الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

من ذكرياتي في جامعة المؤسس (7)

من ذكرياتي في جامعة المؤسس (7)

1- ودرسنا (الأدب الحديث) على الدكتور على البطل، رحمه الله، وهو متمكن في تخصّصه، صاحب أسلوب هادئ رزين، يبدأ المحاضرة بإتاحة الحوار والأسئلة لمن يريد، فيسمع السؤال ثم يطرق مليّاً، فيرفع نظره مرة أخرى ويقول هل لديكم أسئلة أخرى، فيسمع المزيد منها، وبعد كل سؤال يسكت سكتة ويطرق إطراقة، فنظن أنه تجاهل أسئلتنا.. ثم يبدأ بالجواب عنها سؤالا سؤالا بطريقة هادئة بطيئة، ثم يشرع في الدرس، والدكتور البطل من أنصار الحداثة وله طلاب مريدون، أذكر منهم محمد الدخيل، الذي كان بينه وبين أستاذنا صلة ودٍّ علمية وأدبية قوية، وكان يقرأ عليه محاولاته في شعر الحداثة.. وأذكر أيضا أن الدكتور البطل درس التفسير الأسطوري في دراسة تطبيقية على نصوص من شعر محمد الثبيتي وما يحمله من أبعاد أسطورية لبعض التكوينات الخاصة به، وأنّ له كتاباً في الأسطورة، هو (التفسير الأسطورى للشعر العربى).

2- وممن درسنا عليهم في قسمنا الدكتور ضيف الله هلال العتيبي، أُوكل إليه تدريس الأدب العباسي الثاني، كان بعد صلاة الظهر في المبنى الجديد، فربما أراد أن يلطف أجواء الظهيرة بالحديث عن المتنبي فتزداد سخونة الجو بالمنقاشات، وكنا نعرف حبّ أستاذنا العميق وتقديره الشديد لأبي الطيب، فربما سِرنا مع هواه، ولكن ليس دائما، ففي الطلاب (أين كانوا) خبث ومكر، فكان من خبثنا أن نتحرّش بالمتنبي للنيل من شخصيته أو من شعره، فنستفزّ أستاذنا بأسئلتنا الماكرة عن النرجسية والنفاق ومآخذ الخصوم، مما قرأناه في مقالات أحمد الشيباني (ذيبان الشمري) أو المصادر القديمة، فيغضب أستاذنا وينتصر للمتنبي ظالماً أو مظلوماً، وليس لنا أن نعجب من ذلك، فمن في قلبه ذرّة من حبّ الشعر الفخم والعروبة والشجاعة والاعتداد بالذات ليس له إلا أن يعشق شاعر العرب الأكبر المتنبي، وهذه بلا شك من صفات أستاذنا، وزدْ على ذلك صلته العلمية الوثيق بأبي الطيب، فهو حاصل على درجة الماجستير في كلية الآداب في جامعة القاهرة عام 1979م في النقد القديم (نقد الحاتمي للمتنبي دراسة وتحليلا) وحاصل على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث من نفس الجامعة في موضوع (المتنبي في الدراسات الأدبية الحديثة في مصر) في عام 1983م..

