جمع "الردّاديّ"
مداخلة لغوية بصحبة عالمين كبيرين: عائض الردّادي وإبراهيم الشّمسان
كتاب جميل وحافل بالمادة التاريخية الاجتماعية
والوثائق والأنساب واللهجات جاءني هدية من يد مؤلفه الأستاذ الدكتور عايض الردادي وعنوانه:
"قبيلة الردَادّة: نسبهم وتاريخهم وأعرافهم وبيئتهم وديارهم" والدكتور
عائض (عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة) أديب وبحّاثة ثَبْتٌ صاحب قلم رصين،
تربطني به صداقة قديمة، وله مكانة خاصة في نفسي.. وأول ما قرأته من كتابه (الفصل
الرابع) وفيه مادة لغوية ثرية عنوَنَ لها بـ (المعجم اللغوي التاريخي).
قرأتُ الباب ونقلت منه بضعَ كلمات ناقشتُها في
مجمع اللغة الافتراضي، ومما قرأته في هذا الكتاب الثري تحقيق المؤلف لاسم قبيلته
العريقة تحت عنوان "جمع الردّاديّ" 1/ 49، 50، ذكر فيه الوجه الأفصح،
وهو: الرّدَادّة، على وزن فعاعلة، وذكر معه وجهين أحدهما: الرّدَادِدَة (بفك
التضعيف وذكر أن القياس الإدغام) والآخر: الرّدارِدَة، براء قبل الدال الثانية،
وذكر في تحقيقه اللطيف بعض النقول والتوجيهات المهمة، ونقل عن الجزيري وأيوب صبري
والمستشرق أوبنهايم والبتنوني، وأردف ذلك بقوله: ((وتَنطِق بعضُ القبائل المجاورة
على ساحل البحر الأحمر وبعض قبائل مسروح الجمع: الرَّداردة، بزيادة راء بعد الألف،
وهم ينطقون المفرد صحيحا: الرّدّاديّ، وقد ورد هذا الجمع في وثيقة حلف ذوي مِسْحَم
من الردَادّة مع الأشراف القُرُون من سكان ينبع مكتوبة عام 1259)) وختم بقوله1/ 50:
((فإذن؛ هناك ثلاثة جموع للردادي، هي: الرَّدَادّة والرَّدَادِدَة والرَّدَارِدَة،
والصحيح المتداول على الألسنة وعند المؤلفين منذ القدم هو الأول، أما الآخران فلفظ
لبعض القبائل المجاورة، وإنما ذكرنا ذلك استكمالا للبحث لا لكونه صحيحًا)).
وهذا تحقيق لغوي جميل أفدتُ منه، ثم قرأتُ في
كتاب (من شجون اللغة) ص159، 160 للأستاذ الدكتور إبي أوس إبراهيم الشمسان تعليقًا لطيفًا
استعرض فيه كلام الدكتور عائض في هذه المسألة اللغوية، وأضاف إضافات جديرة
بالاهتمام، منها تعليقه على ما جاء في نقل الرّدّادي عن أوبنهايم: (الرّدَادِدة)
بأنه الأصل في الوزن قبل الإدغام، فلا تعد هذه صورة مغايرة للصورة الأولى، لأنها
أصلها قبل الإدغام، وتناول الجمع الذي شاع في بعض القبائل المجاورة أعني:
الردّاردة، وذكر الشمسان أن هذا اللفظ جاء من باب التخلص من المتماثلين بقلب
أحدهما حرفا أخر، فقلبت الدال الأولى راء، وليست زائدة.
