السبت، 23 فبراير 2019

مصطلح: المعاجم العراقية أو معاجمنا العراقية:


مصطلح: المعاجم العراقية أو معاجمنا العراقية

      
ما المراد بهذا المصطلح؟ وما علّة وجوده؟
    
   إننا حين نتأمّل تراثنا المعجمي القديم نجد أنه نشأ في العراق ونضج بالعراق واكتملت مدارسه في العراق، وعندما نتجاوز رواية اللغة التي نشأت هناك وهي عمود المعاجم وأساسه نجد أن المعاجم الكبيرة التي استعانت بما جُمِع في عصر الرواية، كالعين للخليل والغريب المصنف وغريب الحديث لابن سلام والألفاظ وإصلاح المنطق لابن السكيت وغريب لابن قتيبة وغريب الحديث للحربي، ولتقفية للبندنيجي والجمهرة لابن دريد والتهذيب للأزهري والمحيط للصاحب بن عبّاد وغريب الحديث للخطابي والمجمل والمقاييس لابن فارس والصحاح للجوهري والغريبين للهروي، بالإضافة إلى معاجم غريب القرآن والمذكر والمؤنث والأضداد، وهذه المعاجم المتنوعة التي ظهرت بالعراق هي عمود المعجم العربي، ثم نجد أن المعاجم التي ظهرت بعيدا عن العراق كالمحكم والمخصص واللسان والطراز الأول وتاج العروس كانت تتقيّل معاجم العراق وتنهل من معينها، مع مزيد عناية بجمع المتفرق واستدراك ما يمكن استدراكه من مصادر اللغة. 

     ومن أجل هذا أسميها (المعاجم العراقية) تقديرًا لهم واعترافًا بسبقهم وفضلهم العظيم على العربية وعلومها كافّة وسائر علوم التراث، ودرجت على هذا منذ سبع سنوات، وواجهت بعض النقد ممن لم يفهم مرادي، وفي المصلطح اعتراف بسبقهم ومكانتهم وفضلهم العظيم على العربية وعلومها كافّة وسائر علوم التراث، ثم إني أريد بهذا المصطلح إيصال رسالة ضمنية لأهل المنبع الذين تطرق بقايا الفصاح أسماعَهم صباح مساء، وليعلموا أن ما فات أصحاب المعاجم الذين لم تطأ أقدام أكثرهم أرجاء هذه البلاد يمكن استدراكه اليوم إن وُجدتِ الهمّة والأدوات العلمية الكافية، على النحو الذي فصّلته في الفوائت الظنية. ورحم الله علماءنا في كل مكان وبارك في عمل الأحياء منهم، وكتب أجرهم جميعًا، ويسّر لنا طريق خير ونفع لهذه اللغة الشريفة وأهلها.

عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة

هل يمكن إرجاع القبيلة الكبيرة إلى جدّ واحد؟: رأي الدكتور جواد علي:


هل يمكن إرجاع القبيلة الكبيرة إلى جدّ واحد؟
 رأي الدكتور جواد علي

ليس من اهتماماتي الكتابة في الأنساب، ولا يعنيني من أمرها إلا ما توصل به الأرحام، فالناس جميعهم يرتفعون في أنسابهم إلى آدم عليه السلام، وآدم من تراب وعاد إلى تراب، وذُرّيته مثله، وهم من سائر الأجناس والأمم سواسية في الأصل والمبدأ، لا يتفاضلون إلا بأعمالهم وأخلاقهم ومواقفهم وما يقدمونه لأمتهم وبلدانهم وللإنسانية، لا أستثني منهم إلا من فضلهم الله عز وجلّ بنص شرعي، كنبينا عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه، رضوان الله عليهم أجمعين، وعلينا أن نحفظ لهم حقوقهم.

