الجمعة، 18 أبريل 2014

هل تصحُّ كتابة: (أنتي فعلتي) بإثبات الياء؟ هذا رأيي:

هل تصحُّ كتابة: (أنتي فعلتي او فعلتيه) بإثبات الياء؟ هذا رأيي:

      كتبتُ رأيًا وجيزًا في تغريدات عارضة في حسابي في تويتر في مسألة زيادة ياءٍ بعد ضمير المخاطبة،  نحو (أنتي فعلتي) دون ضمير بعدها و(فعلتيه وضربتيه) متبوعًا بضمير، وكان أصل المسألة الدعوة إلى كتابة اللغة على وجه يراعي التيسير والاطّراد، ومحاولة ردّ الشّاذ إلى القاعدة ومثّلتُ لذلك بكلمات معروفة ومشهورة، مثل: لكن ولاكن، ومائة ومئة، وذلك وذالك، وهذا وهاذا، وهؤلاء وهاؤلاء، والرحمن والرحمان، والحرث (علم) والحارث، وثلثة وثلاثة، وعثمن وعثمان، ونحو هذا، ودار في ذلك جدل بين مؤيّد ومعارض. وأما (أنتي فعلتي أو فعلتيه) فليست من صريح هذا الباب؛ لأن المكتوب المتعارف عليه - أعني (أنتِ) - يوافق المنطوق في الفصحى، ولكنْ ثمة وجهٌ لها، يدخلها في الباب، ولي فيها رأيٌ ربّما يؤخذ عليّ، وأساس رأيي أنّ الكتابة تحكي أو تحاكي اللغة المنطوقة، فإن كنتَ تتكلم بالفصحى، فستكتبها : أنتِ؛ لأنّك لا تمطل هنا، وإن كنت تقولها بلهجتك الممطولة أو في حوار تفاعلي مكتوب فلا بأس من كتابتها (أنتي) حكاية للهجتك فيها، كما يكتبون أمثلة المطل المختلفة، ثم إني أزيدُ على هذا زيادة، وهي أنّهم لو أرادوا التمييز في الفصحى مطلقًا بين (أنتِ فعلتِ) للمؤنث و(أنت فعلت) للمذكر، فكتبوا المؤنثة بالياء (أنتي فعلتي) واصطلحتْ عليه الجماعة لكان حَسَنًا، على أن يكون رمزا كتابيا لا لغة، لأن الفصحى لا تمطل هذا.

            وهذه الياء في (أنتي) ليست ضميرًا، بل علامة، كما أنّ الواو في (أنتمو) و(عليكمو) ليست ضميرًا، ولكنها حرف إشباع، وقد وردت الواو الممطولة عن العرب، ومن لغة المطل هذه ما ذكره سيبويه (الكتاب 3 / 189) في قولهم: ضربهو زيدٌ.
  
   و(أنتِ) و(أنتي) مثل (اللاءِ) و(اللائي) فهما لغتان صحيحتان، والياء في (اللائي) مثل الياء في (أنتي) والظاهر أنّ لغة الإشباع فيها كانت معروفة عند المتقدمين، في قبائل منها قبيلة ربيعة كما رُوِيَ عن الأخفش في كتاب الأوسط (ينظر: ارتشاف الضرب 2/ 912) وعزاها لربيعة أيضا الدماميني في (تعليق الفرائد 2/ 22 )، ووصفها بأنها لغة رديئة (أتحفّظ على وصفها بالرداءة ويكفي وصفها بالشذوذ) وعزاها أبو العلاء المعري في عبث الوليد 226 لعَدِيّ الرِّباب، وذكر أنّهم يقولون: ضربتِيهِ وأكرمتِيهِ. قلت: وهذه اللغة فاشية ومشهورة في كلام المتأخّرين؛ وربما المتقدمين، لورودها في عدد من الأحاديث، مصحوبة بضمير بعدها، والمطل في نحو (فعلتِيهِ) أسهل على اللسان من المطل في أنتِ.

