أسماء شياطين الشعراء وأوصافهم (1/2)
ثمة طائفة من أعلام الجنّ قيل: إنّها أسماء لشياطين بعض الشّعراء من الإنس، بزعم العرب ورواة الأدب، مثل: مسحل بن جندل شيطان الأعشى، وجُهُنّام شيطان عمرو بن قَطَن، وهَبيد بن الصُّلادم شيطان عَبيد ابن الأبرص، ولافظ بن لاحظ شيطان امرئ القيس، ومدرك بن واغم شيطان الكميت بن زيد الأسديّ، وهادر شيطان النّابغة الذّبياني، وغيرهم.
وهم يزعمون أن هؤلاء الشّياطين يلهمون الشّعراء، وأنّ وراء الشّاعر الفحل شيطاناً بارعاً قادراً على إلهامه جيدَ الشّعر وعويص القوافي، فاخترعوا لهم هذه الأسماء مراعين فيها الغرابة تارة، كالصُّلادم، وجهُنّام، أو مراعين معناها تارة أخرى، كلافظ شيطان امرئ القيس، كأنّهم لحظوا في مسماه وظيفته في إمداد الشّاعر بألفاظ الشّعر، فراعوا ذلك في الاسم، وراعوا في ((هادر)) معناه؛ أي: أنّه يُصَوِّت بالقوافي ويردّدها، من قولهم: هدر البعير هديراً؛ أي: أنّه ردّد صوته في حنجرته في علوّ وفخامة، وكأنّهم راعوا في (مدرك) معنى الإدراك؛ أي: أنّه أدرك للشّاعر شوارد المعاني وجيّد الشّعر، حتى صار هؤلاء عندهم كالأعلام، ولهذا كانت العرب تزعم أن الشعر ((نفث الشيطان)) أو (رُقَى الشيطان). قال جرير:
رَأَيْتُ رُقَى الشِّيْطَانِ لا تَسْتَفِزُّهُ وقد كانَ شيطاني
من الجنِّ راقيا
وإذا لم يعرفوا اسم شيطان الشاعر، أو أرادوا الإجمال، وصفوه،
فقالوا: لفلان من الشعراء نجيّ من الجنّ أو الشياطين، بمعنى صاحب منهم يناجيه
ويحادثه ويلهمه الشعر.وذلك كلّه مبني على الخيال أو التّوهّم، إذ لم يثبت من طريق صحيح أنّ للشّعراء شياطين يحدّثونهم أو يلقّون في روعهم الشّعر، ولكنهم توهّموا ذلك وأذاعوه وصدّقوه، للرّفع من قيمة الشّاعر؛ لأنّ الجنّ عندهم تأتي بما لا يأتي بمثله الإنس، ولذا شاع عند العرب ربط ما يستجيدونه من شعر وغيره بوادي عبقر؛ لأنّه من أودية الجنّ، بزعمهم، فاشتقوا منه (العبقريّة) وهي لفظ متداول في لغة العرب وآدابهم.
وربما أوغلوا في ذلك ففرقوا بين جنّ الشّعراء من حيث القوّة والجودة، فزعم بعضهم أنّ للشّعر ـ بالجملة ـ شيطانين؛ أحدهما: (الهَوْبَر)، والآخر (الهَوْجَل) فمن انفرد به (الهَوْبر) جاد شعره، وصحّ كلامه، ومن انفرد به (الهَوْجل) فسد شعره
وهذا اختراع طريف من بعض نَقَدة الشّعر، أو رواته، لتأييد أحكامهم النّقديّة، فإذا أرادوا مدح الشّاعر قالوا: خالطه (الهَوْبر) وإذا أرادوا ذمّه قالوا: خالطه (الهَوْجل)
وفيما يلي أسماء جنّ الشعراء وبيان معانيها واشتقاق كل منها:
(جندل) والد مسحل بن جندل صاحب الأعشى، أي: شيطانه الذي يمدّه بالشّعر، أو هو قرينه، ذكر ذلك أبو زيد القرشي.
(جُهُنّام) اسم جنّي، وقيل: هو لقب الشّاعر عمرو بن قَطَن، من بني سعد بن قيس بن ثعلبة، وكان يهاجي الأعشى، وقيل: هو اسم تابعته، ويقول فيه الأعشى:
دَعَوْتُ خليلي مِسْحلاً ودَعَوا له جُهُنّام جَدْعاً للهَجِين
المُذَمَّم
ومِسْحَل شيطان الأعشى.وذكر الفيروزآبادي أنّ (جُهُنّام) تابعة الأعشى، وسايره الزّبيديّ على ذلك.
وبيت الأعشى الآنف الذّكر ينفي هذا، إذ يقول في هجاء عمرو ابن قَطَن في البيت السّالف الذّكر: استعنت بشيطاني (مِسْحَل) واستعان هو بشيطانه (جُهُنّام) أو استعانوا بشاعرهم جُهُنّام، على رأي من يقول: إنّه لقبٌ للشّاعر، وليس شيطانه.
للكلام صلة.
.أ.د.عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
تويتر/ sa2626sa@
الجمعة 1434/3/13 هـ 2013/01/25 م العدد : 18174
http://www.al-madina.com/node/429012