القرار
الثاني والعشرون
الرَّكْمَجَة
كلمة منحوتة من ركوب الأمواج صحيحة التركيب والاستعمال
نص
الورقة المقدمة للمجمع للنظر والدراسة:
((ظهر
في زماننا مصطلح حديث يسمّى: (الرَّكْمَجة) وهو بمعنى رياضة ركوب الأمواج المتكسّره
على الشاطئ بالألواح، نحتوه من (ركوب الأمواج) وورد ذكره في بعض المراجع وكلام بعض
الرياضيين ومترجمي الأفلام وبعض القنوات الفضائية، ولعل من أقدم المعاجم الحديثة التي
ذكرته معجم المورد لمنير بعلبكي، في طبعة له قبل ثلاثين سنة، ترجمة للمصطلح الإنجليزي: surf-ridingونص
الترجمة: الرَّكْمَجة: رياضة ركوب متن الأمواج المتكسّرة على الشاطئ. (انظر: معجم المورد
ص 832 طبعة سنة 1986م، لمنير بعلبكي).
وانقسمت أراء الناس في أمر هذا المصطلح، فمنهم من لم يُجزْه لثقل الكاف والجيم في كلمة واحدة مما يجعلها ثقيلة على اللسان والأذن، ولذا قلّ وقوع
هذين الحرفين في كلمات عربية، وإن جاء منه: كثج والكَلَج والكُجّة والكِياج والكُنافِج.
ومنهم من أجازه لأمرين: الأول: أن المراد الحكم على مصطلح حيّ جرى على ألسنة بعض الناس
وبعض وسائل الإعلام ورصدته بعض المعاجم الحديثة كما تقدم، وليس المراد استحداثه، وثمة
فرق بين الاستحداث والحكم على لفظ مستعمل. والآخر: أنه جارٍ على قواعد النحت في عصور
الفصاحة، فهم قد يعمدون إلى كلمتين أو ثلاث أو جملة؛ فينزعون من مجموع حروفها كلمة
واحدة؛ على وزن (فَعْلَل أو الفَعْلَلَة) لتدلّ على ما كانت تدلّ عليه الكلمتان أو
الجملة، على سبيل الاختصار؛ وهو عند أهل الاختصاص لونٌ من ألوان التركيب في العربية،
يختزل الكلمتين أو الجملة في بناء رباعيّ أو ملحق به؛ بخلاف التركيب الإضافي الذي يُبقي
على بنيتي الكلمتين. ومن أمثلة النحت القديمة: البَسْمَلة والحَمْدَلة والحَوْقَلة
والدَّمْعَزة والطَّلْبَقة والجَعْفَدة وتَعَبْشَمَ الرَّجلُ، وتَعَبْقَسَ، ورجلٌ عبْشَمِيٌّ
أو عَبْقسيّ، إذا كان من عبدِ شمسٍ، أو من عبد قيس.
وقد
جاء نحت (الرَّكْمَجة) من قولهم ركوب الأمواج، بأخذ الراء والكاف من ركوب والميم والجيم
من الأمواج أو الموج، على هذه الصورة: [ركـ]ـوب الأ[مـ]ـوا[ج] = رَكْمَجة؛ على وزن
فَعْلَلة، كأخواتها في النحت الرباعي.
