هل الخِشْرُ والخَشِير من الفوائت الظنية؟
الخِشْرُ
والخَشيرُ في أغلبِ لهجاتِنا في نجد والحجاز وعسير واليمن بمعنى الشراكة بين اثنين
وأكثر، ومنها: خاشرَ زيدٌ عمرا، يخاشرُه، وهو خشيرُه، أي شاركه فهو شريكه.. وردت
في الشعرِ الشعبي كثيرا، وهي بهذا المعنى متواترةٌ في أغلبِ لهجاتِنا في بيئاتِنا
وقبائلِنا في الجزيرة وربما في خارجِ الجزيرة.
وجاء في فتاوى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، كلمة خشراء جمعا للخشير، قال: ((سئل،
رحمه الله: عن رجل خاشر خشراء وطلبوا ضمان
أخيه..))([1])
وذكر العزّاوي في كتاب "عشائر العراق" كلمة (الخِشْر) بمعنى الشراكة، قال: وعادةُ الركبِ في الغالبِ أن تكونَ
الغنائمُ بينَهم (خِشراً) وقال:
الخِشر: أن يتفق الغزو على أن تكون الغنائم لجميع الغزاة([2]).
وحين
نراجع مادة (خ ش ر) في معاجمنا نجد: الخُشار والخُشارة: الرديء من كل شيء، وخص
اللحياني به رديء المتاع. والخُشارَةُ والخُشارُ من الشعير: ما لا لُبَّ له
وخُشارَةُ الناس وخاشرتهم: سَفَلَتُهم، وخَشَرَ خَشْراً: أَبقى على المائدة
الخُشَارَةَ. وخَشَرْتُ الشيء أَخْشِرُه خَشْراً إِذا نَقَّيْتَ منه خُشَارَتَهُ. ومَخاشِرُ
المِنْجَلِ: أَسْنانُه.
وقال
ابن فارس([3])
(الخاء والشين والراء) يدلُّ على رداءةٍ ودُونٍ، وذكر بعض المعاني السابقة. قلت: فمن
أين جاءت الخشر والمخاشرة بمعنى الشراكة في أغلب اللهجات المعاصرة في جزيرتنا؟ أرى
أن تأصيلها أو تفصيحها لا يخرج عن أحد أمرين:
الأول:
أنها متطورة دلالياً من معنى تنقية الشيء من خشارته، فالمتخاشران يُنقّيان
شراكتهما حسيا ومعنويا من أجل تحقيق الكسب.
والثاني:
أنه مشتق من مخاشر المنجل ، أي أسنانه، فكأنّ المتخاشرين متساويان في الكسب
والخسارة والحقوق والواجبات كأسنان المنجل أو المشط.
وثمة نص في تاج العروس في مادة (خشر) ذُكر فيه (الخشير) بمعنى
الشريك. قال الزبيدي في التاج: ((ونقل شيخنا عن بعض الفضلاء، قال: بادية الحجاز
يستعملون الخَشِيرَ بمعنى الشريك. قال: ولا أَصل له فيما علمنا. قال شيخُنا: قلت:
هو كما قال. قلت (القائل الزَّبيدي): ويمكن أَن يكون من خَشِرَ إِذا شَرِهَ، إذ كل
منهما حريص على الربح في التجارة والفائدة، فليتأَمّل))([4])
فأقول: شيخ الزبيدي هذا هو محمد بن الطيب الفاسي المتوفى سنة 1170هـ
نقل له أحد الفضلاء أن الأعراب في بادية الحجاز يقولون الخشير بمعنى الشريك،
وأنكرها هذا الفاضل الناقل بأنه لا أصل لها ( أي في الفصيح) وأيّده ابن الطيب
الفاسي بقوله: (هو كما قال) أي لا أصل لها في الفصيح، وإنكار ابن الطيب الفاسي
إياها أمر غريب فهو اللغوي الحاذق صاحب المؤلفات العديدة في اللغة، فلو تأملها ما
أنكرها. لكن الزَّبيديّ حاول أن يربطها بالفصيح بأن تكون من خَشِر إذا شره، إذ كلٌّ
من الشريكين حريص على الربح في التجارة والفائدة، وأرى أنه بعيد، وأن الوجهين
المذكورين آنفا أقرب مأخذا.
ويستفاد من نص التاج أن (الخشير) بمعنى الشريك استعمال معروف في
بادية الحجاز منذ القرن الثاني عشر من رواية هذه الكلمة، وبطبيعة الحال هي معروفة
قبل ذلك، وأرى أنها معروفة منذ أيام الفصاحة وربما منذ العصر الجاهلي لشيوع الكلمة
في جزيرة العرب واستعمالها عند أغلب القبائل والبيئات بنفس المعنى، وهي كلمة فصيحة
عربية النِّجار،
وقد تحققت في هذا اللفظ الشروط الثلاثة شرط اللفظ وشرط الدلالة
فصلته وثيقة بحياة العرب أيام الفصاحة، والشرط الجغرافي لانتشار هذا الفعل في
بيئات متعددة وقبائل متفرقة في الحجاز ونجد وشرق الجزيرة مما يجعلني أرجح أنه من الفوائت الظنية، ولم
يتوقف في أمرها ابن الطيب الفاسي إلا لأنه لم يجدها في المعاجم، وكم فات المعاجم؟!
----------