وأردت هنا دعوة المهتمين بالأنساب إلى مراعاة هذا المبدأ أو الأصل، وأن يقرأوا كلام الباحث العراقي الدكتور جواد علي في (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) وأن يتقيّلوه ويتركوا فسحة في كتاباتهم للعقل الناقد لروايات النسابين القدماء كابن السائب الكلبي والهمداني وابن حزم والحمداني والقلقشندي، وغيرهم، فلعل في قوله ما يعين الباحثين عن الحق والإنصاف إلى الوصول إلى نتائج يقبلها العقل، وتراعي الاعتبارات التاريخية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية ذات الأثر في حركة الناس والعمران وانتقالات القبائل وتحالفاتها، وتعين أيضا على قبول تعدد الجدود للقبيلة الكبيرة ورجوعها إلى سلاسل نسب مختلفة يجمعها سبب أو أسباب مختلفة غير الدم، مع الإيمان بأن مسألة الجدّ شائكة ويكاد الوصول فيها إلى حقيقة مطلقة يكون متعذرا، فتبقى المواءمة والمقاربة هي ما يمكن تحقيقه والوثوق به.

وفي هذا المعنى الشائك يقول الدكتور جواد علي تحت عنوان: (أسماء أجداد القبائل): ((لكل قبيلة -كما ذكرتُ- جد تنتمي إليه وتفاخر وتباهي به. وقد يكون هذا الجد جدًّا حقيقًّا, أي: إنسانًا عاش ومات، وساد القبيلة، وترك أثرًا كبيرًا في قبيلته حتى نسبت القبيلة إليه. وقد يكون الجد اسم حلف تكوَّن وتألف من قبائل عديدة، حتى عرفت به، ودعيت بذلك الحلف, وصار وكأنه اسم جد وإنسان عاش. ومن هذا القبيل اسم "تنوخ" على حدّ زعم أهل الأخبار, فقد رووا أن تنوخًا قبائل عديدة، اجتمعت وتحالفت، وأقامت في مواضعها.
وقد يكون اسم موضع، أقامت قبيلة به، فنسبت إليه, كما يذكر أهل الأخبار من اسم "غسان". وقد يكون اسم إله عُبد، فنسب عُبّاده إليه مثل "بني سعد العشيرة"، و"تألب ريام" جد قبيلة "همدان"، وقد يكون اسم حيوان أو نبات أو ما شابه ذلك، مما يدخل في دراسة أصول الأسماء ومصادرها واشتقاقها)). (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 4/ 340).

ويقول: ((وقد أرجع ابن حزم جميع قبائل العرب إلى أب واحد، سوى ثلاث قبائل، هي: تنوخ، والعتق، وغسان، فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون. وقد نص غيره من أهل النسب على أن تنوخًا اسم لعشر قبائل، اجتمعوا وأقاموا بالبحرين، فسموا تنوخًا. وذكر بعض آخر أن غسان عدة بطون من الأزد، نزلت على ماء يسمى غسان، فسميت به. فترى من هنا أن تنوخًا والأزد حلف في الأصل، وقد صار مع ذلك نسبًا عند كثير من أهل الأخبار.
وبين أجداد القبائل والأسر الذين يذكرهم أهل الأنساب أجداد كانوا أجدادًا حقًّا، عاشوا وماتوا, وقد برزوا بغزواتهم وبقوة شخصياتهم، وكونوا لقبائلهم وللقبائل المتحالفة معها أو التابعة لها مكانة بارزة، جعلتها تفتخر بانتسابها إليهم، حتى خلد ذلك الفخر على هيئة نسب, ونجد في كتب الأنساب أمثلة عديدة لهؤلاء)). 1/ 517.

ويقول جواد علي: ((وقد ذهب المستشرق "بلاشير" إلى أن طريقة النسابين بالنسبة إلى الأرهاط، هي طريقة إيجابية مقبولة، ولكنها لا تستند إلى أسس صحيحة بالنسبة للقبائل والأحلاف؛ بسبب أن تحالف القبائل وتكتلها راجع إلى عوامل المصلحة الخاصة والمنافع السياسية، وهي تتغير دومًا بتغير المصالح، تتولد تبعًا لذلك أحلاف لم تكن موجودة, وتموت أحلاف قديمة، وتظهر قبائل كبيرة وتموت غيرها. ولهذا التغير فعل قوي في تكوين الأنساب وفي نشوئها, إذ تتبدل وتتغير الأنساب تبعًا لذلك التغير، ومن ثَمَّ فلا يمكن الاعتماد على الأنساب الكبرى، التي دونها علماء النسب وجمعوها في مجموعات، وشجروها حفدة وآباء وأجدادًا)). 4/ 341.