ولما
كان النحت أحد عوامل نمو اللغة العربية، وأحد وسائل إثرائها؛ إذ يتحول المنحوت إلى
لفظ مكثف الدلالة يختزل معنى ما نحت منه مع إمكانية أن يشتق منه مشتقات، كالفعل بأنواعه
والمصدر واسم الفاعل؛ فإني أرى أن مصطلح (الرَّكْمَجة)
المنحوت من قولهم ركوب الأمواج صحيحُ البنية في اللغة، جارٍ على سنن النحت المعروفة،
ويمكن الاشتقاق منه فيقال: رَكْمَجَ يُرَكْمج رَكْمَجة فهو مُركمج، وأرى أنه من غير
الحكمة تخطئة كلمة منحوتة على قياس كلام العرب، مع ادعاء أن اللغة كائن حي ينمو ويواكب
الحياة بوسائل النمو اللغوي المعروفة ومنها النحت، وأرى أيضا أن تكون (الركمجة) بجوار
أصلها (ركوب الأمواج) لتعطي المتكلم والمترجم والشاعر والساجع فسحة في القول فيختار
منهما ما يناسب المقام ويتطلّبه النصّ))
عبدالرزاق الصاعدي
1
رجب 1437هـ الموافق 8 أبريل 2016م
نتيجة
التصويت على الرَّكْمَجة:
عُرضت
مسوّدة القرار على لجنة علمية من أهل الاختصاص، فكانت النتيجة قبول القرار بالأغلبية، وفيما يأتي أسماؤهم وأصواتهم:
1- أ. إبراهيم الخزيم (مرفوض)
2- أ. أسامة المنصور (مقبول)
3- د. الجوهرة بنت عبدالعزيز المعيوف
(مقبول)
4- أ. حمود بن عبدالرحمن العبيد (مرفوض)
5- أ. د. سالم بن سليمان الخمّاش (مقبول)
6- د. سامي الفقيه الزهراني (مرفوض)
7- أ. سلطان العميمي (مقبول)
8- د. سليمان الضحيان (مقبول)
9- أ. عبدالرؤوف الخوفي (مقبول)
9- أ. عبدالرؤوف الخوفي (مقبول)
10- د. عبدالعزيز العُمري (مرفوض)
11- أ.
د. عبدالله الدايل (مقبول)
12- د.
عبدالله غليس (مقبول)
13- د.
محمد بن راجي الصاعدي (مقبول)
14- د.
محمد الزايدي (مقبول)
15- د.
مكين بن حوفان القرني (مقبول)
16- د.
ياسر مرزوق (مقبول)
نص
القرار الثاني والعشرين:
((يُقِرّ
مجمعُ اللغة الافتراضي صحّةَ مصطلح الرَّكْمَجة الجاري على ألسنة بعض الناس في
العقود الأخيرة، منحوتًا من قولهم (ركوب الأمواج)، وذلك بأخذ الراء والكاف من (ركوب)
والميم والجيم من (الأمواج)، على وزن الفَعْلَلة، ويراه المجمع جاريًا على سَنَن
النحت في العربية، كالبَسْمَلة والحَمْدَلة والطَّلْبَقة والدَّمْعَزة والجَعْفَدة،
مع إمكانية أن يُشتقّ منه الفعلُ: رَكْمَجَ يُرَكْمِج وما يحتاج إليه المتكلمون من
مشتقات قياسية. ولهذا المصطلح الحق الكامل في الحياة، وبقاؤه مرهون بالحاجة، والاستعمال
مَطيّة الانتشار.
ويرى
المجمع –أيضا- أن يكون مصطلح (الركمجة) بجوار أصله المركّب الإضافي (ركوب الأمواج)
ليُعطيا المتكلم والمترجم والشاعر والساجع فسحة في القول فيختار منهما ما يناسب المقام
ويتطلّبه النصّ))
مجمع اللغة الافتراضي- المدينة المنورة - 9 رجب 1437هـ ، الموافق 16 أبريل 2016م
*****
التعليقات:
تعليق
أ.د. سالم الخمّاش:
بعد
مراجعة القواميس الإنجليزية - العربية وجدت أن لفظ الركمجة منحوت منذ زمن بعيد وقد
وجدته في طبعة للمورد صدرت قبل 30 سنة. لذا أرى أنه اصطلاح شائع ويمكن اعتماده شرط
الإشارة إلى المصادر التي ذكرته.
