الخميس، 28 أبريل 2016

أسطورة حروف الزيادة العشرة المجموعة في قولهم: سألتمونيها:


أسطورة حروف الزيادة العشرة المجموعة في قولهم: سألتمونيها

أولا: حروف الزيادة الصرفية وهي ثمانية وليست عشرة:
      قدّم البصريون خدمة جليلة لعلوم العربية، فقد ووضعوا أسس العلم للعربية نحوها وصرفها، وأنهجوا القياس، فترسّخ مذهبهم وانتصر على غيره، وتعلمت الأجيال اللغوية منذ القرن الرابع الهجري أن قول البصريين قول لا يردّ، وأنّه يعلو ولا يُعلَى عليه، فأضرّ هذا الاعتقاد بالعلم، فهو مذهب مؤثر وراسخ في ثقافة الأجيال، يندر أن نرى من يتمرّد عليه وينتقده، وقد فعلها بعض نحاة العصور الوسطى، وأبرز ما يطالعنا في هذا كلمة مشهورة لأبي حيان الأندلسي (ت 745هـ)  صدح بها في البحر المحيط معبّرا عن تحرره وتحرر لغويي زمانه من جبروت المذاهب النحوية وبخاصة المهب البصري، وفيها يقول: ((ولسنا متعبّدين بقول نحاة البصرة ولا غيرهم ممن خالفهم، فكم حكم ثبت بنقل الكوفيين من كلام العرب لم ينقله البصريون)).

      ومن مذهب البصريين أن حروف الزيادة عشرة يجمعها قولهم (سألتمونيها) أو (هويت السمان) أو (أمان وتسهيل) وأنه لا يكون حرفٌ زائدٌ في الكلمة من غير هذه العشرة، حتى اصبحت مقولتهم هذا من المسلمات عند أكثر الصرفيين في كل العصور، وقد رأيناهم يسخرون من بعض الكوفيين حين يقولون بزيادة حرف ليس من هذه العشرة، والكوفيون يتوسعون في حروف الزيادة ويطلقون القول فيها بغير قيد، ولا يفرقون بين زيادة صرفية وغيرها.
والذي يظهر لي في حروف الزيادة يختلف عن رأي البصريين و عن رأي الكوفيين، فأرى أنه يجب أن نفرق في البدء بين حروف الزيادة الصرفية المطردة وحروف الزيادة اللغوية الأحفورية غير المطردة، وأرى أن الزيادة نوعان:
1-      زيادة صرفية قياسية، وحروفها ثمانية (أ ت س م ن و ا ي) باستبعاد اللام والهاء من حروفهم العشرة؛ لأسباب سأذكرها لاحقا، وقد جمعها بعض الفضلاء حين طرحت الفكرة في حسابي في تويتر بقوله: (أمستويان) واقترح بعضهم: (أيتناسون) أو (أنستُ يوما) وغير هذا.
2-     زيادة لغوية سماعية معجمية أحفورية، وحروفها حروف الهجاء جميعا.
ومعرفة هذا النوع الثاني من حروف الزيادة وتقنينه يخدم البحث المعجمي، ويفتح آفاقاً واسعة للدلالة، ويعين على تتبع تطور الجذور والكشف عن علاقاتها بعضها ببعض، كما سيأتي في المقال الثاني.
ولستُ مقلداً لأحدٍ فيما ذهبت إليه في هذا التقسيم، إنما هو ثمرة دراسة وتأمّل للتصريف العربي ومعجمات اللغة كانت بدايتها في رسالتي للدكتوراه (تداخل الأصول اللغوية وأثره في بناء المعجم العربي) التي نوقشت عام 1414هـ 
فالحروف الثمانية زوائد (صرفية مطردة قياسية) وباقي الحروف زوائد لغوية جذرية موغلة في القدم غير مطردة في الاستعمال اللغوي، وهذا النوع الثاني نراه كثيراً عند ابن فارس في المقاييس.

وعلّةُ استثنائي اللامَ والهاءَ من حروف الزيادة الصرفية أنهما لم تُزادا في موضع تصريفيّ مطرد كاطراد الحروف الثمانية "أمستويان" وأمثلة البصريين فيهما محل نظر ونقد، فاللام - باعتراف الصرفيين القدامى- لا تطَّرد زيادتُها في موضع تصريفي، ومثلوا  لزيادتها بـ ((ذلك وتلك وهنالك وأولئك)) وهذه أمثلة مرفوضة؛ لأنها ليست زوائد تصريفية، بل وقعت في المبنيّات، فلا يعتدّ بها، ومثلوا بزيادة اللام في نحو زيدل وعبدل والعَثْوَل.. وهذه لا تختلف عن زيادة الراء في سِبَطر ودِمَثر، غهي زوائد لغوية كما سيأتي.

أما  الهاءُ  فتزاد في فعل الأمر نحو فِهْ وارمِهْ، وفي الوقف على ما الاستفهاميّة، إن جُرّتْ بحرفٍ؛ نحو  لِمَهْ، وفي النُّدْبَةِ والاستغَاثَةِ عند الوقف؛ نحو وا زيداه.. وهي زوائد غير صرفية. ولذا نُقل عن المبرد أنه كان يخرجها من حروف الزيادة، وهو على حق، لكنه تراجع فأعادها لحروف الزيادة في المقتضب (المقتضب 1/56) تقليدا لأصحابه.
وللكلام صلة تأتي في المقال القادم، إن شاء الله.

