النَّخاشِيشُ من الفوائت
الظنية
النَّخَاشِيشُ هي الغضاريف التي تكون داخل الأنف للإنسان أو الدابة، واحدها نخشوش، ويتكرر ذكرها
في الولائم وهي تؤكل مع أكل لحم الرأس. وقد خلت منها المعاجم العربية القديمة،
ولها ذكر واسع في لهجاتتا وبعض المراجع اللغوية الحديثة.
ولعل أقدم نص ورت فيه هذه الكلمة هو ألف ليلة
وليلة، وفيها: ((أخبرني عن هذا الخاتم من أين وصل إليك? قال: رأيته في نخشوش هذه
السمكة))(1) أي خيشومها.
وروى
ذلك المستشرق دوزي في تكملة المعاجم العربية، قال:((نخشوش: نخشوش والجمع نخاشيش:
أجزاء رأس السمكة التي تتنفس منها (بوشر، ألف ليلة 4: 489).
نُخشوش:
منخر (ألف ليلة 3: 278)، فطلع دخان البنج ودخل في نخاشيشهم فرقدوا جميعهم. برسل 9:
50))(2)
وذكرها
العبودي في كلمات قضت، قال: ((النخاشيش: الغضاريف التي في داخل الأنف، واحدها:
نخشوش. وكانت مذكورة تتكرر في الولائم وفي أيام الأضاحي عادة، ذلك لكونها تؤكل مع
أكل لحم رأس الذبيحة.
وطالما
سمعتهم يقولون: أكلنا نخاشيش الرأس يريدون ذلك. وكانوا يكسرون رأس البعير للوصول
إلى ما بداخل نخاشيشه من غضاريف لينه أو من لحم صغير يؤكل))(3)
وقال
عبدالرحمن السويداء: ((النخوش الخيشوم ويجمع النخشوش على نخاشيش، ونخشش الرجل أخرج
صوته من أنفه، أي: من خياشيمه، والنخششة إخراج الصوت من الأنف))(4)
وحين
نعرض الكلمة على معايير الفوائت الظنية
نجدها متحققة فيها، وهذا تفصيلها:
1- أول المعايير الثلاثة المعيار اللفظي وهو
متحقق، فالنخاشيش على وزن فعاليل ومفردها نخشوش فعلول، مثل: بهاليل وواحدها بهلول،
وهو وزن قياسي لكل ما رابعه مد، ومنه القناديد والشماليل، ومن الباب: النخاريب.
وإذا
تأملنا اشتقاق النخاشيش نجد أنها ليست بعيدة عما جاء في جذر نخش في معاجمنا
القديمة ولهجاتنا، فهي إما من:
أ- أصل معنى مادة (نخش) وهو الهزال كما قال
ابن فارس(5) تعني أصلا
واحدا وهو الهزل، فكأنّ الغضاريف لخلوها من اللحم مهزولة (منخوشة) فليس فيها قوة
العظم وليس عليها من اللحم شيء.
ب- أو من النخش، ومنه نخش الحب من الكيس
بعد ثقبه وإدخال عود ينخش به الحب، ومنه النخيشة دويبّة صغيرة تأكل الحب المخزون(6).
ومنه في لهجاتنا نخش منخره، أي: أدخل إصبعه في أنفه. وكثيراً ما كانوا يقولون في
الصغر للأطفال: لا تنخش أنفك، وهذا اشتقاق قريب.. فالنخاشيش ما ينخش في دهاليس
الأنف.
ت- وربما كانت من الصوت، ففي لهجاتنا: نخش
الرجل أخرج صوته من أنفه، والنخشة إخراج الصوت من الأنف(7) وفي اليمن
يقولون: فلان أنخش، أذا كان يتحدث وكأنه مقفلا أنفه.
2- وثانيها المعيار الدلالي وهو متحقق أيضا،
فهذه الكلمة مطابقة للبيئة العربية القديمة في زمن الفصاحة، فهي مما يتصل بحياتهم
أشد الاتصال لأنها شيءٌ من خلق الإنسان وصفاته.
3- وكذلك المعيار الثالث (المعيار الجغرافي)
فهو متحقق، لأن النخاشيش معروفة في عدد واسع من البيئات والقبائل في الحجاز ونجد
وعسير وشرق الجزيرة وشمالها، وعرفت في عدد من البلدان المجاورة، وهي مترسخة في
لهجتهم، يعرفها كبارهم، وإن بدأت تتلاشى من الاستعمال اليومي لدى الأجيال الأخيرة
من أبنائهم.
4- ويتحقق فيها معيار رابع من المعايير غير
اللازمة وهو معيار اللهجات المهاجرة، إذ وجدناها في لهجة موريتانيا والمغرب،
بمعناها نفسه، ولكنها مقلوبة فينطقونها خناشيش وواحدها خنشوش.
وبهذا
يترجح أن النخاشيش بمعنى الغضاريف في تجاويف الأنف للإنسان والدابة عربيةٌ صريحة وأنها
من الفوائت الظنية، التي تستحق أن تستدرك على المعاجم بوصفها فائتا ظنيا صحيحا في
اللغة. والله أعلم.