ويقول في موضع آخر: ((ويلاحظ أن الأحلاف إذا طالت وتماسكت، أحدثت اندماجًا بين قبائل الحلف قد يتحول إلى النسب، بأن تربط القبائل والعشائر الضعيفة نسبها بنسب القبيلة البارزة المهيمنة على الحلف, وينتمي الأفراد إلى سيد تلك القبيلة البارزة, فتدخل أنسابها في نسب الأكبر. وفي كتب الأنساب والأدب أمثلة عديدة على تداخل الأنساب، وانتفاء قبائل من أنسابها القديمة ودخولها في أنساب جديدة. ويؤدي انحلال الحلف أو انحلال عقد عشائر القبيلة الذي هو في الواقع حلف سمي "قبيلة"، إلى انحلال الأنساب وظهور أنساب جديدة، فإن القبائل المنحلة تنضمّ إلى حلف جديد، فيحدث ما ذكرته آنفًا من تولد أنساب جديدة، ومن تداخل قبائل في قبائل أخرى, وأخذها نسبها. ومن هنا قال "جولد زيهر": إنه لفهم الأنساب عند العرب، لا بد من معرفة الأحلاف والتحالف, فإنها تكوِّن القبائل؛ لأن أكثر أسماء أجداد القبائل هي أسماء أحلاف، ضمت عددًا من القبائل توحّدت مصالحها فاتفقت على عقد حلف فيما بينها)) (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 7/ 385، 386).

وأختم بقولي: إنّ في الأخذ بروايات بعض النسّابين القدماء أو المتأخرين والتسليم بها على عِلّاتها دون تمحيصٍ ونقدٍ مجازفةً تنافي أدبيات البحث العلمي، فقد تسيطر على بعض الباحثين الرغبة في إرجاع القبيلة الكبيرة إلى جدّ واحد دون دليل قطعي يثبت أنها من نسل جدٍّ واحد، وفي هذا مجازفة وظلم لقبائل وبطون عريقة ذات جذور أقدم. فليت أخواننا المشتغلين بالأنساب يعيدون النظر في أدواتهم وطريقتهم في قراءة النصوص ولا يُقدّمون النقل على العقل الناقد ولا يتجاهلون الظروف التاريخية والمصالح الاقتصادية والعوامل الاجتماعية ذات الأثر في اندماج بطون صغيرة في قبائل أكبر.

عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة
18 جمادى الآخرة 1440هـ

السبت، 9 فبراير 2019

ما وزن ماريّة؟ سؤال صرفيّ وجائزة:

ما وزن ماريّة؟ سؤال صرفيّ وجائزة

    
   من كلام العرب ما يُشكل وزنه وتتداخل فيه أصول (جذور)، وهو كثير في المعتلّات والمهموزات في الغالب، ومنه (الماريّة) بتشديد الياء، ولها معان متقاربة، وجاء منها في معاجمنا القديمة: قَطاة مارِيّة؛ أي: لؤلؤيّة اللون ملساء كثيرة اللحم، وامرأة ماريّة بيضاء برّاقة مكتنزة اللحم، والماريّة البقرة الوحشية، قال الأصمعي: لا أعلم أحدًا أتى بهذه اللفظة؛ أي: (الماريّة) إلا ابن أحمر، قال:

مارِيَّةٌ لُؤْلُؤانُ اللَّوْنِ أَوْرَدَها     طَلٌّ وبَنَّسَ عَنْها فَرْقَدٌ خَصِرُ


والمارِيُّ: وَلَدُ البَقَرَةِ الأَبيضُ الأَملَس. والمُمْرِية من البَقَرِ: التي لها وَلَدٌ ماريٌّ؛ أي: بَرَّاقٌ.