تعليق أ. عبدالرؤوف الخوفي:
المفاهيم الحديثة ملك للزمان والمكان الذي مُورست فيهما اللغة؛ حيث يجدر أن نفرق بين أحقيتنا اليوم في النحت من المفاهيم القديمة أو الحديثة .. أما تلك القديمة فهي مما استقر درسا وممارسة، وأما المفاهيم الحديثة فإنها غضة خاضعة لصناعة المصطلح بكافة وسائله ليس أقلها النحت أهميةً فهي مهمة مكفولة لفكر ولسان جماعة متكلمي رعيل اليوم، هم الأحق والأقدر على خلق مصطلحاتهم بأنفسهم ولجيلهم تلو جيلهم .. لننطق ابتداء من أهمية اعتبار المفاهيم الحديثة حقا لنا، ومن ثم فإن صناعة مصطلحاتها بطبيعة الحال ستكون هي الأخرى حقا لنا؛ ولأن النحت غدا سمة لغوية معاصرة تساير التسارع الضوئي للمعرفة الإنسانية؛ حيث إن الاختزال والإيجاز لم يغدُ مجرد فصاحة أو بلاغة، بل تجاوزه إلى مقاييس حتمية يتطلبها الإعلام والإعلام الجديد في مجمل صوره كانت المصطلحات المنحوتة من المفاهيم الحديثة أجدى وأيسر ممارسةً للغة من جعل الإضافة والتعابير المركبة قوامها.. لا أظن من السهولة على إنسان اليوم أن يخلق مصطلحا منحوتا من عبارة "سماع الأذان" أو "قراءة كتاب".. لكني أرى من السهولة أن ينحت عبارة "القوات المنقولة جوا" فيقول: المجوقلة، أو "ركوب الأمواج" في إشارة إلى الرياضة المشهورة فيقول: "ركمجة" أو غيرها .. ناهيك عن أن ممارسة المصطلح المنحوت نهاية الأمر في الأوساط الرياضية والإعلامية والثقافية عموما هي ما سيحدد الذائقة والحاجة ومن ثم القبول أو الرفض .. وتكمن مهمة اللغوي في إحكام معايير النحت وضبط اشتقاقاته واقتراح تساوقاته الرصفية لخلق نحت متكامل لايسمح للمتكلم به استمثال المصطلح الناشئ هزيلا لسوء فهم منه فيولد مشوها، أخيرا فإن الإثراء صفة محمودة في كل لغات الأرض، بل إنها إحدى أبرز سمات العربية .. فلا نحجر واسعا!! فإن قال أحدهم: "ركوب الأمواج" ما أنكرنا.. وإن قال آخر: "ركمجة" أو غيرها ما أنكرنا أيضا .. ولو كان من مانع يستهجن النحت لكان في ألفاظ تعبدنا الله بها أولى كالتهليل والحوقلة أ.هـ.
تعليق الدكتور عبدالعزيز العُمري:
في مناقشة قضية النحت أمور تحريرها مطلب مهم، وهي:
-أن أبرز مظاهر قوة اللغة العربية في الاشتقاق لا النحت، فالاشتقاق دليل احتواء.
-النحت من الظواهر التي لا يمكن إنكارها، ولا يحسن كذلك التغافل عن نسبتها القليلة أمام غيرها من الظواهر.
-قد يكون النحت في بعض صوره علامة ضعف لا علامة قوة؛ هذا الضعف في بعض صوره التي يولدها من لا يعرف ضوابط النحت المعروفة.
-ورود لفظة أو لفظتين فيهما نحت من مضاف ومضاف إليه ينبغي أن تدرس في محيطها وملابساتها ونسبتها لما لم ينحت، وألا يجعل طريقا مقيسا.
ومن الواجب تحرير ثلاثة أمور في النحت: ما الذي ينبغي نحته؟ ومن الذي يقرر ذلك؟ ومن الناحت؟هل ننحت مثلاً (ركوب الأمواج) دون غيرها ، فمثلاً (كرة القدم) أشهر، ولا ينافسها رياضة أخرى، ولم يطالب أحد بأن تنحت (كرة القدم)، فتكون مثلا (كردم) أو (كقدم).
