الجمعة، 9 ديسمبر 2016

التحرير في بيان جمع التغيير:

التحرير في بيان جمع التغيير
سعيد بن عبدالخالق

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،  أما بعد :
     فقد جرى خلافٌ بين أساتذةٍ كرامٍ في مفرد ( تغييرات) ، فذهب الدكتور عبدالرزاق الصاعدي إلى أنه اسم المرّة ( تغييرة )، وقرر ذلك في مقاله ( الرضي يحسم النزاع في مسألة ست تغييرات )، وذهب الدكتور أبو أوس الشمسان والدكتور سليمان العيوني إلى جواز كونه مصدرًا مجردا ( تغيير) جوازًا راجحًا، وجوازِ كونه اسم مرّة ( تغييرة ) جوازًا مرجوحًا .

    ويظهر أثر هذا الخلاف في إضافة العدد إلى ( تغييرات) ، اعتبارًا بالمفرد - على مذهب الجمهور -  في المخالفة بين العدد والمعدود ، فمن جعله ( تغييرة ) قال : ( ثلاث تغييرات) بتذكير العدد ليس غيرُ ، ومن جوّز فيه ( تغيير و تغييرة ) قال :(ثلاثة تغييرات أو ثلاث تغييرات) باعتبار مراد المتكلم .

     وتحقيق المسألة أنّ لفظةَ ( تغيير ) مصدرٌ، والأصل في المصادر أنها لا تُجمع؛ لأنها تدل على الجنس، والجنس واحدٌ يشمل القليل والكثير ، فلا ثانيَ له ليُضمّ إليه، فإذا أُريد بالمصدر أنواعٌ مختلفةٌ جاز تثنيتُه وجمعُه ، وذلك أنه إذا قُصد به نوعٌ معيّن فقد خرج عن دلالة الجنس إلى دلالة النوع، فينزَّل حينئذ منزلة الأسماء من جهة صحة التثنية والجمع، وعلى هذا فيكون (تغييرٌ ) من الأسماء الخماسية التي زِيد قبل آخرها حرفُ مدّ، والعرب تجمع الاسمَ الخماسيَّ المزيدَ قبل آخره حرفُ مدٍّ على ( مفاعيل ) وما يماثله في العِدّة والهيئة وإن خالفه في الوزن ، فتقول : قناديل ومناديل ومساكين وعصافير وقراطيس وتماثيل ، في جمع : قنديل ومنديل ومسكين وعصفور وقرطاس وتمثال .
      وعليه فيُجمع ( تغييرٌ ) إذا صار اسمًا على تغايير قياسًا ، وما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب .

     ولا يجوز أن يُجمع على ( تغييرات ) ؛ لأنه غير داخل في الأنواع التي تُجمع بالألف والتاء ، ولا يصح قياسه على ما شذّ منها مِما مفردُه مذكّرٌ - على القول بقياسيّتها - لانتفاء العلّة التي من أجلها جُمعت بالألف والتاء ، وهي كونها لم تُكسّر على جمعٍ من جموع التكسير .

     والذي يُجمع على (تغييرات ) المصدرُ الدال على الوحدة وهو ( تغييرة ) ، وجمعه بالألف والتاء جمعٌ قياسي لا إشكال فيه .

     فالخلاصةُ أن عندنا جمعَينِ ، جمعًا للمصدر العدديّ وهو ( تغييرات ) ، وجمعًا للمصدر النوعيّ وهو ( تغايير ) ، فمن أراد تعديد المرّات أتى بالأول ، ومن أراد بيان اختلاف الأنواع أتى بالثاني ، وقد أشار ابن الدهّان في شرح اللمع  إلى هذا الفرق فقال (١٧٧/١ تحقيق د. فريد الزامل ) :
"والأَولى إذا أردتَ تثنيتَه وجمعَه أن تقولَ : ضربتُه نوعين من أنواع الضرب وأنواعًا منه .
       فإن قيل : قد أجزتَ جمعَه فقلتَ : ضربةٌ وضَرَباتٌ ، ولم يفتقر إلى شريطة ، وقد حكمتَ بأنه لا بُد في قولك : ضربتُ ضربين  [ في المطبوع (ضربتين) وهو تحريفٌ ظاهرٌ وصوابه في المخطوط ]  من اختلاف النوع حتّى يُثنّى ويُجمع .
فالجواب : أنّ هذا ليس كالأوّل ، وأنّ هذا لِعَددِ المرّات ، ولهذا المعنى جئتَ بتاء التأنيث ، لِتُثبتَ عِدَّة فِعلك ، كما تقول : تمرة وتمرتان وتمَرات ، ولا تقول : تمور إلّا إذا اختلفت أنواعُه".

