فوائت ظنية
حَبْلَصٌ وحَبْلُوص وحُبيلص وحُبَيْلِيص وحَبَلّص
حَبْلَصٌ وحَبْلُوص وحُبيلص وحُبَيْلِيص وحَبَلّص
الرباعي (حبلص) جذر مهمل في معاجمنا العراقية، والمستعمل منه في
لهجاتنا حَبْلَص وحَبْلُوص وحُبيلص وحُبَيليص، أسماء رجال، تتردد في بعض القبائل في الحجاز ونجد، ويكثر
قليلا في لهجة عتيبة، في القرون الأخيرة الماضية، وفي لهجات بعض القبائل في الحجاز
يسمون الغنم الحبصيات ويسمون صغار ها: حَبَلَّص وقد يطلقونه على الأطفال من باب الفكاهة
والمجاز.
وهذا الاسم أو الوصف
باشتقاقاته الخمسة (حَبْلَص وحَبْلُوص وحُبيلص وحُبَيليص وحَبَلّص) صحيح
فصيح، وله ثلاثة أوجه محتملة في الاشتقاق:
الأول: أن الصاد فيه مبدلة من السين، بمعني الوفي الملازم لخلّه لا يفارقه، وقيل: اسم من أسماء
الأسد، هو حلابس وهو كذلك حلبس على القلب، والخماسي حبلبس، ففي التهذيب في جذر (رعس):
((وَقَالَ بعض الطائيين:
سَيعْلَمُ
مـن يَنْـوِي خِـلابيَ أنني أريبٌ بأكنافِ
البُضَيضِ حَبَلَّسُ
أَرادوا
خِـلابي يَـوم فَيْدَ وقَرَّبـوا لِحًى
ورؤوسـاً للشَّــهادَة تَرْعَسُ
الحَبَلَّس
والحَلَبَّس والحُلاَبس: الشجاع الَّذِي لَا يبرح مَكانَهُ)).
وفي
التاج: الحَبَلْبَس: هُوَ الحريصُ المُقيمُ اللازِمُ بالمكانِ لَا يَبْرَحُه وَلَا
يُفارِقُه، وأوردَه الأَزْهَرِيّ فِي التهذيبِ فِي رعس فَقَالَ الحَبَلَّسُ كَعَمَلَّسٍ،
والحَبَلْبَس والعُلابِس: الشجاعُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ، ويُروى حَبَلَّس، وذَكَرَ
الصغاني فِي العُبابِ فِي حَلبس مَا نصُّه: والحَبَلْبَس: قيل هُوَ الحَلْبَسُ فزادوا
فِيهِ بَاء.
وهذا
الوجه أعني الإبدال بين السين والصاد في حبلس وحبلص قريب، لأن هذين الحرفين يتعاقبان
كثيرا، كالسراط والصراط، والخَرْس والخَرْص، والسَّقْب والصَّقْب، وهو ولد الناقة،
والسَّعوط والصَّعوط، والفِسطاط والفِصطاط، والوَسَخ والوَصَخ، والسّاخن والصّاخن.
والوجه
الثاني: أن تكون من (حبص) بزيادة لام بعد الباء على الثلاثي حبص، أو بفكّ التضعيف من
قولهم: حَبَّصَ، إذا عدا عدوا شديدا، على منهجهم في فكّ الرباعيّات من الثلاثيات مُضعّفة
العين، ويؤد هذا المعنى أن الحبص في معاجمنا هو العدو الشديد، ففي الجمهرة ابن دريد:
الحَبَص: السرعة؛ حَبِصَ يحبَص حَبَصاً، إذا عدا عدواً شديداً. وفي المحيط للصاحب:
الاحْتِبَاصُ: السَّعْيُ والاسْتِنانُ، قال حُمَيْدُ بن ثَوْرٍ:
من
الخَرَائِدِ لا تَمشي مُبادَرَةً ولا ترى
ذَيْلَها عَجْلانَ مُحْتَبِصا
وفي
المخصص والحَبْصُ: العَدْو الشَّدِيد وقد حَبَص، وفي الأفعال للسرقسطي: حَبَصَ يحبصُ حَبْصا: إذا عدا عدوا شديدا. وكذا في الأفعال
لابن القطاع.
ويؤيد
هذا أنهم يطلقون على بعض الغنم الجبلية: الحِبْص،
والحِبصيات، وهي رشيقة في حركتها، وتشبه في هيئتها إلى حد ما الغزلان، ويسمون صغارها: (حَبَلّص) وهي سريعة الحركة، تروغ وتقفز في نشاط
وسرعة، فهي من هذا المعنى المعجمي.
الوجه
الثالث: أن يكون أصله منحوتا من حبس وحلس على منهج ابن فارس، ثم قلبت السين صادا، ومنهم
من يقلب الأصل حبلس إلى حلبس، وهو مسموع عن العرب، وفي هذا الثاني يقول ابن فارس:
((مقاييس وَمِنْ ذَلِكَ (الْحَلْبَسُ) وَهُوَ
الشُّجَاعُ. وَهَذَا مَنْحُوتٌ مَنْ حَلَسَ وَحَبَسَ. فَالْحِلْسُ: اللَّازِمُ لِلشَّيْءِ
لَا يُفَارِقُهُ، وَالْحَبْسُ مَعْرُوفٌ، فَكَأَنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى قِرْنِهِ
وَحَلِسَ بِهِ لَا يُفَارِقُهُ. وَمِثْلُهُ: الْحُلَابِسُ . فإن صح ما ذكره ابن فارس،
صح أن يقال مثله في مقلوبه: حبلس، الذي منه حبلص، ولا ندري، فلعل هذه الثلاث لغات قديمة،
أعني: حلبس وحبلس وحبلص.
ومهما
يكن أصل حبلص وحبلوص وحبيليص وحبلّص القديم في الاشتقاق فإني أرى أنها بالصاد من الفوائت
الظنية، إذ تحققت فيها شروط الفوائت الثلاثة، وتقبلها معايير التصريف والاشتقاق على
الأوجه السابقة.
عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة
١٣/ ١١/ ١٤٣٦هـ