انحرافاتٌ صوتية بسبب الرسم
روى صاحبا الجمهرة والصاحبي لشاعر من تميم قوله:
ولا أكُولُ لِكدرِ الكوم قَدْ نَضُجَتْ
ولا أكولُ لبابِ الدَّارِ مَكْفولُ
وكثير
ممن قرأ هذا البيت قرأه بالكاف الخالصة، وبعض هؤلاء من أصحاب التخصص، ولو طلبت من
طلاب كلية اللغة العربية أن يقرؤوه لقرؤوه بالكاف الخالصة. والعلة
فيه أن محققَي الجمهرة والصاحبي لم يضعا شرطة الكاف الفارسية فوق الكاف، فالتبست
بالكاف الخالصة، فتقرأ بالكاف، إلا من ندر، ومن
هنا نشأ الانحراف الصوتي في القيف، فتحولت في بعض نواحي العراق والشام - وهم أكثر من يكتب
القيف بكاف فارسية - إلى كاف خالصة، فرأينا أسماء مثل: مطلك والصكر والمنتفك، وكثير منهم ينطقها بكاف خالصة، وبعض العراقيين ينطقها بالقيف، وأصلها: مطلق والصقر والمنتفق، بصوت القيف، ونسمعهم
في وسائل الإعلام ونشرات الأخبار يرددون اسم: صالح المطلك (ينطقونها بكاف خالصة
ولهم عذرهم) واليوم
سألتُ عراقيا عنها فقال: منا في العراق من ينطقها بالكاف ومنا من ينطقها بحرف بين
القاف والكاف (يقصد القيف).
قلت: وفي
هذا عندنا دليل على أن من نطقها بالكاف تأثّر بالرسم الذي ألفته أعينهم جيلا بعد جيل، عبر مئات السنين، ومن حافظ على
القيف قاومت لهجته الرسم، ويؤكد هذا أن بعضنا يَهِمُ ويخطئ في نطق العدد (مِائة) بسبب
الرسم فينطقها على وزن: ساعة، وبعضنا حافظ على الأصل وقاوم الرسم، وكذلك في (عمرو)
عند أشقّائنا المصريين، وكثير منهم يَهِمُ في نطقها، وبعضهم يعرف أصلها فينطقها على وجهها
الصحيح.
ولذا أرى أن رسم القيف بكاف فارسية تسبب في انحراف صوتي، ومن أقدم ما وصل
إلنا منه بيت التميمي في الجمهرة والصاحبي.
هذه إلماحة والموضوع واسع ويمكن أن يُكتب في بحثا بعنوان: جناية الكاف الفارسية على اللغة العربية: الأسماء العراقية أنموذجا
وتتمه لهذا، وجدت قولا ذا صلة بموضوعنا هذا، وهو قول محمد هيثم الخياط عضو مجمع القاهرة المراسل من سوريا، قال: ((وقالوا "قحّ" لأنه
كما يوجد من العامة من يقلب القاف همزة ، يوجد منهم من يقلب الهمزة قافًا أحيانًا،
ثم بعد أن صارت "قح" تلفَّظ بها البدو بالقاف المعقودة وهي بين القاف
والكاف، ثم صارت هذه بالتدريج كافًا فقالوا "كَحّ")) مجلة
مجمع القاهرة العدد 89 ص 132
ولو تتبعنا مثل هذا والتحول هنا سببه صوتي وكتابي أيضا، لأنهم قد يكتبون قحّ (المنطوقة بصوت القيف): گحّ؛ أو كحّ بكاف خالصة، فيؤثر الرسم والصوت معا، فينحرف الصوت من القيف إلى الكاف كما انحرف في مطلق (بالقيف) فتحوّل إلى مطلك.
عبدالرزاق بن فراج الصاعدي
13 رجب 1435هـ