     وقد كثُر في كلام النحاة  الجمعُ العدديُّ ( تغييراتٌ ) ؛ من قِبَل أنّهم يقصدون بيانَ العدد ولو اختلفت الأنواع  ؛ إذ يلزم من اختلاف الأنواع تعدّدُ المرّات ، فيقولون : في هذه الكلمةِ ثلاثُ تغييراتٍ ، يقصدون بيانَ عددِ التغييرات التي تلحق الكلمة ، وأما إذا نظروا إلى اختلاف الأنواع فإنهم يجمعونه على تغايير كما جاء في كلام بعضهم .

      والذي يدفعني أن أحملَ كلام النحاة على قصد اعتبار العدد أمران :

١- دلالة الجمع بالألف والتاء؛ إذ هي دالّةٌ على الجمع العدديّ كما مرّ، والأصل مطابقة المعنى للفظ .

٢- تذكير العدد مع هذا الجمع في كلام أكثرهم ، فيقولون : ثلاث تغييرات ، مما يدل على أنه جمعٌ لاسم المرّة ( تغييرة ) .

      وليس في عدم استعمال اسم المرّة  دليلٌ على أنّ مفرد تغييرات هو المصدر المجرّد، لأن (تغييرة) ثابت بالنظائر وإن لم يُستعمل كــ( تكبيرة) و( تسليمة ) و(ترويحة ) و(تسبيحة ) .

     وأمّا ماورد في كتب بعضهم من تأنيث العدد نحو : ثلاثة تغييرات ، فلا ينبغي - في تقديري - أن يُعارض به الأصل السابق  ، وإنما يُخرّج ما ورد من ذلك على أحد أمرين :

 ١- تحريفٌ من الناسخ ، خالفتُه النسخ الأخرى ، وقد ثبت هذا في شرحَيْ السيرافي والشاطبي .

٢- توهّمٌ من العالِم نفسِه ، فظنّ أنّ المفرد مذكّرٌ ، وتبعه آخرون ممن نقلوا كلامه، كما في شرح المرادي للألفية  في أول باب النسب ، ونقله الأزهريُّ في التصريح بنصّه ، وربما يكون تحريفًا ؛ لأن كثيرًا ممن نقلوا كلام المرادي كالأشموني والسيوطي والخضري أوردوه على الأصل بتذكير العدد .

     والتوهّمُ في مثل هذا الموضع واردٌ غير مستبعد .

    وهذا التخريج أحسنُ عندي من القول بأن تغييراتٍ جمعٌ لتغييرٍ  ؛ لما في هذا القول من مخالفةٍ لاستعمال العرب في الجمع دون سماعٍ معتبرٍ أو قياس صحيح ، و لما يُفضي إليه من اللبس بين الجمع العددي والجمع النوعي .

     ولو جُوّز جمعُ تغييرٍ على تغييراتٍ لكان جوازًا على ضعفٍ ، لمخالفته للقياس الصحيح والاستعمال الشائع .

    وعلى هذا فالصوابُ في هذه المسألة - في رأيي - ما ذهب إليه الدكتور عبدالرزاق، والله أعلم. وأسأل الله أن يوفّق الأساتذةَ الأفاضلَ لما يحب ويرضى وأن يجزيهم خيرا لما يقدمونه من جهود مباركة لطلاب العلم .

كتبه/ سعيد بن عبدالخالق