الاثنين، 5 يناير 2015

علامات الترقيم والتنغيم ومتممات الكتابة العربية ( بين الواقع والمأمول):

ندوة الشهر
ربيع الأول 1436هـ
علامات الترقيم والتنغيم ومتممات الكتابة العربية ( بين الواقع والمأمول)
أ. عبدالعزيز بن سعود المحمدي
------
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيــد:
    علامات الترقيم هي كالإشارات المرورية واللوحات الإرشادية في الطريق، فهذه اللوحات والإشارات هي التي ترشدك إلى بعض القوانين والأنظمة، أثناء قيادتك لمركبتك، فإشارة الضوء الأحمر للوقوف، والأصفر لتهدئة السرعة، والأخضر للانطلاق، كما أنها ترشدك  إلى الالتزام بقواعد المرور، وتنبهك على السرعة المسموحة في هذا الطريق أو ذاك، ومنع التجاوز، والحذر من المنعطفات الخطيرة، ومنع الوقوف؛ إلا في الأماكن المخصصة لها، وغيرها من اللوحات، والإرشادات التي ينبغي عليك الالتزام بها.
لكن في الوقت نفسه؛ لا تستطيع هذه الإشارات واللوحات الإرشادية معرفة مدى التزامك بتطبيق تلك التعاليم الصارمة، فكان الواجب أن يُسنَّ قانون آخر، كوضع كاميرات مراقبة على جوانب الطريق بجوار تلك اللوحات الإرشادية؛ لمعرفة مدى التزام أصحاب المركبات في السرعة المسموحة، أو الكشف عن قاطع الإشارة، أو التجاوز الخاطئ، ثم وضع نقاط تفتيش للمتهاون في ذلك، ومعرفة أسباب تقصيره في تطبيق النظام.
فكذلك الأمر بالنسبة للفرق بين علامات الترقيم وعلامات التنغيم، فعلامات الترقيم هي تلك الإشارات واللوحات الإرشادية التي تدلك من خلالها على مواطن الوقوف أو الاستمرار في الطريق، فكذلك هي في داخل الجملة .
وأما كاميرات المراقبة فهي علامات التنغيم التي تحدد أنماط نطقك للكلمة، فكانت قانونا واضحا يحدد كلامك وكيفية نطقك للأصوات، مثل: رفع الصوت أو خفضه، والمدة الزمنية التي استغرقها حديثك، وسرعة الصوت، وكذلك الوقف والوصل.
والتنغيم يختص بالكشف عن نوع الأداء في الجملة والإلقاء، وأما الترقيم فيعطيك إرشادات الوقوف والوصل، والتعجب، والاستفهام فقط، ولكن كيف نكشف عن التنغيم في الجمل المكتوبة دون سماعها من المتكلم؟ وكيف نعرف ما في الجملة المكتوبة دون المنطوقة حالة الفرح مثلا، أو الحزن عند الكاتب؟ ففي السماع؛ نجد أن لأداء الفرح صوتا فيه نوع من الغبطة، وفيه سرعة وعلو وارتفاع، وقوة، ونجد في أداء الحزن صوتا فيه شيئ من البطء تكسوه زفرة، وتنهُّد، وهذا متحقق معرفته من خلال السماع، لكننا في الكتابة وعند قراءة المكتوب، فإننا لا نميز بين الأداءين.
فلو كتبتَ لشخص ما مثلا: (كيف حالك) فكتب إليك: (الحمد لله). فهل لهذا الجواب المكتوب (الحمد لله) علامة ترقيمية تدل على حالة النفسية للكاتب؟ فالمعنى عند حالة الفرح: الحمد للَّه الذي بنعمته تتمّ الصالحات، وعند الحزين المهموم: الحمد لله على كل حال.
وهذا دليل على أن علامات الترقيم لم تؤدِّ المهمة على أكمل وجه، لفقرها في هذا الجانب. فأداء الحزن والسرور، لن يصل للقارئ على نفس السياق الذي وصل للسامع، ولو اجتمعت علامات الترقيم كلها!
يجب علينا أن نعرف مواطن التنغيم في الجملة المكتوبة ومواضعه ؛ لئلا ينحرف سياق الجملة ودلالتها المقصودة، فمشكلتنا الأساسية مع المكتوب لا المنطوق، فهل لدينا (علامات تنغيمية) أسوة بالعلامات الترقيمية لتكمل النقص الحاصل في دلالة الجمل المكتوبة، وتوصل لنا السياق الصحيح والمعنى الذي أراده المتكلم؛ حتى يفهما القارئ كما فهمها السامع؟!
مثال(1): لو قرأنا (هل جاء محمد) لأغنت أداة الاستفهام (هل) عن علامة الاستفهام (؟)؛ لأننا فهمنا سياق الجملة ومراد صاحبها في أنها للسؤال، بالرغم أننا لم نكتبها، لكن هذا ليس هو موطن حديثنا، وليس موضوعنا ولندعه جانبا؛ لأنه من الطبيعي إذا جاءت قبل الجملة (أداة) فإننا نعرف أن هذه الجملة للسؤال أو للتعجب، ولكن حديثنا يتركز على المثالين الآتيين.
مثال(2): لو قرأت هذه الجملة: (جاء محمد) مجردة من علامات الترقيم، فهل يقصد السائل منها الإقرار والإخبار بمجيء محمد؟ أم يقصد توكيد مجيئه؟ أم أنه يقصد السؤال؟ أم أنها استنكار وتشكك واستغراب أ يقصد الاستهزاء من مجيئه؟
مثال(3): أحدهم أطال الوقوف في انتظارك بمكان ما، ثم قدمتَ إليه بعد مدة، وألقيت السلام عليه، فرد: (وعليكم السلام) كيف يكون توقعك للأداء التنغيمي في رده للسلام، هل يعلو رده التضجر والغضب من طول انتظاره لك، فيرد عليك بصوت مرعد غاضب، واحتمال يعلو رده عدم المبالاة في الأمر، وكأن شيئا لم يحدث؟
هنا يأتي دور التنغيم (الكتابي) في معرفة كيفية أداء المتكلم في نطق الجملة، أيقصد من جملته السؤال أم أنه يقصد الإقرار بمجيء محمد، أم الغضب في أثناء رده للسلام، فمقياس السامع ليس كما يقيسه القارئ، فإن السامع سيشعر بحاسته السمعية ذاك الصوت التنغيمي (المنغّم) فيفهم السياق منها، لكن القارئ كيف يفهمها؟ كيف نوصل إليه تلك النغمة الأدائية، ليفهمها كما فهمها السامع، ولتوضيح المسألة بشكل أفضل يجب أن نتجه للأمثلة الصوتية، وأرجو متابعة الأمثلة الصوتية من خلال التغريدات.
  • أمثلة تطبيقية على التنغيم:
1.   لا جُزيتَ خيرا ( الوقف، والاستئناف). لو لم تعرف مراد المتكلم في تنغيمه للجملة لظنت أنها للدعاء على المخاطب!
2.   لا بارك الله فيك. ( على الوقف والاستئناف) وهنا أيضا لو لم تعرف تنغيمه للجملة لظنت أنها للدعاء على المخاطب.
3.   أنت تحفظ القرآن. (على الإقرار، أو السؤال، أو التوكيد، أو النفي بطريقة التهكم)
4.   الله جلَّ في علاه  (على التعظيم والتفخيم)، ودور الخطابة أمام الجمهور (مهم) في هذا الجانب .
5.   خالد. (على الجواب في السؤال عن اسمك، أو على النداء، أو التعجب والإنكار...)