ويمكن قبول الياء في قولهم: «أنتي فعلتي أو فعلتيه» بأربعة أوجه:
    1- اللغة القديمة المحكيّة عن ربيعة أو عديّ الرِّباب.
   2- قياس المطل.
   3- زيادة الرسم في بعض الضمائر مثل (أيّها).
  4- الحاجة إلى التفريق في الرسم بين لفظين متشابهين: أنت للذكر وأنت للأنثى، وبخاصة في لغة التواصل والخطاب اليومي.

ولمطل حركة ياء المخاطبة ثلاث صور:
  أولاها -وهي الأكثر- أن تكون الياء متبوعة بضمير، نحو: ضربتيه وفعلتيه.
  والثانية: ألا تكون متبوعة بضمير، نحو: فعلتي. 
 والثالثة: أن تكون مع ضمير المخاطبة المنفصل: أنتي.

فأما الصورة الأولى -أعني مطل كسرة تاء المخاطبة مع ضمير الغائب بعدها نحو (فعلتِيهِ) فمرويٌ في اللغة عن الخليل وغيره، وذكروا أنها لغة قليلة أو رديئة، قال سيبويه (الكتاب 4/ 200 هارون): «وحدّثني الخليل أنّ ناسًا يقولون: ضَرَبْتِيهِ، فيلحقون الياء. وهذه قليلة» وقال (4/ 200): «واعلمْ أن ناسًا من العرب يُلحقون الكاف التي هي علامة الإضمار إذا وقعت بعدها هاء الإضمار ألفاً في التذكير، وياءً في التأنيث؛ لأنه أشدّ توكيداً في الفصل بين المذكر والمؤنث... وذلك قولك: أُعْطِيكِيها وأُعْطِيكِيهِ للمؤنث، وتقول في التذكير: أُعْطِيكاهُ وأعطيكاها». وقال (4/ 200): «وأجود اللغتين وأكثرهما أن لا تُلحِق حرفَ المدّ في الكاف». قال السيرافي (5/ 70 بيروت): «يريد أن الأجود أن لا تزاد على الكاف ألف ولا ياء وإنما تزاد على الهاء؛ لأنها خفيّة خفيفة لشبهها بالألف فاحتملت الزيادة لذلك». ولم يتعرّض سيبويه للمطل فيما ليس فيه ضمير بعد الياء، نحو أنتي فعلتي، ولم يتعرّض أيضا للمطل مع الضمير المنفصل أنتِ. 
وحكاها ثعلب في المجالس (1/ 112 هارون) ورواها الأنباري في المذكر والمؤنث (1/ 212 عضيمة). 

ووردت هذه اللغة في رسائل الجاحظ (2/ 133) في قول بعضهم: «بكم بعتيني يا الخنّاء؟» وعلّق عليه عبدالسلام هارون بقوله: «كذا في الأصل، وهو وجه جائز في العربية، يزيدون بعد تاء المخاطبة وكافها ياء».
وممن رواها من المتأخرين نصر الهوريني (المطالع النصرية 324) قال: في لغة رَبيعة يُلحِقون الكاف بألف الصلة في خطاب المذكَّر وبياء الصلة في خطاب الأُنثى فيقولون للرجل (رَأَيْتُكا) وللمرأة (رَأَيْتُكي) ويفعلون مثل ذلك في التاء أيضًا، يُلْحِقونها بألف الصلة للرجل، وبياء الصلة للأُنثى، فيقولون له: (قُمْتَا) ويقولون لها: (قُمْتي).

