الفعل (تَبَدّى) بمعنى برز وظهر فائتٌ قطعيّ
بمعنى برز وظهر فائتٌ قطعي، وقد جاء في بعض أشعار العرب زمن الاحتجاج، منها قول عمرو بن معدي كرب(1):
قال ابن السكيت في شرح ديوان قيس بن الخطيم: ((أراد: أنها إنما أظهرت له بعض وجهها))(13)
وبـدتْ
لَمِيسُ كأنّها بدرُ السّماءِ إذا
تَبَدَّى
أي إذا ظهر في السماء وبرز للأعين بجلاء ووضوح. ولم أجد في معاجمنا
القديمة في جذر (بدو) كلمة (تَبَدّى) بمعنى برز وظهر، ولكن فيها: تبدّى بمعنى أقام
في البادية. وذكر محمد الخصر حسين في كتابه "القياس"(2)
أنها ليست في المعاجم، وأنها فصيحة وشاهدها البيت السابق، وهو أول من نبّه إلى ذلك
في كتابه هذا المطبوع سنة 1353هـ ، وتبعه في ذلك محمد العدناني في كتابه (معجم
الأغلاط اللغوية المعاصرة))(3) وتبعهما
الدكتور خليل بنيان الحسون، وتوسع في ذكر شواهد لهذه الدلالة الفائتة لشعراء كثر
من عصور الاحتجاج(4)
.
قامت
تبدّى بذي ضال لتـحزُنني ولا محالة أن
يشتاق من عَشِقا
قال ثعلب في شرح الديوان: ((تبدّى ظهر، من قوله تعالى: ﴿ثم بدا لهم
من بعد ما رأوا الآيات﴾ أي ظهر لهم من الرأي))(6)
تُغْضِىِ
العُيُونُ إذَا تَبَدّى هَيْبَةً ويُنَكِّسُ النُّظُّارُ لَحْظَ النَّاظِر
وأستشهد به الواحدي في شرح شعر المتنبي، وقال: تَبَدَّى: طلع وظهر(8).
تَبَدَّتْ
فصادتْه عشيّة بينها وقد كُشفتْ منها
لبينٍ ستورُها
تَبَدّتْ
كما يبدو السُّها غيرَ أنها أنارتْ
ببِيضٍ عيشُهُنّ رَغيدُ
قلت: والعجيب أن أصحاب بعض المعاجم أوردوا شواهد لمواد في جذور غير
(بدو) جاءت فيها تبدّى بمعنى ظهر وبرز، ولم ينتبهوا إلى أنّ في الشاهد شاهداً آخر
لكلمة أخرى، وهي تبدّى، ففي شمس العلوم في مادة (قرن)(11)
ذكر نشوان الحميري شاهدا لــ (قَرْن الشمس) من شعر قيس بن الخطيم، وهو قوله(12):
تَبَدّتْ
كقَرْنِ الشَّمْسِ تَحْتَ غَمامةٍ بَدا
حاجبٌ منها وضنّتْ بحاجبِ
قال ابن السكيت في شرح ديوان قيس بن الخطيم: ((أراد: أنها إنما أظهرت له بعض وجهها))(13)
وقال ابن سيده في المحكم في مادة (جيش): وجَيْشانُ: مَوضِع معروف،
وقوله - أنشده ابْن الأعرابِي:
قامتْ
تَبدَّي لك في جَيْشانها
لم يفسره. وَعِنْدِي:
أَنه أَرَادَ فِي جَيَشانها، أَي: قوتها وشبابها))(14) وتبدّى
هنا بمعنى بدا وظهر.
ونقله في مادة (جيش) ابنُ منظور(15)
في والزبيدي(16) ولم يتنبّه هؤلاء (ابنُ سيدة ونشوان الحميري وابن منظور
والزَّبيدي) إلى أنّ في شاهدهم شاهدًّا آخر لكلمة تبدّى بمعنى برز وظهر، ففاتهما
ذكره في موضعه في مادة (ب د و)
والطريف أن بعض من كتب في التصحيح اللغوي يُخطّئ مَن يستعمل
"تبدّى" بمعنى: ظهر، لأنه لم يرد في المعاجم! ويقولون: إن معنى الفعل
تبدّى هو: أقام بالبادية، فأنكر عليهم محمد العدناني ذلك(17).
وأنكر بعضهم على الدكتور خليل بنيان الحسون استعمال تبدّى في بعض
كتاباته، بحجة أنها لم ترد في المعاجم، قال الدكتور الحسون في هذا: ((أحيل بحث لي على
عالم فاضل من علمائنا ليرى رأيه فيه، وقد كان مما أخذه عليّ استعمالي الفعل
(تبدّى) بمعنى بدا، وهو يرى أن الفعل بهذا البناء لا يؤدي هذه الدلالة، وإنما يعنى
الاتصاف بالبداوة والإقامة بالبادية، ولقد كان مما أثار دهشتي أنني وجدت كل المعجمات
التي بين أيدينا تقف مع هذا العالم الفاضل، فهي تشير إلى أن الفعل تبدّى يعنى سكن
البادية واتصف بالبداوة، ولم يثبت أي منها أن هذا البناء للفعل قد يستعمل بمعنى
أصله الثلاثي، على كثرة وروده على ألسنة البغاء، وأقلام الأدباء المعروفين بسلامة
اللغة واستواء الأسلوب، ممن يقتدى بأساليبهم، ويؤتمّ بما يأتون، فضلا عن وروده في
شواهد شعرية معتبرة))(18)
قلت: وكلمة (تبدّى) هذه
تفيدنا في بيان ما للفوائت القطعية من أهمية، وتكشف عن بعض أثرها على التصحيح
اللغوي. وقد أحسن صُنّاع المعجم الوسيط حين استدركوها على معاجمنا القديمة،
وأثبتوها في جذرها (ب د و) فجاء فيه: ((تبدَّى: ظهر وأقام بالبادية))(19)
كتبه/ عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
الاثنين 19 / 12/ 1425هـ
المدينة المنورة
[1] شعر عمرو بن معدي كرب 81.
[2] القياس 106.
[3] ص 50.
[4] ينظر: المستدرك على معجماتنا 109، 110.
[5] شرح ديوان زهير بن أبي سلمى (صنعة شرح ثعلب) 54، وفي شعر زهير بشرح
الأعلم (ص 64) قامت تراءى.. ولا شاهد فيه.
[10] ديوانه 68، والحماسة البصرية 3/ 989.
[13] ديوان قيس بن الخطيم 59.
[15] اللسان (جيش) 6/ 278.
[16] التاج (جيش) 17/ 119.
[17] ينظر معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة 50.
[18] المستدرك على معجماتنا 3.