الأحد، 1 يناير 2017

ما وزنُ المَثَانة؟:


ما وزنُ المَثَانة؟ 

هذا السؤال يبدو ساذجًا؛ لأن جذر المثانة الظاهر الممعجم الذي وضعت فيه هو (مثن)، وردّ المثانة إليه في الاشتقاق يقطع بأنها فَعالة لا غير. قال الجوهري (الصحاح (مثن) 6/ 2200) : ((المَثانَةُ: موضع البول. ومَثَنْتُهُ أَمْثُنُهُ بالضم مَثْناً, فهو مَمْثونٌ, إذا أصبتَ مَثانَتَهُ. ويقال: مَثِنَ الرجلُ بالكسر فهو أَمْثَنٌ بيِّن المَثَنِ إذا كان لا يستمسك بولُه. والمرأةُ مَثْناءُ. قال الكسائي: يقال رجل: مَثِنٌ ومَمْثونٌ للذي يشتكى مثانته. وفى حديث عمّار: أنّه صلّى في تبان وقال: إنى ممثون)).

ولكن في نفسي من ردّ المثانة إلى الجذر (مثن) شيء من الشكّ وعدم اليقين، فهل يكون هذا الجذر وما جاء فيه من مشتقاتٍ ناشئًا من كلمة المثانة على سبيل التوهم؟ أتراهم توهموا أصالة الميم في المثانة، فجعلوها فَعالة وهي مَفلعة على القلب من ثنى يثني؟ فيكون أصلُها مَثناةً اسمَ مكانٍ لما يجتمع فيه الماء من الحالبين وتنثني بإفراغه، كالمزادة والمخاضة والمناخة والمثابة، واشتقوا من المثانة الفعل مثن، فقالوا: مَثَنْتُهُ مَثْناً, فهو مَمْثونٌ, إذا أصبتَ مَثانَتَهُ. ثم توسّعوا فيه فاشتقوا اللازم: مَثِن فهو مَثِنٌ، والأنثى: مثناء، والمصدر المَثْن، وهو وجع المثانة، والأمثن من يحتبس بوله في مثانته. ويُلحظ هنا أن كل المشتقات في هذا الجذر ذات صلة بالمثانة سوى فعل واحد يرى الأزهري أنه من متن، وهو ما رواه عن أبي عبيد في قوله: مَثَنْتُهُ بالأمر مثنا، إذا غَتَتَّه به غَتًّا، وهذا يرجح ما أراه من عدم أصالة هذا الجذر. 


ولزملائي في المجمع محاولاتٌ جادّة في تأصيله حين طُرح السؤال عليهم، فقال محمد الترجمي في تغريدة: ((ومما يُعضّد زيادة الميم: المعنى المعجمي (الانثناء)؛ لأن المثانة تنثني وتتقلّص إذا أفرغت))وثمّة ومضة تأتي من الجذر الثنائي (ثنّ) أشار إليها المغرد سعيد بن عبدالخالق في قوله: ((الثاء والنون أصل واحد وهو نباتٌ من شَعَر وغيره،  والثُنّة ما بين السُّرّة إلى العانة، فيمكن أن يكون أصلها مَثَنّة لكثرة الشعر في المكان)). قلت: هذا يستأنس به في القول بزيادة الميم، فالثَّنّة من ثنن، وهو أصل ثنائي (ثلاثي بعد التضعيف) ومن هذا الأصل يمكن فكّ جذور متنوّعة صحيحة ومعتلة ناقصة أو جوفاء.


وبالرجوع إلى اللغات العروبية (السامية) نجد ما يؤيد زيادة الميم، وهذا ما يشير إليه المغرّد راضي سيّد الشيخ عند مناقشة وزن الكلمة في المجمع، قال: ((عندي أن الميم زائدة، ويعضّد هذا القول ما في اللغات الجزيرية (العروبية) ففي اللغة الأجاريتية وهي أقرب اللغات إلى العربية نجد "ثنة/ثنت" بمعنى بول، وفي العبرية "شين" وفي السريانية "تينو/تنتو" وفي الأكادية "شيناتو" وفي الحبشية "شينة". وفي النصوص الأجاريتية وردت الجملة: "يشلن/يشيلن بخريه وثنته" أي يتطلخ/يتلوث بخراه وبوله. وفي لهجة أهل غزة يقولون حتى يومنا " رايح أفِن" أي رايح أبول. أعزكم))(1) قلت: وخلوّ تلك الجذور من الميم قد يرجّح القول بزيادتها.

والمثانة فيما يبدو لي من باب ما جاء على مَفْعَلة من المعتل، كالمَثابة: وهي الموضع الذي يُثاب إليه، ومثلها المَزادة، وهي قِربة صغيرة يحمل فيها الماء، والمحارة: الصَّدَفة، والمشارة: الدَّبرة، وأرضٌ مَطارة: من الطَّيْر، وذو المَطارةِ: جَبَل، والمنارَة: الشَّمْعة ذاتُ السَّراج يوضع فيها الزيت، ومنه أرضٌ مَجازةٌ من الجَوْز، والمَداسَةُ: موضِعُ الدِّياسِة. ومَخاضَةُ الماء. وأصلُ الألفِ في هذا البابِ واوٌ أو ياءٌ انقلبتْ ألفاً لسكونِها وانفتاح ما قَبْلها. وربما صُحّح المعتل كالمَرْوَحة: المكان الذي تخترقُ فيه الرّيحُ، والمَشْوَرَة: لغةٌ من الْمَشُورة، ويُقالُ: كثرة الشَّراب مَبْوَلَة. وفي بعض لهجاتنا يسمون المَثانة: المَبالة،؛ لأنها مكان البول. فهل تكون المثانة مثلهن زائدة الميم؟ ولكنها على القلب من مثناة، فيكون وزنها: مَفْلَعة، وأصلها قبل القلب: مَثْناة، مثل مَصْفاة، فلو قلبت هذه لقالوا: مَصافة.
 وهذا تأويلٌ لا يمكن الجزم بصحّته لظهور الاشتقاق الذي يعدّ أقوى الأدلة، ولأن ظاهر الأصول الصرفية تنفيه، إلا أني لا أستبعده، وأجد في حَدْسي اللغوي ميلا إليه، فأرجو ممن يقرأه أن يطيل المكث والتدبّر قبل تخطئته، ثم إني لا أستبعد أن نجد جذورا غير هذا نشأت بالتوهم، فبعض الجذور مخادعة، ومعجمنا منجم عظيم للدراسات اللغوية الأحفورية الجادّة. 
ـــــــــــــــــــــــ
      (1)  بعث لي بمصادره فيما ذكره، وهي:
      1.       "a dictionary of the ugaritic language in the alphabetic tradition" by Gregorio Del Olmo Lete and Joaquin Sanmartin. translated by Wilfred G.E. Watson. 2.
     2.       "The Assyrian Dictionary" of the oriental institute of the university of Chicago.

عبدالرزاق الصاعدي

3/ 4/ 1438هـ الموافق 1/ 1/ 2017م