ولغة الإشباع هذه مع التاء التي بعدها هاءٌ نحو (فعلتِيهِ) مرويّةٌ في بعض الأحاديث، إذ جاء في الصحيحين: «لا أنتِ أطعمتِيها ولا سَقَيْتِيها حين حبستِيها، ولا أَنتِ أرسلتِيها فأكلتْ من خشاشِ الأرض». وقال ابن حجر في الفتح: «في رواية مُسلم: (لَئِنْ كُنتِ قَرَأْتِيهِ لقد وَجَدْتِيهِ) كذا فيه بإِثبات الياء في الموضعين، وهي لُغةٌ، والأفصحُ حذفُها في خطاب المُؤنّث في الماضي». وفي حديث عطاء بن يسار: «... فبينا هو معها فى لحافٍ واحد إذا انسلّت فقال قد فعلتيها؟ قالت: نعم» (جامع الأحاديث ح44317) وفي (التوّابين لابن قدامة 1/ 50): «قالَ: فَلِمَ تَفْعَلِينَ هَذَا وَلَمْ تَكُونِي فَعَلْتِيهِ قَطُّ؟». وفي سنن الدارمي: «فقال لها لو راجعتِيهِ فإنّهُ أَبو ولدكِ». وفي حديثٍ في بعض المسانيد: «بئس ما جَزَيتِيها» رواه أبو داود (3316)، وأحمد 4/ 429، 430، والنسائي في "السنن الكبرى" 5/ 231 (8762)، وابن حبان 10/ 237 (4392)، والبيهقي 9/ 109.

وجاءت لغة المطل هذه في كلام بعض الصحابة كما في مسندي أبي داود والبَزّار  في خبر أبي بَرْزَة: (لوَدِدْتُ أَنَّكِ جَعَلْتِيهِ في سقاء) وعلى هذه اللغة يتخرّج حديث المولِد من قول الهاتف لآمنة: «إذا وَضَعتِيهِ فسَمِّيهِ مُحَمّدًا». رواه البيهقي في دلائل النبوة 1/ 82. 

           وأما الصورة الثانيةأعني ألا تكون متبوعة بضمير- فقال أبو عبيد القاسم بن سلّام (الغريب المصنف 3/ 666 ط. التونسية): «ويقولون للمرأة: أنتِ فعلتي ذاك وأنتِ ضربتيه، وسائر العرب فعلتِ ذاك وضربتِ».
     وقال أبو حيّان (في الارتشاف 2/ 912، وينظر: التذييل والتكميل 2/ 132) في الصورة الثانية أيضا: «حُكي: ضربتي، بياءٍ ساكنة بعد الكسرة للمؤنث». 

وأما الصورة الصورة الثالثة - أعني أن يكون ضمير المخاطبة منفصلا: أنتي- فذكرها ابن الأثير في كتاب (البديع في علم العربية 2/ 15) إذ قال: «قد أُلحقت تاء المؤنث فى بعض اللغات ياءً، فقالوا: أنتي فعلتي، وأنتي ضربتيه، قال [الشاعر]:
رَمَيْتِيْهِ  فأَقْصَدْتِ         وما أَخْطَأتِ الرَّمْيَهْ
[بسَهْمَيْنِ مَلِيحَيْنِ      أَعارَتِكِيهما الظِّبْيَهْ]
وهي لغةٌ قليلة».

    

      وذكرها الرافعي في (تاريخ آداب العرب 1/ 82)  أشار إلى أنّ الضمير (أنتِ) ينطق في السريانية: (أنتي).

     ويزعمون أنّ مي زيادة سألت العقاد في رسالة: لماذا تكتب لي (أنتي)، وليس (أنتِ) بكسر التاء؟ فأجابها: يعزّ عليَّ كسرك حتى في اللغة. ولم أجد لهذا مصدرًا معتبرًا.
       
