الجمعة، 15 مارس 2013

بدل فاقد.. توجيه لغوي ورأي 4/4

نفاضة الجرب
بدل فاقد.. توجيهٌ لغويٌّ ورأي (4/4)

     تقدم الحديث في قول المعاصرين (بدل فاقد) بمعنى مفقود، ووقفنا بالتفصيل على شواهد مما جاء على (فاعل بمعنى مفعول) من القرآن والحديث وكلام العرب وأشعارهم، ورأينا الخلاف بين البصريين والكوفيين في تلقّيه ، فلكل من المدرستين تأويلها لما جاء من هذا الاستعمال اللغويّ، وهو عربيّ قرآني، لا تشوبه شائبة، ولكن أكثرهم يحفظه ولا يقيس عليه، وربما أجاز بعض المعاصرين القياس عليه، وصوّب على أساسه بعض ما شاع منه على ألسنة الناس والكُتّاب في اللغة المعاصرة.

     وأرى أن قولهم في الدوائر الحكومية وغيرها: (بدل فاقد) استعمال صحيح، وهو بمعنى مفقود على مذهب الكوفيين، أي بدل عن شيء مفقود، أو أن فاقدا بمعنى ذي فقد على مذهب البصريين، أي على النسب الشاذ، وذو الشيء قد يكون مفعولا كما يكون فاعلا.

ومما يعضد تصحيحَه لغةً ويحملنا على قبوله:

1- أنّ ثمة شاهداً لكلمة (فاقد) بمعنى مفقود أو ذي فقد، وهو قول بِشْر بن أبي خازم:

ذكَرتُ بها سلمى فظَلْتُ كأنَّني ذكرتُ حبيباً فاقداً تحتَ مَرْمَسِ

أي حبيباً مفقوداً (ديوان بشر80) واستشهد به ابن سيده على مجيء فاعل بمعنى مفعول. (المخصص 4 /400 والمحكم (حلق)

2- أن في (بدل فاقد) عدولاً عن الأصل، ولا يُعدَل عن الأصل إلاّ لغرض، والغرض هنا معنوي وهو المبالغة في صفة الفقد، ولفظيٌّ؛ لأن هذا التركيب جاء مصاحبا لقولهم (بدل تالف) فاستحسنوا معه أن يقولوا (بدل فاقد) للمجانسة والمشاكلة بين اللفظين المتصاحبين، والبدل يعطى في الحالتين: الفقد والتلف، ومعلوم أن المجانسة قد تؤثر في الصيغ، ولها شواهد، وفسر بها الفراء رأيه (في عيشة راضية) قال: ((وأعان على ذلك أنها توافق رؤوس الآيات التي هنّ معهن)) ومنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ارجَعْنَ مَأْزوارتٍ غيرَ مأجورات» قال السمين: الأصل: «مَوْزورات» ولكنْ أُريد التواخي، وكذلك قولُهم: «إنه ليأتينا بالغدايا والعَشايا» ويعني أنَّ الأصلَ: «بالغَدَاوى» لأنها من الغُدْوة، ولكن لأجل ياء العشايا جاءت بالياء دون الواو)) (الدر المصون 4/ 213 )

3- أن في هذا التركيب (بدل فاقد) ما يؤمن معه اللبس الذي اشترطه ابن ولّاد، وهو هنا سياق الإضافة لكلمة (بدل) فالبدل للمفقود وليس للفاقد بمعنى الفاعل، فالتركيب وما يكتنفه من سياق يخصص المعنى ويرفع اللبس.

    وأقول في الختام: إنه على الرغم من أن النفس قد تميل إلى الأصل الوضعي (بدل مفقود) إلا أني أرى ألّا نحجّر واسعا، ولا نضيّق على الناس ونعطل آلة القياس، فأرى أن قولهم (بدل فاقد) صحيح لفظاً ومعنى، وأن غرضه الاتّساع في اللغة، أو المجانسة اللفظية والمشاكلة مع قولهم: (بدل تالف) وهو محمول في التصريف على العدول في الصيغة، إما من باب فاعل بمعنى مفعول، أو من باب النسب الشاذ، بمعنى ذي فقد، كنظائره مما جاء في القرآن والحديث النبوي وفصيح كلام العرب، ولوجود ما يؤمن به اللبس، وهو إضافة كلمة (بدل) إلي (فاقد) فالبدل للمفقود وليس للفاقد، وهنا يؤمن اللبس، وفوق هذا كله فله شاهد على اللفظ، في شعر جاهليّ.

أ.د.عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
تويتر/ sa2626sa@
جردية المدينة (ملحق الرسالة) الجمعة 1434/5/3 هـ 2013/03/15 م العدد : 18223

http://www.al-madina.com/node/439884...%D9%8A-44.html