عبدالرزاق الصاعدي
نشر في جريدة المدينة- ملحق الرسالة.
23‏/11‏/2012م

ثانيا: حروف الزيادة اللغوية الأحفورية:
        ذكرت في المقالة السابقة أنني أخالف البصريين والكوفيين في حروف الزيادة، وأني أُقَسّم الزوائد قسمين، كما يلي:
1-      زيادة صرفية قياسية، وحروفها ثمانية يجمعها قولك: (أمستويان) وليست عشرة، فقد استبعدت اللام والهاء؛ لأسباب ذكرتها في المقالة السابقة.
2-     زيادة لغوية سماعية معجمية أحفورية، وحروفها الحروف جميعًا. ولهذا النوع أهمية بالغة في الدراسات المعجمية الدلالية.
        والهاء لا تزاد في موضع تصريفي مطّرد، كاطّراد الحروف الثمانية المجموعة في قولك: «أمستويان» وكذلك اللام، وأمثلة البصريين فيهما محل نظر ونقد عريض، ولن تضارّ العربيةُ في شيء حين نستبعد حرفي اللام والهاء من حروف الزيادة التصريفية، ونجعلهما من الزوائد اللغوية الأحفورية كالراء والباء وباقي الحروف.
ولو أخذ القدماء بهذا التقسيم في حروف الزيادة والقول بالزيادة اللغوية لكل الحروف خلاف الزيادة الصرفية لم سخر البصريون من مخالفيهم الكوفيين سخرية لاذعة، ولا رووا أقوالهم على سبيل التندر، وكان أبو علي الفارسي شديد السخرية بالفراء، ومثله تلميذه ابن جني الذي سخر من ثعلب، لأنه عد الباء من حروف الزيادة، قال ابن جني في سر الصناعة: ومن طريف ما يحكى من أمر الباء أن أحمد بن يحيى قال في قول العجاج:
يَمُــدُّ زَأرًا وهَدِيـرًا زَغْـدَبًا
إن الباء فيه زائدة، وذلك أنه لما رآهم يقولون هدير زغد وزغدب، أعتقد زيادة الباء في زغدب، وهذا تعجرف منه، وسوء اعتقاد ويلزم من هذا أن تكون الراء في سبطر، ودمثر زائدة لقولهم سبط ودمث، وسبيل ما كانت هذه حاله ألّا يحفل به، ولا يُتشاغل بإفساده(الخصائص) .
        وقال في المبهج في كلامه على اسم بغثر بن لقيط الأسدي: ((كأنه من الأبغث، وهو من خشاش الطير وضعافها، ولست أقول عن الراء زائدة، كما قال أحمد بن يحيى إن الباء الباء من زَغْدَب زائدة لأنه أخذه من الزَّغْد، وهو الهدير يُقطّعه البعير في حلقه، هذا ما لا أستجيزه، وأعوذ بالله من أمثاله)).

         فما الذي يمنع من أن تكون الباء من حروف الزيادة اللغوية؟ وكذلك الراء؟ وما الفرق بينهما وبين اللام والهاء؟ فالأمثلة اللغوية متقاربة، ولا اعتداد بهاء السكت أو لام ذلك وتالك، لما قدمت في المقالة السابقة، وزيادة الباء في زغدب والراء في سبطر زيادة لغوية أحفورية قديمة، وليست زيادة صرفية مطردة.
      وقد كان كراع النمل يعد الغين، والقاف، والحاء، والفاء، والرَّاء، والزَّاي، والطَّاء، والدّال، والجيم، من حروف الزيادة، وعقد لها بابًا سمّاه: (باب الزَّوائد من غير العشرة).

        ونحا ابنُ فارسٍ منحى كُراعٍ في المقاييس، وخطا خطوة لغوية عظيمة، لم يلتفت اللغويون لها للأسف، بسبب تأصل الفكر البصري الجامد في عقول الأجيال، وقد سبق لي أن حللت الزوائد في معجم المقاييس في كتابي (تداخل الأصول اللغوية) فوجدت فيه 249 كلمة رباعية أو خماسية؛ ممَّا جعله مزيدًا بحرفٍ أو حرفين من غير حروف الزِّيادة العشرة. فقال بزيادة الرَّاء في 35 كلمةً، ويليها العين في 20 كلمة، فالباءُ في 19 كلمة، فالدَّالُ في 11 كلمة، فالفاءُ في 6 كلماتٍ، فالحاءُ في 5 كلماتٍ. وبالجملة فإن ابن فارس يرى أنَّ حروف المعجم جميعها قابلة لأن تكون زائدةً؛ باستثناء ثلاثة منها؛ وهي: الثاء، والصاد، والظاء؛ اللائي لم يردن في معجمه زوائد؛ ولعله لا يمتنع عنده زيادتهن أيضاً.

       وأرى أن الذي أضر بفكرة الكوفيين في الزوائد هو أنهم لم يفرقوا بين زيادة تصريفية، وزيادة لغوية جذرية قديمة فخلطوا النوعينوهذا النوع الثاني من حروف الزيادة يخدم البحث المعجمي، ويفتح آفاقًا واسعة للدلالة، ويعين على تتبع تطور الجذور والكشف عن علاقاتها.

عبدالرزاق الصاعدي
نشر في جريدة المدينة ملحق الرسالة

الجمعة 30 /11 /2012م