ويحتمل لفظ (ماريّة) ثلاثة جذور، وستّة أوزان، وهي:

الأول: أن يكون الجذر (م ر و/ م ر ي) وفيه معنى البياض واللمعان، وفي هذا الجذر وضعها الأزهري في التهذيب والصغاني في التكملة والذيل والصلة، وابن منظور في اللسان والفيروزي في القاموس والزبيدي في التاج. فيحتمل في التصريف وزنين:

1-      (فاعولة): من المرو، وهو الأظهر، وفيه معنى الملاسة والبياض واللمعان، ومن نظائرها في الوزن: تامُورة وراعُوفة وبانُوفة اسم امرأة. ونظيرها من المعتل: آخيَّةِ العُود، وأصلها: آخويّة، على فاعولة. وتقدير ماريّة قبل الإعلال: إن كانت من المرو: مارُوْوَة، ثم ماروّة بالإدغام، ثم قلبت الواو ياء تخفيفا، وكسرت الراء قبلها، فقالوا: ماريّة، أو قلبت واوها المتطرفة في (ماروو) ياء، فيكون تقديرها: ماروي، فيلتقي واو وياء أولاهما ساكنة فتقلب الواو ياء، وأدغمت، فقالوا: ماريّ، وتقديرها إن كانت من المري: مارُوْيَة، اجتمعت الواو والياء والسابق منها ساكن فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء بعدها، وكسرت الراء للمناسبة، وأشار إلى هذا الوزن ابن سيده في المحكم في (م و ر) بقوله: ((وقد تكونُ المارِيَّة فاعُولَة من المَرْي)).

2-      (فاعيّة) منسوب إلى مارٍ على وزن فاعل، نبهني عليه أ.د. فريد الزامل، ووجهه في التقدير أن يكون اسم فاعل من المرو لحقته ياء النسب، وتقديره: مَرَا الحجرُ يمري، فهو مارٍ (ماري) والحجر ممريّ، أو من قولهم مَرَى الناقة يمريها: مسح ضرعها لتدرّ، فأمْرَتْ هي ودرّ لبنها، فالماسح مارٍ وهي مَمريّة، ويقرّب هذا أن حكم النسب إِلى اسمٍ على أَربعةِ أَحرفٍ فصاعدًا إِذَا كانَ آخرهُ ياءً ما قبلَها مكسورٌ أن تحذف ياؤه كما يقول سيبويه وابن السّرّاج، فتقول في رجلٍ من بني ناجيةً: ناجِيٌّ، وفي أَدلٍ: أَدِليٌّ، وفي صَحارٍ: صَحارِيٌّ، وفي ثمانٍ: ثَمانيٌّ، تحذف الياء في ذلك، وتقدير ماريّة قبل الحذف: (ماري+يّة) التقت الياء الساكنة بالياء الأولى الساكنة من ياءي النسب. ومما جاء منسوبًا في صيغة فاعل: الرّاعِبيُّ: ضَرْبٌ من الحَمام. والزّاعِبيّ: الرُّمْحُ. دمٌ باحريٌّ، أَي: خالص، الجاشِريّةُ: الشَّرْبة مع الصُّبح. والباغِزِيّة: ثِيابٌ، فلعل الماريّة من هذا.

3-      (فَلَعِيَّة) على القلب المكاني، من المرو، وتقديرها قبل الإعلال: مَوَريِّة، فقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، وهذا وجه مرجوح؛ لأنّ الظاهر أولى حينما يمكن الحمل عليه.  

الثاني: أن يكون الجذر (م و ر/ م ي ر) وفيه معنى الانسياب والملاسة، ومنه: الناقة تمور في سيرها، وهي موّارة: سريعة، وفرس موّارة الظهر، والمور الموج، وفي هذا الجذر وُضعت المارية في المحكم لابن سيده واللسان لابن منظور والقاموس للفيروزي والتاج للزبيدي. فتحتمل وزنين:

1-      (فَعَليّة) على الظاهر، وفي هذا الوزن وضعها الفارابي في معجمه ديوان الأدب، ونظيرها:  الماذِيَّةُ، وهي الدّرْعُ السَّهلةُ الليَّنةُ. وقال: ((هذا البابُ أصْلُ الألفِ فيه واوٌ أوياءٌ)) يعني الألف التي هي محل عين الكلمة.

