يُقال في
شريحة واسعة في اللهجات المعاصرة في جزيرة العرب: توهّقَ فلانٌ، أي تورّط، ولا توهّقنا
في هذا الأمر، أي: لا تورطنا، وهي ذات أصل معجمي فصيح، دخلها شيء من تطور الدلالة باتساعها،
ففي المعاجم القديمة ما يدلّنا على أصل كلمة (توهّق) بمعناها المعاصر، فهي مشتقّةٌ من الوَهَقِ وهو حبل يُرمى فيه أُنشوطة
(الأُنْشُوطة عُقدة يَسهل انحلالها مثل عقدة التِّكة) فتؤخذ في هذا الحبل الدابة من
خيل أو إبل ونحوها؛ وتشد به لئلا تَنِدَّ؛ وأَوْهق الدابة: فعل به ذلك، أي طرح في عنقه
الوهق. وفي أثر عن عليّ رضي الله عنه: وأَغْلَقَتِ المَرْءَ أَوْهاقُ المنية، والأَوْهاقُ
جمع وَهَقٍ، بالتحريك، وقد يسكن، فيقال:الوَهْق، وأنشد الزمخشري في الأساس:
صادوهُ
بالوَهْقِ وبالأوهاقِ
ثم تطور معنى الوَهق
قديما، لتدلّ على الحبس، قال الزمخشري: وَهَقَه عن كذا: حبسه. وفي التاج: وَهَقه
عنه كوَعَده وهْقاً: حبَسَه وهو مَوْهوق. وهو معنى متطوّر قديم، وشاهده قول الحطيئة:
أسلموها في دمشقَ كما * أسلمتْ وحشيّةٌ
وَهَقاً
قال الزمخشري: وهقُها:
ولدُها؛ لأنه يحبسُها .
وأصابه تطور دلاليّ آخر قديم، ففي المحيط للصاحب: تَوَهَّقْتُ الرَّجلَ في الكلامِ إذا اضْطَرَرتُهُ فِيهِ إلى ما يَتَحيَّر فيه.
ثم اتسعوا فيه ونقلوه إلى دلالةٍ معنويةٍ أرحب، وهي التورط، فقالوا: توهّقَ الرجلُ، أي: تورّط في أمرٍ ما، تشبيها له بالدابّة تصادُ بالوَهَق (أي بالحبلِ المعقود) فتعلَقُ فيه وتنحبسُ،
فجرتْ كلمةُ التوهّقِ على ألسنتِهم لهذه الدلالةِ الرحبة، وهي التورّطُ في أي أمرٍ
لا يُطيقُه الإنسان، أو يُطيقُه ولكنَه لا يرغبُ فيه أو يجدُ نفسَه مكرهاً على عملِه،
ولا ندري متى كانَ هذا التوسعُ في الدلالة، وأحسبُ أنه قديم، لصلتِه الوثيقةِ بأصلِ
المعنى للوهَقِ ولشيوعِه وانتشارِه في اللهجاتِ المعاصرةِ في أغلبِ بيئاتِ الجزيرةِ
وقبائلِها، وأرى أن هذه الدلالةَ المعاصرةَ للتوهّقِ جديرةٌ بأن تدخلَ المعاجم.