الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

التقرير في جمع تغيير:

التقرير في جمع (تغيير)
 د.أحمد البحبح/ جامعة عدن

    المصدر اسم دالٌّ على مطلق الحدث مجرَّدًا من الزمنية ومتجرِّدًا عن الذاتية ، غيرَ مقيَّدٍ بمكانٍ ، واقعًا على القليل والكثير ، لازمًا الإفرادَ ما لم يُحدَّد أو يُقيَّد ؛ فإذا حُدِّدَ وقُيِّدَ وجُرِّدَ من الحدثية المطلقة وخرج في دلالته عن العموم والإبهام لِمَقْصَدِ اختلاف الأنواع والأَضْرُب جاز تنثيتُه وجمعُه انجذابًا من المصدرية إلى الاسمية ، و((يتبين بالاستقراء أن كثرة الأئمة قد جروا على جمع مصادر ما فوق الثلاثي فأكثروا منه، وتردَّدوا في جمع مصادر الثلاثي فأقلُّوا منه. فهم جمعوا استعمالًا على استعمالات ، واختراعًا على اختراعات ، واحتمالًا على احتمالات ، واعتقادًا على اعتقادات ، واحتجاجًا على احتجاجات . كما جمعوا تقريرًا على تقريرات ، وتحديدًا على تحديدات ، وإلزامًا على إلزامات ، والتزامًا على التزامات ، وتدقيقًا على تدقيقات ، وإلحاقًا على إلحاقات ، واعتمادًا على اعتمادات ، وانتقالًا على انتقالات ، وتصحيفًا على تصحيفات ، وتنبيهًا على تنبيهات ، وتنزيلًا على تنزيلات ، وتأويلًا على تأويلات ، وتفريعًا على تفريعات ، وتصرُّفًا على تصرفات ، وترخيصًا على ترخيصات ، واختيارًا على اختيارات ، وابتداءً على ابتداءات ، وإشكالًا على إشكالات ، وإعرابًا على إعرابات وغير ذلك . كما جمعوا تركيبًا على تراكيب ، وتقليبًا على تقاليب ، وتعليلًا على تعاليل ، وتكبيرًا على تكابير ، وتصغيرًا على تصاغير ، وتصنيفًا على تصانيف ، وتأليفًا على تآليف ، وتفعيلًا على تفاعيل ، وتقسيمًا على تقاسيم ، وتعبيرًا على تعابير ، وتصريفًا على تصاريف ، وتفسيرًا على تفاسير . شاع ذلك في مؤلفات الأئمة شيوعًا متعالمًا، كما هو الحال في كلام ابن جني في خصائصه ، والقاضي الجرجاني في وساطته ، والخفاجي في سر الفصاحة ، والزمخشري في أساسه))[دراسات في النحو للزعبلاوي:141-142].
   ويبدو أن السماع هو المعتمد في جمع المصادر ما عدا المختوم بالتاء ، فيطَّرد جمعُه جمعَ مؤنثٍ سالمًا نحو جمع استدارةٍ وتحيَّةٍ وتسبيحةٍ على استداراتٍ وتحيَّاتٍ وتسبيحاتٍ ، وذهب بعضُهم(1) إلى أن المصدر المزيد على ثلاثة أحرف غير المؤكد لفعله يطَّرد جمعُه بالألف والتاء الزائدتينِ(جمع المؤنث السالم)؛مثل جمع إنعامٍ وتنبيهٍ وانتصارٍ واستنتاجٍ على إنعامات وتنبيهات وانتصارات واستنتاجات ، وما جُمِع من المصادرِ المجاوزِ فعلُها ثلاثةَ أحرفٍ جمعًا مُكسَّرًا فمحمولٌ على السماع في غالب أمره ، ولعلَّ اطِّرادَهم في جمعه بالألف والتاء إبقاءٌ لأصل مفرده في هيئته الأصلية من غير تغيير ،فلم يَنزح المصدر عن بابه انزياحًا تامًّا.
   وأما ما أشار إليه الرضي[شرح الكافية2/187]في جمع المصدر المجرد من التاء (إكرامٍ وتخريجٍ) على (أكاريمَ وتخاريجَ) ، وجمع المختوم بالتاء (إكرامةٍ وتخريجةٍ) على (إكرامات وتخريجات) ، وما قد يترتَّب على قول الرضي من جواز حمل (تغايير) على (تخاريج) ؛ ففيه نظرٌ بيانُه في الآتي:
1- التباسُ الجمع (تخاريج) الذي مفردُه (استخراج) في مذهب النحويين(2)، بالجمع (تخاريج) الذي مفردُه (تخريج) في مذهب الرضي ؛ يزاد على ذلك أنه لم يرد في المعجمات (تخاريج) جمعًا للمصدر تخريج .
