مجمع اللغة العربية الافتراضي في تويتر
واقع افتراضي .. بديلاً عن غياب الواقعي
أميرة بنت سليمان القفاري
واقع افتراضي .. بديلاً عن غياب الواقعي
أميرة بنت سليمان القفاري
تمخض عن تحولات العصر الرقمي ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي حظيت بتفاعل علمي وثقافي واجتماعي جعلها عالماً افتراضياً يمثل امتداداً للعالم الواقعي والتفاعل الإنساني، ولا يخفى على مرتادي هذه المواقع أثرها على اللغة العربية سلباً وإيجاباً، فلئن كانت تخدم اللغة في جانب التفاعل العلمي والإبداع الأدبي وملاحقة التطور التقني، فإنها شكلت خطراً من جهة أنها منتج غربي استمرأت الألسنة العربية مصطلحاته الإنجليزية، فصارت تتعاورها الألسنة حتى عند النخب العلمية والثقافية، وكذلك من ناحية أنه يسوق للأخطاء اللغوية عن طريق التفاعل الاجتماعي الذي يدور فيها.
ولئن كانت اللغة العربية قادرة على مُواتاة ومواجهة هذا التحدي الرقمي بوصفها لغة حية تتفاعل مع التطورات الزمنية والرقمية، فإن المشارك في هذه المواقع يلمس جهوداً تتغيا المقاربة بين تحولات العصر الرقمي واللغة العربية ومواجهة الخطر الذي أفرزته هذه المواقع عن طريق إضبارة جهود فردية مشتتة، وجمعية منظمة تروم بث الوعي اللغوي فتدرك منظومة التطور، وتحفظ المقدرة اللغوية، وتعتني بالأساليب كمعرفات التصحيح الإملائي على سبيل المثال، وأخرى تسعى للمواجهة على نطاق أوسع تتمثل في التصحيح اللغوي، والتعريب، والتأصيل، وتقديم الاستشارات في سائر علوم العربية عن طريق المتخصصين الأكاديميين.
ومما يلفت نظر المنتمي إلى موقع «تويتر» تأسيس مجمع افتراضي للغة العربية كان حلماً للغيورين على اللغة العربية في العالم الواقعي، ويقوم عليه نخبة من المتخصصين بقيادة عميد كلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية أ.د عبدالرزاق الصاعدي، ونشهد في صفحة المجمع مواجهة لتحولات العصر الرقمي وخدمة اللغة العربية بشكل عام، وذلك بجهود المؤسسين والمتابعين المتفاعلين على مستوى العالم العربي الذين تجمعهم همة «خدمة اللغة العربية وأساليبها ولهجاتها» كما هو مثبت في صفحة تعريف المجمع وموقعه الرسمي.
وتتمحور أهدافه-حسب التعريف-بنشر الوعي اللغوي وتربية الذائقة اللغوية السليمة، وتقريب الفصحى ومحاربة التلوث اللغوي، وخدمة النصوص اللغوية وتحليل نماذج منها، ومحاولة تعريب ما لم يعرب من المصطلحات الحديثة وخصوصاً ما شاع بين الأجيال المتأخرة من وسائل التقنية الحديثة، وقد عربت من خلال المجمع جميع مصطلحات موقع «تويتر» الإنجليزية كتعريب كلمة Retweet»» إلى: تدوير على سبيل التمثيل وليس الحصر، على أن للمجمع توجهات مثيرة للجدل كالسعي لدراسة اللهجات العربية وتقريبها من الفصحى، وربط اللهجات المعاصرة لشعوب الأمة العربية كلها بالموروث اللغوي القديم والكشف عما طرأ عليها من تغيرات فرضتها البيئات الحديثة أو الاحتكاك بالأمم والشعوب الأخرى، ودعوة الجامعات لدراسة الشعر الشعبي..!، إذ لقي المجمع انتقاداً من بعض الغيورين على اللغة العربية والفصحى وأفضت هذه الأهداف إلى حوارات ثرّة مؤيدة ومعارضة، ولا غرّو في أن ثمّ من يختلف مع بعض أهداف المجمع فالاختلاف وارد كالاتفاق، لكن لا ريب في أننا نتفق على أن الجهد الذي يبذل في سبيل خدمة اللغة العربية والحرص على هيبتها في موقع «تويتر» يستحق الإكبار والتقدير، والتفاعل اللغوي الذي يدور على صفحة المجمع يسهم في تأصيل، وتفسير، وتصحيح يفيد المطلع وينشر الوعي اللغوي.
إن مجمع اللغة العربية الافتراضي يمكن أن يكون بذرة لعمل مؤسسي يرتقي باللغة العربية، ويبث الوعي اللغوي في العالم الافتراضي والواقعي، وفي ظل الجاذبية والإقبال الذي حظيت به مواقع التواصل الاجتماعي أعول عليه استغلال هذا الإقبال وتوسيع دائرة نشاطه باستغلال خريجي اللغة العربية المتمكنين في بث الوعي ومعالجة الضعف اللغوي الظاهر عند ثلة من رواد هذه المواقع عن طريق عمل منظم يسعى من خلاله إلى إنشاء إضمامة معرفات للتصحيح اللغوي تكون تحت إشراف المجمع، وعقد دورات في علوم العربية ينبري لها الأكاديميون المتخصصون وتسعى لاستقطاب المغردين والارتقاء بلغتهم وأساليبهم الكتابية، ومن هنا أدعو الغيورين على اللغة العربية ووسائل الإعلام لسقي هذه البذرة كي تتجذر وتؤتي أكلها كل حين عن طريق دعمها والسعي لتأسيس مجمع واقعي في بلادنا العامرة يتكامل مع الافتراضي في سبيل خدمة اللغة العربية.
أميرة بنت سليمان القفاري
مقال في الجزيرة (الثقافية) الخميس 19 ,ربيع الاول 1434 العدد 394
http://www.al-jazirah.com/culture/20...13/almlf22.htm