ونجد في القرآن الكريم؛ أمثلة كثيرة على ذلك-أعني مواطن التنغيم- لا تتسع هذه الندوة لعرضها، منها: قوله تعالى: (قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)[سورة يوسف:66].
فبعض القراء يسكت سكتة خفيفة على (قال)، لأن المعنى: قال يعقوب، وهذا خطأ، والأولى أن يظهر دور التنغيم في هذه القراءة من خلال رفع الصوت عند كلمة (قال)، وخفض الصوت في لفظ الجلالة (الله)؛ حتى لا يُعلم أن (لفظ الجلالة) فاعلٌ  لقال([1])
ومثل المثال السابق تماما، قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ... ) [سورة آل عمران: 40]، فيجب الفصل بين القائل والمقول، بتنغيمة خاصة، والقائل إبراهيم عليه السلام، وحتى لا يعلم أن لفظ الجلالة (رَبِّ) فاعلٌ للفعل قال.
وفي الحديث النبوي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قتلتَه وهو يقول لا إله إلا اللّه)
أي: أقتلتَه وهو يقول لا إله إلا الله، فهو استفهام توبيخي إنكاري، لا يُعرف التنغيم فيها إلا من خلال السماع.
إذن؛ فمن خلال التمهيد السابق، نجد أن بين الترقيم والتنغيم فروقات متباينة، فالتنغيم أعطى نوعا من علو رتبته على الترقيم بمراحل ولاشك في ذلك، وبينهما عموم وخصوص، فكل تنغيم ترقيم، وليس كل ترقيم تنغيم.
كما أنه يُعدّ - أي التنغيم- أكثر عموما من علامات الترقيم، وذلك لأنه يهتم بالمقاطع الفونيمية في الجملة، إضافة إلى أن التنغيم لا يحدث دون وجود النبر، فالضغط على المقطع الصوتي من أبرز ما يميز التنغيم عن الترقيم، فالتوكيد مثلا يكون غالبا في الضغط على الكلمة أو المقطع الصوتي، فليس للتوكيد علامة ترقيمية تميزه، إلا علامة النقطة (.) أو الفاصلة (،) فالأولى تفيد نهاية الفقرة أو الجملة، والثانية للفصل بين الجمل القصيرة، وهي لا تكفي لتعطينا  كلمة بأسلوب التوكيد.
لا أريد أن أطيل عليكم؛ كي أفتح باب المناقشة والحوار في المحاور الآتية، وبالله التوفيق.

