السبت، 17 مايو 2014

رفعُ الحيف عن صوت القيف:

رفعُ الحيف عن صوت القيف
أ. نواف البيضاني
       الأستاذ الكريم صالح العوض..
     اسمحوا لي أخي الكريم هاهنا أن أوضح بعض الأمور التي أراها التبست عليكم حول حرف القيف ، وقبل أن أدلف إلى تلك الإيضاحات أود أن أذكر بعض الخطوط العريضة لكي تكون مرجعا لنا في تلك الإيضاحات.
      أولا: لا مشاحة في المصطلح : فإطلاق مصطلح حرف على صوت القيف أو تلك الوحدة الصوتية اصطلاح إجرائي لا مشاحة فيه أبداً بحسب أصول البحث العلمي واللغوي.
     ثانياً: هنالك فرق جلي بين إضافة حرف أساسي إلى أبجدية العربية و بين إضافة رسم جديد مبني على حرف أساسي له رسم معرف.

الإيضاحات:
     إنّ ركيزة انتقادكم -كما ذكر الأخ طارق الصاعدي - هي فهمكم أن المجمع يسعى إلى إضافة حرف جديد إلى الحروف العربية الأساسية ،وهذ خلاف ما نحن عليه في المجمع فالهدف ليس إضافة حرف جديد بل إضافة رسم جديد لصوت قديم قدم تدوين العربية وشقيقاتها كالسبئية و العبرية والأكادية وسليلاتها. وسأذكر أسباب الحاجة إلى مثل هذه الإضافة.

        لا نشك أن دراسة اللهجات مطلب مهم ، وفيه إثراء للغة الفصحى - بطريق مباشر أو غير مباشر- ولانشك أن كثيرا من مؤسساتنا العلمية كانت وما زالت تتهيب الدخول في غمار هذا الحقل الثري خوفا من انتقاد كانتقادكم أستاذي الفاضل. و لا نشك كذلك في حسن نيتكم وحبكم للغتنا ، بيد أننا كذلك عرب مثلكم نحب لغتنا ونعتز بها ونباهي بها الأمم ، وكنا نتعشم فيكم أن تنصفونا قليلا فلا تتهمونا بشيء لم نفعله ولم ندعوا إليه ألا وهو إضافة حرف جديد إلى لغة العرب.!!!

       ولو استوضحت منا ومن أعضاء المجمع لكان هذا عين الإنصاف منكم حفظكم الله.

         و من الأسباب الداعية إلى اعتماد رسم (حرف) لصوت القيف و الذي ينطق كما ينطق المصريون وجل أهل اليمن حرف الجيم، وكما ينطق البريطانيون حرف G في كلمة Good.:

1- دراسة اللهجات بطريقة عليمة تستوجب أن تدون الأصوات كما تنطق ، وهنالك كثير من الأصوات اللهجية ليس لها رسم في الحروف الأساسية منها القيف ، ومنها كسكسة الكاف بنطقه تاء دمجت في السين كما نقول " كيف حالتس؟" في خطاب المؤنث، ومنها القاف التي تنطق دالاً دمجت في الزاي ، مثل نطقنا لكلمة "دزدر" أي قدر، ومثل الجيم الحجازية المعطشة التي تشبه الجيم الشامية ، و التي تكتبها كثير من اللغات الإسلامية بزاي مثلثة هكذا ژ ، وغيرها. فاستحداث رسم مشتق من الرسم العربي للصوت الأساسي أو الأقرب للنطق أمر حسن تستدعيه الحاجة البحثية والدقة العلمية.

2- إن دراسة اللغات العربية القديمة كالسبئية و المعينية والقتبانية والحضرمية القديمة ، وكذلك سليلاتها الحديثة كالمهرية والسوقطرية و الشحرية وغيرها ، تستدعي إيجاد رسم عربي أصيل بدلا من الاعتماد على الألفبائية الصوتية الدولية التي أسست على الحرف اللاتيني International Phonetic Alphabet )IPA). فرفضنا لمثل هذه المبادرات الحميدة لا يمكن أن يفهم إلا في إطار "زامر الحي لا يطرب"!

3- في رسمنا للأعلام المكانية والشخصية الأجنبية نواجه صعوبات جمة في رسمها ، و نفترق في ذلك افتراقا محزنا ، ولعل حرف أو صوت القيف خير مثال،
أ- فهو يكتب في مصر بالجيم فيكتبون إنجليزي ،
ب- و في بعض دول الخليج إنغليزي ،
ج- و في بعض الدول بالكاف إنكليزي ،
د- و في المغرب نجدهم يستخدمون الكاف المثلثة لرسم اسم مدينة أغادير - كما نكتبها نحن - وهم أقرب للصواب لأن اسمها بالقيف لا الغين ، فنجدهم يرسمونها هكذا أڭادير.
هـ- وفي تونس و الجزائر يكتبونها بالقاف المثلثة فيرسمون عزازقة هكذا عزازڨة لأن نطقها بالقيف أصلاً.
و- و نجد من يكتب إنقليزي كذلك!!!

