السبت، 8 نوفمبر 2014

توصيات ندوة الشهر (محرم) 1436هـ:


توصيات ندوة الشهر (محرم)
15/ 1/ 1435هـ

الأمثال الشعبية وحفظها للموروث اللهجي والأدبي
إعداد/ الدكتورة البندري بنت خالد السديري
 كلية الآداب - جامعة الدمام
  الملخص:
     طرحت أمثال شعبية من بيئات مختلفة من البلاد العربية، مع  توضيح معانيها وفيم تضرب، وبيان فصاحتها إذا كانت مما يمت  للفصيح بصلة من جهة اللفظ أو المعنى ، ومدى التوافق والاختلاف في النطق والروايات وما تعلق منها بقصة أو حدث ، وما الأمثال المشتركة بين الأقطار العربية، وتطرقت الندوة لكثير من الملاحظات اللغوية والنحوية والصرفية واللهجات، تخلل ذلك عرض لأوائل وأهم الكتب التي ألفت حول الأمثال الشعبية، وكل ذلك تم بمدخل من معدة الندوة وبمشاركة فاعلة ومناقشة شائقة  رائقة من رئيس ومتابعي حساب مجمع  اللغة الافتراضي الكرام.

  النتائج:
   -         يحب الناس ما يمت إلى عربيتهم اللفظية بصلة شريطة  أن تقرب إليهم.
   -         تعد الأمثال الشعبية كنزا دفينا؛ لغويا وتاريخيا وطبيا  وغير ذلك ، لم يكشف عنه كله، وقال أحد أكبر جامعي الموروث  الشعبي عنه :"   إنه تاريخ لا يكذب"
   -         كبار السن منابع ثرّة في رواية اللغة.
   -         ينتمي عدد كبير من الأمثال إلى عصور الفصاحة.
   -         جارت الأمثال حياة الناس فغطت احتياجهم اللفظي  للتعبير عن كل حالاتهم الوجدانية والعملية وغيرها.
  -         أتاح تناقل الأمثال في أنحاء البلاد العربية لها فرصة  الثراء اللغوي والتنوع المعجمي واللهجي والصوتي حسب المناطق.
  -         تزخر الأمثال بنوادر الكلم ، التي تشي بأصلها العربي  مع خلو المعاجم منها، مما يسمى الفوائت الظنية، ودليل عليه  انتشار المثل جغرافيا.
  -          ساهم حسن التقسيم الداخلي للأمثال وتناغم جمله، مع  غرابة اللفظ أحيانا وسهولته أخرى  في سهولة حفظه و انتقاله.
   -         ترتبط ألفاظ الأمثال بحياة الناس ؛ مما سهل حفظها مثل أسماء الأشخاص والحيوانات وغيرها.
   -         تمتلك الأمثال القدرة على مواكبة الحياة وتوليد أمثال جديدة تواكب روح العصر كـ(لزقة عنزروت) وغيره من الأمثال.
   -         ظهرت علاقة الود واضحة بين الشعر والأمثال.

 التوصيات:

1-الدراسة اللهجية المقارنة للأمثال المتصلة بالدلالات المعجمية والأصوات والنحو والصرف والبلاغة، شريطة أخذها من رواة هذا الزمن وهم كبار السن.
2- دراسة تطور دلالات الأمثال اللغوية ودلالتها على روح العصر.
3- دراسة أثر الأمثال في إحياء  وتداول الألفاظ.
4- ضرورة عمل رابطة تقتنص كنوز الفصحى من الموروث الشعبي وبخاصة الأمثال.
والله الموفق


----------------------------------------------------------------------

مدخل للندوة نشر في مستهلها

الأمثال الشعبية وحفظها للموروث اللهجي والأدبي*
أعدته الدكتورة البندري بنت خالد السديري

     الأمثال نهر متجدد من التجربة  والحكمة ،وحين نجلس قرب كبار السن يسلب لبَّنا ما نسمع من نصائح تلبس لباس الأمثال، فنكون لقبول النصح أكثر انصياعا؛  لأن الأمثال من الفنون النثرية التي حظيت بالحفظ والانتشار؛ نظرا لإيجازها وقصرها وسرعة حفظها وقوة محتواها وما تحمله من دلالة على الموقف  واختزال التجربة، عدا ارتباطها بحدث معين عرفه قليل وجهله الكثير، وربما خفيت علينا قصة المثل- إذ لكل مثل قصة – وبقي المثل يدور عبر الزمن، وعلى هذا فالمثل من صور الأدب الرمزي ، الذي اجتمعت فيه أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام:" إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة".

و"المثل : مأخوذ من المثال ، وهو قول سائر يشبّه به حال الثاني بالأول والأصل فيه التشبيه".

