1-
في أيامنا تلك كان مدير الجامعة هو الدكتور رضا عبيد، وعاصرنا ثلاثة من عمداء كلية
الآداب والعلوم الإنسانية، وهم على التوالي: د. حمد العرينان، ود. سليمان الغنام، ود.
عبدالوهاب بغدادي، وكانت صلتنا بالعمداء ضعيفة جدا، بل إننا لم نر بعضهم، ولم نتمكن
من دخول مكاتبهم، إطلاقاً، وأقصى مرادنا أن نصل إلى مكتب مدير مكتب العميد، لكن
لهذا استثناءات، وأذكر أن الدكتور حمد العرينان استدعاني يوما إلى مكتبه، بتوصية
من الدكتور عبدالله المعطاني، كان العميد لطيفا جدا ومتواضعا، وأثنى على قسمنا
وجدية طلاب اللغة في العموم، وخصني بشيء من المديح والثناء مما لا أستحقه، وكلّفني
بإحصاء ما ورد في بعض المصادر القديمة عن (عوانة بن الحكم الكلبي الكوفي الضرير العلامة
الإخباري أحد الفصحاء) لعدم ثقة عميدنا فيما جاء في فهارس بعض المظانّ القديمة التي
نقلت روايات عوانة الكلبي، كالطبقات لابن سعد وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد والبداية
والنهاية لابن كثير، فعكفت على الكتب الثلاثة في إجازة الصيف وأحصيت روايات عوانة،
وجئت الدكتور في بداية العام الدراسي الجديد بما أحصيته، فشكرني وأهداني ثلاثة كتب
تقديراً وتحفيزاً لي على القراءة والتعلّق بالتراث، ولم تزل الكتب في مكتبتي وهي: البداية
والنهاية لابن كثير، وفتوح البلدان للبلاذري، وكتاب المغازي للواقدي، وربما تسبّبتْ
هذه الكتب في توجيه بعض اهتمامي إلى كتب التاريخ والتراجم فتكونت لي مكتبة تاريخية
جيدة.. وقد علمت فيما بعد أن الدكتور حمد العرينان ترك العمل الأكاديمي في الجامعة
وانتقل إلى العمل مديرا عامّا للمؤسسة العامة لجسر الملك فهد بين السعودية والبحرين.
2-
ودرسنا مقرر (كتاب قديم) على الدكتور أحمد عبدالله السومحي، وهو حضرمي من اليمن الجنوبي،
عمل في القسم في المدة (من 1979-1999م) كان مُغرما بالأديب الحضرمي الكبير علي أحمد
باكثير وتناوله في عدة أبحاث: منها (علي أحمد باكثير: حياته وشعره الوطني والإسلامي)
و( الرواية التاريخية في أدب علي أحمد باكثير) ودرسنا على الدكتور السومحي نصوصا
من أدب الجاحظ في البيان والتبيين والبخلاء، ونصوصا من أمالي القالي، وهو في
الجملة هادئ الطباع يميل إلى السكون واحترام طلابه.
3-
أما مقرر (الصورة الأدبية) فدرسناه على الدكتور فوزي عيسى، كان من أساتذة الأدب الحديث،
معارا للقسم من جامعة الإسكندرية بين عامي (1982-1986م) له كتاب في الشعر السعودي المعاصر،
وموسيقى الشعر والدراسات الأندلسية والدراسات النقدية، وعلمت مؤخرا أنه فاز بجائزة
(يوسف بن أحمد كانو) التي تعد من أرفع الجوائز بمملكة البحرين، وكانت الجائزة لكتابه (صورة الآخر في الشعر العربي)
4-
ودرسنا مقرر (الأدب الرومنسي) على الدكتور السعيد الورقي، كان في عنفوان شبابه، ولكنه كان هادئاً هدوء الشيوخ، يتحدث
همساً ورمساً، وكان مغرما بقصائد الشعراء الرومنسيين الكبار، ويروي لنا بعض
أشعارهم، من أمثال (جيته) الشاعر الألماني و(لا مارتين) و(ألفرد دو موسيه) و(ألفرد
دوفينيي) و(فيكتور هوغو) و(شيلي) و(بايرون) و(ووردزورث) و(كلوريدج ) ومن العرب
خليل مطران أبو الرومنسية العربية، وعلي محمود طه، وجبران خليل جبران، وإبراهيم
ناجي، وغيرهم.. وكان يسرد لنا تأريخ الأدب الرومانسي الذي يعدّ أحد أشكال الحركة الرومنتيكية
في أوروبا في القرن التاسع عشر, التي نشأت في أحضان الطبيعة، لتثور على العقل وسلطانه
وتجعل القلب منبع الإلهام.. ومن رواد هذا الأدب ويليام ووردزورث وصامويل تايلور كوليردج
اللذَين ألفا معاً أول كتاب في الأدب الرومانسي والحركة الرومانسية وهو ما يعرف بالأناشيد
الغنائية The Lyrical Ballads)) ودرسنا مع أستاذنا قصائد مختارة مترجمة منها قصيدة (الفراشة) لويليام
ووردزورث، وقصيدة (أغنية البَحّار العتيق) لكوليردج.. ثم وقفنا طويلا عند جماعة أبولو
ومؤسسها في الأدب العربي (أحمد زكي أبو شادي) ونماذج من أشعارهم كقصيدة المساء لخليل
مطران، ومنها:
يا
لَلغـــروبِ وما بهِ من عَبْـرةٍ * للمُســـتهامِ وعِبْــــرةٍ للرّائــي
والشّمس
في شفقٍ يسيلُ نضارُه * فوقَ العقيقِ على ذُراً سوداءِ
مَـرَّتْ
خِـلالَ غمامتيْن تحـدُّراً * وتقطَّـرتْ كالدّمعةِ الحمــراءِ
فكأنّ
آخـرَ دمعةٍ للكـونِ قد * مُزجَتْ بآخـرِ أدمـعي لرثائي
أما
أنا فقد كان للأدب الرومنسي في شقِّهِ الذاتي وتيّاره الوجداني المتدفق تأثيرٌ كبير
في ذائقتي فيما مضى، وله أثر غائر في نفسي، وكنت مغرما بشعر الرومنسيين العرب
وشعرهم الوجداني وأخيلتهم وعواطفهم الفردية من أمثال جبران وأبي القاسم الشابّي وعلي
محمود طه، وإبراهيم ناجي على وجه الخصوص لسلاسة شعره وتدفّقه العاطفي الساحر في
دواوينه وراء الغمام والطائر الجريح وفي معبد الليل، وكنت أقف طويلا عند بعض
قصائده، كقصائد البُحيرة والخريف والأطلال.. وفي الرواية الرومنسية أولعت بروايات
فكتور هوجو على وجه الخصوص: (البؤساء)
و(أحدب نوتردام) ثم (عُمّال البحر).
لقد كان للأدب الرومنسي أثرٌ كبيرٌ في ذائقتي
ولم تزل في نفسي بقايا رومنسية لا تنمحي تلعب بوجداني وعاطفتي وتجعل من نفسي نفس
طفل يهيم ويغني وفجأة ربما تراه يبكي! والحقّ أنه ما من أحد منا إلا لديه حظه من
الرومنسية أو الوجدانية الحالمة أو البائسة، وإن بدا فضّاً غليظ القلب، فكلٌّ منا
في داخله طفلٌ يبكي أو طائرٌ يغرد.!
(للحديث صلة)
عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
*
تويتر / مجمع اللغة الافتراضي @almajma3
جريدة المدينة، ملحق الأربعاء 20/11/2013
http://www.al-madina.com/node/492378