الأربعاء، 29 يوليو 2015

يفوت الفائت فيُخَطّئون الصواب: استهدفه:

يفوت الفائت فيُخَطّئون الصواب
استهدفه
      جاء في المخصص لابن سيده عن أبي عُبيد: ((النَّجِيثُ الهَدَفُ، لانْتِصابه واستِقباله، وهو الغَرَض والجمع أغراضٌ، ومنهما استَهْدَفْتُ الشّيءَ واغترضتُه))([1]) أي جعلته هدفاً وغرضاً، وهذا صريح في تعديته، وهي رواية وليس اجتهاداً منه ، وأجازه مصطفى جواد([2])؛ لرواية لنصٍّ من خطبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في شرح نهج البلاغة، في قوله يصف الدنيا: ((العيش فيها مذمومٌ، والأمان فيها معدومٌ، وإنما أهلها أغراضٌ مُستهدِفة، ترميهم بسهامِها، وتُفنيهم بحمامِها))([3]) قال ابن أبي الحديد: ومستهدِفة بكسر الدال-: منتصبة مُهيّأة للرمي، وروي: مستهدَفة بفتح الدال- على المفعولية، كأنها قد استهدفها غيرها أي جعلها هدفا([4]).

       ومع هذا لم يرد هذا الفعل متعديا في معاجمنا، ولم يلتفتوا إلى قول ابن دريد في الجمهرة: ((واستهدفتُ عِرْضَ فُلان، إِذا سبعته ووقعت فيه))([5])، وكأنّهم لم يثقوا فيه على عادتهم في الطعن فيما ينفرد به([6])، وكذلك لم ينقلوا ما في المخصص عن أبي عبيد، وحتى ابن سيده نفسه صاحب المخصص لم ينقله في المحكم([7])، واقتصروا فيه على اللزوم، يقولون: استهدَفَ منك الشيءُ اقترب، واستهدَفَ: انتصب وبرز، وصار غرضا للرمي، ومنه قالوا: من ألّف فقد استَهْدَفَ، أي صار غرضا للنقد، وقالوا: رَكَبٌ مُسْتَهْدِفٌ؛ أي عريض، قال النّابغة الذُّبيانيّ([8]):
وإذا طَعَنْتَ طعَنْتَ فِي مُسْتَهْدِفِ   رابِي المَجَسَّـةِ بالعَبِيِر مُقَرْمَــدِ

     ولذا شاع في كتب التصويب اللغوي تخطئة من يُعدّيه بنفسه([9])، وينُصّون على أنه لازم لا غير، ولما شاع على ألسنة المعاصرين من الكتّاب والمؤلفين تعديته بنفسه بحثه مجمع القاهرة ، وأجاز تعديته، بعد أن نظرت فيه لجنة علمية من أعضاء المجمع ورأت توجيه التعدية على أن السين والتاء فيه للجعل أو الاتخاذ، ورأت أن للمجمع قبول ما يصاغ من الكلمات على صيغة استفعل للدلالة على الجعل أو الاتخاذ([10]) وأجازت نحو قولهم: استهداف المصلحةَ العامة؛ أي: جعلها أو اتخاذها هدفاً، فيجوز: استهدفت النجاح أو الربح فاستهدف لي؛ أي: فأصبح هدفاً لي، واستجمعتُ الأصول فاستجمعت لي؛ أي: تجمّعتْ لي، كما قال العرب: اسْتَنْسَبَني فاسْتَنْسَبْتُ له؛ أي: طالبني بذكر نسبي فذكرتُه له.
     
     وهذا كله لا حاجة له لو أن معاجمنا كاملة، فتعدية هذا الفعل قديمة سماعية، ولا تحتاج إلى قرار، فنص ابن سيده صريح، ولو نقله في المحكم لطارت به المعاجم بعده، ولو رآه مجمع القاهرة في المخصص لكفاه وأغناه عن هذا القرار، فالسماع أقوى من القياس، وينبغي استدراكه وتدوينه في المعاجم لازما ومتعديا.

كتبه: عبدالرزاق الصاعدي
13/ 10/ 1436هـ




[1] المخصص 6/ 68.
[2] في معجم له بعنوان (المعجم المستدرك) ذكروا أنه مات وهو مخطوط في المسوّدة، ثم فقد فيما بعد ونفى ابنه جواد أن يكون لديه. ينظر: الدراسات اللغوية في العراق 39، 40.
[3] نهج البلاغة 303 (بشرح محمد عبده) وانظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4/ 84.
[4] شرح نهج البلاغة 4/ 84، وينظر: الدراسات اللغوية في العراق 40.
[5] الجمهرة (هدف) 2/ 674.
[6] يتردد في معاجمهم وخاصة التهذيب في وصف ألفاظ ينفرد بها ابن دريد بأنها: من ((غرائب ابن دريد)) و((من أعاجيب أبي بكر)) و((هنوات ابن دريد)) و((طرائف ابن دريد)).
[7] وأراه لم يتعمّد إهماله ولكنه فاته كما فاته غيره، فقد رأيته يذكر لغة في المخصص ولا يذكرها في المحكم، لأنه يملي واللغة واسعة وجلّ من لا يسهو أو ينسى أو يغفل.
[8] ديوان النابغة 97.
[9] معجم الصواب 1/ 118.
[10] مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورته الواحدة والثلاثين، الجلسة الثامنة المعقودة في سنة 1965م وينظر: معجم الصواب 1/ 118، وتصحيحات لغوية 311، وأجازه عبدالحق فاضل في مجلة اللسان العربي المجلد 7 الجزء الأول، ذو القعدة 1389هـ / يناير 1970م.