التحرير
في بيان جمع التغيير
سعيد بن عبدالخالق
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما
بعد :
فقد
جرى خلافٌ بين أساتذةٍ كرامٍ في مفرد ( تغييرات) ، فذهب الدكتور عبدالرزاق الصاعدي
إلى أنه اسم المرّة ( تغييرة )، وقرر ذلك في مقاله ( الرضي يحسم النزاع في مسألة
ست تغييرات )، وذهب الدكتور أبو أوس الشمسان والدكتور سليمان العيوني إلى جواز
كونه مصدرًا مجردا ( تغيير) جوازًا راجحًا، وجوازِ كونه اسم مرّة ( تغييرة )
جوازًا مرجوحًا .
ويظهر
أثر هذا الخلاف في إضافة العدد إلى ( تغييرات) ، اعتبارًا بالمفرد - على مذهب
الجمهور - في المخالفة بين العدد والمعدود
، فمن جعله ( تغييرة ) قال : ( ثلاث تغييرات) بتذكير العدد ليس غيرُ ، ومن جوّز
فيه ( تغيير و تغييرة ) قال :(ثلاثة تغييرات أو ثلاث تغييرات) باعتبار مراد
المتكلم .
وتحقيق
المسألة أنّ لفظةَ ( تغيير ) مصدرٌ، والأصل في المصادر أنها لا تُجمع؛ لأنها تدل
على الجنس، والجنس واحدٌ يشمل القليل والكثير ، فلا ثانيَ له ليُضمّ إليه، فإذا
أُريد بالمصدر أنواعٌ مختلفةٌ جاز تثنيتُه وجمعُه ، وذلك أنه إذا قُصد به نوعٌ
معيّن فقد خرج عن دلالة الجنس إلى دلالة النوع، فينزَّل حينئذ منزلة الأسماء من
جهة صحة التثنية والجمع، وعلى هذا فيكون (تغييرٌ ) من الأسماء الخماسية التي زِيد
قبل آخرها حرفُ مدّ، والعرب تجمع الاسمَ الخماسيَّ المزيدَ قبل آخره حرفُ مدٍّ
على ( مفاعيل ) وما يماثله في العِدّة والهيئة وإن خالفه في الوزن ، فتقول :
قناديل ومناديل ومساكين وعصافير وقراطيس وتماثيل ، في جمع : قنديل ومنديل ومسكين
وعصفور وقرطاس وتمثال .
وعليه
فيُجمع ( تغييرٌ ) إذا صار اسمًا على تغايير قياسًا ، وما قيس على كلام العرب فهو
من كلام العرب .
ولا
يجوز أن يُجمع على ( تغييرات ) ؛ لأنه غير داخل في الأنواع التي تُجمع بالألف
والتاء ، ولا يصح قياسه على ما شذّ منها مِما مفردُه مذكّرٌ - على القول
بقياسيّتها - لانتفاء العلّة التي من أجلها جُمعت بالألف والتاء ، وهي كونها لم
تُكسّر على جمعٍ من جموع التكسير .
والذي
يُجمع على (تغييرات ) المصدرُ الدال على الوحدة وهو ( تغييرة ) ، وجمعه بالألف
والتاء جمعٌ قياسي لا إشكال فيه .
فالخلاصةُ
أن عندنا جمعَينِ ، جمعًا للمصدر العدديّ وهو ( تغييرات ) ، وجمعًا للمصدر النوعيّ
وهو ( تغايير ) ، فمن أراد تعديد المرّات أتى بالأول ، ومن أراد بيان اختلاف
الأنواع أتى بالثاني ، وقد أشار ابن الدهّان في شرح اللمع إلى هذا الفرق فقال (١٧٧/١ تحقيق د. فريد
الزامل ) :
"والأَولى إذا أردتَ تثنيتَه وجمعَه أن تقولَ : ضربتُه نوعين من أنواع الضرب
وأنواعًا منه .
