حكمة المولدين في قولهم: (الذاتي) وخطأ اللغويين:
يُخطِّئ اللغويون قول القائلين في النسب إلى الذات:
ذاتي، ويصفونه باللحن، والصواب عندهم: ذَوَوِيٌّ؛ لأن الأصل في اشتقاق ذات: ذو، ويُفرَّق
بين المذكر والمؤنث، فيقال: زيد ذو مال وهندٌ ذاتُ مالٍ، فلمّا أُنّثت بتاء
التأنيث قلبت الواو ألفا، فقالوا: ذات ولم يقولوا ذوت، وينسب إليها بحذف التاء،
ثمّ ردّ لام الكلمة المحذوفة، وهي ألف، بدليل قولهم في التثنية: (ذواتا)، ثمّ تقلب
ألفها واوا، فيقال في النسب إليها: ذَوَوِيّ.
ولكنّ المولدين العباسيين ومن جاء بعدهم ولّدوا منها (الذات
بمعنى النفس أو الحقيقة) ونسبوا إليها على ظاهرها، دون تغيير، فقالوا: ذاتيّ،
والصفات الذاتية، وهذا الاستعمال المولد دائر على ألسنة المتكلمين والأصوليين
والفقهاء وعلماء اللغة المتأخرين، وحكم عليهم اللغويون بالتخطئة، قال ابن سيده
في المحكم: الإضافة إلى ذات: ذَوَوِيٌّ ولا يجوز في ذات ذاتِيّ؛ لأنّ ياءَ النَّسب
مُعاقِبةٌ لتاء التّأنيث. انتهى. ومثله قول ابن الدهان والفيومي والدماميني والصفدي
وغيرهم، وهم لا يفرقون بين ذات مؤنث ذو والذات بمعنى النفس والحقيقة! وقال الأزهري
في التصريح: "وقول المتكلمين في علم الأصول الدينية في النسبة إلى ذات (ذاتيّ)
لحن، لأنه يُعدل بالكلام عن الصواب، وصوابها: ذَوَويّ، بحذف التاء، وهذا مبنيٌّ
على أن ذاتي نسبة إلى (ذات) لغة، وهم لا يقولون ذلك، يقصد العرب الأقحاح.
أقول: أرى الحاجة إلى التفريق في النسب بين (ذات) مؤنث ذو و(ذات) الدالة على النفس أو
الهوية أو الشخصية، بمعناها المولد الوارد في كلام المولدين، وهو أيضا في كلام بعض
العلماء، ومنهم ابن فارس في قوله في المقاييس في مادة (وجه): "ربَّما عُبِّر
عن الذات بالوَجْه" وأبو هلال العسكري في قوله في الفروق: "الفرق بين
الذات والروح والمهجة والنفس، وابن الأثير في قوله في المرصّع: ذات الله، عز وجل، وابن
عرفه في قوله في الحدود: "وكذا إذا أقسَمَ بالذّات ووصفها بصفات".. فالذات
هنا مختلفة قليلا عن ذات مؤنث ذو، فهي عندهم علم أو اسم للنفس أو الحقيقة أو كُنْه
الشيء.
ولذا أرى أن يفرق في النسب بين (ذات) مؤنث ذو و(الذات) بمعنى النفس أو
الحقيقة، كما يأتي:
1-
أن ينسب إلى (ذات) مؤنث ذو: (ذَوَويّ) على القياس المذكور في كتب النحاة.
2-
أن ينسب إلى (الذات) العلم على
النفس أو الحقيقة: (ذاتيّ) دون تغيير؛ لسببين، الأول: أن التاء في الذات غدت جزءًا
من الكلمة، والثاني: ضرورة التفريق بين ذات
مؤنث ذو والذات بمعنى النفس أو الحقيقة، فإن ظاهر القياس في هاتين أن يقال فيهما:
ذوويّ، وفي هذا إلباس ظاهر، تجنّبه المولدون بالنسب إلى هذا اللفظ على ظاهره دون تغيير حين
قالوا: (الذاتي) ولم يقولوا الذووي، بخلاف
النسب إلى ذو مؤنث ذات، في قولهم: هو ذو كذا وهي ذات كذا.
وما أقبح أن تُلزم (الذات) بالقياس الجامد هنا فيقال فيها: الذَّوويّ!، فأيهما
أحسن قولهم: الصفات الذووية أم قولهم: الصفات الذاتية؟ والعلاقة الذووية أم العلاقة
الذاتية؟ والقيمة الذووية أم القيمة الذاتية؟ والرغبة الذووية أم الرغبة الذاتية؟
والخصائص الذووية أم الخصائص الذاتية؟ وقولهم: هذا دافع ذووي أم دافع ذاتي؟ و تفكير
ذووي أم تفكير ذاتي؟ واكتفاء ذووي أم اكتفاء ذاتي، وتمويل ذووي أم تمويل ذاتي؟ وحكم
ذووي أو حكم ذاتي؟ وسيرة ذووية أم سيرة ذاتية؟!
إن التفريق هنا يدل على حكمة المولدين، وقد رأينا حكمتهم في التفريق في مواضع
غير هذا منها العريس والعروس، إذ جعلوا
العريس للذكر والعروس للأنثى. فالتفريق في النسبة هنا بين ذات مؤنث ذو وذات بمعنى
النفس أو الحقيقة مستحب، والتخطئة مردودة، فقل: الصفات الذاتية؛ كما يقول المولدون
ولا تقل: الصفات الذووية، على ما يقتضيه القياس الجامد الذي لا يراعي الفروق
الدلالية في الاستعمال ولا يلتفت إلى اللبس.
عبدالرزاق الصاعدي
28/ 12/ 1437هـ