ومثل (المنقولة جوا) هل ننحتها هي فقط؟ وماذا عن (المنقولة برا وبحرا)؟ ثم ماذا عن (الهجوم الجوي والبري والبحري) سلسلة لا تنتهي! ثم ما الإشكال في المركب الإضافي في اللغة عموما وفي الرياضات والهوايات، مثل (كرة القدم، ركوب الأمواج، سباق السيارات، تقليد الأصوات) (الرسم على الرمال...)
والسؤال بطرح آخر: هل نحن ملزمون بنحت كل لفظين ارتبطا ببعضهما؟ وهل هو في كل الجوانب الرياضية والقطاعات العسكرية والصناعية والاقتصادية ...؟ تأمل: (الرفع بالضمة) (عامل لفظي) (الجملة الاسمية) (نزع الخافض) مصطلحات نحوية، هل يحق المطالبة بنحتها؟ وهل لأحد منعها؟ الحقيقة أن اللغة لا يلزمها ذلك، وفي العطف والوصف وتعلق الجار والمجرور والتمييز غنية. (الرسم الساخر) مقبول أمام (الكاريكاتير). إذا تحديد المطلوب نحته وتحريره أمر واجب . وهل كل كلمة في اللغات الأخرى يجب أن تقابلها كلمة واحدة في العربية؟!
الأمر الثاني: من الذي يقرر الحاجة الماسّة لذلك؟ قد يرغب بعض أصحاب الاختصاصات بنحت كل الكلمات الأجنبية ويعلله بالحاجة.
الأمر الثالث: هل يقبل من أهل اختصاص ما نحتوه ولو كان مخالفا لما عرف من الضوابط؛ كالمخالفة في قلب الكلمتين وهو غير وارد عن العرب ، وما وضع النحت مرتبا إلا ليُعرف، قال سيبويه :"...من حروف الأول والآخر ولا يخرجونه من حروفهما؛ ليُعرف".أما الضابط الأخير هو الذوق في الاختيار وهو أسهل من سابقه.وللتوضيح فما سبق عرض للمشكلة، ولا ألغي مهمة النحت في اللغة وكونه من الظواهر اللغوية التي يمكن الإفادة منه بضوابط دقيقة. والشكر للمجمع على طرحه وخوضه في هذه المسالك لتحريرها وتنقيتها من الشوائب، وكلنا نسعى لهدف واحد، وهو اعتزاز لغتنا، ونسأل الله أن يتحقق على أيدينا، وأن يرتقي وعي الأمة لتجعل القيادة اللغوية بأيدي مختصيها.بقي أمر يظهر من خلال هذه الظاهرة افتقادنا لصانع القرار اللغوي؛ لذا قد تجتهد كل جهة فيما عندها ولا تراقبها الجهة الحكومية؛ لعدم وجود ضابط لسير العملية اللغوية (يُفتي) بالصواب بعد أن مهد الطريق ووضع الأسس ورسم خارطة للمحافظة اللغوية المرنة. والله من وراء القصد. ويبقى أن مناقشة الألفاظ الرائجة عمل جليل، مطالبون به، لنتبين الأفضل؛ حتى يأتي يوم عز للغة تنطلق فيه الألفاظ والقرارات من أهلها ثم تروج. لكل ما تقدم فإن رأيي هو الرفض، حتى يتم النظر الشمولي لكل النظائر المستعملة في تلك الجهة وغيرها، ثم إصدار حكم منضبط في ضوئها. وأن نعرض البدائل (النحت، والاشتقاق، التعريب)؛ لاختيار أفضلها؛ إذ كم كنا سنحرم جرس (هاتف،جوال) لو نُحتا، وجعلا لفظا منحوتًا، وليقارنا بمنحوتهما لو كان. والله من وراء القصد.
