التصحيف
في المعاجم كالمرض يُعدي
تمزّح وتمدّح
روى
الأزهري في التهذيب نصّاً في مادة (بجح) قال: ((فلان يَتَبَجَّحُ بفلان ويتمجَّح إِذا
كانَ يَهذي به إعجاباً، وكذلِكَ إذا تَمزَّح بِهِ)) ونقلها عنه في هذه المادة (بجح)
ابن منظور في اللسان والزبيدي في التاج، ولم يوردوا (تَمَزَّح) في مادتها (مزح) لأنها
هنالك عارضة فلم ينتبهوا لها كعادتهم في بعض الفوائت غير الممعجمة، ومعنى يَتَبَجّح
ويَتَمجّح: يفتخر ويباهي بشيء ويتعظّم به.
وقوله:
(تَمَزّح به) في هذا النص مصحّف من: تَمَدّحَ به، والسياق يؤيّد هذا، وأصل النص من
العين، وفيه: ((فلانٌ يَتَبَجَّحُ بفُلانٍ ويَتَمَجَّحُ به: أي يهذي به إعجاباً، وكذلك
إذا [تَمَزَّحَ])) وقال محققا العين مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي في الحاشية:
كذا في التهذيب واللسان، وفي الأصول المخطوطة: تمدّح، والعجيب أنهما أثبتا المصحّف
(تمزّح) اغترارا بما في مطبوعات التهذيب واللسان والتاج، وتركا الصواب (تمدّح) وهو
في نسخة العين، ولو رجعا إلى مختصرات العين لوجدا أن تمدّح هي الصواب، ففي مختصر الزَّبيدي:
((فلان يتبَجَح بفلان ويتَمجّح به إذا كان يهذي به إعجابا ويمدحه)) ويؤكده قول
الخطيب الإسكافي في مختصر العين، ونصه: ((هو يتبجّح ويتمجّح به؛ أي: يهذي إعجاباً،
ويَتَمَدّح)).
فوجب
التنبيه لتصحيح هذا الفعل المحرّف في معاجمنا، وعلى الباحثين من وجه آخر الاحتراز
من آفة التصحيف والتحريف والتعرّف على أثارهما على تراثنا اللغوي، وهي كثيره، ومنها:
1-
إن عدوى التحريف والتصحيف تنتقل من معجم إلى معجم، يأخذها اللاحق عن السابق، ويصعب
تمييزها إلا عند التدقيق والتمحيص.
2-
أن محققي النصوص قد يغيّرون ما في مخطوطاتهم مع صحته فيها اغتراراً بما يرونه في بعض
المعاجم مما أصابه تحريف أو تصحيف، وهذا من أخطر ما يصيب التراث المطبوع.
3-
أن هذا التغيير من محقّقي النصوص اللغوية يطمس معالم بعض الفوائت القطعية، فتضيع،
وكم ضاع من هذا وكم سلم؟
عبدالرزاق
الصاعدي
المدينة
المنورة 23/ 1/ 1437هـ