2- انعدام استعمال الجمع (تغايير) في المعجمات اللغوية وفي استعمالات اللغويين والنحويين والمفسرين دلالةٌ على عدم تسويغ استعماله،وانعدام استعماله مماثلٌ لانعدام جمع تنبيهٍ على تنابيهَ ، وتوجيهٍ على تواجيهَ ، والمستعمل في الجمع تنبيهاتٌ وتوجيهاتٌ ؛ وعلى وفق ذلك يُحمَل (تغييرات) جمعًا لـ(تغيير) ، وقد ندر استعمال الجمع المكسر (تغايير) عند بعضهم؛ نحو ابن جني(سر صناعة الإعراب2/472)، وابن سيده(المخصص4/210)، وابن عطية(المحرر الوجيز4/213)، والشاطبي(المقاصد الشافية7/432).
3- حمْلُ (تغايير) على (تخاريج) قياس نظري لا يستقيم سماعًا البتَّةَ ؛ لأن فيه حمْل جمع مهجور الاستعمال(تغايير) على جمع آخر معدوم الاستعمال(تخاريج) ، فهو قياس مجهول على مجهول ، ولا يُعترَض بأنه قد سُمِع في جمع تفعيل تفاعيل فيُحمَل على المسموع ؛ لأن المعترِض سيُعترَض عليه كذلك بأنه قد سُمِع في جمع تفعيل تفعيلات ، وتكون الحجة الداحضة للمعترِض الأخير هي أن المسموع في الجمع تغييرات لا تغايير ، فيُحمَل هذا المسموع جمعًا إما للمصدر الصريح المزيد(تغيير)عند إرادة اختلاف الأنواع والأضرُب ، وإما لمصدر المرة (تغييرة) جمعًا قياسيًّا .
    وقد جمع اللغويون المصادر المزيدة عند اختلاف الأنواع جمعًا سالمًا على ما اطَّرد في هذا الباب سواءً أَلِلمرَّةِ  كان المصدرُ أم لِغيرِه ، ويجمعون المجرد من التاء جمعًا مكسَّرًا حملًا على المسموعِ منه المشيعِ استعمالُه مُكسَّرًا ، وعلى وفق ذلك درجوا في استعمالاتهم ؛ من ذلك جمْعُ ابنِ الوراق تغييرًا على تغييرات مما يفهم من سياق قوله : (( فإن قال قائل فلم صار التغيير بالاسم أولى من الفعل قيل له إن الاسم يلحقه في آخره علامة الإضافة والنسبة ويدخله التصغير والجمع المكسر والترخيم مع الإعراب فصارت تغييرات تلحق الاسم دون الفعل فلما احتاجوا إلى تغيير أحدهما كان التغيير لما يلزمه التغيير في كثير من أحواله ألزم وأولى مما لا يلزمه التغيير )).[علل النحو177]، وكذا فعل السيرافي ؛ إذ قال : ((تحركت السين وسقطت ألف الوصل فهذا تغيير ، وانقلبت الواو ألفا ، فهذا تغيير ثانٍ ، وسكنت الدال الأولى وكانت متحركة، فأدغمت في الدال الثانية ؛ فهذه تغييرات كثيرة مجحفة)).[شرح السيرافي5/247،دار الكتب العلمية]، وقد أنَّثَ العدد تأكيدًا على جمعه تغييرًا على تغييرات ، فقال : ((يجتمع في سادَّ وباضَّ ثلاثة تغييرات)).[شرح السيرافي5/237،دار الكتب العلمية]، وجمع ابنُ جني تنزيلًا على تنزيلاتٍ فيما استُنبِطَ من كلامه . جاء في معجم المحكم والمحيط الأعظم[9/45(نزل)]: (( وقولُ ابنِ جِنِّي:"المُضافُ والمُضافُ إليه عِندَهم ، وفي كَثيرٍ من تَنْزِيلاتِهم، كالاسم الواحِدِ" ؛ إنَّمَا جَمَعَ تَنْزِيلاً هُنا لأَنّه أرادَ أن المُضافَ وما أُضِيفَ إليه يُنَزَّلانِ في وُجوهٍ كَثيرةٍ مَنْزِلَةَ الاسِم الواحِدِ ، فَكَنَّى بالتَّنْزِيلاَتِ عن الوجوهِ المُختَلِفَةِ ، ألا تَرى أَنَّ المَصْدَرَ لا وَجْهَ لجَمْعِه إلَّا تَشَعُّبُ الأَنواعِ وكَثرتُها )) . وقال الزمخشري : ((وقع فيها تغيير من تغييرات النسب )).