السبت، 5 يونيو 2021

(حَيْرَما) بمعنى رُبَّما رأيٌ فيما رواه أبو عمرو الشّيبانيّ في الجيم

 

 

(حَيْرَما) بمعنى رُبَّما

رأيٌ فيما رواه أبو عمرو الشّيبانيّ في الجيم

كتبه/ عبدالرزاق الصاعدي

20/ 10/ 1442هـ 1/ 6/ 2021م


 

روى أبو عمرو الشّيبانيّ (ت 209هـ)  في الجيم،  عن بعض رواته الأعراب ولم يسمّه- لفظًا نادرًا فسّره تفسيرًا غريبًا، وهو (حَيْرَما) وزعم راويه الأعرابيّ أنّه بمعنى (رُبّما)، واستشهد له الراوي أو الشيباني ببيتٍ عزاه لأبي ثور، وهذا نصّ الجيم: «وقال: حَيْرَما؛ أي: رُبّما؛ قال أبو ثور:

تَبَدّلَ أُدْمانَ الظِّبــاءِ وحَيْرَما      

 

فأَصْبَحْتُ في أطلالها اليَوْمَ حامِسَا»(1)

ولم يرد هذا اللفظ بهذا المعنى في المعاجم المتقدّمة، وظهوره الأول في معاجم الألفاظ كان في القاموس المحيط للفيروزي (ت 817هـ)، قال: «حَيْرَما، أي: رُبَّما»(2)، ونقله ابن معصوم (ت 1119هـ) في الطراز الأوّل في مادة (ح ي ر)، والزَّبيديّ (ت 1205هـ) في التاج في مادة (ح ي ر)، وقال الكفويّ (ت 1094هـ) في الكليات: «وحَيْرَ ما أرى: بمعنى رُبّما»(3).

وسَكتَتْ عنه كتبُ النحو قاطبة، وهي من مظانّه لو صحّ، فالنحويون يذكرون رُبّ ورُبّما في أبواب الأدوات وحروف المعاني وما يجري مجراها، و(حيرما) -إن صحّت- مثل رُبّما في المعنى والتركيب، (حير) و(ما)، وللنحويين حديث عن (ما) في رُبّما أكافّة هي أم غير كافّة، وكذلك (ما) في حَيْرَما، لو وردت عن العرب.

وأما الشاهد الذي أورده أبو عمرو فلا يصحّ الاستشهاد به على معنى ربّما، فـ(حَيْرَما) هو الحَيْرَم: البقر، وهو معطوف على أُدْمان الظباء، ولما كان نكرة منصوبة قال: حَيْرَمَا، فالألف للنصب، وليست من الكلمة. ويروى في بعض المصادر:

تبَدَّلَ أُدْمًا من ظِّباءٍ وحَيْرَما

والرواية الأولى التي رواها أبو عمرو وغيره هي الأكثر في المصادر، وهي في ديوان عمرو بن معدي كرب الزبيدي(4)، وهو له في بعض المصادر(5) من قصيدة سينيه، مطلعها مع البيت بعده:

لِمَنْ طَلَلٌ بالعَمْقِ أَصْبَحَ دارِسا

 

تَبَدَّلَ آرامًا وعِينًا كَوانِسا

تبَدَّلَ أُدْمانَ الظِّبـاءِ وحَيْرَما

 

فأَصبحتُ في أَطلالها اليَوْمَ حامِسَا





فالشاهد كما ترى للحَيْرَم بمعنى البقر، ولا يستقيم شاهدًا لمعنى رُبّما. قال ابن سيده: «الحَيْرَمُ: البَقر، واحدتُها حَيْرَمة»(6).

وأمّا الأُدْمانُ فوصفٌ للظباء وغيرها، واشتقاقه من الأُدْمة، وهي لونٌ مُشْرَبٌ سَوادًا أو بَياضًا، وهي في الإِبِل البَياضُ مع سَوادِ المُقْلَتَيْن، وهي في النَّاس السُّمْرة الشَّدِيدَة، ومنه قالوا: آدَمُ وأُدْمٌ وأُدْمانٌ، قال ابن فارس: يُقَالُ: ظَبْيَةٌ أُدْمَانَةٌ وظِبَاءٌ أُدْمَانٌ(7)، وأنكر ابن سيده أُدمانة، بالتاء، قال: «الأُدْمانُ: جَمْعٌ كأَحْمَرَ وحُمَرانٌ، وأَنْتَ لا تَقُول: حُمْرانَةٌ ولا صُفْرانَةٌ. وكان أبُو عِليٍّ يقول: بُنِيَ من هذا الأصل فُعلانة كخُمْصانة»(8)، وقال: «والأُدْمُ من الظِّباءِ: ظِباءٌ بِيضٌ تَعُلُوها جُدَدٌ فيها غُبْرَةٌ... وقد قالوا في جَمْعِه: أُدْمانٌ، والأُنْثَى أَدْماءٌ، وجَمْعُها أُدْمٌ... وقولُ ذي الرُّمَّة:

والجِيدِ من أَدْمانَةٍ عَتُودُ(9)

عِيبَ عليهِ، فقيل: إنّما يُقال: هي أَدْماءٌ»(10).

هذا معنى الأُدْمان، وبه يتّضح أنّ القول بأن (حَيْرَما) بمعنى ربّما وهمٌ من الأعرابي أو أبي عمرو. ويتّضح أيضًا- أنّ مَعجمتها بهذا المعنى باطلة ولا تصحّ، وأن ما جاء في القاموس المحيط وبعض شروحه وفي الكليات الكفويّ باطل واغترار بما في الجيم أو من نقل عنه، وأنّ مَعجمته في جذر (ح ي ر) باطلة أيضًا، وموضعه (ح ر م). والله أعلم. 

 



(1) الجيم1/ 205.

(2) القاموس (ح ي ر) 1/ 488.

(3) الكليات 409.

(4) ص 125.

(5) ينظر: العباب (حدس) 81، واللسان (حدس) 6/ 47، والتاج (حدس) 15 / 528.

(6) المحكم (حرم) 3/ 248.

(7) المقاييس (برق) 1/ 227.

(8) المحكم (أدم) 10/ 98.

(9) ديوانه 1/ 359، وفيه: عنود، مكان عتود.

(10) المحكم (أدم) 10/ 98.