رأيي في حروف الزيادة
الفرق بين حروف الزيادة الصرفية وحروف الزيادة اللغوية
قدم البصريون خدمة جليلة لعلوم العربية، فقد أنهجوا القياس، ووضعوا أسس العلم للعربية نحوها وصرفها، فترسّخ مذهبهم وانتصر على غيره، وتعلمت الأجيال اللغوية منذ القرن الرابع الهجري أن قول البصريين قول لا يردّ، وأنّه يعلو ولا يُعلَى عليه، فأضرّ هذا الاعتقاد بالعلم، لأنه عطّل العقول، وربما تمرّد عليه أفراد، وما أجمل قولة أبي حيان في البحر المحيط (( ولسنا متعبّدين بقول نحاة البصرة ولا غيرهم ممن خالفهم، فكم حكم ثبت بنقل الكوفيين من كلام العرب لم ينقله البصريون)).
ومن مذهب البصريين أن حروف الزيادة عشرة يجمعها قولهم (سألتمونيها) وأنه
لا يكون حرفٌ زائدٌ في الكلمة من غير هذه العشرة، وهم يسخرون من بعض الكوفيين حين يقولون
بزيادة حرف ليس من هذه العشرة، والكوفيون يتوسعون في حروف الزيادة ويطلقون القول فيها
بغير قيد، ولا يفرقون بين زيادة صرفية وغيرها.
والذي يظهر لي في حروف الزيادة يختلف عن رأي البصريين و عن رأي الكوفيين،
فأرى أنه يجب أن نفرق في البدء بين حروف الزيادة الصرفية المطردة وحروف الزيادة اللغوية
الأحفورية غير المطردة، وأرى أن الزيادة نوعان:
1-
زيادة صرفية قياسية، وحروفها ثمانية (أ ت س م ن
و ا ي) وليست عشرة، فقد استبعدتُ اللام والهاء؛ لأسباب سأذكرها لاحقا، وقد جمعها
بعض الفضلاء حين طرحت الفكرة في حسابي في تويتر بقوله: (أمستويان) واقترح بعضهم:
(أيتناسون) أو (أنستُ يوما) وغير هذا.
2-
زيادة لغوية سماعية معجمية أحفورية، وحروفها الحروف
جميعا. وهذا النوع الثاني من حروف الزيادة يخدم البحث المعجمي، ويفتح آفاقاً واسعة
للدلالة، ويعين على تتبع تطور الجذور والكشف عن علاقاتها بعضها ببعض.
ولستُ مقلداً لأحدٍ فيما ذهبت إليه في هذا التقسيم، إنما هو ثمرة دراسة
وتأمّل للتصريف العربي ومعجمات اللغة كانت بدايتها في رسالتي للدكتوراه (تداخل الأصول
اللغوية وأثره في بناء المعجم العربي) التي نوقشت عام 1414هـ
فالحروف الثمانية زوائد (صرفية مطردة قياسية) وباقي الحروف زوائد لغوية
جذرية موغلة في القدم غير مطردة في الاستعمال اللغوي، وهذا النوع الثاني نراه كثيراً
عند ابن فارس في المقاييس.
وعلّةُ استثنائي اللامَ والهاءَ من حروف الزيادة الصرفية أنهما لم تُزادا
في موضع تصريفيّ مطرد كاطراد الحروف الثمانية "أمستويان" وأمثلة البصريين
فيهما محل نظر ونقد، فاللام - باعتراف الصرفيين القدامى- لا تطَّرد زيادتُها في موضع
تصريفي، ومثلوا لزيادتها بـ ((ذلك وتلك وهنالك
وأولئك)) وهذه أمثلة مرفوضة؛ لأنها ليست زوائد تصريفية، بل وقعت في المبنيّات، فلا
يعتدّ بها، ومثلوا بزيادة اللام في نحو زيدل وعبدل والعَثْوَل.. وهذه لا تختلف عن زيادة
الراء في سِبَطر ودِمَثر .
أما الهاءُ فتزاد في فعل الأمر نحو فِهْ وارمِهْ، وفي الوقف
على ما الاستفهاميّة، إن جُرّتْ بحرفٍ؛ نحو
لِمَهْ، وفي النُّدْبَةِ والاستغَاثَةِ عند الوقف؛ نحو وا زيداه.. وهي زوائد
غير صرفية. ولذا نُقل عن المبرد أنه كان يخرجها من حروف الزيادة، وهو على حق، لكنه
تراجع فأعادها لحروف الزيادة في المقتضب تقليدا لأصحابه.
وللكلام صلة تأتي في المقال القادم، إن شاء الله.
عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
جريدة المدينة: ملحق الرسالة:
الجمعة 1434/1/9 هـ 2012/11/23 م العدد : 18111
الجمعة 1434/1/9 هـ 2012/11/23 م العدد : 18111