3- وكان من الحكمة أن نظهر التقدير والثناء للمتنبي في حضرة أستاذنا مجاملة وإرضاء له، وربما كان من الحرص والجدية أنني استثمرت هذا الأمر لصالحي، ولهذا قصة، وخلاصتها أنني في نهاية العام الجامعي 1407هـ ذهبت إلى الدكتور ضيف الله في مكتبه وهو لا يعرفني وقلت له أستاذي؛ لقد سجلت عندك مقرر الأدب العباسي للفصل الأول العام القادم، وأريد أن يكون بحثي عن المتنبي لأجمع مصادر البحث ومراجعه في الإجازة الصيفية، فقال لي على بركة الله، فكان أن عكفت في الإجازة الصيفية على إعداد بحث موسع عن المتنبي سميته (المتنبي ما له وما عليه) رجعت فيه إلى مصادر ومراجع كثيرة، قديمة وحديثة، ومنها رسالة الدكتور نفسه، وجدتها في مكتبة الجامعة، فلما كان العام الجديد كان بحثي في مراحله الأخيرة، وبادرت حين أعطانا عنوانات البحوث المطلوبة منا كعادته في أول محاضراته وقلت له، أستاذي أريد أن يكون بحثي بعنوان (المتنبي ما له وما عليه) فقال هو كذلك، ولم يعلم أنني أوشكت على الانتهاء منه، فمضيت في بحثي، فلما حان موعد التسليم قبل نهاية الفصل ذهبت إليه في مكتبه ومعي بحث كبير بحجم رسالة ماجستير متوسطة الحجم، فتناوله مني وقلّب صفحاته ونظر في مقدمته وفصوله ومصادره، ونظر إليّ بدهشة، وقال لي: أنت كتبت هذا؟ ومتى كتبته؟ قلت له الحقيقة أنني بدأت فيه في الإجازة الصيفية بعد أن أعطيتني موافقة للكتابة عن المتنبي، فهزّ راسه وزاد إعجابه بي وسرّه حرصي على استثمار وقت الإجازة، ولشدة إعجابه تناول قصاصة ورقة من مكتبه وكتب عليها كلمات ثناء وأحالني إلى رئيس القسم الدكتور حسين الذواد ليطلع على هذا البحث، فذهبت إلى الدكتور حسين الذواد، في مكتبه بالقسم، الساعة الحادية عشرة، وأعطيته الورقة والبحث، فكانت دهشته أكبر، وبدأ يقلب أوراق البحث (والبحث مكتوب بخط يدي لم نكن نطبع أبحاثنا) ثم أخذ يسألني أسئلة عن المتنبي ونسبه وشعره، ومن أبرز الذين كتبوا عن المتنبي قديما وحديثا؟ فعلمت من أسئلته ونظراته أن الدكتور شكّ في أمر البحث، وأنه ربما كان مسروقا، فلما سمع إجاباتي زال شكّه، وقال لي بارك الله فيك، وإن شاء الله نراك معيداً في القسم بعد تخرّجك، وأعطاني بحثي لأعيده للدكتور ضيف الله ليقرأه، فلما انتهى الفصل الدراسي أعاد لي الدكتور ضيف الله البحث وقال لي يمكنك أن تعيد النظر فيه مستقبلا وتنقّحه وتكمل جوانب النقص فيه وتطبعه إن شئت.. كان جلّ الثناء من الأستاذين الكريمين للتشجيع، والحقيقة أن البحث ضعيف، لكنه على مستوى الطلاب يعد بحثاً جيداً، ولم أعد النظر فيه؛ لانشغالي بتخصصي في اللغويات، ولم يزل في مكتبتي إلى اليوم شاهداً على مرحلة انقضت من عمري بحلوها ومرّها.

4- ومن الأساتذة الذين أدركتهم ولم تُتح لي فرصة الدراسة عليهم والاستفادة من علمهم الدكتور محمد خضر عريف الذي كان مبتعثا للحصول على الدكتوراه في علم اللغة التطبيقي من جامعة جنوب كاليفورنيا USC في لوس أنجلوس، وعاد من البعثة عام 1986م، قبل تخرّجي بسنتين، والدكتور محمد أستاذ جاد وصاحب اطلاع واسع ومشاركات ثرية، ولم يسعدني الحظ أن أدرس عليه شيئاً، سوى ما أقرأه له من أبحاث ومقالات.
       5- وممن أدركتهم الدكتور محمد عبدالقادر هنادي، وهو متمكن في النحو والصرف، ومقبول جدا لدى طلابه، وأدركت الدكتور محمود الشهابي والدكتور عبدالله الطرازي، ولم أدرس عليهما، ومنهم عباس عبدالحميد –رحمه الله- محاضر مصري، وبابكر محمد بابكر وعبدالرحمن محمد إدريس وهما مدرسان فاضلان من السودان، وغالبا يوكل إليهما تدريس مستوى 101 و 102 من متطلبات الجامعة، مع أعمال سكرتارية القسم.
 (للحديث صلة)
عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
جريدة المدينة، ملحق الأربعاء 1435/2/1 هـ   2013/12/04 م     العدد : 18487
http://www.al-madina.com/maincat/4998/arbeaa?d=20131204
  http://www.al-madina.com/node/495573/.html/arbeaa