1- وضمن الأنشطة الثقافية لكلّية الآداب
نظّم قسمنا رحلة ترفيهية إلى كلية علوم البحار على ضفاف شرم أبحر، بتاريخ 12/ 1/
1406هـ كنا مجموعة وكان معنا الدكتور حسين الذواد رئيس القسم، والدكتور عبدالمحسن
القحطاني والدكتور محمد يعقوب تركستاني والدكتور عبدالله المعطاني والدكتور بكري
شيخ أمين، والدكتور فوزي عيسى، وعبدالرحمن إدريس وعدد من زملائي، وكان منهم
عبدالرحمن عيسى الحازمي وحمدان الزهراني وحسين بافقيه وعبده قزان (عبدالعزيز
قزّان) وعائض بن سعيد القرني ومحمد العُمري وعبدالمحسن الدوسري وعبدالعزيز قدسي وراشد
الحسيني من عمان، وكنز الدولة من السودان، وطالب من كوريا الجنوبية نسيت اسمه..
ولو أردتُ التخمين لقلت: تشاو يونغ هونغ!!
2-
وأقيمت في أثناء الرحلة بعض المسابقات الثقافية الخفيفة، وأذكر أننا بعد رجوعنا من
رحلة بحرية على ظهر قارب بمعية الدكتور بكري شيخ أمين ومجموعة من الطلاب نظم لنا
المسؤول عن النشاط الثقافي بالقسم الدكتور عبدالله المعطاني مساجلة شعرية بحضور
أساتذتنا، وطُلِبَ من الدكتور عبدالمحسن القحطاني أن يفتتح المساجلة مع أحد الطلاب
وهو عبدالمحسن الدوسري فقال الدكتور القحطاني للطالب مازحاً: إن غلبتك قالوا:
أستاذٌ غلبَ طالباً من طلابه واستقوى عليه، وإن غلبتني قالوا كبيرة! طالبٌ يغلب
أستاذه!! فأنا الخسران في الحالتين، فساجله الدكتور وكانت مساجلة جميلة وممتعة،
وكأنهما اتفقا ألا غالب ولا مغلوب..
3-
وأذكر أن الدكتور عبدالله المعطاني سأل سؤالا بعد المساجلة وكان معه مجموعة من
الكتب جوائز، وكان من الأسئلة التي علقت في ذاكرتي، سؤاله عن بيت المعرّي:
فمدّتْ
إلى مثلِ السَّماءِ رقابَها * وعَبَّتْ قليلاً بينَ نِسْرٍ وفَرْقَدِ
ما
معناه؟ وكيف تمدُّ الإبلُ رقابَها إلى مثل السماء وتشرب بين كوكب النسر والفرقد؟
ومن قائل البيت؟ فأجبتُه؛ لأنّ الدكتور نسي أنه حدّثنا عن هذا البيت في محاضرته أوّل
الأسبوع فكان جوابي مستمدّاً مما أخذناه عنه، وكانت هذه الإجابة مباركة، إذ جلبت
لي جائزة ثمينة كتابين نفيسين، هما المفضّليات والأصمعيات، بتحقيق العَلمين أحمد
شاكر وعبدالسلام هارون، ولم أكن أعرف الكتابين، واليومَ هما من أعز مقتنيات
مكتبتي، وعليهما تاريخ تلك الرحلة، وتعليق وجيز، وربما كانت من ثمرات قراءتي فيهما
أن أحببت الشعر العربي الأصيل، وتعلّقت بالتراث ومصادره، ومن قصائد المفضليات التي
كنت أطيل النظر فيها دالية الأسود بن يعفر النهشلي، ومطلعها:
نامَ
الخَلِيُّ وما أُحِسُّ رُقادي * والهمُّ مُحتضِرٌ لَدَيَّ وِسادِي
وعينيّة
سويد بن أبي كاهل، ومطلعها:
بَسَطَتْ
رابعةُ الحبلَ لنا * فوصلنا الحبلَ منها ما اتسعْ
وقد