[الفائق في غريب الحديث:1/55] ولم يقل : تغيير من التغايير! . وسار على ذلك الشاطبي فأنَّث العدد مع المعدود(تغييرات) وجمع التغيير على التغييرات في سياقٍ واحدٍ ، فقال : ((في سادَّ ثلاثة تغييرات بخلاف رادَّ، لأن أصله الأول: اِسْوَدَدَ، فألقينا حركة الواو على السين، فسقطت همزة الوصل، فهذا تغير. وانقلبت أيضا الواو ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها في اللفظ، فهذا تغيير ثان. وسكنت الدال فأدغمت فهذه تغييرات كثيرة مجحفة بالكلمة))[المقاصد الشافية9/293]، ونحوه ما جاء في (عون المعبود2/131): (( غُيِّرت الصلاةُ ثلاثةَ تغييراتٍ))،وكذا في تفسير العز بن عبد السلام[1/411، 414](ثلاثة تأويلات/أربعة تأويلات)، ومثله(ثلاثة تقديرات)[أحكام القرآن لابن العربي1/245]، وجمع الفيومي في المصباح المنير في سياق حديثه في الجذر اللغوي (رهب) إفسادًا على إفسادات في سياق واحد، وقال الشيخ مصطفى الغلاييني: ((ويحدث بالنسب ثلاثة تغييرات))[جامع الدروس العربية214] . وممن أنَّث العدد مع المعدود(تغييرات)حملًا على مصدره المزيد المجرد من التاء(تغيير) ، السمينُ الحلبيُّ(الدر المصون1/377)وابنُ عادلٍ الحنبلي(اللباب في علوم الكتاب1/463)، فجاء في تفسيرهما : ((فيها خمسةُ تغييراتٍ)) . وذهب غيرُهم في سياقات أخرى إلى تذكير العدد مع المعدود(تغييرات)حملًا على واحده مصدرِ المرَّة(تغييرة) ؛ من هؤلاء أبو بكر بن الأنباري ، إذ قال : (( وفي بيت ذي الرمة ثلاثُ تأويلاتٍ)) .[الزاهر في معاني كلمات الناس2/376] على أن تأويلاتٍ جمعُ تأويلةٍ . ومما يدلُّ على اختلاف نظرتهم في حمل المجموع الذي وزنه(تفعيلات)على تفعيلٍ تارةً وعلى تفعيلةٍ تارةً أخرى ، وينتج من ذلك اختلافهم في تذكير العدد وتأنيثه بحسب نظرتهم إلى المفرد ، أقول: مما يدل على ذلك هو أن البغدادي أنّث العدد مع المعدود تأويلات حملًا على (تأويلٍ) لا على (تأويلةٍ) خلافًا للمحمول عند ابن الأنباري ، فقال : ((وقد أُوِّل بثلاثة تأويلاتٍ))[خزانة الأدب11/215].
   وممن ذكَّر العدد مع المعدود(تغييرات) حملًا على مفرده المختوم بالتاء(تغييرة)، أبو حيان الأندلسي قائلًا في باب النسب : (( يحدث بيائه ثلاث تغييرات )).[الارتشاف2/599،وينظر الهمع3/393]، وابنُ الجزري(النهاية في غريب الحديث1/463) وابنُ منظور(لسان العرب"نزل")؛ إذ قالا : (( وفي حديث ابن أبي ليلى: أُحيلت الصلاة ثلاثةَ أحوالٍ؛ أي غُيِّرت ثلاثَ تغييراتٍ أو حُوِّلت ثلاثَ تحويلاتٍ )). وكذا قال العكبري في سياق تصريف خطايا : (( خَطَايَا فَعَالَى ، فَفِيهَا عَلَى هَذَا خَمْسُ تَغْيِيرَاتٍ )).[التبيان1/66،وينطر:حاشية الشهاب2/164].
   فالأمر سيَّانِ في الجمع السالم لمصدر المرة والمصدر الصريح مع اختلاف مفردهما، ولا لَبْسَ في ذلك ؛ لأن السياقَ ومقصودَ المتكلمِ هو الفيصلُ في مدلول المفرد ، وفي العربية من أمثلة ذلك نماذجُ متعددةٌ في توجيه البنية بما يتناسب مع مقام الكلام ؛ من ذلك مجيءُ اللفظِ ( مختار) على صيغٍ مختلفةٍ باختلاف سياق ورودها في الكلام .



(1) ينظر : جامع الدروس العربية:178، والصرف الوافي:148، والمعجم المفصل في الجموع:15،والصرف وعلم الأصوات:76 .
(2) ينظر:شرح ابن الناظم558،وارتشاف الضرب (تح رجب عثمان)1/459،وتمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد لناظر الجيش9/4821،وحاشية الصبان4/209 .