تعليق أ. أسامة المنصور:
النحت بابه واسع وأصله مُجْمَع عليه، والقواعد معروفة وتأصيلها موجود، وأفضل النحت ما كان يندرج على القاعدة، وما كان مستساغا، خصوصا عند أهل الاختصاص بهذه الكلمة، وما دامت هذه الكلمة لرياضة من الرياضات ومستخدمة عند أهلها بل وعند المترجمين من اللغات الأخرى مع تماشيها مع القواعد المرعية، فلا يوجد مسوّغ لردها! وأما مسألة الثقل فهو أمر نسبيّ ويختلف من لسان إلى لسان! أفلا نرى "التسهيل" في بعض الهمزات في القرآن أصعبَ بكثير من تحقيقها؟! ولا زلت أذكر في علم التجويد من يقول من القدماء عن مخرج الضاد أنه من الحافة اليسرى أيسر وأخف من اليمنى أو من الحافتين معا!!! ولا أكاد أرى من يستسيغ ذلك إلا قليلا! ولذلك ففي وجهة نظري أنها كلمة صحيحة معبّرة ومستخدمة كثيرا، وأؤيّد قبولها دون تردد. وفقكم الله.
تعليق: أ. إبراهيم الخزيم:
الركمجة ممتنعة القبول لأمور منها: أولا: أنها ثقيلة على اللسان وأن أحرفها متنافرة. ثانيا : أن مدلولها موغل في الغموض لمن لم يسمعها من قبل، فلا سبيل للتكهن فيه . ثالثا : أن الحيعلة والبسملة ونحوهما جاءنطقها على نطق جملتها ولو تمتمت جملتها لطابقت نطق نحتها ، أي لو أبهمت حروفها ولم تفصح لوافقتمنحوتها بخلاف ركمج التي لا تستشعر منها رائحة جملتها. رابعا : أن موافقة قواعد النحت ليس شرطا في قبول المنحوت ولو كان كذلك لبشمت اللغة نحتا ومنحوتات وهو ما لم يكن ، ولأصبحت لغة المنحوتات في ألسن الناس أكثر من مفردات اللغة ، وفي هذا دليل على أن تحقق قواعد النحت ليس شرطا للقبول. خامسا : أن الكلمات المنحوتات والشائعات مشتركات في وجود لفظ الجلالة أو تكاد ولهذا جاءت اللام إن لم أكن مخطئا نحو حيعل بسمل حوقل... سادسا : أن قبول مثل هذه الركمجة يفتح بابا يجعلك مجبرا لقبول كل ما استجد من منحوت ، علما أن الناحتين هنا ليسوا حجة في نحتهم ولو وافقوا ما تقدم من منحوتات وإنما أشخاص لا شأن لهم في اللغة ولهذا جاءت ركمجة ولو كانوا أهلا للغة لما نجروها هكذا. ولكم آراؤكم أما أنا فمشمئز من سماعها فضلا عن أن أتلفظ بها أو أدرجها في مقال كما اشمأزت نفسي قبلها من قولهم قديما وحديثا الماجريات.
تعليق
أ. د. عبدالله الدايل:
أرى
أن الرَّكْمَجة مقبولة، واللغة مطيّة الاستعمال، فهذه الكلمة المنحوتة : ركمجة ستفرض نفسها إذا كثر استعمالها
وستظل غريبة إذا قل استعمالها أو ندر شأنها في ذلك شأن كثير من الألفاظ .
تعليق
الدكتور سليمان الضحيان:
النحت
أسلوب من أساليب الاختصار، وقد استعملته العرب، قال الخليل: "وقد أكثرت من الحيعلة؛
أي من قولك: حيَّ على، وهذا يشبه قولهم: تعبشمَ الرجلُ وتعبقسَ، ورجل عبشميّ: إذا كان
من عبد شمس أو من عبد قيس، فأخذوا من كلمتين واشتقوا فعلاً…
فهذا من النحت". العين 1/60-61.