و الدقة اللفظية تستدعي أن نرسم الأعلام الحديثة خاصة سوى ما اتفق العرب على تعريبه قديما برسم أقرب للفظ الصحيح، و هذا يستدعي أن نتفق على رسم معين لكل صوت من الأصوات العجمية الشائعة و إلا فليس بمن العملية في شيء أن نوجد رسما لك وحدة صوتية أجنبية.
ومن هذه الوحدات ما كتب لرسم ما أن يشيع استخدامه لرسمها ومن ذلك:
أ- الباء المهموسة P وترسم بالباء المثلثة التحتية پ
ب- الفاء المهموسة V وترسم fبالفاء المثلثة ، و قربها من القاف المثلثة يستدعي أن يكون للقيف رسم مختلف متميز.
ج- الجيم المهموسة CH وتكتب بالجيم المثلثة التحتية چ.

4 - هذا الرسم (الحرف) ليس خطراً على العربية ولن يكون كذلك ، لأنه استحدث ليستخدم في نطاق معين لرسم وحدة صوتية معينة، و نحن نجد أن علماءنا السابقون قد رسموه بالكاف ، والحاجة أم الاختراع كما يقال، و قد حان الوقت لكي نتفق على رسم جديد متميز.

5- لعل هذه المبادرة تكون نواة لألفبائية صوتية عالمية لكل اللغات التي تكتب بأبجدية أساسها العربية وما أكثرها و ما أقل عنايتنا بها ، ومنها أشهر اللغات الإسلامية بعد العربية كالفارسية و البشتونية، الأوردوية ، والبنجابية ،و السندية ، و الأويغورية ، والملاوية ، و القازاخية و البلوشية وغيرها كثير جدا. وهذه اللغات قطعت شوطا عظيما في إيجاد رسم عربي لكل صوت من أصواتها.

     أحبتي هذا الرسم إن كتب له النجاح سيكون حلاً لإشكالية كتابية نعاني منها، وعلى سبيل المثال فالبحث في محركات الشابكة عن علم أجنبي أو مصطلح أجنبي معرب لفظا و يحوي صوت القيف سيكون دائما ناقصاً وغير دقيق وسأمثل لكم بأكثر من مثال حي وسترون كم هو كبير هذا التفاوت في نتائج البحث: والمثل هو مصطلح اسم دولة قرغيزيا :
     عند البحث عن "قرغيزيا: يظهر محرك البحث (غوغل ، قوقل، گوگل، جوجلGoogle، ) :
11200 نتيجة، بينما لو بحثنا باستخدام الرسم المغربي "كرغيزيا فسنجد 237 نتيجة غالبها من الجزائر وتونس !!!
والمثال الثاني هو اسم العلم الألماني الشهير Wolfgang von Goethe :
عند البحث عن "جوته": يظهر محرك البحث 152 مليون نتيجة.
عند البحث عن "غوته": يظهر محرك البحث 262 ألف نتيجة فقط!!
عند البحث عن "گوته": يظهر محرك البحث 530 ألف نتيجة جلها بالفارسية.
عند البحث عن "ڤوته": سيظهر محرك البحث بضع نتائج جزائرية غالباً.
كل هذه الإشكالات والتفاوت في البحث يمكن حلها إذا كتب لرسم موحد النجاح ، ولعل القيف يكون ذلك الرسم.

    أما آلية مجمع اللغة الإفتراضي أستاذي الفاضل فأنتم لا تجهلوناها وكنتم ضمن عضوية بعض اللجان التي صوتت على تعريبات سابقة قام بها المجمع ، والمجمع مجمع إفتراضي مشاع للجميع ، و كل عربي محب للغة الضاد يعتبر عضوا فيه إن شاء، و كونه مجمع شعبوي يتيح للجميع المشاركة فهذا أمر جميل تفتقد مجامعنا الرسمية الموقرة التي ما زالت لم تخرج لنا بمعجم عربي معاصر نفتخر به ، وما زالت متأخرة في إيجاد بدائل عربية لكثير من المصطلحات التي شاعت بعجمتها نتيجة لتخاذل هذه المجامع للأسف ، ونتيجة لغياب العنصر والكادر الشاب ، فجل الأعضاء- و نحن نجلهم ونقدرهم ولا نبخسهم حقهم ،ولا مكانتهم العلمية ولا الاجتماعية - بلغوا مبغا من العمر لا يمنحهم مجالا ومتسعا يتوافق و إيقاع العلوم اللغوي المتسارع والذي يظهر لنا عشرات المصطلحات يوميا، و كذلك فآليات اتخاذ القرار فيها ما زالت تتبع المدرسة البيروقراطية التي تعيق لا تعيق تقدمها وحسب ، بل تقيدها.
و إعلامنا إعلام متخاذل لغوياً ، ونحن نعلم أن نجاح تعريب ما منوط بتظافر الجهود بين الكتاب و المتخصصين ، والمؤسسات اللغوية، والإعلام المسموع و المرئي، و الدعم السياسي والحكومي، ولكن العربية مغلوبة على أمرها بين كل هؤلاء. و لذلك فالأمل حاليا في وسائل التواصل الإجتماعية لعلها تكون عونا لنا في خدمة العربية و النهوض بها .

        واسمحوا لي على هذه الإطالة التي هي من باب الإيضاح والعتب بين أخ وأخيه. وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه خدمة للغة القرآن.


محبكم / نواف البيضاني
الجمعة 17 رجب 1435هـ