أطال الوقوف عندها أستاذنا الدكتور الغذّامي في مقرر النصوص الأدبية، وحلّلها
تحليلا بديعاً كعادته في تحليل النصوص.. ومن قصائد الأصمعيات فائيّة قَيس بن
الخَطيم، ومطلعها:
رَدَّ
الخليطُ الجِمَالَ فانصرفُوا * ماذا عليهم لو أنّهُمْ وقفُوا؟
4-
ومما أتذكره من أحداث تلك الرحلة أن نقاشاً أدبيا نقديا دار بين الدكتور عبدالحسن
القحطاني والدكتور حسين الذواد وكان موضوعه نرجسية المتنبي وأخلاقه وشاعريته، وهو
صدى لما كان يدور من نقاشات بين الشاعر اليمني الأديب أحمد بن محمد الشامي (رحمه
الله) والفيلسوف أحمد الشيباني (رحمه الله) بتوقيع مستعار هو (ذيبان الشمري) وكان حوارا
أدبياً ساخناً على صفحات هذا الملحق العريق (ملحق الأربعاء) في عدة مقالات من عام
1403هـ وقد طال الحوارُ وأمتعَ، وكانت أصداؤه تتردّد في كليتنا وقسمنا على وجه
الخصوص بين الأساتذة والطلاب، في ذلك الزمن الجميل، وهو من أجمل ما قرأت على صفحات
هذا الملحق الذي كنا ننتظر صدوره صباح كل أربعاء بشغف وترقّب، أسبوعاً لذيبان الشمري
وأسبوعاً للشامي، واستمرّ أشهراً عديدة، تارة تميل الكفّة للشامي وتارة لذيبان
الشمري، وقد جُمعتْ مقالات الشامي وصدرت بعنوان ((المتنبي شاعر مكارم الأخلاق)) من
مطبوعات نادي جدة الأدبي.. فدار نقاشٌ بين أستاذَينا الكريمين القحطاني والذوّاد،
ظُهْرَ يوم الرحلة قبل الغداء، إذ كنا نتداول إبريق الشاي في جلسة حميميّة في صالون
مُطلّ على البحر في كلية علوم البحار على شرم أبحر، ولا أذكر الآن على وجه الدقّة
ما الذي دار في النقاش الذي شارك فيه بعض الطلاب بأسئلة أو مداخلات مقتضبة، ولكنني
أذكر أن أستاذنا الدكتور القحطاني كان يؤيد الشامي في دفاعه عن المتنبي وعروبته
وأصالته، وأما أستاذنا الدكتور الذوّاد فكان يميل إلى رأي الشيباني (ذيبان الشمري)
في دعواه بأن المتنبي كان نرجسيا قلقَ الشخصية مضطرباً يعاني من مشكلات نفسية،
وأنه كان رقيق الدين منافقاً طامعاً في إمارة لم يظفر بها في كنف سيف الدولة بحلب
فرحل عنه متجها إلى مصر وكافورها الإخشيدي طمعا في الحصول على ولاية أو توزيرٍ
يليق به، فلمّا استيأس من كافور دسّ له الهجاء في معسولات المديح.. وتشعّب النقاش
بين الأستاذين.. فكانت بحقّ جلسة أدبية مع أساتذتنا في غاية البساطة والحميمية
والمتعة.. ذهبت الأيام وتفرّق الجمعُ وبقيت الذكرى كطيفٍ عابر يبعث الشجن.. وما
أصدق قول حبيب بن أوس الطائي:
ثُمَّ
انقضتْ تلك السِنُونَ وأهلُها * فكـأنّها وكأنَّهـمْ أحــــلامُ
(للحديث
صلة)
عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
*
الجامعة الإسلامية. تويتر / مجمع اللغة
الافتراضي @almajma3
ملح الأربعاء، جريدة المدينة،
الأربعاء 13/11/2013
http://www.al-madina.com/node/490791