وقال
سيبويه: "وأما حيَّهل التي للأمر فمن شيئين، يدلك على ذلك : حيَّ على الصلاة"
الكتاب: 3/300، وقال أيضًا: "وقد يجعلون للنَّسب في الإضافة اسماً بمنزلة جعفر،
ويجعلون فيه من حروف الأول والآخر، ولا يخرجونه من حروفهما ليعرف...،فمن ذلك: عبشميٌّ،
وعبدريٌّ. وليس هذا بالقياس" الكتاب: 3/ 377.
من
هذه النصوص الثلاثة للخليل وسيبويه نستنتج ثلاثة أمور:
الأمر
الأول: أن النحت نوعان، (النحت النَّسَبي)،
و(النحت الفِعْلي)، وقد أشار إلى هذا رمضان عبد التواب، فالنحت النسبي هو: النسب إلى
العلم المركب تركيبا إضافيا بالنحت من المضاف والمضاف إليه كلمة واحدة ننسب إليها،
كالنسب إلى عبد شمس = عبشمي، وعبد قيس= عبقسي.
والنحت
الفعلي، وهو نحت كلمة من جملة مثل: حيَّهل
من (حيَّ هلا)، وبسمل من (بسم الله).
الأمر
الثاني: أن ما نحت من مضاف ومضاف إليه يجوز أن يشتق منه فعل، فعبشمي، وعبقسي، اشتق
منهما فعلان فقيل: تعبشمَ الرجلُ وتعبقسَ.
الأمر
الثالث: أن سيبويه يرى أن ذلك كله سماعي لا يقاس عليه.
ولم
أجد أحدا من العلماء قال بأنه قياس، سوى ما نسب لابن فارس، قال عنه الخضري: "ونقل
عن ابن فارس قياسيته" حاشية الخضري على ابن عقيل: 1/5.
وبالرجوع
لكتب ابن فارس نجد أنه يرى أن النحت كثير جدًا في لغة العرب، فما زاد عن ثلاثة أحرف
مما هو مجرد فأكثره عنده منحوت، وقد نص على ذلك في كتابه الصاحبي :1/ 209 -210، حيث
قال: "باب النحت: العرب تَنْحَتُ من كلمتين كلمةً واحدة، وهو جنس من الاختصار،
وذلك: رجل عَبْشَميّ، منسوب إِلَى اسمين، وأنشد الخليل:
أقول
لَهَا ودمعُ العين جارٍ ألَمْ تَحْزُنْكِ حَيْعَلةُ المنادي
مكان
قوله: (حَيَّ علي)، وهذا مذهبنا فِي أنّ الأشياء الزائدة عَلَى ثلاثة أحرف، فأكثرها
منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد (ضَبَطرٌ)، وَفِي (الصِّلِّدْم) إنه من (الصَّلد)، و(الصَّدْم).
وَقَدْ
ذكرنا ذَلِكَ بوجوهه فِي كتاب (مقاييس اللغة)".
وفي
بحث قدمه سليم النعيمي لمجمع اللغة العربية
أحصى فيه 130 كلمة في معجم المقاييس،
نص ابن فارس على أنها منحوتة.