وإذ أشكر للأستاذين الكبيرين ما تفضّلا به من
تحقيق لغوي لطيف في هذه المسألة أودّ أن أضيف ثلاثة جموع أخرى لم ترد في كلامهما، لعلها
تتمّم مسألة الجمع لاسم هذه القبيلة العريقة، وهي: (الرَّدّادَة) و(الرّدَادِيَة)
و(الرّدَايدَة):
فـأمّا
(الرَّدّادَة) - بدال مشدة قبل الألف ودال مخففة بعدها على مثال الخيّالة – فشائع
عندنا في بعض القبائل المحيطة بالمدينة، وسمعته كثيرًا في محيطي قبيلة عوف، وسمعتهم
يقولون: فَرْع الردّادَة، وأصل الوزن هنا صيغة فعّال الدالّة على النسب، من أهل
الحِرَف والجماعات، ثم لحقتها تاء التأنيث للدلالة على الجمع، مثل جمّال وجمّالة
وخيّال وخيّالة وقرّاش وقرّاشة، وقد سمعناهم يقولون: سوق الحبّابة، أي أهل الحَبّ،
وصبّابة القهوة، وكنت أحسب أن هذا الوزن المؤنث بالتاء الدّالّ على الجمع من
تحريفات العامّة لصيغة (فعّال) الدالّة على النسب دون ياء، حتى رأيت ابن السكيت
يقول في إصلاح المنطق 338: ((وتقول: هؤلاء قوم رَجَّالةٌ، وهؤلاء قوم خَيَّالةٌ،
أي أصحاب خيل, وتقول: هذا رجل نابل ونَبَّال، إذا كانت معه نبل)) ومثله قول ابن
دريد في الجمهرة ج م ل 1/ 491: ((وقد قالُوا: جَمَّال وجَمّالة، كما قالُوا: حَمّار
وحَمّارة؛ كَلَام عَرَبِيّ صَحِيح)) وذكر قول الشَّاعر:
حتَّى إذا أسلكوهم في قُتائدةٍ شلاً
كما تَطرُدُ الجَمّالةُ الشُّرُدا
وأما
(الرّدَادِيَة) –بدال مكسورة بعد الألف وياء مفتحوة مخفّفة ليست للنسب- فمسموع لدى
الجُبّر من بني عمرو وغيرهم، وأصله الرّدَادِدَة (الردَادّة) ولكنه جاء على لغة
الفك أو المخالفة الصوتية، وهو نهج عربي قديم، يقلبون ثالث الأمثال حرفَ علة، كما
في قولهم تظنّيت أي تظنّنت، وقصّيتُ أظفاري، أي قصّصتها، وومنه قوله عزّ وجلّ: (ثمّ
ذَهَبَ إلى أهْلِهِ يَتَمَطّى) أصله يتمطّط، وقوله: (وخابَ مَنْ دَسَّاها) والأصل:
دسّسها، إذ توالت في لفظ الرّدَادّة ثلاثة أمثال بينها حاجز غير حصين وهو الألف،
فجاز الفك بالمعتل أو المخالفة بقلب ثالث الأمثال حرفَ علة، وهو سلوكُ تعرفه
العربية.
وأما (الرّدَايِدَة) فكسابقه وهو إمّا على
القلب المكاني منه أو على الفك بقلب الدال الوسطى حرف علة، وهو في الحالتين عربي
صحيح.
وأما تفسير وجه الراء فيما رواه الدكتور عائض
عن بعض العرب أعني (الرّداردة) فهو جارٍ على الفك بالمخالفة أو الإبدال من
(الرَّدَادّة وأصله الرّدَادِدة) قلبوا أول المثلين من جنس فاء الكلمة وحوّلوا
الجذر الثلاثي إلى رباعي مضاعف، كما حولوا زلّل إلى زلزل، وصرّر إلى صَرْصَرَ، يفكون
ثاني الأمثال بإبداله حرفاً من جنس الحرف الأوّل في الكلمة، وكذا فعلوا في
الرّدَادّة (الرّدادِدة) فقلبوا الدال الوسطى راء، وهذا عربي عريق.
وخلاصة ما سُمع في جمع اسم هذه القبيلة العريقة
خمسة جموع: (الرّدادّة) فعاعِلة و(الردَارِدة) فعاللة و(الردَادِيَة) محوّل من فعاعلة
و(الرّدَايدة) كسابقه، و(الردّادَة) فعّالة، وأعلاها الأول، وكلها مما يصح في كلام
العرب بالقياس على ما سمع في عصور الاحتجاج، وأما (الردادِدة) بالفك وإظهار
الدالين فلا يعدُّ وجهًا سادسًا، وأحسبه غير مسموع، وهو أصل الوجه الأول.
عبدالرزاق
الصاعدي
نشرت في الجزيرة الثقافية
السبت 20 مايو 2017م