2-      (فالُوعة) على القلب المكاني، وتقديرها قبل القلب والإعلال: ماوُوْرَة على فاعُولة، فقُدّمت الراء، وهي لام الكلمة على الواو التي هي عين الكلمة: وتقديرها: مارُوْوَة، فأدغمت الواوين، مارُوّة، وقلبت ياء للتخفيف قلبًا غير لازم، وكسرت الراء قبلها للمناسبة.

الثالث: أن يكون الجذر (أ ر ي/ و ر ي) وفيهما معنى البياض واللمعان والامتلاء، ولم يجعلها أحد من المعجميين في هذين الجذرين أو أحدهما، وهي تحتملهما، ووزنها إن كانت من أحدهما: (مفعولة)، وتقديرها في الاشتقاق والتصريف فيما يأتي:
     إن كانت من (أ ر ي) فهي من: الإِرَة: شحم السنام، وفيه الامتلاء والبياض، أو من الإرَة: النار، وفيها البياض واللمعان، ومنه قولهم أرَّى النار يُؤرّيها تأرية؛ أي: أشعلها وعظّمها فهي مُؤرّاة، وعلى تقدير التخفيف إن كانوا تكلموا به: أراها يَرِيها أريًا، فهي مأريّة. وتقديرها قبل الإعلال: مأرُوْيَة، فوجب قلب الواو ياء وإدغامها، ثم كسرت الراء قبلها، فيكون تقديرها: مأريّة، فسهّلت الهمزة أو أبدلت ألفا خالصة، فقالوا: ماريّة. وتسهيلها أو إبدالها عربي سائغ ذكره سيبويه (3/ 543) في أحوال الهمزة، قال: ((وإذا كانت الهمزة ساكنةٌ وقبلها فتحة فأردت أن تخفف أبدلت مكانها ألفاً، وذلك قولك في رأسٍ وبأسٍ وقرأت: راسٌ وباسٌ وقراتٌ)).
     وإن كانت من (و ر ي) فهي من: الواري والوَرِيّ، وهما الشحم السمين، ولحم وَرِيّ؛ أي: سمين، أو من وَرَتِ الزّناد؛ إذا خَرَجَتْ نارُها، ووَرِيَتِ النارُ: صارت وارية، وأوراها يوريها فهي مَوْريّة، ومنه الزَّنْد الواري، الذي تظهر ناره سريعا، وفي الحديث: حتّى أوْرَى قبسها لقابس؛ أي: أظهر نورا من الحق، ومنه: أوريت صدره عليه: أوقدته وأحقدته، فإن كانت (ماريّة) من هذا الاشتقاق فتقديرها قبل الإعلال: مَوْرُوْيَة ثم مَوْرِيّة، بقلب الواو الثانية وإدغامها في الياء وجوبًا، ثم قلب الواو ألفًا للفتحة قبلها للتخفيف من غير لزوم ولا قياس.

     وهذا الوزن الخامس وجذره باحتماليه (أ ر ي) و(و ر ي) وجه يقبله الاشتقاق والتصريف، ولم يذكره أحد فيما أعلم.

     وثمة رواية بتخفيف الياء، (ماريَة) بمعنى القطاة اللؤلؤية الملساء والمرأة البيضاء، روى الأزهري عن ثَعْلَب، عن ابْن الأَعرابي قوله: ((الماريَة، خَفِيفَة الياء: القطاةُ اللؤلئية اللّون.... وقال شَمِر: قال أبو عمرو: القطاة المارِيَة، بالتَّخفيف: اللُّؤلئيّة اللّون)) فأقول: هذه المخففة أشبه بفاعلة، وقلت أشبه؛ لأننا نعلم أصلها، ووزنها المحتمل فيه. 

     وأما مارِيَة القِبْطِيَّةِ أمِّ إبراهيمَ فياؤها مخففة من أصلها، وظاهرها إن كانت عربية أنها على وزن فاعلة.