    ويبدو أن ياء أنتي أصيلة في بعض اللغات العُروبية (السامية) كالحبشية مثلا، وهذا ما أشار إليه الأستاذ الدكتور عمر صابر في بعض مواقع التواصل حين طرحت تغريدتي وأثارت التغريدة عاصفة من الجدل بين المؤيدين والمعارضين، والدكتور من الباحثين المميّزين في العُروبيات، فقال في تعليقه: يؤكد ذلك ما نراه في الحبشية أخت العربية في قولهم: anty للمخاطبة في مقابل: anta  للمخاطب. وقال مرة أخرى: سعدت كثيرا بالسياحة العلمية عند الصاعدي في هذه المسألة، وأميل إلى أنّ الياء هنا أصل للتفرقة بين المذكّر والمؤنث، كما ورد في لهجة ربيعة وغيرها، وهذه الياء نراها واضحة رسما ونطقا في الحبشية في ضمير الفاعلية كذلك، في نحو qatalky أي قتلتي  في مقابل qatalka للمخاطب (مع ملاحظة أن الكاف هنا في مقابل التاء العربية) وفي السريانية نرى الياء في ضمير المخاطبة في الفعل موجودة رسما، ولكنها غير منطوقة، وهذه إشارة إلى أصلها. انتهى كلامه.


وقال رمضان عبدالتواب في حديثه عن الفعل المسند إلى تاء المخاطبة: «أمّا العربية الفصحى فقد قُصِرت فيها الكسرة هنا، كما قصرت فتحة المخاطب المذكر.... غير أننا لا نعدم في الشعر والنثر القديم أمثلة من الكسرة الطويلة مع المخاطبة المؤنثة، كما قال الشاعر:
رميتِيهِ فأقْصَدتِ     وما أخْطَأتِ الرَّمْيه
كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «أعصرتِيه؟» ويروي سيبويه عن الخليل بن أحمد الفراهيدي أنّ ناسا من العرب يقولون: ضربتيه، فليحقون الياء. وهذا أمر شائع جدا في اللهجات العربية الحديثة؛ إذ يقال مثلا: كسرتِيهِ وسمعتِيهِ، وما أشبه ذلك» (المدخل إلى علم اللغة 280).

         وثمّة أمرٌ ذو صلة ينبغي التنبيه عليه، وهو أنّ استقراء علماء العربية للهجات العرب وعزو المسموع إليها لم يكن وافيًا ولا دقيقًا، فقد وجدنا بعض ما يعزونه إلى قبيلة واحدة أوسعَ انتشارًا مما يظنّون، كظاهرة القفقفة التي عزوها إلى تميم وحدهم، وهي منتشرة في أكثر القبائل البدوية، حتى سماها أبو حيّان قاف العرب، وكذلك العنعنة التي سمّوها عنعنة تميم لم تكن خاصة بتميم وحدهم، فكل القبائل البدوية الحجازية تُعَنْعِن. ومن هنا يراودني الشكّ في روايتهم للمطل في تاء المخاطبة بصورتيه، فلعله أوسع انتشارًا في القبائل، فهذا المطل مع الضمير خاصة (فعلتيه) شائع في جميع القبائل البدوية والحضرية اليوم.. وانتشاره يدل على سهولته على اللسان.

     والخلاصة أنني أجيز الصور الثلاث التي رواها علماؤنا وعزوها لبعض قبائل العرب، ولا أرى بأسًا في رسم ضمير المخاطبة المنفصل (أنتِ) بالياء (أنتي) كما نقل ابن الأثير وغيره، والمتصل دون ضمير يتبعه (فعلتي) كما نقل أبو عبيد القاسم بن سلّام وأبو حيان وغيرهما، والمتصل المتبوع بضمير مثل (فعلتيه)، كما نقل الخليل وسيبويه والأخفش وثعلب وأبو بكر الأنباري والسيرافي وغيرهم، لماسبق من علل، وللتيسير والتفريق بين المذكر والمؤنث دون اللجوء إلى الضبط، ولا أخطّئ من يكتب الياء في الصور الثلاث المشار إليها، مع التنبيه على شأن الفصحى في ذلك كله، وهو أنها تكتفي بالكسرة، ولا تمطل لا نطقًا ولا رسمًا

عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة 
18 إبريل 2014م