ديوان الأدب، ونظيرها:  الماذِيَّةُ، وهي الدّرْعُ السَّهلةُ الليَّنةُ. وقال: ((هذا البابُ أصْلُ الألفِ فيه واوٌ أوياءٌ)) يعني الألف التي هي محل عين الكلمة.

2-      (فالُوعة) على القلب المكاني، وتقديرها قبل القلب والإعلال: ماوُوْرَة على فاعُولة، فقُدّمت الراء، وهي لام الكلمة على الواو التي هي عين الكلمة: وتقديرها: مارُوْوَة، فأدغمت الواوين، مارُوّة، وقلبت ياء للتخفيف قلبًا غير لازم، وكسرت الراء قبلها للمناسبة.

الثالث: أن يكون الجذر (أ ر ي/ و ر ي) وفيهما معنى البياض واللمعان والامتلاء، ولم يجعلها أحد من المعجميين في هذين الجذرين أو أحدهما، وهي تحتملهما، ووزنها إن كانت من أحدهما: (مفعولة)، وتقديرها في الاشتقاق والتصريف فيما يأتي:
     إن كانت من (أ ر ي) فهي من: الإِرَة: شحم السنام، وفيه الامتلاء والبياض، أو من الإرَة: النار، وفيها البياض واللمعان، ومنه قولهم أرَّى النار يُؤرّيها تأرية؛ أي: أشعلها وعظّمها فهي مُؤرّاة، وعلى تقدير التخفيف إن كانوا تكلموا به: أراها يَرِيها أريًا، فهي مأريّة. وتقديرها قبل الإعلال: مأرُوْيَة، فوجب قلب الواو ياء وإدغامها، ثم كسرت الراء قبلها، فيكون تقديرها: مأريّة، فسهّلت الهمزة أو أبدلت ألفا خالصة، فقالوا: ماريّة. وتسهيلها أو إبدالها عربي سائغ ذكره سيبويه (3/ 543) في أحوال الهمزة، قال: ((وإذا كانت الهمزة ساكنةٌ وقبلها فتحة فأردت أن تخفف أبدلت مكانها ألفاً، وذلك قولك في رأسٍ وبأسٍ وقرأت: راسٌ وباسٌ وقراتٌ)).
     وإن كانت من (و ر ي) فهي من: الواري والوَرِيّ، وهما الشحم السمين، ولحم وَرِيّ؛ أي: سمين، أو من وَرَتِ الزّناد؛ إذا خَرَجَتْ نارُها، ووَرِيَتِ النارُ: صارت وارية، وأوراها يوريها فهي مَوْريّة، ومنه الزَّنْد الواري، الذي تظهر ناره سريعا، وفي الحديث: حتّى أوْرَى قبسها لقابس؛ أي: أظهر نورا من الحق، ومنه: أوريت صدره عليه: أوقدته وأحقدته، فإن كانت (ماريّة) من هذا الاشتقاق فتقديرها قبل الإعلال: مَوْرُوْيَة ثم مَوْرِيّة، بقلب الواو الثانية وإدغامها في الياء وجوبًا، ثم قلب الواو ألفًا للفتحة قبلها للتخفيف من غير لزوم ولا قياس.

     وهذا الوزن الخامس وجذره باحتماليه (أ ر ي) و(و ر ي) وجه يقبله الاشتقاق والتصريف، ولم يذكره أحد فيما أعلم.

     وثمة رواية بتخفيف الياء، (ماريَة) بمعنى القطاة اللؤلؤية الملساء والمرأة البيضاء، روى الأزهري عن ثَعْلَب، عن ابْن الأَعرابي قوله: ((الماريَة، خَفِيفَة الياء: القطاةُ اللؤلئية اللّون.... وقال شَمِر: قال أبو عمرو: القطاة المارِيَة، بالتَّخفيف: اللُّؤلئيّة اللّون)) فأقول: هذه المخففة أشبه بفاعلة، وقلت أشبه؛ لأننا نعلم أصلها، ووزنها المحتمل فيه. 

     وأما مارِيَة القِبْطِيَّةِ أمِّ إبراهيمَ فياؤها مخففة من أصلها، وظاهرها إن كانت عربية أنها على وزن فاعلة.

    والخلاصة أنّ (مارِيّة) مشددة الياء تحتمل ستّة أوزان، يقبلها الاشتقاق والتصريف، وهي: فاعُولة وفالُوعة وفاعيّة وفَعَلِيّة وفَلَعِيّة ومَفْعُولة. ولا أعلم أحدًا فصّل القول في حالها من المتقدمين ومن المتأخرين، فأرجو أن يكون في اجتهادي فيها كفاية وغُنية لأهل التصريف. 

عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة
4/ 6/ 1440هـ/ 9 /2/ 2019م