    والخلاصة أنّ (مارِيّة) مشددة الياء تحتمل ستّة أوزان، يقبلها الاشتقاق والتصريف، وهي: فاعُولة وفالُوعة وفاعيّة وفَعَلِيّة وفَلَعِيّة ومَفْعُولة. ولا أعلم أحدًا فصّل القول في حالها من المتقدمين ومن المتأخرين، فأرجو أن يكون في اجتهادي فيها كفاية وغُنية لأهل التصريف. 

عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة
4/ 6/ 1440هـ/ 9 /2/ 2019م

الاثنين، 4 فبراير 2019

شهادة أ.د. أحمد بن سعيد قشاش في الفوائت الظنية

شهادة أ.د. أحمد بن سعيد قشاش في الفوائت الظنية
أستاذ الدراسات اللغوية بجامعة الباحة
       السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      أسعد الله صباحك أبا عامر
     اطلعت البارحة على ما كتبه أحدهم يزعم أن عملك في جمع الفائت الظني من كلام العرب المعاصر هو نوع من الدعوة إلى العامية!!
      ولقد عجبت أن يصدر مثل هذا الكلام  من أستاذ يحمل درجة علمية عالية، وأحسبه لم يطّلع على السفر الرائع الذي وضّحتم في مقدمته الضافية الأهداف والمنهج والضوابط الصارمة في جمع مادته العلمية التي ترقى به لأن يكون على منهج يضاهي منهج السلف في جمع مادة معاجمهم اللغوية، تلك المعاجم التي فاتها كثير من مفردات لغة العرب واستعمالتهم اللغوية المختلفة. وقد جاء عملكم في وقت حرج جدا كاد أن يضيع معه معظم الموروث اللغوي الشفهي الذي بقى حيًّا على الألسنة متواترًا عن الأسلاف جيلا بعد جيل حتى عصرنا هذا، وقد وجدت صدق ذلك في كثير من ألفاظ النبات التي لم تدونها المعاجم العربية، وبقيت حيّة على ألسنة الناس من عصور الرواية الأولى إلي عصرنا هذا، وإلا كيف نُفسّر شيوع اسم من أقصى بلاد اليمن وعمان إلى جبال الحجاز مرورا بجبال السراة، ومع ذلك لا نجده في المعاجم العربية؟ بل وجدت عددًا من ألفاظ اللغة ما زالت حيّة شائعة على ألسنة أهل السراة، وعدد من اللهجات العروبية القديمة كالعبرية والسريانية والحبشية، ومع ذلك لم تدوّنها المعاجم العربية التي فاتها كثير من كلام أهل السراة وتهامة والحجاز وأنحاء واسعة من نجد واليمن.
     والخلاصة أخي الغالي أن عملك في جمع الفائت عمل جليل يسدّ ثغرة كبيرة في العمل المعجمي القديم، عمل عظيم سيُخلّد اسمك في تاريخ العربية وعلمائها الأبرار أمثال الخليل والأزهري وابن فارس، في ضبط المنهج والصبر في التطبيق والتتبع متحرّزا بهذا المصطلح الرائع الذي يدل على إنصافك حين لا تقطع بأنها فوائت قطعية أو يقينية بل تجعلها فوائت ظنية، والظن حين يكون غالبا بوابةُ اليقين، وهو معتبر ويؤخذ به في أصول الفقه، وحريّ بألفاظنا التي قصرت عنها المعاجم أن تكون فوائت، فإنّ من سار في جزيرة العرب اليوم وخالط سكانها واستمع إلى لهجاتهم المختلفة أدرك بيقين صدق ما سطرته في سفرك الجميل (فوائت المعاجم العربية) قطعية كانت أو ظنية.
      فسر على بركة الله ولا تلفت إلى ما يقال من تهم باطلة زائفة، فالناس أعداء النجاح إلا ما رحم ربي، ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا في القول والعمل.

أحمد بن سعيد قشاش
الباحة 27/ 5/ 1440هـ