فإن قيل : قد أجزتَ جمعَه فقلتَ : ضربةٌ
وضَرَباتٌ ، ولم يفتقر إلى شريطة ، وقد حكمتَ بأنه لا بُد في قولك : ضربتُ
ضربين [ في المطبوع (ضربتين) وهو تحريفٌ
ظاهرٌ وصوابه في المخطوط ] من اختلاف النوع
حتّى يُثنّى ويُجمع .
فالجواب
: أنّ هذا ليس كالأوّل ، وأنّ هذا لِعَددِ المرّات ، ولهذا المعنى جئتَ بتاء
التأنيث ، لِتُثبتَ عِدَّة فِعلك ، كما تقول : تمرة وتمرتان وتمَرات ، ولا تقول :
تمور إلّا إذا اختلفت أنواعُه".
وقد
كثُر في كلام النحاة الجمعُ العدديُّ (
تغييراتٌ ) ؛ من قِبَل أنّهم يقصدون بيانَ العدد ولو اختلفت الأنواع ؛ إذ يلزم من اختلاف الأنواع تعدّدُ المرّات ،
فيقولون : في هذه الكلمةِ ثلاثُ تغييراتٍ ، يقصدون بيانَ عددِ التغييرات التي تلحق
الكلمة ، وأما إذا نظروا إلى اختلاف الأنواع فإنهم يجمعونه على تغايير كما جاء في
كلام بعضهم .
والذي
يدفعني أن أحملَ كلام النحاة على قصد اعتبار العدد أمران :
١-
دلالة الجمع بالألف والتاء؛ إذ هي دالّةٌ على الجمع العدديّ كما مرّ، والأصل
مطابقة المعنى للفظ .
٢-
تذكير العدد مع هذا الجمع في كلام أكثرهم ، فيقولون : ثلاث تغييرات ، مما يدل على
أنه جمعٌ لاسم المرّة ( تغييرة ) .
وليس
في عدم استعمال اسم المرّة دليلٌ على أنّ
مفرد تغييرات هو المصدر المجرّد، لأن (تغييرة) ثابت بالنظائر وإن لم يُستعمل كــ(
تكبيرة) و( تسليمة ) و(ترويحة ) و(تسبيحة ) .
وأمّا
ماورد في كتب بعضهم من تأنيث العدد نحو : ثلاثة تغييرات ، فلا ينبغي - في تقديري -
أن يُعارض به الأصل السابق ، وإنما يُخرّج
ما ورد من ذلك على أحد أمرين :
١- تحريفٌ من الناسخ ، خالفتُه النسخ الأخرى ،
وقد ثبت هذا في شرحَيْ السيرافي والشاطبي .
٢-
توهّمٌ من العالِم نفسِه ، فظنّ أنّ المفرد مذكّرٌ ، وتبعه آخرون ممن نقلوا كلامه، كما في شرح المرادي للألفية في أول باب
النسب ، ونقله الأزهريُّ في التصريح بنصّه ، وربما يكون تحريفًا ؛ لأن كثيرًا ممن
نقلوا كلام المرادي كالأشموني والسيوطي والخضري أوردوه على الأصل بتذكير العدد .
والتوهّمُ
في مثل هذا الموضع واردٌ غير مستبعد .
وهذا
التخريج أحسنُ عندي من القول بأن تغييراتٍ جمعٌ لتغييرٍ ؛ لما في هذا القول من مخالفةٍ لاستعمال العرب
في الجمع دون سماعٍ معتبرٍ أو قياس صحيح ، و لما يُفضي إليه من اللبس بين الجمع
العددي والجمع النوعي .
ولو
جُوّز جمعُ تغييرٍ على تغييراتٍ لكان جوازًا على ضعفٍ ، لمخالفته للقياس الصحيح
والاستعمال الشائع .
وعلى
هذا فالصوابُ في هذه المسألة - في رأيي - ما ذهب إليه الدكتور عبدالرزاق، والله
أعلم. وأسأل
الله أن يوفّق الأساتذةَ الأفاضلَ لما يحب ويرضى وأن يجزيهم خيرا لما يقدمونه من
جهود مباركة لطلاب العلم .
كتبه/
سعيد بن عبدالخالق