من
الفوائت الظنية: دَشَّ الحََبَّ يدُشّه دشًّا فهو مدشوش
ورد
في لهجاتنا في قبائل تهامة الحرمين والحجاز حرب بفروعها الثلاثة وجهينة وسليم
ومطير الحجاز وعتيبة الحجاز: دشّ البُرَّ أو الحَبَّ يدُشُّه دشًّا؛ أي: وضعه في رحا أو طاحونة فكسّرته دون الطحن، فجاء مجروشا عليظا، ومعناه رضّه رضّا ولم يطحنه طحنا، فالدَّشّ
في لهجاتهم درجة أولى من الطحن، بمعنى الجرش، ودشّه دشًّا مرادف لجَرَشه
جَرْشا.
ولم يرد هذا الفعل في معاجمنا العراقية، واكتفت من معناه
بذكر: الدَّشِيشة، فحسب، بمعنى الجشيش، ما جُشَّ من البُرِّ وغيرِه، والدشيشة تؤكد صحة
هذا الفعل، دشّ يدشّ، وقدوردت في الحديث المرفوع، ففي الغريبين للهروي: ((فجاءت بدشيشة
فأكلنا منها)) قال الهروي: الدشيشة لغة في الجشيشة، وهو حَسْوٌ يُتّخذ من البرُرّ
المرضوض.
والعجيب
أن الأزهري أنكر أن تكون الدَّشِيشة لغة، قال: ((قال اللَّيث: الدَّشُّ اتِّخاذُ الدَّشِيشة،
وهي لُغة في الجَشِيشة، وهي حَسْوٌ يُتَّخَذُ من بُرِّ مَرْضُوض، قلت: لَيْست الدَّشِيشَةُ
بلُغَةٍ، ولكنها لُكْنَة)).
قلت:
إنكاره هذا منكر، فلهجاتنا تؤيدها، وما في الحديث المرفوع يؤيدها، وفي التهذيب ما يوحي بأن الأزهري تراجع عن حكمه هذا.
وقال
الدَّميري في حياة الحيوان: ((حُكي عن الشيخ العارف أبي العباس المرسي : أن امرأة قالت
له: كان عندنا قمح مُسَوِّس فطحناه فطُحن السوسُ معه. وكان عندنا فُول مُسَوِّس فدَشَشْناه،
فخرج السُّوسُ حَيًّا، فقال لها: صُحبة الأكابر تُورث السّلامة)).
قلت:
وهذا مما يستأنس به ولا يعدّ شاهدا، لتأخّره، وفيه تأييد لما في لهجاتنا من الفعل: دَشَّه فهو مدشوش.
ومن
دشّ الثلاثي هذا ولّدوا الرباعي المضاعف، فقالوا: دشدش عظامه، أي كسّرها تكسيرا وفتّتها
تفتيتا.
وهذا
الفعل ((دَشّ الحبَّ يدُشّه دشّا فهو مدشوش)) مسموع في غير الحجاز وتهامة فذكر
رواتنا أنه مسموع في حضرموت وبادية فلسطين وفي بادية مصر وقبائل مطروح العربية غرب مصر، وفي ليبيا، ومسموع في وسط الجزائر، وهي منطقة تسكنها قبائل بني هلال وقبائل من قريش
مهاجرة في أوقات هجرة القبائل العربية إلى شمال أفريقيا مع الفتوحات الإسلامية وبعدها.
وبهذا يمكن القول: إن هذا الفعل عربيٌّ فصيح، وعلى
المعاجم أن تقبله، إذ تحققت فيه شروط الفوائت الظنية الثلاثة وزاد فيه معيارٌ رابع مساند، وهو معيار اللهجات المهاجرة، ومما يقرّبه إلى الفوائت القطعية من غير المعايير أن الدَّشِيشة
بمعنى الجريشة واردة في الحديث النبوي ومعاجمنا.
عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة
19/ 11/ 1436هـ