ما وزن الأَيْهُقان؟
قال لبيد:
فَعَلا فُروعُ الأَيْهُقانِ وأَطْفَلتْ بالجَلهَتَيْنِ ظِبــاؤُها ونَعـامُـها
الأيْهُقان: الجِرجير البرّيّ، وهو لفظ مشكل يحتمل أربعة أوزان؛ وزنان ذكرهما
الصرفيون، ووزنان لم يذكرهما أحد، ولكنهما يستنتجان استنتاجًا من الجذر المعجمي في
بعض معاجم التقليبات لوضعهم اللفظ في (هقن) أو (نهق) وفيما يأتي تفصيل الأوزان الأربعة
واختيار الأرجح:
أولها: أن (الأيْهُقان): (فَيعُلان)،
وهو قول سيبويه واختيار الجماعة ومنهم أبو
العلاء المعري في شرح ديوان مروان بن أبي حفصة والسخاوي في سفر السعادة، وجذره (أهق)
وفيه جاء في المحكم لابن سيده والفيروزي في القاموس والزَّبيدي في التاج.
والثاني: أن يكون مشتقا من اليَهَق، فيكون وزنه: (أفعُلان)، ورده السيرافي
في شرح الكتاب، محتكما للمعيار الصرفي البصري، قال: ((فقال قائل: إن زعمتم أن الأَيْهُقان
فَيْعُلان فهلا جعلتموه أَفْعُلان؟ لأن من حكم الهمزة إذا كانت أولا وبعدها ثلاثة أحرف
أن نقضي عليها بالزيادة، قيل له: من حكم الهمزة إذا كانت أولا أن نقضي عليها بالزيادة...
ومن حكم الياء إذا وقعت في كلمة وفيها ثلاثة أحرف سواها أن نقضي عليها بالزيادة، فقد
اجتمع الأمران في هذه الكلمة، ولا بد من جعل إحداهما زائدة إذ لا سبيل إلى جعلهما زائدتين؛
لأنهما لو جعلناهما زائدتين والألف والنون أيضا زائدتان بقيت الهاء والقاف أصليتين
فقط، ولا يكون الاسم على حرفين. فلما صح أن الهمزة والياء إحداهما زائدة نظرنا أيهما
أولى بالزيادة في هذا الموضع واعتبرنا ذلك بالنظائر فرأينا الياء أولى بالزيادة؛ لأنا
إذا جعلناها زائدة صارت الكلمة على فَيْعُلان نحو: ضَيْمُران وخَيْزُران؛ وإذا جعلنا
الهمزة زائدة صارت على أَفْعُلان، وليس في الكلام أَفْعُلان)).
وهذا الوجه الذي ردّه السيرافي هو الأقرب عندي، للاشتقاق الذي تظهره لهجاتنا
البدوية في نجد والحجاز وغيرهما، فاليَهَقَ فيها هو الجِرجير البري، وهو الأيهُقان،
وهذا يرجح زيادة الهمزة وأصالة الياء، فيكون وزنه: أَفْعُلان. وأنا أثق في لهجات
المنبع إذا تظافرت الرواية، ولا أبالي بمعيارهم المسمى انعدام النظير؛ لأن الصرفيين
لم يحيطوا بكل اللغة ولهجاتها حتى يمتنع أن نخالف هذا المعيار، والاشتقاق معتبر بل
هو سيّد الأدلة، فوجود اليَهَق بمعنى الأَيْهُقان يرجّح عندي أنه: أفْعُلان، ولعله
لو بلغ سيبويه من لهجات بوادي نجد والحجاز أنهم يقولون اليَهَق بمعنى الأَيْهُقان لما
تردد في القول بزيادة الهمزة، وهي مزيدة في وزنين قريبين منه: أَفْعَلان كـ"أَرْوَنانٌ"
وأُفْعُلان كـ"أُقْحُوان".
الثالث: أنه (أيعُلاف) على القلب المكاني، وهو استنتاج يفرضه الجذر الذي
وضع فيه الأَيْهُقان، في العين والتهذيب، وهو (نهق) ونَصّا فيه على أن المستعمل من
تقليبات هذا الجذر هما اثنان: (نهق) و(نقه) فحسب، قال الأزهري في مادة (نهق): ((قال
اللّيث: النَّهْقُ –جَزْمٌ- نَبَاتٌ يشبه الجِرجير، من أَحْرَار البَقُول، يُؤْكَل.
قلت: سَمَاعي من العَرَب النَّهَقُ؛ بحركة الهَاء للجِرْجير البرّيّ، رأيته في رياض
الصَّمَّان، وكُنَّا نأكله بالتّمْر؛ لأَن في طعمه حَمْزَة وحَرارةً، وهو الجِرجير
بعَيْنِه، إلَا أنّه بريٌّ يلذع اللِّسان، ويُقال له الأَيْهُقانُ، وأكثر ما ينبت في
قِرْيان الرياض)) (التهذيب نهق 5/ 402) وجاء في العين: ((النَّهْق نبات يشبه
الجرجير من أحرار البقول))، وفيه: ((الأيهقان: الجرجير، ويقال: هو نبت يشبهه))
ولكنّ المحققين الفاضلين د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي رحمهما الله شكّا
فيه، فوضعاه في الحاشية (العين نهق 3/ 369) وقالا: ((بعده: لم نُثبت هذه العبارة لأنها
ليست من هذا الباب)) قلت: هذا اجتهاد غير
موفق، وكان حريا بهما أن يبقيا النص في موضعه، وحسبهما التنبيه في الحاشية، وبخاصة
أن له نظيرا في التهذيب في هذه المادة.
والرّابع: أنه: (أَيْفُعال) وهو يوافق الجذر (هقن) وفيه ذكره الصاحب بن
عبّاد في المحيط (3/ 346) وقال: ((الأَيْهُقان:
الجرجير نفسه)) وذكره فيه الخطيب الإسكافي في (مختصر العين 1/ 424) والوزن غريب وبعيد
كما ترى.
والرّاجح عندي من هذه
الأوجه الأربعة هو الوجه الثاني.
عبدالرزاق الصاعدي
18/ 1/ 1438هـ