الجمعة، 28 ديسمبر 2012

من ألفاظ الجن في لغة العرب

نفاضة الجراب
من ألفاظ الجن في لغة العرب
     أجمع الثّقات من أهل العلم ـ منذ الصّدر الأوّل ـ على وجود عالم الجنّ والشّياطين مستقلاً عن عالم الإنس، ولم ينكر وجودهم سوى طائفة من الفلاسفة وأصحاب بعض الفرق، من المعتزلة والجهميّة، وأفراد من الجُهّال، كما أقرّ عامّة العرب منذ عصور الجاهليّة بوجود عالم الجنّ، فشاع في لغتهم ألفاظ تدلّ على هذه المخلوقات الخفيّة، كأنواعها وأسمائها وأوصافها وقبائلها ومواضعها ودوابها وحكاية أصواتها وأشيائها، مما له حقيقة ثابتة، أو اخترعوه اختراعاً في أقاصيصهم وآدابهم، فعَلِقَ بلغتهم، وأخذ طريقه إلى معجماتها، وكان كثير من ذلك قبل أن ينير الإسلام عقولهم بنور الإيمان، وينبذ من أذهانهم الخوف من تأثير العوالم الخفيّة في غير ما ثبت في الشرع المطهّر، قال عز وجلّ: (وأنّه كانَ رِجَالٌ مِنَ الإنسِ يَعُوذُون بِرِجَالٍ مِنَ الجنّ فَزَادُوهُم رَهَقا)

     وجاء قدر صالح من تلك الألفاظ في القرآن الكريم والسّنة النبويّة المطهرة، وورد جمهورها في تراث العربيّة الزاخر، كمعاجم اللغة، وكتب الأدب، والشعر، والتّاريخ، والأخبار.

    وقُدّر لي منذ سنوات أن جمعت قدرا صالحا من ألفاظٍ تتعلق بالجنّ، بوجه من الوجوه؛ كأجناسهم وأصنافهم ومراتبهم، وأسمائهم، وكناهم، وأوصافهم، وقبائلهم، ومواضعهم، وحكاية أصواتهم، وأشيائهم، وأسماء ما قد يصيب الإنسان منهم، وألفاظ الإتباع، وصنفتها بحسب دلالة كل لفظ، ورتبتها في كل صنف على حروف المعجم، وأخرجتها في كتاب بعنوان (الألفاظ المتعلّقة بالجنّ في العربيّة: دراسة لغويّة)

     وليس من أهداف الدراسة التّحقّق مما وراء كلّ اسم أو لفظ من تلك الأسماء أو الألفاظ من حقيقة في الوجود أو عدمه، لأنه بحث في شأن لغويّ يصوّر فكر أمّه عريقة، ومن فكرها المؤثر في لغتها: أقاصيصها وأساطيرها وتصوّراتها عن عالم خفيّ عنها، أثار في نفوس أبنائها الخوف والرهبة، وحسبنا أنّ للجنّ بعامّة حقيقة ثابتة بالقرآن والسّنة، وأنّ تلك الألفاظ وردت في لغة العرب على وجه من الوجوه، كأن تكون في المعاجم أو كتب التّفسير أو دواوين اللّغة والأدب أو الشّعر، مما يثبت أنّ العرب نطقت بها أو نطق بها بعضهم في زمن الفصاحة.

    والجنّ في اللّغة كلمة تدلّ على جنس خلاف الإنس، وأحدها جنّيٌّ على النّسب، واشتقاقها من قولهم: جَنَّ فلانٌ الشّيءَ يجنّه جنّاً؛ أي: سَتَرَهُ وأخفاه. وسمّي الجنّ بذلك لاستتارهم عن أعين الإنس. وكلّ مستجنّ فهو جنّ أوجانّ، كالشّياطين والمردة والعفاريت والغيلان والسّعالي.

    وللجنّ في الاصطلاح تعريفات مختلفة، من أجمعها وأدقّها تعريف السّيد سابق – رحمه اللّه – وهو قوله: ((الجنّ: نوع من الأرواح العاقلة المريدة على نحو ما عليه الإنسان، ولكنّهم مجرّدون عن المادّة البشريّة، مستترون عن الحواسّ، لا يرون على طبيعتهم، ولا بصورتهم الحقيقيّة، ولهم قدرة على التّشكّل)).

    وهم أنواع، ولهم مراتب، وأوصاف، وأسماء متعددة، ومواضع، وأصوات، ومن تلك الألفاظ التي جمعتها: الخنّاس، وخَنْزَب، والخولع، والخيتعور، والخيدع، والخيلع، ودَحْرَش، ودَهْرَش، والدّوقرة، والرَّئيّ، والرّبيئة، والرِّكس، والزّهزج، وزوبعة، وزِيزِيَم، والسّعْسَلِق، والسِّعلاة، والسِّلتم، والسَمْحَج، والسَّمَرْمَرَة، والسَّمَعْمَع، وسُواج، وشاصر، والشَّيصَبان، والصُّلادم، والصّيدانة، والضُّغْبُوس، وطائف الجنّ، والطاغوت، والطُّغموس، وعبقر، والعتريس، وعَزازيل، وعفرية، ونفرية، والعِكَبٌّ، والعَكنكع، والعَيسجور، والعَيْهَرَة، والغُول.. وغير ذلك كثير.


أ.د.عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
الحساب في تويتر @sa2626sa

نشرت في صحيفة المدينة، ملحق الرسالة الجمعة 1434/2/15 هـ 2012/12/28 م العدد : 18146

http://www.al-madina.com/node/423282