وهو أيضا " قول بليغ محكم يستخدم في نطاق عام إذ إنه من التعبيرات المتداولة بين الناس ، والأمثال جزء من أي لغة متكلمة وتعود إلى بعض أشكال الأدب التراثي الفلكلوري المتناقل شفاهة"

   ومن جملة( الأمثال جزء من أي لغة متكلمة) نستفيد أن الأمثال متجددة ربما ابتكرها أهل جيل معين وورّثها لمن بعده، فيتداولها الشعب مستخدما إياها للتعبير عن معانٍ كثيرة في عبارات قصيرة، وهذا ما جعلهم ينسبون الأمثال للشعب لأنها تنبع منهم وتنتشر عنهم، بغض النظر هل هم أهل فصاحة أم لا.

"ويرى بعض الباحثين أن الأمثال الشعبية "هي المتنفس الوحيد لمشاكل الناس والمعبر الصادق عن همومهم" ، "ويعود ذلك إلى طبيعة المثل إذ "لعل الجهل بقائله يعطي للمثل فرصة الإبانة بحرية" .


   وللغة العربية مخزون ضخم من الأمثال ألفت حولها الكتب منذ بواكير التأليف في فنون اللغة وآدابها  ، والمتصفح لها في عصرنا قد يجد تطابقا وتشابها لبعض هذه الأمثال ،كما قد يجد ألفاظا متداولة يظنها القارئ من بيئته فيتفاجأ بأنها لفظ عربي أصيل.

   وقد حافظـــت بعض الأمثال على النص الفصيح أو على  روحــــــه، كما في قولهم  في الجزيرة العربية حاليا :" عْوير وزْوير والمنكِسِر واللي ما فيه خير" هذا المثل من الموروث اللغوي الوارد في كتاب الأمثال لأبي عبيد( 224هـ) وقد ورد بصيغة "كُسَيْر وعُوَير وكلٌ غيرٌ خير".

  وكثيرا ما نسمع الأمهات يصفن انشغال قلوبهن على أبنائهن في الجزيرة العربية بقولهن: "قلبي على مِرْضُفَة" لنرى المثل في مجمع الأمثال للميداني(518هـ)" كأنَّهُ قاعدٌ على الرَّضَف" والرضف هي الحجارة المعدة للطبخ لشدة حرارتها.

  ونردد إذا سمعنا قصص بعض العاشقين "من حبَّ طَّبَّ"  أي احتال لرؤية من يحب، وهو المثل القديم بلفظه.

    وكذلك قولنا:" لا في أسفل القدر ولا في أعلاها" وهو المثل القديم عينه.

وقولهم :"الحذر  ما يفكّْ من القدر" مثل قول الأولين:" لا ينفع حذر من قدر".

  ويقول الأخوة المصريون عند اتضاح الرؤية في الأمر :"ما تاخدناش في دوكة " ثم نجدها عند الميداني: "وقعوا في دوكة ".

    أما المحافظة على روحه فمثل:" شدّ لي واقطعْ لك " وقال القديم:" أضئ لي واقدح لك ".

    و الأمثال عالم غريب مليء بالتناقض فهو مرة يدعو إلى الشيء وتارة ينهى عنه؛ فعلى حين يدعو إلى الألفة والمحبة والتعلق بالدار (من ترك داره قلّ مقداره )  نسمع المثل  يروى في اليمن: "اخرج ورا الدار يقع لك عزّ ومقدار"، وقول أكثر أهل العصر في الوقت الحالي: "الأقربون أولى بالمعروف"  يناقضه قول بعضهم:" ماتت الحمارة وانقطعت الزيارة".

   والحقيقة أن هذا ليس من التناقض بل مرده إلى اختلاف التجارب والمواقف ، فلديهم لكل مقام مقال.

      لم تحفظ الأمثال القول فقط، بل ربما حفظت الأساطير، فإذا جاوز أحدهم حدود المعقول في الكلام بادرناه بقولنا: " خُرافات" ومردها إلى المثل القديم:" حديث خُرافة" وهو رجل اسمه (خرافة)  روى للناس عن نفسه قصة أسطورية، فلم يصدقوه ونسبوا إليه كل حديث لا يعقل، فأصبح مثالا على كل ما أشبه حالته، وقد وردت  قصته  في كتب الأمثال كــ(مجمع الأمثال للميداني).

    توافق الأمثال الشعبية  الفصحى في بعض أساليبها؛ كابتدائها بالجملة الفعلية أو الاسمية؛ فالفعلية مثل قول أهل الجزيرة العربية:" لقّيت الله وجهي ولقّيتك قفاي"، وقولهم أيضا:" كل مشروكٍ مبروك"      يقابل ذلك في العراق قولهم:" الشُركة ما بيها بُرْكة" فلينظر إلى الاستعمال المتناقض في بيئتين مختلفتين الأول إيجابي والآخر سلبي!!

-       أما الاسمية فمثل قولهم:" البر ما عليه بيبان".

-       البدء بشبه الجملة ففي الجزيرة يقولون:" بحضني ويلكزني" ويحكى في ليبيا:" في ركني ويعاركني".

-       الدعاء:" عمرك أطول من عمري" وهو مستعمل في الجزيرة العربية ولبنان، وذلك إذا قال أحدهم فكرة سبق بها الآخر.