وبعيدًا
عن تكلف ابن فارس في محاولته تخريج الكلمات الرباعية والخماسية على أنها منحوتة من
كلمتين، وأحيانا من ثلاث كلمات كما في كلمة (القَلْفَع) وهو ما يبس من الطين، يرى أنها
من: (قَـفَعَ) ، و(قلع)، و(قَلَف)، بعيدا عن تكلف ابن فارس هذا، نسأل: هل ثبت أن النحت
كثير عن العرب؟
الجواب:
نعم، فقد نص الخضري على ذلك، قال الخضري عن النحت "وهو أن يختصر من كلمتين فأكثر
كلمة واحدة، ولا يشترط فيه حفظ الكلمة الأولى بتمامها بالاستقراء خلافاً لبعضهم، ولا
الأخذ من كل الكلمات، ولا موافقة الحركات، والسَّكنات...، والنحت مع كثرته عن العرب
غير قياسي كما صرح به الشمني" حاشية الخضري: 1/4. فالخضري هنا ينص على كثرته،
فإذا كان كثيرًا فما أدري ما المانع الذي جعل العلماء يرون أنه لا يقاس عليه؟
ومع
منع العلماء القياس عليه إلا التطور الطبيعي للغة سار بمعزل عن قواعد علماء اللغة،
فإنه كما كثر عن العرب، وجدناه كثر –
أيضًا - بعد انقضاء عصر الاحتجاج، فمما نحت
بعد عصر الاحتجاج: (سمعَلَ: السلام عليكم)،
و(دمعزَ: أدام الله عزك)، و(كبتعَ: كبت الله عدوك)، و(جعفدَ أو جعفلَ: جُعلت
فداءك)، و(طلبقَ أو طبقلَ: أطال الله بقاءك).
و(دربخيّ
: النسب إلى دار البطّيخ)، و( سقزنيّ: إلى سوق مازن)، و(رسعنيّ : إلى رأس العين)، و(بهشميّ
: إلى بني هاشم)، و(طبرخزيّ: إلى طبرستان وخوارزم)، و(حنفلتيّ : إلى أبي حنيفة والمعتزلة)،
و(شفعنتيّ : إلى الشافعي وأبي حنيفة).
فكل
تلك الكلمات مولدة استعملها العلماء في كتبه، وقال الزمخشري المعتزلي يهجو أهل السنة
لإثباتهم الصفات:
قد
شبَّهوه بخلقِه و تخوَّفوا شَنَعَ الورى
فتَستَّروا بالبَلْكَفةْ
فنحت
(البلكفة) من قولهم ( بلا كيف).
وكلما
تطورت اللغة صاحبتها ظواهرها التي هي من بنية اللغة، لا تكاد تنفك عنها، ومنها (النحت)،
فقد بقي في اللهجات العامية إلى اليوم، فالعامة تقول: (لِيْش)، منحوتة من : لأي شي؟،
و(عَلِيش) منحوتة من : على أي شيئ، وإن كانت في الأصل جرت مجرى التخفيف لكثرة الاستعمال
حسب قانون البِِلى اللفظي، لكن صورتها النهائية جاءت على صورة النحت، وما النحت إلا
طلب الاختصار لكثرة الاستعمال.
وبعد
هذه الفذلكة (كلمة منحوتة من قولهم إذا كان كذا فكذا) التي طالت، نخلص إلى ما يلي:
1-أن
النحت كثير في لغة العرب، وقد قعَّد العلماء أنه يقاس على الكثير.
2-أنه
ظل – مع منع العلماء القياس
عليه –
حاضرا في تعبيراتهم، وفي لغة العامة.
3-أن
مجمعي اللغة العربية في القاهرة وبغداد أجازا النحت للحاجة بضابط أن يكون على سنن العربية.
4-أننا
اليوم بأمس الحاجة لتوسيع آليات التعامل اللغوي مع منتجات الحضارة، إذا كانت هذه الآليات
لها أصل في لغة العرب، فكيف إذا كانت هذه الآلية كثيرة في لغة العرب؟! فالمظنون ألا
يعارض لغوي في إعمالها وقت الحاجة.
