حكمة العامّة في التفريق بين كلمتي العَرُوس والعَرِيس
كلمة
"العَرُوس" في العربية وصفٌ يستوي فيه الرجل والمرأة، وفي "الصحاح": العَرُوس المرأة والرجل ما داما في إعراسهما. ويقال: رجل عَرُوسٌ ورجال أعراس وعُرُس، وامرأة
عَرُوس في نسوة عَرائس، هذا مذهب العرب فيهما.
ثم شاع في لغة المعاصرين التفريق بينهما، فيجعلون العريس للرجل والعروس للمرأة، ربما فرّقوا بينهما دفعا
للبس في وصفٍ يستوي في بنيته الصرفية الرجل والمرأة، دون تأنيث لوصف المؤنث، وفي هذا حكمة لغوية تستحق النظر.
فهل أخطأت العامّة حين فرّقت بينهما؟ وهل خالفت سنن كلام العرب في التصريف؟ أما التفريق فنهج للعرب في عامّة كلامهم، وأما التصريف فليس ثمة مخالفة؛ لإنّ كلمة (عَرِيس) مشتقة من العُرْس، وهي على صيغة (فَعِيل) فإن كانوا أرادوا أصل الصيغة، فإنهم يوافقون ما جاء في اللغة على فَعِيل وصفا للرجل، ففيها: رجل لبيبٌ، ورجل جَديدٌ أي حظيظ، وشديدٌ، وزَرِيرٌ أي خفيف، وضريرٌ، وشقيقٌ، وركيكٌ؛ أي: ضعيف، وهو حليلُ فلانة، أي زوجها، والولد سَليلُ أبيه، وهو في صَمِيمُ قومه، والجنينُ الولد ما دام في بطن أمّه، وفلان ضَنِينٌ؛ أي: بخيل، ورجل مَنِينٌ؛ أي: ضعيف.
وحين الموازنة بين (فعيل) و(فعول) في نعت الرجل نجد أن فَعِيلا أكثر، كما يظهر ذلك جليا في معجم (ديوان الأدب) للفارابي، المصنّف على الأبنية.
ويمكن لنا أن نتأول العريس بمعنى المعرِس، من باب فعيل بمعنى مُفعِل، ففي الصحاح: أَعْرَسَ فلان، أي اتَّخذ عُرْساً، وأَعْرَسَ بأهله، إذا بنى بها. قلت: فكأنّ عريسا بمعنى مُعرس من أعرس، فهو فعيل بمعنى مُفعِل، مثل البديع بمعنى المُبدِع، والعزيز بمعنى المُعزّ، وعذاب أليم بمعنى مؤلم، والعجيب بمعنى المُعجب، والحريق بمعنى المُحرِق، والحكيم بمعنى المُحكِم، والبصير بمعنى المُبصِر، والسميع بمعنى المُسمِع، والغويّ بمعنى المُغوي، والحسيب بمعنى المُحسِب، والنذير بمعنى المُنذِر، والصريخ بمعنى المُصرِخ.. إلخ.. وهو سماعي لا ينقاس، لكن العامة قاسته في "العريس" وصاغته من أعرس الرجل، فكأنَّ العَرِيس عندهم بمعنى المُعْرِس، ويرجح هذا أنّهم يقولون أحيانًا: المُعرِس.
وأرى
أنّ العامّة وُفّقت في ذلك وأحسنتْ صنعًا، لأنها أزالت اللبس الواقع في كلمة عروس للرجل
والمرأة، ومن أصول اللغة الوضوح والبعد عن اللبس، فحين تقول على هذا المعنى: العَروس في قاعة الزفاف، يعلم أّنك لا تقصد الرجل، بل المرأة،
فإن أردت الرجل قلت: العَريس في قاعة الزفاف، وقد تلمّس محمد العدناني شيئًا من هذا، فقال في معجم
الأخطاء الشائعة: ((وأنا أقترح - دفعا للالتباس - أن نُجاري العامة، فنقول: "في السيارة عريسٌ" إذا كان فيها الرجل،
أو "عروسةٌ" إذا كانت فيها المرأة، أما عندما لا نخشى حدوث اللبس فنقول:
جاء العروسان، أو سافرت العروس، أو أقبل العروس فما رأي مجامعنا في هذا الاقتراح؟)).
وحين نتأمل حال الكلمتين: عروس وعريس لا نرى للأولى مزية ترفعها عن الثانية سوى أنها قيلت في زمن الاحتجاج، أما كلمة عريس فامتازت بأنها أزالت اللبس دون حاجة للسياق، وليس فيها ما يشوبها في أصواتها وبنيتها الصرفية، فهي مثل غيرها مما جاء على وزن فعيل بمعنى مُفعِل، أو فعيل على الأصل، ولا تنحطّ عريسٌ عن عروس لكونها مولدة، ورب لفظ مولد أحلى وألذّ من لفظ جاهلي!
وليس
للغوي أن يرد كلمة شاعتْ ولم تخالف مقاييس اللغة بحجّة أنّها لم تُسمع في زمن الاحتجاج،
وليس لنا أنْ نحجر على اللغة ونمنعها من التطور، وإن أردنا منعها فلن نستطيع؛ لأنّ ذلك يخالف نواميس الله في اللغات،
فاللغة تمارس حياتها بالنمو والتطور، شئنا أم أبينا، وقد مارست ذلك لغتنا في جميع مراحلها،
وهذا من أسرار عظمتها، أما نحن العرب الأواخر فلن نسجن أنفسنا في حظيرة الألفاظ الجاهلية،
فحين نجد لفظا متداولا شائعًا جاريًا على سنن كلام العرب في أصواتها وأبنية ألفاظها،
فإننا نقبله وندوّنه في معاجمنا، وقد أحسن المعجم الوسيط صنعا، حين قبل كلمة ((العريس))
وأدخلها في المعجم، ولا بأس أنْ نصفها بأنّها محدثة أو مولدة، تمييزًا لها عن القديم وليس
ذماً لها.
عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة 2/ 1/ 1434هـ