الجمعة، 14 ديسمبر 2012

حادوشاء مرة أخرى:

      قلت في المقالة السابقة: إن  "الحادوشاء" كلمة حديثة المولد منحوتة من (الحادي عشر) على وزن (فاعولاء) للمزاوجة ومشاكلة التاسُوعاء والعاشُوراء، فنحتت من الجزءين، بأخذ الحاء والدال من الجزء الأول، والشين من كلمة "عشر" وصُبّت صبّاً في القالب الوزني (فاعولاء) فكانت (حادوشاء) ولها نظائر غير أختيها، كالسامُوعاء والضَّاروراء والسَّارُوراء والدّالُولاء والرانُوناء.
       
وحين نقترح قبول لفظ "حادوشاء" لإحداث المشاكلة اللغوية لأيام الصيام في شهر المحرم (تاسوعاء وعاشوراء وحادوشاء) فإننا لا نتجاوز الاقتراح والتعليل، فالقبول أو الرد يعود إلى أذواق الناس وما سيجري به الاستعمال العرفـيّ، وقد عرضتُ الكلمة في حساب (مجمع اللغة الافتراضي) في تويتر فتقبّلها فريقٌ ورفضها فريق.


وأنا واثق من أنّ "الحادوشاء" ستأخذ طريقها إلى ألسنة الناس لتستقرّ في المعجم العربي المعاصر، فليس لنا أن نرد كلمة جديدة لأنها غير مألوفة أو لم ينطق بها القدامى، فالعاشوراء إسلامية محدثة بعد العصر الجاهلي، والتاسوعاء مولدة حسنة، وحُسنها في دلالتها ووزنها، واللغة لن تُعبّر عن حاجات الناس المتجددة إلا بالنمو والتوليد، وكان الفيّومي أكثر تفتّحا في المصباح حين قال: أما تاسوعاء، فقال الجوهري: أظنه مولدا، وقال الصغاني: مولد، فينبغي أن يقال: إذا استعمل مع عاشوراء فهو قياس العربي؛ لأجل الازدواج.


وأقول: إنّ "الحادوشاء" كلمة صحيحة البنية والدلالة، سائرة على سنن العرب في التوليد اللغوي بالنحت، وهو "أن تعمد إلى كلمتين أو جملة فتنـزع من مجموع حروف كلماتها كلمة فذّة، تدل على ما كانت تدل عليه الجملة نفسها" وهو أنواع، قسّمَه بعض المعاصرين أربعة أقسام:

1-             نحت الأفعال، مثل بَسْمَلَ وحَوْقَلَ، على وزن فَعْلَلَ وما ألحق به.

2-             نحت الأسماء، مثل الجلمود والخيتعور على أوزان مختلفة.

3-             نحت الأوصاف، نحو ضِبطر من ضبط وضبر، على أوزان مختلفة.

4-             نحت النسبة، نحو عبدريّ وعبشميّ، على وزنٍ رباعيّ.


          وكان القدامى أكثر سماحة وانفتاحاً في الاشتقاق والتوليد اللغوي، فاخترعوا أمثلة التمرين، وألحقوها بمباحث الصرف، وهو باب واسع يسمح بإعادة توليد ألفاظٍ من ألفاظٍ على صيغٍ أخرى، وكان سيبويه يقول: يجوز صوغ وزنٍ ثَبَتَ في كلام العرب مثلُه، فتقول: ضربَبٌ وضَرَنببٌ على وزن جعفرٍ وشرنبثٍ، بخلاف ما لم يثبت مثله في كلامهم، فلا يُبنى من ضرب وغيره مثل جالينوس، لانّ فاعيلولا وفاعينولا لم يثبتا في كلامهم .

          وتوسع ابن فارس في النحت من كلمتين أو أكثر، وليس له قاعدة عنده، ولكنه كان يخوض فيه متتبعاً إشارات الدلالة، وتوسط اللغويون المعاصرون في قبوله، فهم يأخذون به عند الحاجة، ويقبلونه عند جريانه على الألسنة، فلم يجدوا حرجاً في قبول كلمة (درعميّ) نسبة إلى دار العلوم، فجرى هذا اللفظ على الألسنة حلواً سائغاً كحلاوة لفظٍ جاهلي. 


          وأنا لا أجد حرجاً في قبول "الحادوشاء" بل استحسنها؛ لتُستكمل المماثلة بين أيام الصوم الثلاثة (التاسوعاء والعاشوراء والحادوشاء) لأن هذه الكلمات الثلاث متلازمة تجري على ألسنة الناس في وقت معلوم، وفي المماثلة تيسيرٌ وتخفيف، وفي هذه الكلمة الوليدة تمييز لذلك اليوم من غيره من الأيام، كما ميّزوا التاسع والعاشر.

أ.د.عبدالرزاق بن فراج الصاعدي

 نشرت في ملحق الرسالة بجريدة المدينة ، الجمعة  1 صفر 1434هـ الموافق 14 ديسمبر 2-12م