-       أسلوب الشرط :"من شاور ما أعطى" وفي تونس يحكى:" اللي يعمل الخير ما يشاورشْ "

-       أسلوب الاستفهام:  مثل قول أهل الجزيرة :" وين أذنك ياحبوشي"، وقولهم في مصر" من يعرف عيشة في سوق الغزل".  

-       أسلوب النفي :  كقولهم في الأردن "ما تجي الطوبة إلا بالمعطوبة".


    والأمثال تحمل ملامح لهجات أهلها؛ فيقول السودانيون مثلا: "الخيَّروه حيَّروه" أي الذي خيروه حيروه، لكن من عادة أهل السودان  الاجتزاء بأل عن (الذي) ومعهم أهل العراق وموريتانيا؛ ففي المثل الموريتاني :" يزينها لك الْما ينفع فيها " أي: يزينها لك الذي ما ينفعك فيها، على حين تنطق في أكثر البلاد العربية (اللي).

   وفي المغرب:"إيدك منك وخّا تكون مجدامة" وانظر إلى (وخا) وهي من المفردات الخاصة بأهل المغرب ، ومعنى المثل يدك منك ولو كان فيها جذام.

     يقولون في سوريا: "كرمال الورد يشرب العلّيق" ويحكى في مصر:" لأجل الورد ينسقى العلّيق" وفي فلسطين:" ع حجة الورد بيشرب العليق" وفي تونس: "على خاطر الورد نسقي العليق ". فلينظر إلى دوران المثل في روايات مختلفة مما يعزز أصالته وإن لم نجد ما يعزز ذلك.

        ترسخ بعض الأمثال في النفوس مفاهيم عميقة كقولهم في الجزائر :"وطني وطني ولا الفراش القطني" وربما قالوا :"ولا الرقاد القطني" وذلك في تفضيل حب الوطن على العيش الرغيد.

      ومن جميل استخدام الأمثال رفع الحرج عن النفس، فربما جاء ذكر زواج الرجل على زوجه بحضرتها،  فتقول مدافعة:" عند مَرة ولا بالمقبرة".

  وحفظت الأمثال كثيراً من الألفاظ اللغوية من الفناء كقولهم:" حَيْر مجدود" والحير حائط النخل وهذه الكلمة قضت ولكن المثل حفظها، أي كالنخل المصروم لا قيمة له، وقولهم: "بين سهيل والمرزم، نجم ييبس غزير الجمّ" فالجم هو مجتمع الماء(كلمات قضت للعبودي).

      كما أن الأمثال زاخرة بالألفاظ الدالة على المهن:" باب النجار مخلَّع"و" من جاور الحدّاد انكوى بناره ".

وتظل الألفاظ كنزاً يحمل أسرار الشعوب، فهل من مدقق؟

المراجع:

-        (كتاب)الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق:د. عبد المجيد قطامش،دار المأمون للتراث، بيروت ، دمشق ،الطبعة الأولى1400هـ.

-        (كتاب)الأمثال للأصمعي،د.محمد جبار المعيبد،دار الشؤون الثقافية العامة/بغداد ، الطبعة الأولى2000 م.

-        الأمثال البغدادية، الشيخ جلال الحنفي البغدادي،تقديمم الشيخ رضا الشبيبي،الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى2011-1432هـ.

-        الأمثال السائرة والأقوال الدائرة عند أولاد العرب،كرلو لندبرج الأسوجي،دار صادر/بيروت عن طبعة مطبعة بريل في مدينة ليدن الشهيرة1883م.

-        الأمثال العامية ،أحمد تيمور باشا،لجنة نشر المؤلفات التيمورية، مصر الطبعة الثانية1956م.

-        الأمثال العربية دراسة تاريخية تحليلية، د. عبد المجيد قطامش، دار الفكر / دمشق.

-        الفاخر في الأمثال للمفضل الضبي، تحقيق: محمد عثمان، دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى2001م.

-        كلمت قضت، محمد ناصر العبودي،دارة الملك عبد العزيز.

-        مجمع الأمثال، لأبي الفضل الميداني ، قدم له وعلق عليه نعيم حسين زرزور ،  دار الكتب العلمية / بيروت، الطبعة الأولى1408هـ.

-          من أمثال القصيم،دراسة في المضمون والصياغة ،د.وسمية عبدالمحسن المنصور، بحث نشر في: مجلة الدارة (العدد 3 - السنة الخامسة والعشرون 1999م)  دارة الملك عبد العزيز-الرياض.

-        موسوعة المثال الشعبية العربية(الجمان في الأمثال دراسة تاريخية مقارنة) ،جمانة طه، الدار الوطنية الجديدة / الخبر الطبعة الأولى1420هـ.

-        موسوعة الأمثال الشعبية،  جمال طاهر، وداليا جمال طاهر،(كتاب إلكتروني) www.kotobarabia.com.

-        http://www.amtalona.com/
---------------------------------------------

* د. البندري بنت خالد السديري/ كلية الآداب /جامعة الدمام.