محاور الندوة:
المحور الأول: الترقيم:
  • مفهوم الترقيم.
  • علامات الترقيم ومعرفة مراد المتكلم.
  • التطور الدلالي لبعض علامات الترقيم.
  • نواقص الترقيم وعيوبه:
1- افتقار علامات الترقيم لبعض العلامات، كالتعبير عن حالة: (التهكم والسخرية).
2- الفهم الخاطئ بسبب انحراف الدلالة السياقية عن معناها الصحيح.
  • اقتراح علامات جديدة للترقيم تكون إضافية للقديمة.
----------------------------------------------------
المحور الثاني: التنغيم:
  • مفهوم التنغيم.
  • أهمية معرفة سياق الجملة لفهم مراد المتكلم.
  • التنغيم وأثره في فهم سياق الجملة المكتوبة.
  • اقتراح علامات (كتابية) مبتكرة للتنغيم.
----------------------------------------------------
المحور الثالث: متممات الكتابة العربية:(كيفية الجمع بين الترقيم والتنغيم).
  • كيف نحوِّل التنغيم المنطوق إلى تنغيم مكتوب، ( مفهوم الكتابة المنغَّمَة).
  • أخطاء بعض الكتّاب في الكتابة.
  • ابتكار علامات تنغيم بجانب علامات الترقيم. (قرار مجمعي).
  • إضافة علامات ترقيمية جديدة.
  • مدى جدوى الوجوه التعبيرية المصاحبة للجمل المكتوبة وأثرها في فهم سياق الجملة .
كتبه: عبدالعزيز المحمدي.
15/ 3/ 1436هـ


[1]   ينظر: الدراسات الصوتية عند علماء التجويد، لغانم قدوري الحمد (ص: 479).