ويبقى
إشكال أن (رَكْمَجة) منحوتة من (ركوب الموج)، وما جاء عن العرب أن المنحوت من المضاف
والمضاف إليه إنما يكون في المنسوب مثل: عبشمي = منسوب لعبد شمس، وعبدري منسوب لعبد
الدار، وعبقسي منسوب لعبد قيس، وليس منه فعل أو مصدر، إنما الفعل والمصدر مما نحت من
جملة كمثل : (بسمل بسملة من بسم الله)،
والجواب
عن هذا الإشكال أن الخليل نص على أن المنحوت من المضاف والمضاف إليه يشتق منه فعل،
قال: "وقد أكثرت من الحيعلة؛ أي من قولك: حيَّ على، وهذا يشبه قولهم: تعبشمَ الرجلُ
وتعبقسَ، ورجل عبشميّ: إذا كان من عبد شمس أو من عبد قيس، فأخذوا من كلمتين واشتقوا
فعلاً…
فهذا من النحت". العين 1/ 60-61.
وعليه
فلا أرى مانعا لغويا من نحت كلمة (رَكْمَجَة) من (ركوب الأمواج)، فالنحت كثير في لغة
العرب، والقياس على الكثير نهج سار عليه كبار أئمة اللغة، وحسبك به نهجًا لا يستطيع
أحد أن يجد به مغمزا.
تعليق عبدالرزاق الصاعدي:
هذا المصطلح النحتي (الرَّكْمَجة) مستعمل منذ سنوات على ألسنة الرياضيين وبعض القنوات الفضائية، وهي كلمة دارجة مألوفة عندهم، فلعلّ الأجدى حصرُ الحديث فيها؛ فإما أن نقرها وإما أن نرفضها، أما اقتراح نحت بديل أو لفظ أخر فأراه عديم الجدوى؛ لأن الراجح أنه لن يشيع؛ لمزاحمتها أياه مستقوية بحياتها على ألسنتهم، ولا عيب فيها من جهة الصناعة، فهي جارية على سنن العرب في النحت، وليس لدينا علّة تسوغ رفضها سوى الثقل، وأمر الثقل مردود لاستعمالها في كلامها دون عائق، والاستعمال وسيلة تهذيب، وكما قالوا: ما تلوكه الألسن تألفه الآذان، وبهذا نجحت وتخطت مشكلتها (الثقل)، فعلينا أن ننظر إليها ماثلة بين أيدينا ونحكم عليها بالجواز أو البطلان.. وهذا هو الأجدى. ولنا في تاريخ لغتنا أسوة حسنة، فلغة استوعبت: الطَّلْبَقة والدَّمْعَزة والجَعْفَدة والجَعْفَلة والحَيْعَلَة والكَبْتَعة أتعجز عن استيعاب الرَّكْمَجة؟
والنحت
كالملح في الطعام.. وهو قليل عند القدماء وقليل المعاصرين أيضا، ولكنهم مارسوا
حقهم في النحت على القياس المعروف ولم يجدوا بأسًا في نحت (درعميّ) من دار العلو،2
و(أنفميّ) للصوت الذي يتخذ مجراه من الأنف والفم معًا، و(لُبْأرْز) من لبنان وأرز،
وهو اسم شجر من فصلية الصنوبريات، سموا جنسه باللغة العلمية Libocedrus نحتًا من Cedrus
Liban ، ثم نحتوا: (الركمجة) فهل لنا أن نمنعهم من
ذلك؟ أو يكفينا الحكم على ممارستهم تلك؟ أليس من التحكّم والوصاية ومخالفة روح
اللغة أن نخطّئ كلمة منحوتة على قياس كلام العرب، مع ادعائنا أن اللغة كائن حي
ينمو ويواكب الحياة بأدوات النمو اللغوي المعروفة ومنها النحت، وكم في لغتنا من الحوشي
والغريب، بقي منه ما بقي على تعاقب الأيام وكرّ العصور، ومات ما مات، وحياته وموته
متروكة لأهل اللغة في استعمالهم للغتهم والتصرف فيها حسب حاجاتهم، ولهم حرية الاختيار.
رئيس مجمع اللغة الافتراضي
عبدالرزاق الصاعدي
المدينة المنورة